الحجاب نظرات عن الإسلام في ساوباولو المولودون على السلام وحديثو العهد بالإسلام

الحجاب نظرات عن الإسلام في ساوباولو المولودون على السلام وحديثو العهد بالإسلام

 

الحجاب نظرات عن الإسلام في ساوباولو المولودون على السلام وحديثو العهد بالإسلام

 

 

الدكتورة فرانسيرو سي اكامبوس باربوسافيرايرا

 

يهدف النص الذي بين يدينا إلى أمرين، الأول: يتمثل في تقديم موجز للسياقات التي أجرينا فيها البحث، أي المساجد التي التي شملها البحث الميداني بين سنتي 1998 و2007، والثاني: مناقشة بعض النقاط المثيرة للجدل والتي صادفناها خلال بحثنا الميداني، والمرتبطة بالعلاقة بالمولودين على الاسلام (الذين ولدوا مسلمين) والمعتنقين ( البرازيليون غير العرب الذي أصبحوا مسلمين إنطلاقا من احتكاكهم بهذه العقيدة الدينية) وهذا العمل جزء من  البحث الذي أنجزته لنيل الدكتوراه تحت عنوان : "Entre arabescos ,luas e tâmaras performances islâmicas em São Paulo   " (بين العرب، أهله وثمور، الأداء الإسلامي في ساباولو ).

 

التجمعات العربية (اللبنانية والبرازيلية) بمدينة ساوباولو:

تتميز مدينة ساوباولو بكونها، دون شك، فضاءاً رحباً للتجارب الدينية من مختلف الأنواع. إذ من المعروف أن هناك تنامياً كبيراً للكنيسية البروتسنتانية – البنتكوستالية (الرب حب) والبنتكوستالية الجديدة (المملكة العالمية للرب، والإنبعاث عن المسيح)، والديانات الأفروبرازيلية من قبيل (التريروس) و( الكاندومبلي)، وكذا اتسعاً في رقعة الديانة الإسلامية. فساوباولو مدينة للتنوع الديني. حالياً، يمكننا أن نجد مساجد ومعابد أخرى متضمنة في المسالك السياحية للمدينة وحسب كالأندار، توجد الآن حوالي 30 ألف أسرة مسلمة في ساوباولو (2001 – ص.162) في هذا السياق، من المهم جداً الإشارة إلى الدور الذي تلعبه المساجد، لأن الجاليات المسلمة تنتظم حسب هذه المساجد.

تشير المرنيسي إلى أن الجامع كان المكان الأول والوحيد الذي كان المسلمون يتدارسون فيه قضاياهم الإجتماعية، كما أن الرسول الأعظم (ص) اتخذ الحجرات مسكناً له لصيقا بهذا الفضاء (2003 - ص.132). والمسجد كذلك مكان للعباده وتنظيم أمور الحياة اليومية ومكاناً لإتخاذ القرارات. وصلاة الجمعة هي المناسبة التي تتمكن فيها هذه الجالية، بما فيها النساء، من الصلاة وتقصي آخر الأخبار وتلقي النصائح والتوجيهات (المرجع السابق، ص. 133):

كان الجامع أكثر من مجرد مكان للعبادة، كان منتدى يسمح فيه بالتعبير عن الجهل بالأشياء، وعن صياغة الأسئلة، وهي أشياء ممنوعة في وقنا الحاضر. لكنها، بالخصوص، مكان يمكن في التحاور بين المرشد الديني والأمة. وكان الرسول(ص) قد اتخذ قراراً، يبدو بسيطاً، بوضع منبر في المسجد بإعتباره أرا يهم جميع المسلمين. (الرئيسي، 2003 – ص. 134)

فالحاجة إلى مكان مثل الذي سبقت الإشارة إليه، دفع بالمهاجرين الفلسطينين بالبرازيل تأسيس (الجمعية الخيرية الإسلامية بساوباولو) سنة 1927، ليتم بعد ذلك، سنة 1929 حذف كلمة (الفلسطينية) في التسمية لتمكين المجموعات الأخرى من الإنظمام إليها. وكان من بين أهدافها تأسيس مدرسة لمحو الأمية في اللغة البرتغالية للمهاجرين الجدد، لكن مع مزيد من التضحيات، كبر طموح هذه الجالية ففكرت في بناء مسجد، ليتأسس سنة 1946 أول مسجد في البرازيل (مسجد البرازيل) والمعروف بمسجد ساوباولو. يقع هذا المسجد بحي كامبوسي، بمحاذاة شارع استادو (الوسط الجنوبي)، وقد بني بدعم من المهاجرين العرب الذين وصلوا إلى البرازيل في ما بين الحربين العالميتين. ويجلب إنتباه كل المارين في الشارع.

كان هذا أول مسجد أكتشفته سنة 1998، وكان إحساسي آنذك كامسافر عبر الزمن، لأنني لم أكن في الزمن اليومي، بل في زمن ينتمي لأماكن أخرى، وقارة أخرى، وهذا الإحساس بأنك في مكان آخر أمر مشترك بين كل الأماكن المقدسة، مثل الكنائس القوطية، الصمت، والضوء النافذ من الزجاج، والأثاث. كانت الفرش يغطي كل طابق المسجد، ونساء يرتدين الحجاب، ورجال يرتدون قمصانا طويلة بيضاء.

أثناء إعداد بحثي لنيل شهادة الماجستر، أخذت بعض الصور من داخل المسجد. وأول درس كنت قد تعلمته كان عن استعمال الحجاب والمكوث في الأماكن المخصصة للنساء، والذي كان حينها في العلية أسفل السقف. أما الآن فالنساء يصلين في نفس الطابق خلف الرجال، وقد تم توسيع المكان المخصص لهن.

و يتميز المسجد بلون الطلاء الأبيض الذي يغطي واجهته الخارجية، أما في داخله فقد زين بزخارف وخطوط عربية تملأ السقف والجدران والجوانب. وفي أرضية المسجد يمكن أن نرى الخطوط البيضاء، التي يصطف عندها المصلون، وهي مائلة قليلا وتتجه كلها نحو الكعبة.

أما مسجد سانتو أمارو فتأسس سنة 1977، بمنطقة ساوباولو الجنوبية، حيث تعيش حوالي 500 أسرة مسلمة مقيمة. وقد أسست الجمعية في مزرعوتم اقتناؤها من مساهمات المسلمين، وتعتمد حالياً على دعم وزارة الأوقاف المصرية التي تبعث شيخاً كل سنتين أو ثلاث سنوات.

