حديث التقريب : "رحيل علم من أعلام مدرسة الشهيد الصدر" + (ألبوم صور)

حديث التقريب : "رحيل علم من أعلام مدرسة الشهيد الصدر" + (ألبوم صور)

آية الله السيد محمود الهاشمي رحل عنّا بعد أن نهض بأعباء كبيرة لمواصلة مدرسة أستاذه الشهيد محمد باقر الصدر «قدس سره». هذه المدرسة التي قطعت في الدراسات الفقهية والأصولية شوطاً عظيماً، وفي الدراسات العلمية المعاصرة قدّمت ما جعلت العلماء المتخصصين من المسلمين وغير المسلمين يقفون أمامها وقفة خشوع وإجلال، ولعل الأهمّ من ذلك أن هذه المدرسة توجهت نحو تقديم المشروع الإسلامي للحياة، وتوجيه الأمة الإسلامية نحو استعادة وجودهم ومكانتهم وكرامتهم وعزتهم بين أمم الأرض.

من هنا فإن الشهيد الصدر «رضوان الله تعالى عليه» رأى في الثورة الإسلامية وفي قيام الجمهورية الإسلامية ما يحقق نظرته المستقبلية للأمة وللإسلام. فأيدها بكل وجوده ووجه النداءات تلو النداءات لتلاميذه في إيران أن يقفوا الى جانب هذه الثورة الإسلامية، ومما قاله في هذا المجال: «إن الواجب على كل أحد منكم، وعلى كل فرد قدر له حظه السعيد أن يعيش في كنف هذه التجربة الإسلامية الرائدة أن يبذل كل طاقاته وكل مالديه من إمكانات وخدمات ويضع ذلك كله في خدمة التجربة، فلا توقف في البذل.. ولا حدّ للبذل.. ويجب أن يكون واضحاً أن مرجعية السيد الخميني التي جسّدت آمال الإسلام في إيران اليوم لابد من الالتفاف حولها، والاخلاص لها، وحماية مصالحها، والذوبان في وجودها العظيم بقدر ذوبانها في هدفها العظيم».

لقد لبى آية الله السيد محمود الهاشمي نداء أستاذه، تلبية الإنسان المؤمن بعظمة الثورة الإسلامية وبما ستحققه الجمهورية الإسلامية من تغيير على الساحة الإسلامية.

لم يكتف السيد الراحل بمواصلة الدراسات الفقهية والاصولية لمدرسة أستاذه، بل خدم الجمهورية الإسلامية من مواقع حساسة وهامة منها: مجلس خبراء القيادة، ومجمع تشخيص مصلحة النظام ورئاسة السلطة القضائية و.. كما كان «رضوان الله تعالى عليه» عضواً في المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية.

و«حديث التقريب» يقتضي أن نقف برهة عند مدرسة الشهيد الصدر في التقريب.

لقد كان خطاب هذه المدرسة إسلامياً حضارياً. ما قدمة الشهيد الصدر في كتابي أقتصادنا وفلسفتنا تجاوز الاطر المذهبية وخاطب المسلمين في كل العالم، وشحن الجيل المسلم بالعزّة والكرامة وبالثقة بالنفس والاعتزاز بالدين، وهذا ما شهدناه في الدائرة الحضارية الإسلامية من طنجة الى جاكارتا، بل إن خطاب هذه المدرسة تجاوز الدائرة الإسلامية ليكون عالمياً حين صدر كتاب «الأسس المنطقية للاستقراء» فقد كان موضع اهتمام المفكرين والفلاسفة في شرق العالم وغربه.

إن الشهيد الصدر بلغ الذروة في خطابه التقريبي حين خاطب الشعب العراقي في ندائه الثالث، أيام محنة العراق والعراقيين وأيام حاول نظام طاغية العراق أن يظهر نفسه بمظهر المدافع عن أهل السنة أمام الشيعة، فقد خاطب السيد الشهيد الشعب العراقي قائلا:

«يا شعبي العراقي العزيز؟
أيها الشعب العظيم!
إني أخاطبك في هذه اللحظة العصبية من محنتك وحياتك الجهادية، بكل فئاتك وطوائفك ، بعربك واكرادك، بسنتك وشيعتك، لأن المحنة لا تخصّ مذهباً دون آخر، ولا قوميّة دون أخرى.

وإني منذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الأمة بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسنّي على السواء.. فأنا معك يا أخي وولدي السنّي بقدر ما أنا معك يا أخي وولدي الشيعي. أنا معكما بقدر ما أنتما مع الإسلام..

وأريد أن أقولها لكم يا أبناء علي والحسين، وأبناء أبي بكر وعمر أن المعركة ليست بين الشيعة والحكم السني. إن الحكم السني الذي مثلة الخلفاء الراشدون والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل، حمل عليّ السيف للدفاع عنه.. وكلنا نحارب تحت راية الإسلام مهما كان لونها المذهبي».

هذا هو خطاب كل الإحيائيين الذين تحرروا من ذاتياتهم الضيقة ومصالحهم الدنيوية ليعيشوا همّ الإسلام والمسلمين، وليتطلعوا الى غد أفضل للأمة الإسلامية بل للبشرية جمعاء.

رضوان الله تعالى على فقيدنا الغالي سماحة آية الله السيد محمود الهاشمي وأسكنه فسيح جناته وحشره مع النبيين والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. ونسأله سبحانه أن يوفق أمتنا لمواصلة طريقه إنه تعالى سميع مجيب.


محسن الأراكي
الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية