وحدة الأمة: من المعطى المفقود إلى المطلب المنشود

وحدة الأمة: من المعطى المفقود إلى المطلب المنشود

 

وحدة الأمة: من المعطى المفقود إلى المطلب المنشود

 

أدريس مقبول

أستاذ جامعي المغرب

 

يعتقد كثيرون أن وحدة الأمة معطى سهل لا يحتاج إلى اجتهاد لبلورته أو تأسيسه،وذلك بالنظر إلى ما يتراءى من جوامع ونواظم مشتركة من قبيل التاريخ والدين واللغة والمصالح المشتركة، والحق أن هذه المعطيات وإن كانت نظريا لا تحتاج إلى استدلال أو برهان على موجوديتها، لقيامها الموضوعي في البنية الذهنية للشعوب الإسلامية، إلا أن عوادي التناول الذاتي للقرارات الواقعية أو التأويل الضيق لانكسارات التاريخ، يعطل من فاعلية المعطيات فتغدو مضمرة ومفقودة تحتاج للمجهود المشترك من أجل تفعيلها ، والخروج من جحور المُنازَعة إلى فضاءات الجماعة كما يدعو إليها القرآن الكريم"ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"[1].

وإذا كانت طبيعة الاجتماع الإنساني لا تخلو من لوازم الاختلاف الذي تمليه طبائع العقول وما تبنته كل فرقة من أصول، فإن مطلب الوحدة يستلزم التفكير الإيجابي في تحقيق مقصد العمران على أرضية الائتلاف الخيري مصداقا لقول الباري سبحانه"وتعاونوا على البر والتقوى"[2] ، وإلا فإن النتيجة الطبيعية ستكون هي الانحطاط إلى التهارج والتنزي على أرضية الاختلاف الشري الذي حذر منه القرآن الكريم حين قال "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"[3].

وإذا كان مطلب التعاون في أجندة الأمة يمكنه أن يكون بداية الطريق ونهايته، باعتبار الوحدة تحتاج للتعاون لبنائها، كما تحتاج التعاون لتقويتها، فإن التعاون يأتي بالضرورة ناتجا عن مبدأ التعارف الذي لا تتنازل جماعة عن الأخذ به إذا هي أرادت استمراريتها وبقاءها في زمن التكتلات والأحلاف. فالتعارف سابق على التعاون ومعين عليه، وهو في الوقت ذاته سَادٌّ لأبواب من سوء التفاهم التي يكون منشؤها ما يصنعه كل فريق عن الآخر من صور متخيلة.

وكما تتوقف وحدة الأمة على مبدأ التعارف الحقيقي بين أبنائها ومكوناتها ، تعارفا مباشرا وصادقا لمستقبل الإسلام القادم بعيدا عن المهاترات والأوهام التي تسكن عقول الضعاف فتزيد قابلياتهم للتواصل ضعفا، يحتاج التعارف بين مكونات الأمة إلى تقديم ما ينفعها في قابل أيامها على ما يحجزها عن أداء مهمتها في إمامة الأمم.

وليس تعامل المسلم مع أخيه المسلم كما يقول الدكتور طه عبد الرحمن "مجرد تحصيل خدمات منه أو توصيلها إليه-أي مطلق تعاون- وإنما جلب صلاح إليه أو استجلابه منه ودفع فساد عنه أو استدفاعه به، ذلك لأن التعامل بين المسلمين يبتغي الارتقاء إلى رتبة الأمة، وهذه الرتبة لا تدرك إلا بالعمل التعارفي، أي بتعاون الأشخاص داخل الأمة على المعروف"[4].

ولا نصير إلى حالة التعاون بين عناصر الأمة ومفرداتها وهو المجهود المطلبي الأسمى باعتباره عبادة إلا بقدر كبير من توفير آليات الصبر، التي تتجسد في القدرة على تنزيل الذات منزلة الآخر، وتوسيع دائرة المشترك من طريق تنميته المستدامة، وتضييق دائرة المختلف بشأنه من طريق إضعاف أسبابه وقطع أوردته.