و يعتبر مسجد ساوبيرناندو دي كامبو الوحيد في منطقة ABCD. وقد تدشينه سنة 1990، بعد ست سنوات على الشروع في أعمال البناء. وقبل الإنتهاء من بنائه كانت الصلاة تؤدى في إحدى الصالات التي تم أكترائها (2003-Ramos،              ص. 68). وتشتهر مدينة ساوبيرناندو دو كامبو بالأثاث، وهو النشاط الذي يمارسه العديد من المسلمين في البرازيل منذ عقدي الخمسينات والستينات. كما ونجد معظم العرب المسلمين كذلك يشتغلون في تجارة الألبسة والأقمشة بهذه المنطقة وكذا في منطقي براس وسانتو أمارو. وحسب إحصائيات راموسRamos  فإن 58.6% من المحلات بمنطقة ساوبيرناردو دو كامبو هي ملك اللبنانين، متبوعين بالإيطاليين الذين يملكون 13.8% (مرجع سابق، ص. 74). وتجدر الإشارة إلى أن الخبرة في هذا النوع من التجارة هي سمة مشتركة بين الجاليات العربية، المسلمة وغير المسلمة.

كانت هجرة المسلمين اللبنانيين والسوريين أكثر بكثير من نظرائهم من الجنسيات الأخرى، الذي فروا من الإمبراطورية العثمانية أثناء الحربين العالميتين، واستقروا في البرازيل. وكانت النساء، اللواتي وفدن عازبات، يتزوجن هنا من أبناء عاءلات عربية معروفة، أما الرجال فكانوا من نساء لبنانيات، إلا أن كثيراً منهم تزوجوا أيضا من برازيليات، وهو ما يصعب عملية تبليغ التعاليم الدينية، خاصة أن التربية الدينية للأبناء هي من مسؤولية الأم وفق أعراف المسلمين وعاداتهم.

تختلف جاليتا / براس وسانتو أمارو عن جالية ساو بيرناردو دو كامبو من حيث التنوع الثقافي والمشاكل التي تواجهها هذه المنطقة كل واحدة على حدة. وعلى كل حال فإن اختيارنا إجراء بحثنا على هذه الجالية بالذات يستند إلى إستراتيجية واقعية، بحيث نجد في الإحتفالات والمخيمات مسلمين قادمين من أحياء ومدن أخرى، من محافظة ساوباولو ومن محافظات أخرى، وحتى من دول أخرى. ولهذا فلن نقتصر على ساوبيرناردو دو كامبو، لأن مفهوم الجالية هنا يمتزج بالمجتمع، أي أنه يأخذ بعداً أكثر تعقيداً. ومن المهم الإشارة إلى أنه بالتفكير في شبكة الأداء الفعال، أستند إلى الفكرة التي صاغها لاتور (1994 - Latour )، الذي يرفض مفهومي المركز والهامش، مبرراً ذلك بأن الشبكة ليس لها مركز ولا هامش، بل فقط ثقل، ومن هذا المنظور سأتطر إلى مجموع الطوائف الإسلامية في ساوباولو.

في أقصى جنوب ساوباولو، يقع مسجد فيلا ساو خوسي (كراخاو / سور - / Grajau Sul)، وهو يبدو بيتاً عادياً لو لا النجمة والهلال في أعلى الصومعة اللتان تبينان أننا أمام مصلى إسلامي. وتوجد كذلك مساجد أخرى في أطراف المدينة، في ساو ميغل باوليستا وفيلا ريكا (في المنطقة الشرقية)، ومسجد لارييوبليكا (الذي يقع في المنطقة الوسطى من المدينة)، وفي مدن أخرى مجاورة، مثل كواروليوس، ومجي داس كروزيس، وو سانتوس.

أمام مسجد باري فيتوافد عليه الأشخاص الذين يعيشون في المنطقة الوسطى أو في الأحياء والمدن القريبة حيث لا توجد مساجد، ويقع بالقرب من المنطقة الوسطى لساوباولو، في حي براس. وتضم هذه الجالية عدداً مهما من المسلمين الذين يعيشون في ساوباولو، وقد تأسس المسجد في بداية عقد 2000 بشارع لاداريو، لينضاف إلى لائحة المساجد التي تضمها المدينة. كانت الصلوات في السابق تؤدى في المركز الإسلامي بشارع ماريا ماركولينا، الواقع كذلك في منطقة براس. ويستقطب مسجد ساوبيرناردو دو كامبو مسلمين من ساوباولو بالإضافة إلى الذين يفدون عليه من منطقة ABCD الكبرى.

يمكن أن نقول أن الطوائف المسلمة تنتشر بساوباولو في جميع الإتجاهات، من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب. ونجد في الغالب أن المسلمين الذين يقنطون بالمنطقة الوسطى يتوافدون على مساجد أحياء سانتو أمارو، أو كامبوسي، أو جوندياي.

و تعتبر ولاية ساوباولو أكثر الولايات إحتضانا للمساجد والمراكز الإسلامية بالبرازيل. ولا أنوي في هذا العمل أن أحلل أسباب هذا التمركز، ولكن أشير فقط إلى أنه في بلدنا، نجد أن الإسلام يتمركز بنسبة كبيرة في مناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية، وبخاصة في بارانا (فوز دي ايغواسو ومدن أخرى)، وفي المنطقة الجنوبية الشرقية (ساوباولو، ريو دو جانيرو، وميناس جيرايس)، وفي المنطقة الجنوبية (فلوريانوبوليس. وفي الشمال الشرقي، نلاحظ حضورا مكثفا للمسلمين في باهيا وبارايبا.

مسارات جديدة، وعرب جدد:

يبدأ بحثنا الميداني في مسجد براس، وبعد سنة، في الفترة الإنتقالية بين الماستر وبداية الدكتوراه، عرفت مساجد أخرى، وتعرفت على مسلمين آخرين، وعلى مظاهر أخرى من التدين الإسلامي. وبمعنى آخر، كان تقريبي من الجالية الإسلامي بساوبيرناردو دو كامبو تدريجيا. فما يسمى بتجربة القرب وتجربة ترك المسافة ( Experience-near وexperience-distant  ) أمران أساسيان في عملية إختيار المجال الإثنوغرافي وتحديد عناصر البحث.

نجد في الجالية المسلمة بساوبيرناردو دو كامبو، حيث غالبية المتواجدين بها من أصل لبناني، أن النساء في غالبيتهن يضعن الحجاب. ويبدو أن هذا مرتبط بالأمرين التاليين: فخلال فترة الهجرة كانت هذه الجالية تهتم بالحفاظ على دينها. وعلى عكس الجالية التي استقرت بمنطقة براس، والتي عاشت فترات أبتعاد عن الدين، نجد أن مسلمي ساو بيرناردو دو كامبو، بالإضافة إلى محاولتها الإستقرار على مقربة بعضهم البعض، فإنهم كانو يستعملون الدين لتوحيد الجالية المسلمة.

