المجتمع البشری کلما یتقدم فان الادیان الالهیة تقترب فیما بینها

المجتمع البشری کلما یتقدم فان الادیان الالهیة تقترب فیما بینها
المجتمع البشری کلما یتقدم فان الادیان الالهیة تقترب فیما بینها

ان المجتمع البشری کلما یتقدم فان الادیان الالهیة تقترب فیما بینها ویُطرح الله تعالى باعتباره العامل المشترک بینها، وسوف یزداد کذلک اتجاه الناس أکثر نحو الاخلاق والعلم وبناء حیاتهم على أساس العلم.

 وأفادت وکالة الأنباء القرآنیة الدولیة(إکنا) أنه أقیمت 13 یونیو / حزیران الجاری ندوة فی العاصمة الایطالیة "روما"، تحت عنوان "المهدویة ونظریة الموعود عند الادیان"، وألقى المفکر الدینی الایرانی ورئيس جامعة المذاهب الاسلامية الشیخ الدکتور أحمد مبلغی کملة فیها ونصها کما یلی:

"هناک مرحل ثلاثة تسود وتحکم على التاریخ، تأتی الثانیة بعد الأولى والثالثة بعد الثانیة، وهی:

1. حرکة التاریخ الاستکمالیة.

2. حصول استعداد تام للبشریة لإصلاح مجتمعه ککل.

3. حصول الوضع الموعود والمطلوب للبشریة.

المرحلة الاولى: الحرکة الاستکمالیة للتاریخ:

والعالم الآن فی هذه المرحلة، وهی تعنی حرکة التاریخ باتجاه الحصول التدرجی التکاملی على حالات ایجابیة أساسیة مهمة شاملة، وهذه الحرکة الاستکمالیة للتاریخ عبارة عن التوجه المتصاعد والمتکامل والمتدرج للعالم والبشریة نحو "قبول الله و"قبول الأخلاق"و"تبنّی العلم" و"الانکشاف المعلوماتی" و"قبول النظم الواحد".

قد تحققت مراتب من هذه التحولات مما یشیر الى أن الحرکة للعالم تکون باتجاه التکامل وأن حرکة البشریة تتجه نحو الکمال المطلوب.

المرحلة الثانیة: حصول استعداد تام للبشریة لإصلاح مجتمعه ککل:

والعالم کلّما یتجه نحو الإمام تتسع دائرة هذه التحولات الایجابیة أکثر وأکثر، حتى یصل الأمر حداً تتم مرحلة "حصول الاستعداد التام للبشریة لقبول الإصلاح الاجتماعی التام والشامل" والتی هی المرحلة الثانیة.

وهنا سؤال وهو "إذا قلنا بتحقق هذه التحولات من خلال تقدم البشریة فی حرکتها فلماذا نشهد فی کثیر من الاماکن، الظلم الکثیر او الفساد أو الحروب المذهبیة؟ وجوابه أن الحرکة الاساسیة للعالم تتجه نحو التکامل فی الاعتقاد بالله والعلم والاخلاق والثورة المعلوماتیة، ولکن العالم باعتبار کونه فی منتصف الطریق فانه یسیء الاستفادة احیاناً من بعض هذه التحولات مثلاً من الثورة المعلوماتیة، وبتعبیر آخر إن عدم حصول البلوغ الکامل للبشریة یکون مصحوباً بشکل طبیعی مع ظهور مشاکل فی العالم، ومقروناً مع إساءة الاستفادة مما حصل ویحصل لدیه، ولذلک فان الظلم الذی نمر به الان هو بسبب وجودنا فی منتصف الطریق فلیس ذلک نافیاً لوجود الحرکة الاستکمالیة للبشریة. فنحن نتحمل ضریبة کوننا فی منتصف الطریق، ولکن الحالة الحاکمة على تقدم حرکة البشریة هی حالة تکاملیة.

وعلى حال فان المجتمع البشری کلما یتقدم فان الادیان الالهیة تقترب فیما بینها ویُطرح الله تعالى باعتباره العامل المشترک بینها، وسوف یزداد کذلک اتجاه الناس أکثر نحو الاخلاق والعلم وبناء حیاتهم على اساس العلم وزیادة قدرتهم فی الحصول على المعلومات وازالة کل ما یؤدی الى الجهل وعدم الوعی.

ومن هذا المنطلق ربما بالامکان أن نقول ان الذی نشاهد الیوم من الظروف الحاکمة فی بعض الدول والادیان والمذاهب من مواجهة قاسیة للبعض مع البعض، فإن هذه العصبیة فی الواقع تلفظ آخر أنفاسها، وستزول بإذن الله فی المستقبل.

المرحلة الثالثة: حصول الوضع الموعود والمطلوب للبشریة:

ان المجتمع الانسانی ستصل حرکته فی یوم ما الى نقطة بحیث لایکون الله تعالى فیها غائبا عندهم، وان الادیان سوف لا تتقاتل فیما بینها على مسألة الله وإن جرى فی ذلک بحث فهو بنّاء لهم، وان الاخلاق سوف تکون حاکمة على جمیع الناس وان استعداد البشریة سوف یتکامل نحو النظام الواحد، وان مثل هذه المرحلة یجب ان تسمى بمرحلة وصول البشریة لتکامل جمیع استعداداتها. وفی هذه الحالة سوف تکون الظروف متاحة لظهور الوضع الموعود.

وبالإمکان القول انه فی آخر الزمان یحصل تقارب أکثر بین أکبر الادیان، وهما الاسلام والمسیحیة. ونشاهد فی ادبیات الدین الاسلامی حقیقة مضمونها أن الامام المهدی الموعود وعیسى المسیح یظهران معا وفی زمان واحد وعند ذلک تتحقق الظروف المطلوبة فی المجتمع الانسانی لظهور الموعود.

والاعتقاد بکون حرکة البشر تکون حرکة استکمالیة یملی علینا أن نعتقد بأن حصول الوضع الموعود فی مستقبل البشریة لا یکون ثورة فی الواقع الانسانی دون وجود الظروف والسند التاریخی لها، بل انها تأتی نتیجة لحرکة تکامل البشریة.

الاتجاهات الموعودیة ستشکل نهرا واحداً

إن الاتجاهات الموعودیة مثلها مثل الانهار المتعددة التی تنتهی إلى نهر واحد. ذلک أن نظریة الموعود تتجه فی رؤیتها نحو تحقیق الظروف النهائیة المؤدیة للتکامل، فان مستقبلها لن یؤدی الى المواجهة والصراع على الرغم من وجود اختلافات فکریة اساسیة بین القائلین بنظریة الموعود، بل انها تتجه فی حرکتها الى نوع من الانسجام والائتلاف التام فی جوانب رغم بقاء الاختلافات الفکریة فیما بینها.

ان نظریة الموعود فی الاسلام والمسیحیة ومن خلال تقدم الزمن لها القابلیة للوصول الى نوع من الانسجام والتوافق على الرغم من وجود الاختلاف بینها فی تعریف الموعود والظروف المفترض تحققها لظهوره، ولذلک فإننا متفائلون من خلال الظروف المتطورة والتقدم الذی تشهده البشریة ویجب علینا مضاعفة جهودنا وسعینا لإصلاح المجتمع الإنسانی، وان انتشار الکلام الذی یدور حول الاعتقاد بالله والالتزام بالأخلاق والمعنویات یعد من الدلائل التی تشیر الى الاتجاه الصحیح لحرکة الناس والادیان.

والخلاصة ان المحاور التکاملیة (المذکورة سابقاً) تؤدی بالبشریة للاتجاه نحو النظام الخاص والواحد، فإننا جمیعا مع کوننا لا نزال فی منتصف الطریق الا اننا یمکننا ان نشاهد الدلائل التی تشیر إلى تحقق کل تلک التحولات.

الفرق بین نظریة الموعود فی الاسلام ونظریة الموعود فی المسیحیة

ان نظریة الموعود فی المسیحیة لدیها تفسیران، ففی التفسیر الاول لنظریة الموعود فی المسیحیة فانه قبل ان ینظروا للإصلاح الذی تنشده النظریة فانهم ینظرون للخلاص المترتب علیها، وقبل ان یتجهوا الى الاصلاح الاجتماعی فانهم یرکزون على الاصلاح الفردی. وان هذا التفسیر والتوضیح لنظریة الموعود من وجهة نظر المسیحیة ینسجم مع مبادئ خلاص الروح التی تعتبر محورا لها.

وفی التفسیر الثانی لنظریة الموعود المسیحیة تفترض "تحقق الایمان وعمل الخیر". وان هذه الرؤیة وان کانت تتضمن على تحقق الاصلاح ولکنها قبل ان تکون ناظرة للإصلاح الاجتماعی فإنها تنظر للإصلاح الفردی فی المجتمع.

وأما نظریة الموعود فی الاسلام تعنی الاصلاح الاجتماعی، وان علاقتها بالإصلاح الفردی تکون باعتبار ان الاصلاح الاجتماعی سیکون بالتأکید ارضیة للإصلاح الفردی؛ حیث یمکن تفسیر ذلک طبقا للآیة الشریفة: "إِنَّ اللَّهَ لا یُغَیِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى یُغَیِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ"(سورة الرعد الآیة11). أو ان بینهما علاقة طردیة؛ یعنی کلما کانت هناک تغییرات اجتماعیة على اساس محوریة العدل فان ذلک سیؤدی الى ایجاد العدل عند الاشخاص وعند المجامیع من الافراد، حیث ورد "کان اول عدله نفی الهوى عن نفسه" فاذا تتشکل البنیة الاجتماعیة على اساس العدل فان ذلک سینعکس على الافراد بشکل عام.

وعلى کل حال فان الاسلام الحنیف قد تحدث عن ظروف سوف تتحقق یکون محورها الموعود وسیملأ الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً.

ان نظریة الموعود على الرغم من تعریفها فی کل دین، وقد اخذت رؤیةً وطابعاً خاصاً بها، الا ان هناک جانب مشترک بینها ویشتمل على نوع من "المواجهة الشاملة ضد الفساد"، وبالطبع ان هذه النقطة المشترکة بین الادیان تشکل بالتدریج جبهة لطلاب الحق والخیروشیئاً فشیئا ستؤدی هذه الجبهة الى "الشعور بالبعض الاخر" والالتقاء تحت هذا العنوان والاستعداد الکامل لتحقیق الظروف التامة لتحقق الوضع الموعود.