ليس من شك في أن المجتمع الإسلامي الأول لم يقم بنيانه على خلايا الجنس أو العرق أو اللون أو القبيلة أو الولاء للحاكم أو التراب، ولا على التمايز بين الذكر والأنثى وتقسيم الطبقات بين حر وعبد وسيد ومسود وشريف ووضيع، ولا على التفاخر بالأنساب والأولاد والثروة، بل جمع التصور الإسلامي للمجتمع العالمي البشر على وحدة المواطنة الإنسانية[5]. كما جمع المؤمنين داخله على مبدأ خدمة بعضهم لبعض، فالأمة الإسلامية أمة متكافلة ومتناصرة ضد الظلم، وهي أمة يسودها التضامن ، ويأخذ فيها الغني بيد الفقير، والقوي بيد الضعيف، وتتكفل فيها الدولة بتوفير العيش الكريم للمحتاجين وتضمن لهم ما يكفل لهم القوت ومواجهة المرض والآفات والعجز، ذلك لأنه مجتمع يقوم على رابطة الأخوة البشرية في أوسع نطاقها تتضامن فيه أمة الإسلام تضامنا يجعلها كما جاء في الحديث:"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"[6]، وجاء في القرآن:"إنما المؤمنون إخوة"[7]، فهم لا يكونون على وصف أشرف من الأخوة ولا أنفع منه، وذلك بسبب مبدأ تآخيهم في التوجه لمعبود واحد جل جلاله، وتآخيهم فيما يقتضيه التوجه التوحيدي من واجب النصرة والمؤازرة والموالاة والسعي فيما يكون به قيامهم جميعا قياما شهوديا امتثالا للأمر الإلهي "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"[8]. فالدعوة صريحة للخروج من الطائفة أو الطوائف الممزقة مزعا والتيارات المتفرقة شذر مذر لتشكيل كيان الأمة الذي تتساند فيه المكونات لتفعيل واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتعاضد الكل لتنمية الأساس النفسي الإيماني الدافع لكل خير والمانع من كل شر، وذلكم هو الطريق إلى الفلاح بمعناه القرآني الذي يجمع بين بعده المادي وبعده المعنوي الروحي المتجسد في حالة الاطمئنان والرضا والسعادة.

إن مفهوم الأمة كما ورد في القرآن الكريم يذهب بعيدا في تأكيد الوحدة المؤسسة على طاعة الله وحده والعبودية له دون سواه، حيث تسقط كل المعبودات دونه، يقول تعالى:"إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون"[9]، ويقول تعالى أيضا"وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون"[10].والمراد هنا هو أمة الأنبياء ، أمة الإيمان بالله تقابلها الأمم والشعوب الكافرة بالله الرافضة لمنهج الله في العبادة والطاعة والامتثال لأوامره.

وبنهاية سلسلة الأنبياء والرسل بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم برز الحديث عن وحدة"الأمة الإسلامية" التي تشمل كل المؤمنين بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا وبالقرآن الكريم وحيا وهداية[11].

إن ما عدا هذه العناصر في الخريطة المعرفية والعقدية للمسلمين ينبغي أن لا يكون لها تأثير في مسعى"وحدة الأمة"، ذلك أن الإصرار على تعظيم بعض التفاصيل المذهبية والطائفية على حساب المبادئ الجامعة سوء تقدير لمقصد الجمع والتوحيد وذهاب صريح وسريع إلى أنفاق الظلام والخوف والكراهية، ولا أضر بالأمة من الانجرار إلى هذه الأتون الضيقة المنتنة، ففيها تنشأ أشواك التطرف وفيها تجد ضواري الحقد ماءها ومرعاها فتتغول وتخرج على جمهور الأمة بخطابات التفريق والتمزيق وإذكاء روح التقاتل التي تقطع كل سبب للتواصل. لأن التطرف من طبيعته الابتعاد عن الوسط.

ولعله من أهم مواصفات مفهوم الأمة ومطالبها في القرآن الكريم أنها وسط، يقول تعالى"وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا"[12]، والوسطية من هذا الجانب ميزة الأمة المحمدية التي بها يكون شهودها على العالمين، وهي على معان كما ذهبت الدكتورة منى أبو الفضل:

-أولا : من حيث كونها محور جذب واستقطاب لكل المسلمين في العالم ، ومن ثم فهي مصدر للتوازن والانسجام بين الجماعات البشرية.

-ثانيا:من حيث الاعتدال في المزاج واجتناب الإفراط والتفريط.

-ثالثا: من حيث موازين القيم والأنظمة التي تقوم عليها الفردية والجماعية[13].

وهذه المعاني كلها مجتمعة وغيرها كثير مما لم يذكر يستوجب الحرص على العمل المشترك.

والأمر لعمل الأمة الوحدوي والتشاركي أمر مستبطن ومقتضى من آيات الوحدة، لأن عظم المهمات وجسامة المسؤوليات التغييرية لواقع الظلم والباطل في الأرض لا يقوم به وله الأفراد على توزع إراداتهم واختلاف قابلياتهم ، بل لابد من نظام ناسق ومتناسق لهذه العملية الحيوية لبقاء أمة الإسلام واستمراريتها.

والحرص على الحركة الجماعية للأمة حرص على الفاعلية الواعية والإنجاز البناء والوظيفي؛لأن خلايا المجتمع المسلم آنئذ يجري بينها وفيها كيمياء روحية خاصة بسبب معطى الاجتماع والتوحد، فالعناصر الأولية إذا اجتمعت فقدت بالتربية الجماعية خصائصها الفردية السلبية من أنانية وحرص وضيق أفق وقطرية أو مذهبية أو طائفية حابسة، وتحلت في المقابل بخصائص المجموع الإيجابية من تعاون وإيثار واتساع رؤية وأفق.

ولا ينبغي أن ينتج عن الاجتماع والوحدة تعطيل ملكات النقد في حركة الأمة الجماعية،فإنه ما غاب النقد إلا وغاب تقدير المآلات والمصالح بسقوط ملكة العقل، والشرع حين نبه على واجبية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتبارهما أسمى الوظائف المجتمعية للأمة، فقد استلزم الخطاب ابتداء الوظيفة من حيث موقع الفاعلين أنفسهم ممارسة للنقد الذاتي المستمر قبل نقد الآخرين وتقويمهم، وهذا أسلم مسلك لتفادي أعطاب الطريق من التقديس والتأليه والتعصيم لأفعال وإنجازات البشر المكلفين القائمين على مناصب رعاية حقوق الأمة وقيادتها.

إن وحدة الأمة لا يضرها النقد الذي ألمعنا إليه ولا يؤثر فيها بالسلب مادامت النية صادقة وخالصة، والتوجيه يأتي وفق النصيحة بآدابها وشروطها المعتبرة القاصدة للتصحيح والتنقيح لا مجرد الهدم والتجريح"فالدين النصيحة"[14].وهي لا تتوقف على العوض أو حظ عاجل وإلا توقفت كما قال الشاطبي على اختيار الناصح والمنصوح ، وذلك يؤدي إلى أن لا يكون طلبها جازما[15].

وعلى قدر ما يبذل في مسألة التقويم من جهد يؤتي العمل الجماعي والوحدوي والتكاملي للأمة أكله وثماره، حتى إذا عرض عارض مما يصيب المجتمعات بالعطب والعطل، وَجَدْتَ الأمة على ما فيها من مناعة تتعافى بسرعة وتتماثل للشفاء لأن التداعي المنصوص عليه في الحديث معناه التجاوب التلقائي والفوري لمتطلبات الإصابة.قال الشاطبي:" إذ لا يكون شد المؤمن للمؤمن على التمام إلا بهذا المعنى وأسبابه وكذلك لا يكونون كالجسد الواحد إلا إذا كان النفع واردا عليهم على السواء كل أحد بما يليق به، كما أن كل عضو من الجسد يأخذ من الغذاء بمقداره قسمة عدل، لا يزيد ولا ينقص، فلو أخذ بعض الأعضاء أكثر مما يحتاج إليه أو أقل لخرج عن اعتداله، وأصل هذا من الكتاب ما وصف الله به المؤمنين من أن بعضهم أولياء بعض وما أمروا به من اجتماع الكلمة والأخوة وترك الفرقة وهو كثير إذ لا يستقيم ذلك إلا بهذه الأشياء وأشباهها مما يرجع إليها"[16].

فإذا تفحصنا الواقع، ألفينا أن الأمة الإسلامية تجتاز اليوم "مرحلة عصيبة ومحنة حقيقية، فأرضها مستباحة، وخيراتها منهوبة، وكرامتها مدوسة، وقرارها بيد غيرها لا بيدها، تكاثرت عليها الأرزاء، وتزاحمت عليها سهام الأعداء، وأنهكتها الأزمات، لا تكاد تخرج من واحدة حتى تحل بساحتها أخرى ثانية وثالثة بل العشرات"[17]، وهي اللحظة التاريخية التي تحتاج إلى استجماع قواها ولَمِّ شعثها لمواجهة مستقبلها الذي تمالأت كيانات صهيونية على تنحيتها عنه وإزاحتها من قيادة مسرحه بما تخططه من شرق أوسط جديد تحتل فيه الدولة اليهودية الغاصبة دور المحور ، ويدور فيه الباقون في فلكها ،وخرائط الطريق التي تمهد المشهد العالمي لسيطرة أمريكا ومخلبها المغروس في أرض فلسطين حتى لا يكون للأمة فرصة اجتماع كلمتها وتقرير مصيرها ومصير العالم الذي تعتبر شريكا مساهما في صناعته.

نحتاج من أجل الرجوع لإمامة الأمة أن نقفز على جراح الخلافات العقيمة مصداقا لقول الحق سبحانه:"ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"[18]،فإن المنازعة طريق سالكة للفشل والضعف، كما نحتاج أن نبني نفوسا موقنة في موعود الله بالتمكين للمؤمنين جميعا في الأرض إن هم تحققوا بالشروط القرآنية في النهضة والقومة كما ينص عليها الكتاب العزيز"وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا" [19]، فإن أكثر معاول الهدم تأتي الأمة من النفوس المنهزمة أمام جبروت الاستكبار العالمي والمنبطحة أمام الهيمنة الغربية على العقول الضعيفة التي لا تلقي بالا لقيمة الإنسان الذي يستطيع أن يصنع الخوارق إن هو استعاد إرادته واستعاد قراره وتخلص من التبعية وكسر طوق الإلحاق[20].

إن وحدة الأمة بات اليوم مطلبا من أولى الأولويات،بل هو في كل وقت كذلك، وهو بمنطق المقاصد والأصول مقدم على ما سواه من الواجبات لأنه يقع في مقام الوسائل لغيره من الغايات، ولأنه يأتي من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب[21]، إذ كيف يتصور اليوم تحرير المسجد الأقصى وفلسطين –على سبيل المثال- في غياب مفهوم الأمة، فتحريرها يقع على مسؤولية كافة أهل البلد فإن لم يستطيعوا فعلى من بجوارهم فإن لم يستطيعوا فعلى الجميع تقع المسؤولية لا تخلو منها ذمة واحد منهم أمام الله تعالى.

فمفهوم وحدة الأمة مفهوم لا تملك أن تفك عنه إطار المسؤولية المشتركة لكل من ينتمون إليه في كل ما يخصها، ولا تبرأ ذمة أحد من المسلمين حتى تكتفي الأمة جميعها من جميع حاجياتها وتنقطع عنها جميع مضارها ومخاطرها.

يقول الأستاذ عبد السلام ياسين:" إن جمع كلمة الأمة وائتلاف قلوبها ، وتقريب آرائها، لشروط ضرورية لإقامة الملة وتقوية الدولة. فلا تقل ضرورة ذلك عن ضرورة تقريب الفجوات فيما يتعلق بقسمة الأرزاق. وكما يجب على دولة القرآن أن تدمج فئات المجتمع دمجا إقتصاديا بتسوية فرص العمل والكسب، وبإنصاف العامل الأجير، وبإعطاء المالك مكانته في المجتمع الإسلامي بلا شطط، فكذلك يجب المج المذهبي والتعايش السلمي بين الآراء والتفاهم والتعاون ليتحد الناس ماديا ومعنويا. وليس المخربون الاقتصاديون بأحق بإنكارنا من المخربين المتنطعين في الدين"[22]

وإن الإنسان ليعجب من فقه بئيس باطل بات اليوم يستشري بين المسلمين تقوم الأحكام الجائرة المأجورة فيه على تغييب حقوق الأمة، فيفتى بجواز حصار شعب مسلم في غزة بجدار فولاذي لقتله ببطء تحت دعوى حماية الحدود وسيادة الدولة على أراضيها.

فأي سيادة على الأرض، حين تكون أرض لجوار مسلم مستباحة،فإن احتلال شبر من أرض المسلمين يخرج أرض الأمة في المجموع عن صفة الاستقلال، وأي معنى للسيادة المزعومة الملغومة إذا ما عورضت بحصار إنسان مسلم لمنعه من الطعام والشراب حتى يموت، أين هو فقه الموازنات لمصالح الأمة، وأين هو الفقه الجامع المتخلص من سلطان الجهل وسلطان التهديد الحبس أو القتل؟

إن الله تبارك وتعالى أدخل المرأة النار في هرة كما جاء في الحديث،لأنها حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي سقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض[23]، إذا كان هذا حال محاصرة حيوان فكيف يكون حال محاصرة إنسان، وليس أي إنسان، إنه إنسان كريم عند الله مسلم مجاهد مرابط على الثغور؟

إن كرامة الهرة ليست عند الله أعظم من كرامة أهل غزة المرابطين، وإن الذين يجترئون على تفتيت وحدة الأمة بفتاويهم ينبغي أن يحذروا، فإن الله سائل كل واحد عما كان منه في شأن إخوانه المسلمين في عصره وسياقه التاريخي، فأقل القليل إن عجز الإنسان عن مناصرتهم ماديا أو معنويا فليكف لسانه عنهم فلعله يكون أسلم له عند ربه عز وجل.

إننا مع إدراك الكثير منا لما يجمع بيننا نحن الشعوب الإسلامية ذات العقيدة الواحدة والحضارة الشاملة والتاريخ الواحد أو المتماثل والتشكل النفسي المتشابه، ومع إدراكنا أن ثمة مشتركا عاما يجمع بيننا، ومع ما يؤكده هذا المشترك العام من وحدة ما نعانيه من قمع عالمي واستبداد بنا من الدول الكبرى، ومن كراهية تجمعنا ضد الاستعمار الغربي وسياساته وما نشعر به من وحدة المصير، إلا أن هذا المشترك العام كما يقول الدكتور طارق البشري لا يتحدد به في وضوح ما هو بالضبط ما يتعين أن نتحاكم به بين بعضنا البعض من وجوه النشاط وواجبات النهوض للدفاع والمقاومة[24].


--------------------------------------------------------------------------------

[1] - الأنفال:46.

[2] - المائدة:2.

[3] - المائدة:2.

[4] - طه عبد الرحمن: الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري، المركز الثقافي العربي،ط1، 2005، ص21.

[5] - عبد الهادي بوطالب: حقيقة الإسلام، إفريقيا الشرق، ط2، 2004، ص1212.

[6] - -مسلم:الصحيح/8/20 البيهقي: السنن الكبرى،3/353، والطبراني: المعجم الصغير:1/235

[7] - الحجرات:10.

[8] -آل عمران: 104.

[9] - الأنبياء:96.

[10] - المؤمنون: 56.

[11] - يراجع: أحمد حسين: الأمة الإنسانية، المطبعة العالمية، القاهرة، 1966. ومحمد فتحي عثمان: دولة الفكرة التي أقامها رسول الإسلام عقب الهجرة، مكتبة وهبة، القاهرة، بدون تاريخ.

[12] - البقرة: 143.

[13] - منى عبد المنعم أبو الفضل: الأمة القطب، نحو تأصيل منهاجي لمفهوم الأمة في الإسلام، سلسلة قضايا الفكر الإسلامي(14)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، 1996، ص45-46.

[14] - مسلم: الصحيح،1/53. أحمد: المسند،5/318.

[15] - الشاطبي: الموافقات، تحقيق عبد الله دراز،دار المعرفة بيروت، 2/190.

[16] - الشاطبي: الموافقات،2/355.

[17] - عبد السلام ياسين: إمامة الأمة، دار لبنان للطباعة والنشر، ط1، 2009، ص5.

[18] - الأنفال:46.

[19] - النور:55.

[20] - راجع للمزيد كتابنا: المخفي والمعلن في الخطاب الأمريكي، إصدار منشورات الزمن، الرباط المغرب،2007.

[21] - عن هذه القاعدة يراجع: الصنعاني: إجابة السائل شرح بغية الآمل، مؤسسة الرسالة بيروت، ط1، 1986، ص286، والسبكي: الإبهاج شرح المنهاج، دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1/118

[22] - عبد السلام ياسين: إمامة الأمة، ص258.

[23] - البيهقي: السنن الكبرى، 8/14 ابن ماجة: السنن، 2/1421. الدارمي: السنن،2/462.

[24] - طارق البشري: تقديم: أمتي في العالم، حولية قضايا العالم الإسلامي، 2001-2002، ع5، ج1، مركز الحضارة للدراسات السياسية، مكتبة الشروق الدولية، ص11.