التحديات الراهنة كيف نواجهها

التحديات الراهنة كيف نواجهها

 

 

التحديات الراهنة كيف نواجهها

 

حجة الاسلام محمد علي نظام زاده

ممثل الولي الفقيه لدى طلبة شرق آسيا- إيران

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.

أتقدم أولاً بالشكر الجزيل للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية على إقامة هذا المؤتمر الإسلامي الدولي في هذه الفترة العصيبة من حياة أمتنا وعلى اختيار المحاور التي ترتبط بما يواجه أمتنا من تحديات.

إن التحدي الأول المذكور في قائمة تحديات التركيبة الداخلية لأمتنا هو الابتلاء بحالة التطرف، كما هو مذكور في محاور وموضوعات هذا المؤتمر الموقر. ولعل ذلك يعود إلى ما تشهده الساحة الإسلامية من مظاهر عنف وإرهاب، وما نسمعه كلّ يوم من قتل وتفجير وتفخيخ، وما تطلع علينا بين حين وآخر من دعوات متخلفة متعصّبة تكفيرية..

ومن الواضح جداً أن هذه الحالة لا ترتبط بطبيعة الإسلام، فالنصوص الدينيّة بأجمعها ترفض ذلك، والتاريخ يشهد بأن أمتنا الإسلامية أقامت حضارة عظيمة ساد فيها العقل والحوار واحترام الآخر ونشط فيها التعارف بين الشعوب والقبائل، وتعالت فيها الأمة على الاختلافات القبلية والقومية، بل وحتى الدينيّة، فقد ساد الاحترام بين أصحاب الاتجاهات الفكرية والمذهبية المختلفة داخل الأمة، بل ساد الاحترام في تعامل الأمة مع أصحاب الاديان المختلفة، وتعامل الإسلام مع الزرادشتيين في إيران من أبرز الامثلة على ذلك، كما أن مساهمة اليهود والنصارى والصابئة مع المسلمين في الحقول العلمية والادارية أفضل دليل على روح الانفتاح والسماح في حضارتنا تجاه الآخر.

ولكن مع هبوط حركة الحضارة الإسلامية برزت مظاهر العنف والتعصب والارهاب في مجتمعاتنا، وهي ظواهر قد أضرّت بأمتنا وأنزلت بها الويلات وشوّهت صورتها أمام شعوب العالم. وكانت هذه الموضوعات الشغل الشاغل لكل المهتمين بأمور أمتنا خلال العقود الأخيرة.

ولقد قُدّمت في هذا المجال مشاريع كثيرة لعلاج هذه الظاهرة وكتبت دراسات في تحليلها، لكن الأمرَ ازداد سوءاً لأن القضية أولاً معقّدة وكبيرة وهي ثانياً ذات أبعاد محليّة ودوليّة واسعة.

غير أنّ هناك اتجاها غريباً بدأ يظهر على الساحة في تناول هذه القضية المهمّة الحساسة هو الخلط بين مفهوم «الجهاد» و«النضال الوطني» و«مكافحة الاحتلال» وبين الإرهاب والعنف في منطقتنا الإسلاميّة.

وهذه الظاهرة بدأت تتصاعد بعد انتهاء الحرب الباردة وأحداث 11 سبتمبر والاستفراد الامريكي بالمنطقة، وطرح مشاريع العولمة الثقافية والسياسية.

ومن الطبيعي جداً أن يتّجه المستكبر الطامع إلى إخصاء كلّ تحرك حيويّ إنساني بين المسلمين، لتحويلهم إلى قطعان لا يهمّها الاّ همومها الغريزية واليوميّة الصغيرة.

ومن الطبيعي جداً أن يعمد هؤلاء إلى خلط الاوراق حتى يصبح من العسير التفريق بين مظاهر «الحياة» في الأمة ومظاهر «الهمجية».

ولكن من غير الطبيعي تماما أن تنطلي هذه الأمور على رجال أمتنا وأبناء جلدتنا فيقفون مع هذا الخلط في الاوراق ومع هذا الدجل العالمي الذي يريد أن يستأصل كل مقاومة في أمتنا وكل ردّ فعل تجاه الاغتصاب والظلم والاحتلال والتدمير والتدخل في كلّ صغيرة وكبيرة من أمور أمة محمدبن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم).

لا أقصد هنا اطلاق شعارات أو إثارة حماس بل أستهدف القول إننا أمة لها حقّ الحياة وحقّ العزّة وحقّ الكرامة وحقّ تقرير المصير، فلماذا هذا التدخّل السافر في شؤوننا؟ لماذا التدخل في فرض النمط الخاص من الاصلاح والديمقراطية على بلداننا. لماذا هذا العداء السافر والموقف الحاقد تجاه النظام الإسلامي في إيران على سبيل المثال، وهو بكل المعايير الديمقراطية يشهد أعظم تجربة في السيادة الشعبية الدينيّة، ويشهد اكبر مشاركة جماهرية في انتخابات مسؤوليه، ورغم ذلك يواجه تصريحات معادية وقيحة أقل مايقال عنها أنها انتهاك لحرمة الشعوب وسيادتها وعزتها وكرامتها.

لو ألقينا نظرة ولو سريعة على ماجرى في أفغانستان والعراق والجزائر والسودان وغيرها من المناطق التي شهدت أحداث عنف مؤسفة لتلمسنا بوضوح الايادي الاجنبية التي افتعلت ولاتزال تفتعل الاحداث المأساوية، لتلقي بلائمة مايحدث على الإسلام.

لا أريد أبداً أن أعلّق مظاهر العنف في العالم الإسلامي على شمّاعة الاجانب، بل أريد أن أقول إن هذه المظاهر لها أسباب داخلية وعوامل خارجية.. ولايجوز أن نغفل عن العوامل الخارجية أبداً، فهي التي سلّطت علينا طالبان وشوهت بهم وجه الإسلام ثم ضربتهم لتحرر المنطقة من التعصّب والتخلّف !! وهي التي دعمت النظام العراقي البائد وغذّته بكل وسائل العدوان ثم أجهزت عليه باسم إنقاذ الشعب العراقي والمنطقة من شرّه.. وهي التي تثير الفتن القبليّة والطائفية والاقليمية لتصوّر المسلمين بأنهم يحتاجون إلى من يحميهم من هذه النزاعات ويتولّى أمر استتباب الأمن في منطقتهم.

غير أننا نقرّ ونعترف بأن هناك عوامل داخليّة لابدّ أن نعالجها كي نتخلّص من هذه المظاهر المؤلمة المؤسفة المشوّهة لسماحة الإسلام وروحه الحضارية.

ومن أهمّ هذه العوامل التخلّف الحضاري.. فلا تزال الروح البدوية التي أفرزت الخوارج سائدة في كثير من أوساطنا الإسلاميّة، لايزال بعضنا يروّج لإشاعة هذه الروح باسم السلفيّة والوهابية والنصوصيّة ومكافحة البدع.. وأمثالها من اللافتات.

إنّ هذه الحالة من التعصّب والتحجّر لايمكن مواجهتها إلاّ بحركة علميّة عقليّة ثقافية تتطلّع إلى المستقبل وتنظر إلى العالم بأفق رحب واسع يتناسب مع عظمة الأمة الخالدة الشاهدة الوسط على ساحة التاريخ.

ولكن الاتجاه نحو هذه الحركة العلميّة العقلية يصطدم بعقبتين، الاولى حالة التخلف القائمة في عالمنا الإسلامي، وهذه يمكن معالجتها بالحكمة والموعظة الحسنة وتربية الاجيال الصاعدة على الانفتاح المقرون بالاصالة والالتزام بالهويّة.. وهذا ما نفعله اليوم في ايران.

غير أن العقبة الثانية وهي الأسوأ تتمثل في تأهب الآخر لخوض صراع حضاري مع العالم الإسلامي كي لا تقوم له قائمة.

مقتل مئات العلماء العراقيين بعد الاحتلال ظاهرة تستحق كل الاهتمام، وتفريغ العراق من محتواه الحضاري بتدمير المكتبات والمتاحف أمرٌ يحتاج إلى دراسة وتحليل من كل المهتمين بمستقبل أمتنا.

توجيه بعض الفضائيات التي تثبط العزائم وتستهين بقدرة المسلمين وتشيع في النفوس روح الانبهار بالغرب والهزيمة النفسية أمامه وتثير الغرائز الهابطة موضوع خطر على روح الحركة العلمية الحضارية في أمتنا.

الموقف من الملف النووي السلمي في إيران امرٌ يندرج في هذا السياق، خاصة وأن إيران أعربت عن استعدادها لإعطاء كافة الضمانات اللازمة لعدم تجاوز الخط السلمي في الاستخدام.

ما تفعله الحركة الصهيونية العالمية من رصد دقيق لكل تطوّر علمي في العالم الإسلامي واختراقه ومحاولة هدمه والتعرّف على النوابغ والعقول المبتكرة وتوفير سبل الهجرة لها من بلاد المسلمين أمر هام للغاية.

دخول الصهيونية إلى اقتصاد السوق الإسلامي ومحاولة زعزعته حينما يشهد أي انتعاش، كما حدث في بلدان شرق آسيا هو أيضا من محاولات التصدّي الخارجي لكل تحرّك نحو التطوّر في عالمنا الإسلامي.

وأنا من خلال عملي مع الطلبة الايرانيين في الخارج اطّلعت على كثير من الخطط التي وضعها أقطاب الصراع الحضاري في حقل هجرة الأدمغة، واستثمار الموهوبين في عالمنا الإسلامي لتنفيذ أغراضهم، وإفراغ بلداننا من الكفوئين والمبدعين والمبتكرين. وهو خطر لا تجوز الاستهانة به.

وليس أمامنا تجاه هذه التحديات إلاّ أن نعتمد على الله الواحد الأحد، الذي يعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأن تتظافر جهودنا لمواجهة الغزو الثقافي من جهة، ورصّ صفوفنا الداخلية من المحيط إلى المحيط من جهة أخرى. وأن نعمل معا علماء وجامعيين وفنانين وأدباءَ وأصحابَ قلمٍ وفكرٍ على دفع حركة الأمة نحو مستقبل حضاري تعود فيه الحركة العلمية كما كانت في عصر الازدهار، ويعود عالمنا الإسلامي ليكون قرية إسلامية مترابطة متراصة متواصلة متعارفة إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق المشاركين في هذا المؤتمر لدراسة موضوعية لما يواجهنا من تحديات ولما يجب أن ننهض به لمواجهتها.

والله ولي التوفيق.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركات.