وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
مناهج التفسير حسب المذاهب الإسلاميّة
۱۳۹۷/۱۰/۰۲ ۱۰:۴۲ 1775

مناهج التفسير حسب المذاهب الإسلاميّة

 

 

 

مناهج التفسير حسب المذاهب الإسلاميّة

 

علي اوزك

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل أن ندخل في الموضوع ينبغي لنا أن نلم بالقرآن أولاً لان التفسير هو تفسير القرآن العظيم ونبدأ الكلام بتعريف القرآن، ثم ببعض المسائل المهمة لتفسيره.

ما هو القرآن؟

كما تعلمون أن أصحاب العلوم عرفوا القرآن بتعاريف تناسب موضوعهم. فانا أرجح التعريف العام.

1 ـ القرآن كتاب هداية وإعجاز:

يدل هذا التعريف على أساسين:

الأول: الهدية؛ أي اراءة الناس الطريق المستقيم الذي يصل بالناس إلى الله تعالى الذي هو خالق الناس وخالق الكون وخالق الخير والشر، وهذا الطريق الذي يصل إلى الله هو التوحيد لأن الخالق واحد لا يشاركه في فعله أحد. وأن أهم شيء في العالم هو عقيدة التوحيد كما جاء في القرآن العظيم: ﴿إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون

(392)

ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيماً﴾([1]) لأن الشرك بالله غنكار شيئين:

الأول: إنكار وجود خالق واحد للكون، والثاني: مع تسليم وجود خالق إضافة خالق آخر أو إضافة خالقين مع الله تعالى وهذا هو المخالفة للتوحيد.

الثاني: كون القرآن معجزة. فالقرآن حقاً معجزة لأنه مع كونه معجزة في الأسلوب والإفادة والبلاغة أنّه معجزة كونية كبيرة لأن به ختمت النبوات وختمت به الكتب السماوية التي وصلت إلى الناس وحياً من الله بطريق الأنبياء.

فعلينا أن نراعي هذهين الجانبين في تفسير القرآن. وهما أصل الأساس ولب كلّ المسائل الدينية والدنيوية، فالهداية تجب أن تكون موافقة للتوحيد قطعاً والاّ لا تكون هداية، وهنا نريد أن نشير إلى آراء المذاهب في تفسير القرآن الكريم.

ما معنى تفسير القرآن حسب آراء المذاهب ؟ معناه أنّه آراء أشخاص صارت بمرور الزمن مذاهب مختلفة، وكما تعلمون أن المذاهب كلها تكونت بعد عصر الخلفاء الراشدين، وكما تعلمون أن هناك مذاهب اعتقادية ومذاهب فقهية عملية. فالمذاهب العملية تأخرت عن المذاهب الاعتقادية في الوجود.

فالمذاهب كلها اجتهادية بشرية سواء كانت مذاهب اعتقادية أو عملية.

فمعنى اجتهادية بشرية يفيدنا أن كلّ المذاهب في الأصل ظنية لا قطعية لذلك يمكننا أن نغير مناهج المذاهب حسب الاحتياجات التي تظهر بتغيير الأزمان. فتفسير القرآن حسب آراء المذاهب لا يكون تفسيراً سليماً.

من هنا نريد أن نأتي إلى أصول يجب أن نبني عليها مناهج تفسير القرآن. وهذه المناهج موجودة في القرآن، وهو تفسير القرآن بعضه بعضا أو بعبارة أخرى تفسير الآية بالآية. فلابد من التمسك والامتثال إلى هذا المنهج أولاً ثم إلى من نزل عليه الوحي وهو

(393)

الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ أي أحاديث الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ الصحيحة.

ومعرفة صحة الأحاديث من جهة المعنى لا تتحقق إلاّ بمنطق القرآن العظيم لأنه معجزة مستمرة وكان هذا سبب منع الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ كتابة الأحاديث مع القرى،. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أهمية الاعتماد في كلّ الأمور أولاً على كتاب الله تعالى ثم على السنة. ولقد ظهرت ثمرة الاعتماد على كتاب الله في التاريخ حيث أن المسلمين فتحوا بلاداً كثيرة في القرن الأول الهجري ودخلوا فيها بالإسلام وباللغة العربية. وكيف وصلوا إلى هذه الغاية مع أنهم كانوا محرومين من آراء المذاهب، من كتب التفسير، من كتب الحديث، من كتب الفقه، بل إنّ كثيراً منهم لا يحملون القرآن بسبب عدم توفر إمكانات النشر. مع هذا عملوا ما عملوا وكيف عملوا؟ !

وإذا قسنا هذا إلى زماننا فإننا نملك هذه الثروة العلمية العظيمة من آراء المذاهب من كتب التفسير وكتب الحديث وشروحه، مع هذا لا نستطيع أن نعمل شيئاً. وذلك أن المسلمين لم يكونوا قادة في المسائل الدينية فقط ـ كما تعلمون ـ بل هم كانوا قادة أيضاً في الأمور الدنيوية، مثل العلوم الطبيعية والسياسية والتكنولوجية والصناعة والتجارة وحكموا الدنيا المعروفة في ذلك الزمن، وكانوا نموذجاً في الامتثال للأقوام الأخرى خاصة في العلوم والصناعة. والآثار المنقولة إلينا شاهدة لهذا. وكان عملهم موافقاً لكتاب الله وسنة رسول الكريم.

فيجب علينا أن نعتبر من عمل هؤلاء والاعتبار في نظرنا: الرجوع إلى الأصل وهو الكتاب والسنة. أما آراء العلماء والمذاهب فنستفيد منها ولا نتمسك بها تماماً بل نتسمك بالأصل لأن الأصل، وحي والآراء اجتهاد بشري.

(394)

2 ـ الفهم التعبدي والفهم الحكمي للدين:

من المعلوم أن في تفسير القرآن أهمية الفهم التعبدي، والفهم الحكمي للدين. أن الأصل في الدين على رأيي هو الفهم التعبدي لأن الدين لا يكون عقلياً وإنّما يكون معقولاً، فمعنى هذا أن الدين الإسلامي وحي من الله تعالى فله أوامر ونواه، فإن هذه الأمور توافق عقولنا ومنطقنا أولا توافق، وليس مهماً، فإن من آمن بالإسلام يجب عليه أن يطبق ما آمن به في غير ملاحظة من العقل، فخذ مثلاً الصلاة وهي واجبة على كلّ مسلم ومسلمة خمس مرات في اليوم مع الطهارة، وإذا نظرنا المسألة بالعقل والمنطق فإن العقل يتساءل: لماذا خمس مرات في اليوم ؟ ولماذا يجب الوضوء قبل الصلاة ؟

ففي النتيجة يصل العقل إلى الشك في لزوم الصلاة، في الوضوء ثم يتكاسل فيها فلك أن تقول مثل هذه في الصوم والحجاب ومنع شرب المسكرات، ثم أن الفهم التعبدي يأتي بسهولة شاملة في الدين،لأن الفهم التعبدي هو التمسك بأصل الشريعة وعدم التوغل في المسائل النظرية، لأن التوغل في المسائل النظرية إنّما يكون بسبب الصعوبة والضيق، وكان الواجب علينا أن نأخذ المسائل وترك التوغل لمن يريد من الأفراد، لذلك قال الله تعالى في كتابه العزيز﴿... يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر...﴾([2]).

﴿يريد الله أن يخفف عنكم و خلق الإنسان ضعيفاً﴾([3]).

﴿يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الّذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم﴾([4]).

﴿إنّ تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً﴾([5]).

(395)

وفي السنة أيضاً أحاديث تشير إلى اليسر مثل الحديث المشهور«يسروا ولا تعسروا، بشروا ولا تنفروا».

روى البخاري في كتاب الإيمان في باب «الدين يسر» عن أبي هريرة t: قال الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ: «إنّ الدين يسر لن يشاد الدين أحد إلاّ غلبه فسددوا وقاربوا واستعينوا بالغدوة والروحة وشي من الدلجة». قال العين في شرح الحديث: لا يتعمق أحدكم في الدين فيترك الرفق إلاّ غلب الدين عليه وعجز ذلك المتعمق وانقطع عن عمله كله أو بعضه.

وانا أقول: أن التعمق في الدين يضر الناس لأنه يؤدي إلى آراء ومذاهب كما هو الحال في زماننا وكثرة الآراء والمذاهب تمنع اتحاد واتفاق المسلمين وهذا أيضاً يكون سبباً للفرقة، والفرقة سبب الضعف، والضعف هو المغلوبية كما اخبر الله في القرآن ﴿ أطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وأصبروا إنّ الله مع الصابرين﴾([6]).

فصاحب الفهم التعبدي للدين يأخذ بنصوص القرآن وبصحيح السنة ويتمسك بهما ولا يتدخل في تفصيل المجمل وتعميم الخاص وتخصيص العام، وإنّما يمشي في توسع ويهتم بالإيمان أكثر مما يهتم بالعمل ويتخلص من معضلات المذاهب وكان ذلك سلوك أبي حنيفة t، إلاّ أن الّذين جاؤوا بعده تركوا منهجه في التقرب إلى الشريعة وأصبح من أصعب المذاهب في مسائل كثيرة. فيجب في تفسير القرآن أن يكون على هذا المنهج وهو التوسع والسهولة وعدم التوغل في النظريات على منطق أر سطو، وكان ابن عباس مع صغر سنة من أكبر الصحابة عند سيدنا عمر t وكان دائما يستشير ابن عباس حتّى قال العباس t لابنه يوماً «يا بني إنّ هذا الرجل ـ يعني عمر ـ يهتم بك اهتماماً بالغاً

(396)

فعليك أن تهتم أيضاً به وان لا تأتي بشيء يزعجه» أو ما بمعناه.

لذلك كان ابن عباس أصلاً لكل المذاهب وعرف أنّه أكبر مفسر بين الصحابة وأصبحت آراؤه أصلاً لمذهب الجعفرية خاصة.

وفي نظري كان منهج ابن عباس أيضاً هو الفهم للدين اساسا لتحركات الإنسان ويدل على ذلك إصراره في نكاح المتعة التي كانت من حاجات الناس.

وقادة المفسرين من الصحابة هم:

سيدنا علي u

سيدنا عمر t

سيدنا عبد الله بن عباس t.

سيدنا ابن مسعود t

وألقى سيدنا عمر وسيدنا علي على ابن عباس وعرف ابن عباس بأكبر مفسر في الصحابة، ومضافاً إلى ذلك انه بما روي عن النبي أ،ه دعا لابن عباس فأصبح ابن عباس مفسراً وحيداً من الصحابة.

وكان عمر t ـ حين لم توجد كتب اللغة المدونة ـ يدعو من القبائل من يعرف اللغة العربية ويقرأ آية من القرآن ويسأل الحاضرين عن تفسير هذه الآية، ثم بعد الاستماع إليهم يختار التفسير المناسب للآية، وكان ذلك وسيلة تقدم تدوين غريب القرآن، وكتب غريب القرآن ـ كما تعلمون ـ أول الكتب المدونة في تأريخ اللغة العربية كما كانت أولى الكتب المدونة في النحو والصرف قد جاءت من أبي الأسود الدؤلي الذي أخذ الأصول من سيدنا علي u.

(397)

 3 ـ الفهم الحكمي:

أما الفهم الحكمي للدين فهو البحث عن حكمة التشريع بالفعل والمنطق، فهذا الطريق يرى من الوهلة الأولى أنّه أحكم واثبت في نشر الدين وتطبيقه، إلاّ أنّه يجر إلى اشياء أخرى قد ينتهي بالبعد عن تطبيق الدين لان العقل والمنطق ازاء هذه الأحكام العقلية والمنطقية يصل إلى بعض النتائج مثل: عدم لزوم تطبيق بعض أوامر الشريعة ونواهيها كما هو منتشر الآن في العالم الإسلامي خاصة بين المثقفين والاداريين لأنهم ـ كما تعلمون ـ لا ينكرون الإسلام بل يتعللون بالعقل والمنطق، إنّ هذه الأوامر والنواهي لا تلائم حاجة العصر لذلك ترك كثير من البلاد الإسلاميّة تطبيق الحدود التي جاءت بالنصوص القرآنية، وأخذوا كثيراً من القوانين والنظم من الغرب، فيجب علينا أن ننظر في هذه المسائل بالعقل السليم الذي هو أصل لفهم الدين.

اريد أن أقول هنا: إننا لو رجعنا إلى أصل الشريعة وهو الكتاب والسنة بعيداً عن هذه المذاهب والآراء التي هي من عقل البشر لو صلنا إلى نتيجة صحيحة وهي أخذ الإسلام عموماً والتمسك بالنصوص القطعية، وعدم التوغل في تفسير القرآن وشرح الأحاديث وترك المسائل على عمومها، وذلك كما نرى أن كثرة القوانين والأنظمة في بعض دول العالم لا تأتي بخير بل تضيق الطريق، وكذلك كثرة المذاهب والآراء جعلت المجتمع الإسلامي يطاحن بعضه بعضاً، وسبب تأخر المسلمين في مسايرة تطور الحياة اليومية حتّى انهم تركوا نظمهم الإسلاميّة وأخذوا النظم غير الإسلاميّة؛ كمما هو الحال في كثير من البلاد الإسلاميّة. والشيء الغريب أن المسلمين اعتمدوا على الغرب في العلوم والتكنولوجيا لوم يطوروا ما عندهم من العلوم والتكنولوجيا، لذلك تأخروا في العلوم والتكنولوجيا والصناعة.

(398)

هنا نريد أن نشير إلى بعض النقاط: أن الله تعالى خلق الكون وخلق فيه الإنسان الذي أعطاه العقل وهو أسمى الأشياء وأرقاها وأكرمها في الكون قال الخالق العظيم: ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم﴾. واختار من بينهم أنبياء ورسلاً وأرسلهم إلى الناس مبشرين ومنذرين ليرشدوهم إلى الحق والى الطريق المستقيم، وليكفوهم عن الباطل والمعاصي التي تضرهم في دنياهم وآخرتهم.

كان أول ما بلغ الأنبياء والرسل إلى البشر الإيمان بالله الخالق الواحد الأحد الصمد، وعلموهم كلمة «لا اله إلاّ الله » وهذه هي أس الأساس وجوهر كلّ شيء، لذلك لم يتغير هذا الأساس أبداً في الأديان السماوية أصلا. فكل نبي أو رسول بلغ قبل كلّ شيء هذا الأساس الذي هو التوحيد، يعني(عقيدة التوحيد). وكذلك كلّ من بعث نبياً أو رسولاً بلغ الناس بعد الإيمان.

وتوحيده تعالى الابتعاد عن الشرك بالله تعالى والتوقي منه فكان النهي عن الشرك وعن عبادة ما سوى الله نتيجة حتمية لعقيدة التوحيد. وهذه العقيدة التي هي عبارة عن الإيمان بالله وحده لا شركي له لم تتغير في الأديان السابقة، وكذلك فكرة العبادة للخالق الواحد لم تتغير أصلاً وإنّما الذي يتغير ويتبدل هو الأوامر والنواهي.

أما الأوامر التي أمرها الله تعالى لعباده بواسطة رسله وأنبيائه في العبادات والمعاملات فقد تغيرت حسب مصالح الناس في ازمانهم، وكذلك النواهي التي نهاها الله من المحرمات والمفاسد والمعاصي تغيرت أيضاً ـ كما هو معلوم في كتاب الله العزيز ـ لماذا تغيرت الأوامر والنواهي بتغير الأزمان؟

الإجابة عن هذا السؤال يمكن أن تكون كالآتي:

 أولاً: تغير الزمن الذي عاش فيه نبي أو رسول بالنسبة لما قبله ولذلك نرى الرسل

(399)

يأتون بأحكام وعبادات تختلف بالنسبة لما جاء به نبي أو رسول قبلهم.

ثانياً: تغيرت البيئة التي يعيش فيها الناس، وهذا التغير تابع لقانون التطور والتكامل، فالله تعالى جعل الأرض مسكناً لعباده من الإنس والجن، فأقاليم الأرض تختلف باختلاف الأراضي فنرى هناك صحاري وجبالاً منها بارد وحار ومعتدل، فاحتياج أهل إقليم ما غير احتياج أهل إقليم آخر في المعيشة والمسكن والملبس وغير ذلك.

ثالثاً: تغير الأشياء والآلات التي يستعملها الإنسان يؤدي إلى تغير مصالح الناس ومن المعلوم أن الشريعة جاءت لتسهيل أمور الناس وتنظيم مصالحهم.

رابعاً: تغير الإقليم والمناخ كما علم من علم الجغرافيا التاريخية.

خامساً: تغير العلم والمدينة والحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وما إلى ذلك من الحركات العلمية والعقلية والتكنولوجية وغير ذلك.

سادساً: تغيرت وسائل النقل كما بين الله تعالى في كتابه العزيز ﴿والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون﴾([7]). كما تعلمون بعد الخيل والبغال والحمير خلق الله تعالى القطار والسيارات والطائرات وسنرى وسائل نقل جديدة في المستقبل على يد الإنسان الذي ركب الله فيه العقل.

سابعاً: تغير الفكر الإنساني بعد هذه التغيرات المذكورة. فمراعاة لهذه التغيرات الواقعة في الجماعات الإنسانية والبيئات البشرية تتغير الأوامر والنوايه، لا في الأصل وإنّما في الأمور الفرعية حسب احتياج المجتمع فيبناء على ذلك أمر الله سبحانه وتعالى أنبياءه ورسله أن يراعوا حاجة الناس في زمانهم، ونرى أمثلة ذلك واضحة مبينة في آيات الذكر الحكيم التي قص الله تعالى فيها قصص أنبيائه ورسله، ونعرف أيضاً من علم

(400)

الناسخ والمنسوخ هذه التغيرات الواردة في الأديان.

وإذا سئل كيف حصلت هذه التغيرات ومن الذي نظمها؟

نقول باختصار: إلى زمن مجيء سيد الأنبياء: كان التغير في المسائل الشرعية بأمر من الله تعالى لأنه أمر كلّ نبي ما وجب عليه من تبليغ الأحكام، وكان هذا الأمر بالوحي عنه إلى أنبيائه ورسله.

وهل وقف هذا التغير بمجيء خاتم الأنبياء محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ ؟

نقول بصراحة إنه لم يقف بل استمر لا سباب:

الأول: ما وقع فعلاً في الأديان السماوية التي عرفناها في القرآن الكريم، لأن الله سبحانه وتعالى بين في كتابه العزيز أن بعض أحكام الأنبياء السابقين نسخ، والنسخ أقوى دليل على هذا التغير بالنسبة للأديان السالفة.

الثاني: ما وقع فعلاً في حين نزول الوحي على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ حيث إنه نزل منجماً في مدة ثلاث وعشرين سنة، وحدث هذا التغير بالذات مراعاة لتربية الإنسان، وقد ثبت أن بعض الأحكام قد تغيرت في هذه المدة وهي ما نعرفها بالناسخ والمنسوخ بالنسبة لشريعة محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ مدة نزول الوحي.

الثالث: حديث معاذ t حينما أرسل إلى اليمن والياً؛ سأله رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ بماذا تحكم يا معاذ؟

قال بكتاب الله، قال فإن لم تجد فيه ؟ قال: بسنة رسول الله، قال فإن لم تجد فيها ؟ قال: اجتهد برأيي أو بعقلي فقال الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله.

الرابع: حديث «أنتم اعلم بأمور دنياكم»، فإن هذا الحديث يدل على وجوب العمل بالعقل في الأمور الدنيوية مراعياً حدود الله كما قرر العلماء: أن الأصل في الأشياء الإباحة. ففي الأمور المباحة توسع للعقل، ويكون المعيار في هذا قوله تعالى: ﴿إنّ تجتنبوا

(401)

كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً﴾.

الخامس: «العلماء ورثة الأنبياء».

أن هذين الحديثين يدلان على ضرورة الاجتهاد وضرورة التجديد والتطوير في الأمور الدينية والدنيوية. فالمسؤول في هذا التجديد والتطوير هم العلماء.

السابع: ما علمناه من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ لأنهم اجتهدوا في أمور دينهم ودنياهم وأسسوا قواعد لاجتهاداتهم فهذه الأصول والقواعد هي ما نعرفها الآن بأصول الفقه إلاّ أننا كما نحتاج الرجوع إلى الاجتهاد نحتاج إلى إعادة النظر في قواعد أصول الفقه؛ لأن أسلافنا الصالحين أسسوا قواعد أصول الفقه على أساس منطق أرسطو، وهذا المنطق أيضاً تغير فلابد من تجديد مناهج وقواعد أصول الفقه؛ نذكر كمثال قاعدة حق التعزير ودفع الفتنة وسد الذريعة وموضوع الرق والولاية ونكاح المتعة، فيجب علينا أن نعيد النظر في هذه الأمور سواء كان من جهة القواعد أو من المسألة. ومن هنا يجب أن نفكر في هذه الأصول التي وضعها سلفنا الصالحون لأنه قد يكون هناك شيء من الأصول والقواعد بحتاج إلى تغيير أو تبديل أو شرح جديد بالنسبة إلى المسائل الفقهية.

4 ـ مسألة الفهم للدين:

وهذا الموضوع مهم جداً في تفسير القرآن كما أن له أهمية في المذاهب.

ما هو الدين ؟ ولماذا جاء ؟ ولمن جاء؟

الدين الإسلامي هو ما جاء في كتاب الله تعالى في الأوامر والنواهي وفي قواعد الأخلاق والدعوة.

(402)

والأصول التي استند إليها الإسلام ثلاثة:

الأول: عقيدة التوحيد.

الثاني: النبوة، أي نبوة محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ مع نبوة إخوانه من الأنبياء

الثالث: المعاد؛ يعني الحياة الآخرة أي البعث بعد الموت والحساب عما فعل في الدنيا.

لماذا جاء الدين بهذه الأسس؟

كما ورد في تعريف القرآن بأنه كتاب هداية وإعجاز أن الهدف الأصلي من الدين هو الهداية أي هداية الناس إلى الطريق المستقيم الذي بينه الله تعالى في الكتاب والذي وضحه لنا الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ في سنته.

والدين جاء لهداية الناس، ولا يتصور أن يكون عائقاً أمام الناس في تطور الحياة الدنيوية بل يكون هادياً ومبشراً ونذيراً. فلنا التبليغ فقط لأن الهداية والضلالة من الله تعالى، على مذهب أهل السنة، لذلك أن المهم أصلاً في الدين هو التبليغ، لا إجبار الناس على الإيمان ولا الهداية ولا الضلالة.

فإن الله تعالى يقول: ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم نفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين﴾([8]).

قال الله: ﴿فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبغن وقل للذين أوتوا الكتاب والاميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد﴾([9]).

قال الله: ﴿ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلاّ بإذن الله لكل أجل كتاب. يمحو الله ما يشاء وثبت وعنده أم

(403)

الكتاب وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب﴾([10]).

وقال الله: ﴿ما على الرسول إلاّ البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون﴾([11]).

وقال الله تعالى: ﴿ وقال الّذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيءٍ نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الّذين من قبلهم فهل على الرسل إلاّ البلاغ المبين﴾([12]).

وقال الله: ﴿قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين﴾([13]).

وقال الله:﴿وإن تكذبوا فقد تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين﴾([14]).

وقال الله:﴿وما علينا إلاّ البلاغ المبين﴾([15]).

وقال الله:﴿فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إنّ عليك إلاّ البلاغ..﴾([16]).

وقال الله:﴿وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل﴾([17]).

وقال الله: ﴿اتبعع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلاّ هو وأعرض عن المشركين ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظاً وما أنت عليهم بوكيل﴾([18]).

وقال الله: ﴿قل يا أيها الناس قد جاء كم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل﴾([19]).

(404)

وهذه الحريات هي:

الأولى: حرية التفكر، وحرية إفادة ما وصل إليه عقل الفرد من الفكر والعلم، وحرية تبليغها.

الثانية: حرية الإيمان، حرية الدين والوجدان، وحرية تطبيق أحكام الدين للكل ويدخل فيها عدم الإيمان، لأنه إذا كان فرد أو أفراد لا يريدون أن يؤمنوا بشيء فلهم أن يعملوا ماشاؤا بشرط احترام حرية الآخرين كما ورد في القرآن ﴿فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾.

الثالثة: حرية التعليم والتربية، وحرية السياحة.

فبعد إعطاء هذه الحريات كاملة في الأقطار الإسلاميّة نأمل أن تكون هناك حركة جديدة مباركة تحرك المسلمين وتوقظهم من غفلتهم ويعملون في كلّ مجالات الحياة، ويفهمون معنى القرآن ومعنى الدين ومعنى الدنيا ومعنى مجيء الدين ـ وأنتم تعلمون ـ أن هذه الحريات كانت موجودة في أيام الأمويين والعباسيين، دون قصص ألف ليلة وليلة في أيام العباسيين، وكان هناك مذاهب شتى وآراء مختلفة فمن ذلك كان المسلمون في الجهة الإسلاميّة في مستوى عالٍ في كلّ الأمور. نعم الحرية قد تأتي ببعض المساوئ، إلاّ أنها أيضاً تأتي بمحاسن كثيرة، وبهذه الطريقة يتميز الطيب عن الخبيث لأن لله تعالى خالق الخير والشر فلابد في وجودهما من هذه الحياة الدنيا.

 

6 ـ مناهج التفسير عند المسلمين:

القرآن كتاب هداية وإعجاز. تدبر هذه الجملة، هل المعنى كتاب هداية فقط لا غير، أو كتاب هداية أصلاً وهناك أهداف أخرى؟ وأنا اختار الأول وسبب اختياري هذا أن العقل لا يمكنه أن يصل إلى الطريق المستقيم وحده وإنّما في إمكان العقل أن يعمل

(406)

 ما يحتاج إليه في الحياة الدنيا فقط ولهذا السبب بعث الله تعالى الأنبياء والرسل ليساعدوا عقل الإنسان في وجدانه الطريق الصحيح للدنيا والآخرة معاً.

في العالم كله طريقان:

الأول: طريق الأنبياء والرسل الّذين هم مكلفون بإرشاد الناس أولاً في الحياة الدنيا وثانياً في الحياة الآخرة.

الثاني: طريق الحكام والملوك الّذين هم قادة الناس في الحياة الدنيا بالعقل فلذلك حين جاء نبي أو رسول من الله تعالى عارض كثير منهم صاحب الرسالة الإلهية لأنهم لم يفهموا بعقلهم الحقيقة التي جاء بها الأنبياء والرسل.

والحقيقة انه لم يأت الأنبياء لبناء القصور والمصانع، وهذه وظيفة العقل، إلاّ أن المسلم الآن يظن أن كلّ ما يحتاج إليه الإنسان في الحياة اليومية لابد من أن يوجد في القرآن أو السنة، وهذه الفكرة خاطئة مخالفة لهدف القرآن سببت خللاً في عقول المسلمين في العصور الأخيرة ولم يستعملوا عقولهم لأعمار الدنيا وانتظروا من علماء المسلمين أن يجدوا كلّ شيء يتعلق بأمور الدنيا في الكتاب أو السنة، وهيهات أن يجدوا وقد اكتفوا بما اكتشف الناس بعقولهم من العلوم والتكنولوجيا وادعى بعض العلماء مع الأسف بعد اكتشاف غيرهم أن هذا الاكتشاف موجود في القرآن في آية كذا وكان هذا السلوك غريبا جداً بيننا.

ولو سأل أحد من الذي اكتشف هذا ؟ هل المسلم الذي يؤمن بالقرآن أو آخرون؟

ماذا نجيب!

وتدل هذه الفكرة على أن المسلم بعيد عن الله في الدنيا ويعمل لغير المسلمين، ويفتخر بما فعله غيره ويفتخر أيضاً أنّه فسر القرآن بهذه الطريقة ويقول للآخرين:

انتظروا أيها المسلمون سترون معجزات القرن تظهر على أيدي الكفرة الّذين يبحثون في

(407)

الكون. وكأنه غير مكلف بالبحث في الكون.

المشكلة هنا هي أن المسلمين يرغبون في أن يستنبطوا كلّ ما يحتاجون إليه في الحياة اليومية من القرآن والسنة، وهذا السلوك مخالف لحديث معاذ ثم مخالف لما فعله سيدنا عمر في إقامة أسس جديدة للمسلمين لأن القرآن أو الإسلام أتى بمسائل رئيسة واعطى حق التنظيم والترتيب والتطبيع للمسلمين.

لذلك يجب تحديد الفكر الأساس والهدف الأصلي من القرآن والسنة، وتحديد ماذا يطلب منا القرآن والسنة ؟ وما هدف الدين؟

القول في مناهج التفسير.

كان الواجب علينا أن نجعل القرآن معياراً ومقياساً لما ننتجه بعقلنا لأن العقل محدود لذلك يحتاج إلى اطارات وحدود يقف عندها، ولكنا عكسنا هذا المنهج وجعلنا العقل معياراً أو مقياساً لما جاء في القرآن من الأحكام والحدود وما إلى ذلك من المسائل الدينية والدنيوية.

وإذا نظرنا مناهج المفسرين قديماً وحديثاً رأينا طرقاً ومسالك لهم، ونحن هنا نريد أن نشير إلى هذه المناهج والطرق بما يأتي:

أ ـ منهج علماء الأصول:

وهم انحرفوا إلى تحديد وبيان الحكم التشريعي واعتبروا الخطاب القرآني ذا بعد واحد، وحصروا مفهوم الفقه في الحكم التشريعي.

يقول محمّد الغزالي في كتابه «كيف نتعامل مع القرآن»:

«فللامام أبي حنيفة مثلاً تلميذان مشهوران: أبو يوسف ومحمد؛ أبو يوسف ألف في الخراج أي في الضريبة، ومحمد ألف في العلاقات الدولية في كتابه «السير الكبير» هذا هو الفقه قديماً وكان كلّ منهما رائداً في مجاله أما أن يكون الفقه اليوم مقطوع الصلة بالفقه

(408)

الدستوري والفقه الإداري والفقه الدولي فهذا موت.»

أعلق على رأى الغزالي وأقول:

على ما افهم انه يريد أن يقول: أن كلّ نظام يعيش كالكائن الحي ويحتاج إلى غذاء وبيئة مناسبة له، فالغذاء للنظم هو التجديد والتطير والتكميل باجتهاد العقل، ولكن بعض الناس لا يفهم معنى التجديد وفي الحقيقة انه الاجتهاد فمعنى الاجتهاد الآتيان بتفسير جديد للقرآن والسنة حسب الحوادث الجديدة، ومعنى التطوير هو التفكر العميق في التفسير الجديد، لأن هذا التفسير الجديد أو الاجتهاد الجديد قد يكون صواباً أو خطأ، وبطريق التطوير يعرف الخطأ من الصواب ويكمل به مطورين ما يحتاج إليه، وذلك لأن نظام الله العام في الكون مبني على التجدد والتطور والتكامل كما جاء في القرآن ﴿يسأله من في السماوات والأرض كلّ يوم هو في شأن﴾([20]).

﴿كلّ من عليها فإن ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام﴾([21]).

والذي لا يتغير ولا يتجدد ولا يتكامل هو الله تعالى أما مخلوقات الله فهم يتجددون ويتغيرون ويتكاملون، ثم يموت كلّ واحد منهم حين يأتي أجله.

وهذا التجدد والتغير فعلا وقع في الأديان والرسل لأن الله سبحانه وتعالى جدد الأنبياء والرسل فبتجديدهم تغيرت معاملات الأديان التي تتعلق بأمور الناس اليومية الدنيوية ولم يتغير مبدأ التوحيد الذي يتعلق بذات الله. فلأن التجدد والتغير طبيعي في الأشياء فخذ مثلاً جسم الإنسان أنّه يتجدد في الدقيقة الواحدة نحو سبعين مرة بضربات القلب، فكل مرة تتجدد خلايا الجسم وتتغير بحركات الدم فإن وقف هذا التجدد والتغير مات الإنسان فالشيخ الغزالي حينما قال في حق نظام الإسلام الفقهي «فهذا الموت» ربما أراد هذه التجددات والتغيرات التي تنتهي بالموت كما لكل شيء غذاء

(409)

يعيش به فإن غذاء النظم هو الاجتهاد والتطور، فبهما يتجدد النظم.

ب ـ منهج المتصوفة أو مدرسة المتصوفة:

هذا الطريق في تفسير القرآن طريق أو منهج قد يأتي ـ عندي ـ أحياناً بفائدة، وقد لا يأتي فتفسير القرآن على هذا المنهج يفيد في الوعظ والإرشاد ولا يعتمد عليه في المعاملات.

ج ـ منهج الفلاسفة أو مدرسة الفلاسفة:

مثلوا لهذه المدرسة بالإمام الغزالي وابن رشد؛ لأن الغزالي كتب في أصول الفقه، وابن رشد كتب في الفقه. تطبيق منهج الفلاسفة في تفسير الآيات الكونية قد يفيد ولكن في المعاملات لا يعتمد عليه. لأن الأصل في الفسلفة هو العقل، وعقل الإنسان يتأثر بما حوله من البيئة وحوادث المجتمع وأحياناً يرفض العقل ما جاء به الأنبياء والرسل، كما وقع مع بعض فلاسفة المسلمين مثل الفارابي وابن سينا وغيرهم.

د ـ منهج الأثريين أو مدرسة الأثريين أو منهج أصحاب التفسير بالمأثور:

وابرز من اشتهر في هذه المدرسة الإمام الطبري وابن كثير.

تفسير القرآن بالأثر أصل من أصول التفسير لايستغنى عنه، إلاّ أن الأثر شيء عام منه الصحيح ومنه الضعيف، لذلك ينبغي التوقي والتحذر والدقة بالأخذ من التفاسير بالمأثور؛ لأن الإسرائيليات دخلت في تفسير القرآن بهذه الطريقة، لذلك نرى في التفاسير بالرواية أشياء لا يقبلها العقل السليم وتختلط معها الأحاديث بأقوال الصحابة، وينقل فيه أمثال العرب وحكمها.

هـ ـ منهج التفسير الكلامي:

ويذكر فيه الإمام فخر الدين الرازي؛ وهذا المنهج قريب في منهج الفلاسفة ويستند إلى الجدل العقلي. ففي إمكاننا أن نقول: إنّ هذا المنهج يدخل في منع حديث «من

(410)

فسر القرآن برأيه فقد كفر»، فالمراد من الرأي «رأي المفسر الخاص الذي لا يعتمد عليه في تفسير القرآن والسنة».

و ـ منهج التفسير بالدراية أو مدرسة التفسير البياني:

ويذكر فيه ابن عباس، ومقاتل بن سليمان، والزمخشري، والبيضاوي، وأبو السعود.

في الحقيقة أن التفسير بالدراية هو الأصل الثابت في فهم وتفسير القرآن، لأمور آتية:

الأول: أن الصحابة مثل سيدنا عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود كانوا يعتمدون في فهم وتفسير القرآن على اللغة أكثر من الأشياء الأخرى، وكان سيدنا عمر يدعو من القبائل من يعرف لغة العرب جيداً ويقرأ عليهم الآية ويسألهم معناها في حين عدم وجود المدونات اللغوية، وكان هذا المنهج أو الطريق الأمثل في تفسير القرآن.

وكان سيدنا علي u من الّذين يعرفون لغة العرب، وكان سيدنا عمر يسأله ويستفيد منه في فهم معنى القرآن. وكان ابن عباس يستشهد في تفسير القرآن بشعر العرب وامثالهم في تفسير المفردات، ففي أيام الصحابة بسبب عدم وجود المذاهب وبخاصة عدم وجود تأثير الثقافات الموجودة حول جزيرة العرب كانوا هم يراجعون في تفسير القرآن إلى اللغة لأنه بلسان عربي مبين.

الثاني: أن الأدب العربي في الجاهلية كان أدباً واقعيا بعيداً عن الخيال والأساطير فكما تعلمون أن الملاحم والأساطير دخلت الأدب العربي في أيام الأمويين والعباسيين، فالقرآن جمع ما في الأدب وزاد عليه ووصفه الله تعالى انه بلسان عربي مبني وتحدى العرب ببيانه وبلاغته، فمراعاةً لهذه الخصائص ينبغي أن يكون المنهج الصحيح في تفسير القرآن هو منهج مدرسة التفسير البياني، وفعلا طبع هذا المنهج من أول الأمر إلى زماننا مع

(411)

التفسير بالمأثور.

الثالث: أن الألفاظ والكلمات هي الغلاف للمعنى وان مراد الله لا يعرف إلاّ بطريق الألفاظ والكلمات ولا توجد واسطة غير الألفاظ والكلمات إلى وصول فهم مراد الله تعالى؛ لذلك أن مدرسة التفسير البياني هي المنهج الوحيد الذي يعتمد عليه في فهم القرآن العظيم في كلّ المسائل ويعاضده التفسير بالرواية وتفسير الآية بالآية.

ز ـ مدرسة الطوائف المذهبية الاعتقادية:

مثل تفاسير المعتزلة والشيعة القديمة وتفاسير الباطنية، وفي مثل هذه التفاسير توجد آراء مخالفة لروح الشريعة ولا يعتمد عليها في فهم مراد الله تعالى.

ح ـ مدرسة الآراء المختلفة العندية:

ولا يعتمد على هذه التفاسير في المسائل الشرعية بل يستفاد منها بالتوقي والحذر. ويقول الغزالي في تصويب مناهج الفكر ومسائل التلقي:

«إذا تأملنا ملامح الظاهرة الثقافية التي عليها المسلمون اليوم، سواء كانوا متعلمين أو كانوا من عوام الأمة نجد أن هناك خللا في تلقي القرآن الكريم وخللاً في التعامل مع القرآن... وهذا الخلل يعود إلى طريقة التدريس في مناهج التربية، في مناهج التعليم، إلى مؤسسات تحفيظ القرآن نفسها.

يشارك في هذا الخلل مؤسسات كثيرة عاملة في بناء الشخصية، فهذا الخلل أو تلك الأسباب التي انتهت بنا إلى ما نحن عليه إذا حاولنا الأخذ بسنة السببية التي نحن بصددها وهي دليل الوحي عندنا والتي كان إهمالها من أهم أسباب التخلف في مجال الدنيا وأعمارها والتواكل في مجال الدين والسلوك، لو أعملنا هذه السنة نستطيع أن نحدد موطن الخلل ـ في نظامنا التعليمي وفي التعامل مع القرآن منبع ثقافتنا الأصلي ـ الذي احدث هذه الظاهرة... فتغيير التعامل مع القرآن يجب أن يبدأ في إصلاح الخلل في مناهج التلقي

(412)

ووسائل التوصيل وإعادة بناء العقل على منهج فكري واضح نستطيع به تغيير التعامل مع القرآن.»

هذا الرأي صحيح شيئاً ما ويناسب زماننا، لأن المسلمين في القديم أصابوا الهدف وساروا في طريق صحيح وصلوا عليه إلى نتائج مهمة في مرافق الحياة. إلاّ أنّه انقلبت الأمة منذ مائة وخمسين عاماً تقريباً، فإذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نبحث ظاهرة هذين القرنين ونعرف كيف دخل الخلل في المناهج وفي التعامل مع القرآن الكريم ونعرف ما هو الخلل وكيف نتخلص منه.

7 ـ التفسير الجماعي أو التفسير الفردي:

من المعلوم أن التفاسير التي وصلت إلينا منذ أربعة عشر قرنا كلها فردية لا جماعية، وبعض الناس ـ الآن ـ يطالب بتأليف تفسير جماعي أي بتشكيل لجنة تقوم بتفسير القرآن، وهذه اللجنة بالطبع تتشكل من مختلف المتخصصين في علوم شتى لأن القرآن طرق كلّ أبواب العلوم الكونية والاجتماعية فيجب أذن أن يفسر القرآن بواسطة المتخصصين في العلوم المختلفة.

وهذا رأي يظهر في الوهلة الأولى أنّه أحسن طريق في تفسير القرآن. إلاّ إنني أخالف هذا الرأي في العموم بدعوى أن العمل فردي لا جماعي، لأن الرأي أن ما عمل ابن آدم علماً جماعياً بل عمل علماً فردياً ثم ركب هذه العلوم الفردية، ونتج من هذا التركيب هذه العلوم والتكنولوجيا. نعم أن ماكنة السيارة جاءت بفكرة واحدة من العلماء، ثم عكفت على هذه الفكرة جماعات من العلماء كلّ بمفرده يطور شيئاً أو جزءاً من هذه الماكنة وما زال تطويرها وتكميلها مستمرين.

فما بالنا لا نمشي في هذا الطريق ونسمح لكل فرد أن يجتهد في التفسير حسب

(413)

اختصاصه ويتابعه الآخرون، ثم نركب هذه التفسيرات وتجمع في كتاب وتقدم للقراء ويستمر تطوير هذا العمل إلى ما شاء الله تعالى.

ثم ليس المطلوب أن يعرف عامة الناس ما في القرآن في العلوم. لأن كلّ إنسان يعيش في الدنيا يهتم بموضوع معين، ولا يمكن له أن يلم بكل الموضوعات وكما تعلمون أن عصرنا عصر الاختصاص لذلك لا فائدة من تقديم تفسير شامل يجمع الصغير والكبير في صفحاته. وقديما فكر بعض العلماء في هذا الموضوع فألفوا تفاسير موضوعية مثل الطبري وابن كثير في الرواية والزراعة وفي العلوم العقلية، والطنطاوي في العلوم الكونية ونسأل: من يقرأ هذه التفاسير؟

أذن المطلوب هو أولاً: الاستفادة من القرآن في موضوع الهداية، وثانياً في موضوع الشريعة، وثالثاً: في موضوع الوعظ والإرشاد، ورابعاً: في موضوع السياسة والاقتصاد والإدارة، وخامساً: في موضوع العلوم الكونية.

وهذه الاستفادة تتحقق عن طريق بحوث مستقلة عما في القرآن من هذه الموضوعات فالذي يبحث في موضوع معين ينشر بحثه في كتاب تحت اسم تفسير آيات من القرآن ومن يهتم بهذا الموضوع يشتري هذا الكتاب ويقرأه ويستفيد.

يجب علينا أن لا ننسى أن القرآن كتاب هداية وإعجاز لأننا إذا ابتعدنا عن الهدف المطلوب وقعنا في الخطأ وهنا تجب الإشارة إلى أعمال أسلافنا حيث إنهم استفادوا من القرآن كأساس اصلي، ولكنهم رتبوا العلوم ودرسوها بمفردها وسموا كلّ علم بموضوعه؛ مثل الفقه والحديث والكلام والفلسفة والتاريخ والحقوق وعلم النفس وما إلى ذلك وكان كلّ عالم يستدل في كتبه بشيئين:

الأول: الكتاب والسنة.

الثاني: العقل أي العلوم العقلية التي أنتجها العقل البشري.

(414)

لأن القرآن شجع العقل في كثير من الآيات أن يفكر ويتدبر وأثنى الله تعالى على العلماء حيث قال: آمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.

قل هل يستوي الّذين يعلمون والذين لا يعلمون إنّما يتذكر أولوا الألباب﴾([22]).

وقال: ﴿ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك. إنّما يخشى الله من عباده العلماء إنّ الله عزيز غفور﴾([23]).

فالقرآن في الحقيقة بين للمسلمين خاصة وللناس عامة الطريق الصحيح في التعامل مع القرآن ومع الحياة الدنيا. لم تأت في القرآن آية تدل على إيقاف البحوث العلمية خارج القرآن، بل شجع الناس أن يستعملوا عقولهم والنتيجة التي يصل إليها عقل البشر ليست مهمة من ناحية الإيمان لأن الله تعالى قال في كتابه:

﴿وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. إنا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا﴾([24]).

وقال: ﴿ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفانت تكره الناس حتّى يكونوا مؤمنين﴾([25]).

وقال الله تعالى: ﴿إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم﴾([26]).

فإن هذه الآيات تدل على أن القرآن طلب من نبيه الكريم وممن آمن به وسار في

(415)

طريقة أن يبلغوا ما أمر الله تعالى للناس وما نهاهم عنه ثم، أن يتركوا الناس على حالهم لأن الله تعالى يتولى الأمر بعد تبليغه للناس وذلك كما ورد في الآيات أن الجنة والنار حق والناس كلهم عباد الله فله ما شاء في حقهم.

أما إذا قلت إذا كان الأمر كذلك فما معنى الجهاد؟

الجهاد أو الحرب في الإسلام ليس أصلاً من أصول الدين وإنّما هو متعلق بالحرية وذلك انه يجب أن يكون لكل شخص حرية التفكر وحرية التبليغ، والإسلام دين التبليغ وليس دين الحرب.

أما إذا منع أحد أحداً حق التبليغ فهو متجاوز فالمتجاوز عليه له حق الدفاع، ففي حالة التجاوز يدافع المسلم عن حقه الإنساني.

فالجهاد هو التبليغ وإذا منع الناس التبليغ فمعناه أنهم تجاوزوا على حق غيرهم ولهم أن يدافعوا عن حقهم فهذا هو الحرب.

يذهب المسلمون إلى بلاد الكفار لهذه الغاية ويه تبليغ دين الله ولا يذهبون لاستغلال ثروات هذه البلاد ولا يجبرون الناس على الإسلام.

8 ـ أهمية علم النفس وعلم الاجتماع وعلم التربية في تفسير القرآن:

القرآن من أوله إلى آخره يهتم بالإنسان كفرد عادي، يهتم بجانب الإنسان النفسي والاجتماعي والأخلاقي فالله سبحانه وتعالى يقص قصص أنبيائه ورسله وينقل ما قاله المعارضون ويعلل ما قالوه، ثم ينتهي كثير من الآيات بالعفو والرحمة والمغفرة والتوبة كما قال تعالى: ﴿أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إنّ ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين﴾([27]).

(416)

ولو عملنا بحثا حول هذه الآية فقط لعلمنا أهمية هذه العلوم النفسية والاجتماعية والتربوية ولفسرنا القرآن بهذه المناهج.

كلمة «أدع» أمر للرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ وكان هذا الأمر عاما لعامة الأنبياء والرسل فالأمر يقدر بالمأمور. هنا المأمور الدعوة والدعوة ليست مخصوصة بالنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بل انتقلت منه إلى أمته بصفتها وظيفة دينية إلهية.

وفي تفسير هذه الآية نقول: «أيها المسلمون ادعوا إلى سبيل ربكم بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلوا بالتي هي أحسن.» فللدعوة جانب نفسي وجانب اجتماعي وجانب تربوي فلابد من رعاية هذه الجوانب لتكون الدعوة دعوة إسلامية كما أمر الله في القرآن وتؤثر على المدعوين تأثيراً إلهياً فالله لا يخلق تأثير الدعوة أن لم تكن الدعوة موافقة لرضى الله، ونظن أن رضى الله يتحقق إذا كانت الدعوة تجري في حدود التبليغ مع المراعاة لجوانب الإنسان النفسية والاجتماعية والتربوبة.

9 ـ مشكلة تفصيل المجمل وتخصيص العام:

تفصيل المجمل في التفسير شيء مهم جداً لأن الله تعالى أجمل بعض الموضوعات في القرآن وفصل بعضاً.

اليست هناك حكمة للأجمال وللتفصيل ؟ بل لابد من حكمة فالله سبحانه وتعالى وصف القرآن بأنه كتاب مبين وأنه بلسان عربي مبين واستعمل كلمة التفصيل ولم يستعمل كلمة الأجمال وقال:

﴿وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلاّ ما اضطرر تم إليه وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم إنّ ربك هو أعلم بالمعتدين ذروا

(417)

ظاهر الإثم وباطنة إنّ الّذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون﴾([28]).

تدل هذه الآية على انه تعالى فصل المحرمات كلها لماذا ؟ لأنه قد يأتي أناس من المتشددين يحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرم الله كما وقع هذا في أهل الكتاب([29]). وكما نرى في بعض المذاهب الإسلاميّة الآن يحرمون أشياء بالقياس لم تكن محرمة في القرآن ولا في السنة.

وقال في سورة الإسراء ﴿... وكل شيء فصلناه تفصيلاً﴾([30]).

وقال في سورة الأنعام ﴿أفغير الله ابتغي حكماً وهو الذي انزل إليكم الكتاب مفصلاً﴾([31]) فالله سبحانه وتعالى فصل كتبه من الأحكام تفصيلاً دقيقاً كما في الميراث والإيمان وأجمل بعض المسائل.

فالسؤال: هل الأحسن تفصيل المجمل أو تركه على حاله كما في القرآن ؟ يجب علينا أن نفكر في هذا الموضوع. لأن المطلوب في الدين الوصول إلى رضى الله تعالى، ثم أن تفصيل المجمل أحيناً يأتي بالاختلاف بين المسلمين ومن ثم يفترق المسلمون إلى مذاهب شتى ولو تركنا المجمل على حاله ماذا يحصل؟

 

([1]) ـ النساء: 48.

([2]) ـ البقرة: 185.

([3]) ـ النساء: 28.

([4]) ـ النساء: 26.

([5]) ـ النساء: 31.

([6]) ـ الأنفال: 46.

([7]) ـ النحل: 8.

([8]) ـ المائدة: 67.

([9]) ـ آل عمران: 20.

([10]) ـ الرعد: 38 ـ 40.

([11]) ـ المائدة: 99.

([12]) ـ النحل: 35.

([13]) ـ النور: 54.

([14]) ـ العنكبوت: 18.

([15]) ـ يس: 17.

([16]) ـ الشورى: 48.

([17]) ـ الأنعام: 66.

([18]) ـ الأنعام: 106 ـ 107.

([19]) ـ يونس: 108.

([20]) ـ الرحمن: 29.

([21]) ـ الرحمن: 26و27.

([22]) ـ الزمر: 9.

([23]) ـ فاطر: 28.

([24]) ـ الكهف: 29.

([25]) ـ يونس: 99.

([26]) ـ الأنفال: 42.

([27]) ـ النحل: 125.

([28]) ـ الأنعام: 119، 120.

([29]) ـ آل عمران: 93.

([30]) ـ الإسراء: 12.

([31]) ـ الأنعام: 114.

ارسال نظر