و لهذا قررت في نهاية أن أركز في عملي على منطقة ساوبيرناردو وكامبو، لأنني لمست في هذه الفضاء شيئاً أكثر من مجرد إعادة الإقتراب من الإسلام. يتعلق الأمر، منذ الوهلة الأولى، بطائفة يبدو أنها تعكس نوعاً من التقاليد: نساء محجبات، ومدرسة إسلامية، ومسلمون يعيشون بالقرب من المسجد، ورجال ملتحون (و هي أمور عادية عند مسلمين ملتزمين بممارسة شعائر دينهم)، وخاصة، صلاة الجمعة التي يغص المسجد بالرجال والنساء والأطفال.

و على عكس العديد من الأماكن الدينية، ففي هذه المسجد لا يعم الصمت كما في أماكن العبادة الكبرى. فالأطفال يركضون داخل المسجد، ويلعبون ويصلون ويتكلمون. لا توجد كراسي، بل زرابي فقط. وأنا جالسة على البساط، بدون حذا، أخذت ألاحظ الثادمين إلى المسجد وسلوك كل واحد منهم: كيف يتقربون، العناق بين الرجال، والقبلات بين النساء، وأطفالهن بين أذرعهن أو يركضون حولهن، كنت ألاحظ كذلك الشابات حديثات العهد بالإسلام، واللواتي يزداد عددهن بين كل زيارة أقوم بها للمسجد. فالمسجد فضاء للتعايش بين الإختلافات.

و من بين ما سجلته في مذكراتي خلال البحث الميداني في أبريل 2002، أذكر ما يلي:

      اليوم يوم جمعة، اليوم المقدس لدى المسلمين، اليوم الذي يتوجب فيه على الرجال الذهاب إلى الجامع ...    أقول الرجال لأن حضور النساء إختياري، غير أن الأمر يختلف في مسجد ساو بيرناردو دو كامبو: الرجال والنساء والأطفال يتسابقون إلى المسجد من أجل الصلاة. غالبية الحاضرين رجال، لكن حضور النساء هنا يفوق ما كنت قد رأيته بمساجد أخرى في ساوباولو. يمكن سماع همس الأطفال في الممرات الجانبية للمسجد، عندما يعودون من المدرسة بحقائبهم المجرورة ... عندما يصل المصلون ينزعون أحذيتهم، ثم يؤدون تحية المسجد فرادى. أما النساء فيضعن الحجاب محاطات بأبنائهن. وأنا (هنا) هناك، بينهن، وقد وضعت عني حجابي الأبيض. وتعرف على مستجوباتي ويقتربن مني قائلات: " السلام عليكم". تبدأ صلاة الجمعة بخطبة عربية يقرؤها الشيخ من المنبر وهو مكان عال يستطيع الجميع رؤيته فيه. غالباً حول القرآن أو حول موضوع يخص حياة المسلمين. وتمتد الخطبة، في متوسطها، ثلاثين دقيقة. بعد الإنتهاء من الخطبة يتقدم أحد المسلمين (المترجم) ليعيد قراءة نفس الخطبة بالبرتغالية، ثم تأدى الصلاة الجماعة. وكان موضوع الخطبة ذلك اليوم هو مجزرة جنين. أثناء الخطبة يجلس الجميع، ويتكئ البعض على الجدران، ويستمعون. أعرف الشيخ الذي يلقي الخطبة، إنه الشيخ ينسان، العراقي الوحيد بين الأغلبية اللبنانية، عندما يخطب يبدأ الحاضرون في التهامس وكأنهم يعلقون على الخطبة. كانت مفاجأتي كبيرة حينما رأيت النساء والرجال يبكون بشدة. وقتها، اقتربت مني الصغيرة كريمة وقالت لي: " إنه يتحدث عن إخواننا الفلسطينيين". كانت الخطبة قوية ومؤلمة، بحيث إن الخطيب بدوره لم يتمالك نفسه واستسلم للبكاء في النهاية. وبعد إنتهاء الصلاة يتعانق الرجال فيما بينهم والنساء كذلك فيما بينهن، لمواساة بعضهم البعض من الألم، وبخاصة الشيوخ الذين مازالو يبكون.

تتميز مدينة ساوبرناردو دو كامبو كذلك بكونها محطة عبور بالنسبة للمسلمين، خاصة في فترة الأعباد التي تعرف إقبالا كبيراً. في مثل هذه الأوقات غالباً ما أحتار بين المكوث في ساوبيرناردو وتجاهل باقي المساجد أو الأشخص الذي يجوبون المدينة. أعترف أن هذه الحيرة لازمتني طيلة مدة إعداد الدكتوراه وكنت في لحضات التردد هذه بخصوص تحديد العينة التي يجب تعريفها، أتذكر كلام الأستاذ فاكنير غونسالبيس دا سيلفا أثناء اجتيازي لامتحان التأهيل: " كل ما يقع في الشبكة فهو سمك!!!" فقررت عدم إحتقار التجارب العديدة التي قد أعيشها خلال إنجاز بحثي.

في هذه المنطقة نجد كذلك بعض الأماكن الحضارية التي تدخل ضمن المسالك التي أنشأها المسلمون القانطون هناك: مسجد أبو بكر، وتجمع الشباب المسلم بأمريكا اللاتينية (WAMY)، والمركز الإسلامي، ومطعم يديره زوجان مسلمان، ومدرسة، والبيوت، والبنايات ومزرعة سلطان الكائنة في رياتشو كراندي (حيث تنظم الأعياد الرئيسية للجالية المسلمة).

و يمكننا كذلك تحديد مسارات المسلمين الذين يعيشون في المدينة طيلة يوم الجمعة: البيت/المسجد. العمل/ المسجد. البيت/مقر تجمع الشباب/المسجد. المركز الإسلامي/المسجد. في أيام الأعياد يكبر قطر المسار: البيت/مسجد أبو بكر/مزرعة أو بيت/المسجد/مزرعة السلطان. في هذه الأيام نستطيع أن نلتقي بمسلمين قادمين من جهات أخرى لساوباولو وحتى من مدن أخرى. ويقوم المسلمون في هذه الأيام بصلة الأرحام، أحياناً لأن لديهم أقارب يقطنون بتلك الأحياء بالظبط أو لأنهم برازيليون، ويلتقون في هذه الأعياد مع المسلمين.

يقع المسجد وسط بيوت الطبقة المتوسطة، في حي من أحسن أحياء المدينة، وسرعان ما يثير انتباهنا تواجدنا في مكان مختلف عند عبورنا للأزقة مشياً على الأقدام أو بالسيارة، نظراً للعدد الكبير من البنات والنساء اللواتي يرتدين الحجاب. إنه جزء من بلدة سلطان، تلك المدينة اللبنانية التي ينتمي إليها غالبية هؤلاء المسلمين. الشوارع مشجرة، والحركة تكون كثيفة أيام الجمعة، يوم الصلاة، وهو اليوم الذي يمتلئ فيه المسجد بالأطفال، والنساء والرجال.

يتميز المسجد ببساطة زخرفته الداخلية، وما يثير الإنتباه فيه هو الثريا والقبة الخضراء. أنارة زجاج النوافذ فعليه رسوم بالخط العربي، وفي الجهة الخلفية للمسجد نجد جناحاً يحوي غرفاً مخصصة للتلاميذ القانطين هناك وقاعات لتدريس الدين وتحفيظ القرآن.

و تعتبر الجالية الموجودة بساوبيرناردو دو كامبو، إحدى أكبر الجاليات المسلمة من حيث تعداد أفرادها ضمن محافظة ساوباولو، وتتألف تقريبا من 400 أسرة لبنانية وأخرى أعتنقت الإسلام. وهي جالية نشطة، حيث يتم تلقين الدين للنساء والأطفال، وكما يتم تعليم اللغة العربية في حصص متنوعة.

و في إحدى مقالاته بمجلة (مكة المكرمة) يعتبر الشيخ صادق العثماني أن مدينة ساو بيرناردو دو كامبو هي عاصمة المسلمين بالبرازيل، ويعزي ذلك حسب الشيخ إلى عدد الكبير من الأنشطة، والتجمعات، واللقاءات الإسلامية، وإلى عدد المنظمات الإسلامية، وإلى عدد المنظمات الإسلامية المتواجدة هناك، ومن بينها: " التجمع الإسلامي الجولي للمساعدة الإجتماعية، مركز الدعوة الإسلامية في أمريكا اللاتينية، ومكتب WAMY. نجد كذلك دار النشر مكة، التي تصدر جرائد ومجلات إسلامية، إضافة إلى الترجمات لكتب إلى البرتغالية".

و في نفس المقال تضيف المسلمة إنعان العرة Inaan Al Orra:

      في الحي الذي نعيش فيه، لا نحس أننا في بلد مسيحي. كل شيء هنا إسلامي مئة بالمئة ما لا نقوم به فقط هو الآذان بمكبرات الصوت خارج المسجد، كما أنه ليس بإمكان "المسحراتي" التجول في الشوارع إيذانا بإقتراب وقت السحور (2005، ص.11).

تبرز هذه الشهادة إلى أي حد يرتبط إختياري لإنجاز العمل في ساوبيرناردو دو كامبو بالتصور الذي يوجد لدى المسلمين أنفسهم حول المكان: فساوبيرناردو دو كامبو لهم إنتداد لمدينتهم الأصلية، بل أكثر من ذلك، فهي امتداد لسهل البقاع بلبنان.

و قد أصبح مركز الدعوة الإسلامية بأمريكا اللاتينية، المؤسس سنة 1987 والمعروف إختصارا بـ CDIAL، مشهوراً بالدول الإسلامية، وبالخصوص في دول الخليج. وحسب كالندرا (Kalandar) فهو المؤسسة الأكثر نشاطاً في أمريكا اللاتينية (2001، ص.186). فهو يصدر مجلات "الفجر" (Alvorada) و"صوت الإسلام والمسلمين في أمريكا الجنوبية" (Voz del Islam y de los Musulmanos em America) ، إضافة إلى جريدة "مكة" (Makka)، التي تنشر أخباراً عن الجالية الإسلامية. كما يدعم هذا المركز تنظيم المؤتمرات واللقاءات بمشاركة ضيوف من العالم العربي والإسلامي.

      و تعتبر وامي WAMY إحدى المنظمات الأكثر تأثيراً في ساوبيرناردو دو كامبو، والتي يشرف عليها الشيخان علي عبدوني وجهاد محسن حمادة. وهي منظمة دولية غير حكومية، تأسست سنة 1973، ويوجد مقرها في المملكة العربية السعودية. وهي في خدمة المسلمين بشكل عام، والشباب المسلم على وجه الخصوص، وتعمل من خلال مجموعة من البرامج الإجتماعية والثقافية والتربوية. وهي عضو من DPI/UNO، وفي الفدرالية الدولية للمنظمات غير العربية، وفي عدة منظمات عالمية. تضم 66 فرعا وممثلية، وتربطها شراكات مع أكثر من 5000 منظمة، إضافة إلى شبكة عاليمة لتنفيذ البرامج.

تأسست WAMY في ساوبيرناردو دو كامبو سنة 1999، وتعمل إلى جانب الشبيبة الإسلامي بالبرازيل وفي بعض مناطق أمريكا الجنوبية، على طبع كتب ومنشورات عن الإسلام.

بعد هذا التقديم لبعض الأماكن الدينية في ساوباولو وساوبيرناردو دو كامبو (البرازيل)، من الضروري الحديث عن بعض التحديات التي صادفتني أثناء إنجاز بحثي في مختلف المناطق. ومنها الصعوبة التي يجدها "حديثو العهد بالإسلام" في ربط علاقات مع جالية غالبيتها من " العرب".

 

"المولودون على الإسلام" و" حديثو العهد بالإسلام":

بمجرد الحديث عن الإسلام في البرازيل، فإننا نرسم حدوداً داخلية تفصل بين " المسلمين البرازيليين" (و هم المعتنقون الذين تحولوا إلى الدين الإسلامي)، ومسلموا الخارج وهم " المولودون على الإسلام" (العرب). فالتركيز على هذه المعطيات أمر أساسي لفهم تكوين وتبلور الخطابات، وكيف تنجح هذه الأخيرة في تشكيل المؤمنين، سواء البرازيليين منهم أو العرب.

تشير الباحثة أوليفيرا إلى الخاب الذي يتبناه أحد المستجوبين ممن إعتنق الإسلام، وهو"مسلم برازيلي" ينتمي ل"مسجد البرازيل"، حيث أفاد بأن "المولودين على الإسلام" يشاركون في الأنشطة الإجتماعية أكثر مما يشاركون في الأنشطة الدينية، وأن هؤلاء المسلمين بالولادة يعترفون هم أنفسهم بأنهم يفاجئوه بجدية حديثي العهد بالإسلام في ممارستهم للشعائر الدينية (2006، ص.87). ثم تصرح هذه الكتابة لاحقاً بالقول: " يلاحظ أن هناك عودة للمسلمين الذين كانوا قد ابتعدوا عن الإلتزام بأمورهم التعبدية وهذا جدير بالدرس والتحليل". وهي محقة في قولها، وأستطيع أن أؤكد أن ذلك، فعلاً، يحصل. فهناك عودة إلى الدين، ومن بين أسباب ذلك دور الذي يلعبه شيخان في ساوباولو، وعلى الخصوص، بساوبيرناردو دا كامبو، وأظن أن من الضروري تقديم الدليل على هذا التحول الكامن في العودة إلى الدين من طرف العرب والبرازيليين. غير أنه من اللازم الإشارة أيضاً إلى أن هذا الإقتراب يخلق بدوره توترات وتمردات وتحفظات وانعدام الثقة. هل يعني هذا أننا يجب أن نتحدث عن إسلام "خاص" بالبرازيل؟ فهذه الإشكالية تمت إثارتها في شهادة أحد المعتنقين: عندما يصبح المعتنق البرازيلي جزءاً من ذلك العالم، فهو يقوم بذلك لوحده، دون سند عائلي، وهو أمر صعب جداً في البداية (شاب يبلغ 19 سنة).

فتغيير السلوك، وتغيير الدين، والحياة، يتطلب جهداً كبيراً من طرف "المعتنق". كما يجب عليه كذلك فهم التوترات الناتجة عن التعايش الجديد والمجتمع الجديد، وهو تجد يجب عليه رفعه. وحتى أفهم التغييرات، ولجت إحدى التجمعات الإسلامية في أوركوت وأعددت بعض الأسئلة حول بناء الإندماج الإجتماعي الإسلامي – العربي البرازيلي. وهناك نقرأ ما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه الشبكة موجهة للإخوة المسلمين، وبالخصوص إلى غير المسلمين الراغبين في توضيح شكوكهم حول الإسلام، الدين الحق وآخر الديانات التي أنزلها الله.

لَّـٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ۚ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (سورة النساء، آية 162).

إستفسار: مسلمون برازيلييون، 13/11/2005، الساعة الثالثة صباحا و52 دقيقة.

      تحية للجميع، أسمي فرانتشيروسي فيريرا، باحثة أنتربولوجية، وأنا الآن بصدد إنجاز أطروحة دكتوراه حول الإسلام في ساوباولو. ومن بين النقاط التي أود التطرق إليها، تلك المتعلقة بشبكة العلاقات بين المسلمين، سواء كانوا برازيليين، عرب، أو من أصول أخرى، أريد أن أعرف، قدر الإمكان مع الإستئذان بإمكانية نشر هذا في بحثي (سواء باسم مستعار أم بدون أسم)، بعضاً من آرائكم حول العلاقة التي تتأسس بين المسلمين البرازيليين وغير البرازيليين. جواب: 13/11/2005، الساعة السابعة و49 دقيقة صباحا.

أهلا فرانسيروسي، أتمنى أن يكون رأيي مفيداً.

أنا مسلمة معتنقة، أمضيت سنتين أدرس الدين الإسلامي، واستعرت أسم "طالبة" (التي بالعربية تعني من تطلب العلم). عندما نتناقش مع غير المسلمين حول العلاقة بي المسلمين العرب وغير العرب ، فالأمر معقد، في إعتقادي، وليست هناك وجهة نظر موحدة حول الموضوع، فالإسلام يعتبر بوضوح في القران الكريم بأن لافرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود، بالمناسبة فالمفهوم الإسلامي للعربي  "يقصد به المتكلم بللغة العربية، ولأسباب سياسية وإجتماعية في كل العالم، وجدت الجالية العربية نفسها منغلقة تجاه غير العرب، وأنا هنا أتحدث عن السياق الخاص بالعرب المسلمين في البرازيل وكان ذلك يعزى إلى أن العديد من النساء البرازيليات يعتنقن الإسلام فقط للزواج بالعرب، وكان هناك في البداية نوع من التردد في إستقبال غير المسلمين في المساجد وبعد 11 سبتمبر بدأت الأمور تتغير بسرعة، فقد بدأت الجالية المسلمة تعي بأن هناك العديد من البرازيلين المهتمين بإتباع الإسلام وأن الإنغلاق ليس في مصلحتها وقد أصبحت العلاقة حالياً بين العرب المسلمين وبين المسلمين غير العرب في البرازيل أكثر ودية، فمفهوم الإخوة الذي يكرسه الإسلام أصبح ضرورة ويعرض نفسه بقوة. أما فيما يخص إعتناق الإسلام في البرازيل، فأندماج الأقلية كان دائماً يشكل تحدياً، غير أن القوانين الوطنية مؤسسة على الديموقراطية، ولذلك لايطرح وضع الحجاب مشكلاً ونحن دائماً نأخذ بعين الإعتبار السلوكيات التي تساعدنا على التكيف في مجتمع واسع مع الحفاظ على حقوقنا. تحياتي. طالبة

نلمس في نص الطالبة نوعاً من المروتة في طرح النقاش، لأنها تعتبر العلاقة بين البرازيليين والعرب ودية، غير أنها تشير إلى أن هذه المقارنة راجعة إلى طبيعة البرازيليين في إحتضان الآخرين، وإلى ركائز الدين الذي يعتبر أن لافرق بين عربي ولا أعجمي، ولا أبيض ولا أسود. وبالتالي إذا كانت هناك خلافات فذلك راجع إلى سوء فهم الدين وعدم تطبيقه بشكل صحيح ولكن ليس هذا ملاحضته أثناء بحثي الميداني، فأحياناً نجد أن العلاقة تكون مؤثرة أما الصراع الآخر، حسب الجالية المسلمة، فنجده مع وسائل الإعلام، التي تنشر معلومات مغلوطة عنها وعن الدين.

في بداية بحثي كانوا يعتقدون أنني صحفية، وهذا كان يحد من تقدمي في البحث، ومع مرور الأيام وبفضل الثقة التي نلتها أصبح لدي هامش أكثر من الحرية التي نلتها في ولوج الجالية، فالصراع مع وسائل الإعلام كان حاد، بحيث أن بعضهم أخبروني أنه عندما يجرون حوار لم ينشر في اليوم الموالي في الجريدة، يندمون على إجرائه لكونه مجرد معلومات مغلوطة ومليئة بالأحكام الجاهزة . وهناك العديد من الباحثين الذين يبحثون في الجاليات المسلمة لمجرد الإطلاع على المغالطات التي غالباً ما تنشرها وسائط الإعلام. كما نجد أن العديد من ((المعتنقين)) تقربوا من الديانة الإسلامية لمعرفتها أكثر، بإعتبارها موضوعاً متداولاً في وسائل الإعلام ليجدوا أنفسهم في النهايى قد تحولوا لها.

لايمكن أن نسلم في الوقت الراهن بأن جميع الصحف تعطي صورة سلبية عن الإسلام وبأن جميع البرازيليين المعتنقين لديهم مشاكل مع العرب أو العكس ماقد نقوله هو أن هناك فعلاً استمرار لنشر معلومات مغلوطة في وسائل الإعلام، وأن الصراع الدائر داخل الجالية المسلمة بالبرازيل الذي لا يعدو أن يكون إنعكاساً لهذه المغالطات، لأن المعتنقين يقرنون العرب بمختلف أعمال العنف التي تحدث. لكن، من الضروري الإشارة ألى أن الخلافات في الكثير من الاحيان، والتي تؤثر في شكل فهم الدين، هي ذات طبيعة ثقافية.

لنقرأجوابا اخر في الشبكة الاجتماعية:

رامي – 14/11/2005، الساعة الرابعة و06 د مساء.

أريد أن أكون واقعياً في اجوبتي حول العلاقة بين المسلمين البرازيليين وغير البرازيليين. أنا مسلم ((غير برازيلي))...أظن أنه يوجد نوعان من المسلمين البرازيليين، فهناك المسلمون البرازيليون الذين يبحثون، ويقرؤون، ويستمعون للآخرين، وهكذا يستوعبون، تماشياً مع ايمانهم، الطريق الذي اختاروه، أي على الطريقة التي يفهم بها البرازيليون الحياة ويعيشونها لكن في ظل الاسلام، ثم هناك المعتنقون الذين قرؤوا بضعة كتب ويعتقدون أنهم يعرفون كل شئ عن الاسلام، ولا ينصتون إلى احداً لا لمن يوجهونهم دينياً...

يشير رامي هنا إلى ثنائية مترابطة في جوهرها، فعندما يقول ((الطريقة التي يفهم بها البرازيليون الحياة ويعيشونها))،اليضيف:((ولاينصتون الى أحد الا لمن يوجوهنهم دينياً)) وهو هنا لا يفصح أن من يوجهونهم هم الشيوخ.

 

فرانسي: كيف تكون مسلما وتعيش في البرازيل؟

رامي:البرازيل بلد شعبه علطفي جداً.. والقوانين هنا ديموقراطية ... لكم بدون الحديث عن القوانين وما إلى ذلك، أقول بأن الشعب البرازيلي شعب يحب الإستطلاع، وهو شعب مرح، وعلى طريقته يسعى إلى أحترام معتقدات الآخرين... وهو شعب كثير الفضول ويريد أن يعرف عن الإسلام وبشكل عام، فالشعب معجب بتثبتنا بديننا(الصوم في رمضان) شاق جداً والغالبية تصوم ومن خلال هذا التازر نقاوم التعب لاتمام الصوم ...ونمضي الليل في الصلاة وفي العبادات.

فرانسي: هل هناك بعض الاحكام النطية من طرف العرب تجاه البرازيليين حديثي العهد بالاسلام؟

رامي: لم اشهد قط ذلك...كنت دائماً أرى العرب المسلمين يساعدون المعنقين البرازيلين .في الحالة المنافية...عندما يتعلق الأمر بالزواج (عندما يرغب معتنق برازيلي بالزواج من عربية مسلمة)...زينصح باعتناق الإسلام حتى يتمكن من الزواج... ومال ذلك غالباً مايكون سيئًا...لأن الشخص الذي إعتنق الإسلام من أجل الزواج يعود على الارجح الى ماكان عليه (غير المسلم). كما شهدت عكس هذا...أحكام جاهزة من طرف مسلمين معتنقين تجاه مسلمين عرب...بدعوى أن بعض تقاليد العرب لاتتلائم مع الإسلام...شكراً

يحمل نص رامي وجهاً من أوجه الصراع: ويتعلق بسهولة ارتداد المعتنق من أجل الزواج إلى ما كان عليه قبل الاعتناق. وحتى اعكس الاشكالية التي توجد بين المولودين على الاسلام وحديثي العهد بالاسلام، البرازيلين في هذه الحالة، أسرد حواراً دار بيني وبين زكرياس، مؤسس مسجد خاص بالبرازيلين قرب براسا دا ريبوبليكا، في ساوباولو، وهو ألامر الذي خلف استياء لدى الجالية المسلمة.

فرانسي:أيه مؤسسة تمثل؟

زكرياس:أنا رئيس الجمعية الخيرية الاسلامية للبرازيليين من أجل الدعوة الى الاسلام.

فرانسي :واين توجد الجمعية؟

زكرياس:في شارع 7 ابريل ،وقد تسببت هذه الجالية في بعض المشاكل لدى الجمعيات الاخرى.

فرانسي : لماذا؟

زكرياس :أظن أننا في الطريق إلى حل تلك المشاكل لقد اعتنقت الاسلام قبل 28 سنة، وتعرفت على الإسلام منذ 33 سنة في البرازيل، وحاولت دائماً أن اساعد إخواني البرازيليين الذين يتحفظون في معرفة المزيد عن الاسلام وعن أسسه وسط الجالية العربية التي تعيش مشاكل إجتماعية، وتحتمي بنفسها لتحافظ على جمعيتها متناسية المسلمين البرازيليين، وبطبيعة الحال، يبقى الآخرون على هامش الجمعية، ويزدادون تهميشا مما هم علي، أقصد دينياً. وأنا أمثل أولئك المهمشين، الذين يرغبون في البحث عن الاسلام ولايجدون من يحتضنهم.

فرانسي: هل تظن أن هناك أحكاما مسبقة تجاه المعتنق البرازيلي؟

زكرياس: أظن أنه أمر طبيعي، فالأمر لا يتعلق بأحكام بما للكلمة من معنى، فالبرازيليون في الولايات المتحدة ألامريكية يتجمعون كجالية برازيلية، هذا أمر عادي. ومن البديهي كذلك أن يجتمع العرب في البرازيل حول الجالية العربية، وأعتبر ذلك أمراً مشروعاً وليس لدي أعتراض عليه. أنا أتحدث عن الاسلام. فالإسلام يتطلب الإنسجام والإلتزام والسلوك القويم، وهذا مانريد تحسينه للعمل سوياً. فالرسول محمد (ص) في خطبة الوداع أكد على السلام. ليس هناك عربي أفضل من غير عربي، والبرازيلي ليس أفضل من الأجنبي، كلنا بشر وندافع على فكره وحدة المسلمين في العالم.

فرانسي: وهل هناك عدد كبير من البرازيليين المنخرطين في مجموعتكم؟

زكرياس: نعم، هناك الكثير، عدد كبير منهم دخل من باب وخرج من الآخر } في اشارة الى المؤسسات الاخرى{، بعد أن تنبهوا إلى هذا الاختلاف، ولم يستوعبوا بأن هذه الاختلافات ثقافية وليست موجهة، لذلك فإنا لا أحب أن أرى الأشياء من زاوية عنصرية، وتفريقية، أظن أن ذلك يعتبر من النقائص النفسية الإنسانية،}...{ أنا أتحاشي الحيث عن ذلك, أفضل الحديث عن الوحدة.

فرانسي: هل بتأسيسكم لطائفة برازيلية، لاترون أنكم كذلك تنفصلون عن الاخرين؟

زكرياس: لا، أنا أدافع عن حقوقهم، لأن الحقوق إلى حد الآن في رأيي.... هم يقولون أنهم يفعلون شيئاً، ولم يحدث شيئاً من ذلك قط، وإذا لم يحدث فهناك جهة ما تواجه ذلك، ولذلك زجب إتخاذ تدابير ، ليس بالتفرقة، وإنما بالوحدة حول القران، لذلك فنحن مطالبون بالوحدة من أجل هدف واحد؟ وقد برمجنا مجموعة من الاجتماعات.

من خلال حديث زكرياس يمكننا إستخلاص بعض الافكار ((وسط الجالية العربية التي تعيش مشاكل اجتماعية، وتحتمي في نفسها لتحافظ على جمعيتها متناسية المسلمين البرازيليين...)). يبرز هذا أن المشاكل القائمة في الشرق الاوسط تؤثر بشكل واضح في نظرة باقي المسلمين لها. فقضاياهم ليست خاصة بهم لوحدهم، بل هي قضايا كل العرب. ويصرح زكرياس بأن المعتنقين يحسون بالاختلاف، لكنهم لايستوعبون أن هذا الاختلاف ذو طبيعة ثقافية وليست موجهة. وهكذا يعتبر من الضروري التوضيح بأن الاختلافات ثقافية وأن المعتنقين يجب أن يفهموا ذلك. الخطاب السائد في جميع الحوارات التي أجريتها مع المسلمين يرتبط بصعوبات التعايش الناتجة عن جهل وعدم احترام الاختلافات. وهي إختلافات تتمخض عنها تصرفات وردود افعال متفاوته، وخطابات قوية تعبر عن بعض النوايا. لنقرا شهادة الشيخ جهاد:

الشيخ جهاد:العرب مهمون لهذا الدين، كن متاكداً من ذلك. من الضروري أن يكون هناك عرب، لماذا؟ لأنهم يمتلكون لغة القران. مع من تستطيع تعلم اللغة؟هناك صراعات،صحيح، بسبب سوء الفهم من الجانبين، هذه هي القضية، من طرف العرب، الذين لايعرفون الدين بشكل معمق، ولاينجحون في تبليغه، وهذا يحدث مع العديد من العادات العربية التي لا علاقة لها بالدين .. يريدون أن يعمل بها الناس ويحبوها. حتى يعاملك الناس كأخ يجب أن يكون هناك أتصال. فأنا قد أعرفك اليوم، وفي هذا اليوم الاول ستون علاقتنا ودية جداً، ولكن من يدري ماذا سيقع في اليوم الموالي...أظن أن الطرفان لم يفهما هذا أو لم يفهما هذه الميكانيزمات.

فرانسي: هل لديكم مشاكل في هذا الشأن ؟

الشيخ جهاد: المثقفون ليست لديهم مشكلة، فهم يسعون لتحسين عقيدتهم، ولديهم قابلية للتعلم. جميع المعتنقين، عندما يعتنقون الدين فهم يفعلون ذلك عن حسن نية، والنية هي أفضل الأشياء الممكنة ...هناك من يقول : العرب يصدرون احكاماً مسبقة، فهل جميع  العرب يقومون بهذا؟ فكانك تقول أن جميع المسلمين ارهابيون. فما هو الحل أذن؟ (يقول الناس) لنؤسس طائفة برازيلية. هؤلاء لايدركون أنهم بهذا يصدرون أحكاماً مسبقة.

من خلال خطاب الشيخ جهاد يتضح أنهم بدورهم بدؤوا في الحكم على سلوكيات ألاشخاص، ويعكس بشكل ضمني نظرة المعتنقين للعرب والمشاكل التي تواجههم بسبب قضايا سياسية مرتبطة بالولايات المتحدة ألامريكية واسرائيل ((أن تقول بأن جميع العرب يصدرون احكاماً مسبقة))،((فكأنك تقول أن جميع المسلمين ارهابيون))، يشير الشيخ هنا الى هذه التعميمات التي تقع خارج الجالية، والتي نراها في وسائل الإعلام، كما سبق أن رأينا تعطي باستمرار صورة سلبية عن الشعوب العربية والتي تعممها من حالة معينة.

وفي علاقة بالاختلاف الثقافي ،نجد نصا بليغا كتبته جميلة،22 سنة وهي معتنقة وطالبة في العلوم الاجتماعية:

بعد مرور فترة من الاعتناق، يلتمس المعتنق الجديد التوتر الحاصل بين العرب والبرازليين. لن أعمل على التنقيب في أسباب التوتر المتعددة: المحاولة الفاشلة للاندماج في طائفة منغلقة للمهاجرين، أختلافات ثقافية ولغوية تحديداً، إضافة إلى التمثلات المختلفة عن الاسلام، الخ. يجد العديد من البرازيليين أنفسهم بعيداً عن محور العرب ويبدؤون في تكوين هوية برازيلية لم تكن تكتسي أهمية كبيرة قبل ذلك. وليست تلك الهوية المكونة استمراراً ((للهوية الوطنية)) السياسية التي تكونت خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، بل هي هوية إسلامية مقابل الهوية العربية يرى الكثيرون أن المسلمين البرازيليين هم المسلومن الحقيقيون، بحيث أنهم بعد الإعتناق يتعلمون الاسلام الحقيقي، البعيد عن التاثيرات الثقافية. فالمسلون يعتبرون أن الجميع يولد على الاسلام،وبالتالي، ((فالمسلم)) هو في حالته الطبيعية، والبرازيليون هنا يقومون باسترجاع هذه الحالة الطبيعية.

من المهم الاشارة هنا الى أن ((الثقافة)) تحمل بعداً سلبياً، وكأنها تقف حاجزاً في وجه ابراز الفطرة التي يولد عليها الانسان، وهي الإسلام. لم يحدث أن تم أعتبار  الثقافة البرازيلية مصدر تأثيرات سلبية على المسلم الجديد، بل تتم الإشارة إلى التأثيرات الايجابية: الإنفتاح على العالم، المرح، الكاريزما، الخ وهذه الصورة قد تصل إلى أبعد من محيط المعتنقين البرازيليين، كما تبرز شهادة عربية مسلمة:

هناك العديد بين العرب مما لايمارسون الشعائر الدينية، وهم يعتبرون مسلمين أانهم ولدوا كذلك، وهناك آخرون يمارسون الشعائر فعلاً لأنهم تلقوا تربية إسلامية جديدة في بيوتهم، لكن أمكانية أشخاص غير ممارسين مرتفعة، وهو أمر لايحدث مع المعتنقين، فهم يدخلون في الاسلام دون عاداتهم، وهذا أمر مهم، ويمارسون الدين كما هو (م.عربية من أسرة مسلمة).

هذه الملاحظة التي تقول بأن المعتنقين أكثر تدنياً لأنهم لم يأخذوا الثقافة العربية، أمر شائع وعلى العموم، نجد أن موقف المعتنقين البرازيليين ذوي الأصول غير العربية يكمن في رفض ما هو عربي وكل ماهو نابع من هذه الثقافة.. وتجدر الإشارة إلى أن جميلة ترى أن الإسلام الحقيقي هو الخالي من ألتاثيرات الثقافية (يرى الكثيرون أن المسلمين البرازيليين هم المسلمون الحقيقيون،بحيث أنهم بعد الاعتناق يتعلمون الاسلام الحقيقي،البعيد عن التأثيرات الحقيقية)).و من الشائع أن يتم فصل الدين عن الثقافة،و كأن الأمر ممكن لكن، أليس الدين سوى جزء من هذه المكونات الدلالية لهذه الشبكة المعقدة التي نسميها الثقافة؟ كما في المقولة المأثورة لجيرتو(Geertz): (...) الإنسان حيوان مرتبط بمجموعة من الشبكات الدلالية التي ينسجها بنفسه، واعتبر الثقافة جزءاً من هذه الشبكات ))(1989،ص.15).

وبشكل او بآخر، كما يعبر عن ذلك داماتا(Damata)، فالقوانين تسن طريقة عيش الجماعة والجماعة بدورها تعيش هذه القوانين (1987،ص 49)، فالتقاليد،حسب هذا الكاتب، تكيف القوانين لتصبح قابلة للعيش، وعندما يحاول معتنق من ابعاد الدين عن الثقافة العربية فإنه يقرب الدين الاسلامي من الثقافة البرازيلية، فليس هناك دين لايحمل قيما ثقافية، سواء كانت عربية أو برازيلية، وبمعنى آخر، لايهم أن يكون الإفطار في رمضان يكون على التمر او البطيخ، بل هناك أشياء أهم مثل أوقات الصلاة، أو بداية شهر رمضان ونهايته،أي الخصوصيات الإسلامية التي يجب أن يتبعها الجميع.

وهنا أكرر، لا يهم أن كان الافطار سيتم على لحم خروف أو على الأرز بالفاصوليا، وهي مكونات ثقافية محضة، في حين أن أركان الاسلام هي ركائز يعتمدها الجميع ودون الالتفاتالى الثقافة التي يحملها كل واحد.

في كتابه ((حول الاسلام في البرازيل أو اسلام البرازيل)) يشير أوليفيرا(2006) إلى ان مشايخ ساوبيرناردو يرتبطون بالمذهب الوهابي، وهو تيار متشدد يتسم بالجمود ليدعم الفكرة التي تقول بأن الشيوخ مهتون بالهوية العرقية، وإنا لا اتفق مع هذا الطرح، لأنه ولو كانت هناك بعض التوترات في ساوباولو بين البرازيليين والعرب، فهذا لايعني أن الجالية المسلمة لا تهتم بالمعتنقين أو بمن لديه أهتمام بالدين. فهناك ديناميكية أخرى، وليست واضحة كما يبدو. وفي حوار مع شابه (مسلمة برازيلية) في أحدى الأعياد، صرحت بأن العرب معتادون على الحروب والعنف، وأن الصحافة لاتورد إلا أخباراً تؤكد ذلك، ولاحظت حينها أن الصحافة تلعب دوراً هاماً وسلبياً،حتى داخل الجالية المسلمة نفسها، فصورة العربي التي تقدمها الصحافة، كما يشير إلى ذلك سعيد(1996)، يمكن أن تؤثر في البرازيليين المعتنقين، أي أن الصور النمطية اللصسقة بما هو عربي: مثل الرجل الإنتحاري أو الإرهابي، لا تنحصر فقط في الأوساط غير الإسلامية: ومن الطبيعي أن نجد أن العديد من المعتنقين المتأثرين بوسائل الإعلام يحملون صورة نمطية عن العرب المسلمين.

من جهة أخرى، وكما أسلفت سابقاً، تجدر الإشارة إلى أن الهجرة العربية كانت في ساوباولو أكثر حضوراً مقارنة مع مناطق أخرى في البرازيل، وتليها من حيث الأهمية الجالية العربية الإسلامية في فوز دي ايغواسو. وبالتالي، فمن الطبيعي أن تكون نسبة اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين في المساجد هي الأعلى. لكن، رغم أن الحضور العربي الإسلامي في ساوباولو كبير، إلا إنني لاحظت أن هناك علاقات ود بين الشيوخ والمعتنقين، سواء في الإجتماعات الدينية أو في الأعياد، الخ.

أظن أن تشييد ((مسجد الجمهورية)) (بلال الحبشي) سنة 2004، الذي كان في البداية فضاء للبرازيليين – يضم اليوم في غالبيته أفارقة (سنغاليين، وسودانيين، وأنغوليين، الخ) وسوداً – لم يساهم فقط في خلق فضاء ديني إثني، بل حتى في التقارب بين الشيوخ والمعتنقين في طوائف أخرى، خاصة وأن الزعامه الكاريزمية تعتبر، بدون شك، من بين الوسائل التي تساعد على التقرب من الدين ومن بعض التيارات والزعامات الدينية.

يبحث المعتنقون عن فضاءات قد يحسون فيها بالتفاعل الثقافي، كما هو الحال في مسجد الجمهورية. أما المثال الآخر، المهم بدوره، فهو المتعلق بجالية ريو دي جانيرو (Chagas Montenegro, 2000 / 2006) التي يعتبر الحضور العربي فيها ضئيلاً مقارنة مع أجناس أخرى، وهو ما ساعد على عدم تعريب الإسلام، أي ربطه بالهوية العربية. غير أن هذا المسجد، حسب أخبار حديثة، يشرف عليه عرب، رغم أنهم أقلية داخل هذه المجموعة. ولهذا يمكن الجزم بأن هناك تقاربا بين الشيوخ والمؤمنين المعتنقين، بصرف النظر عن تكوين الشيخ وعن كونه عريبا أم أفريقيا.

أثناء البحث الذي أنجزته بين 1998 و2007، عندما أسأل المعنقين عن العلاقة بين العرب والبرازيليين المسلمين، كانت هذه الفئة الأخيرة تقر بإحساسها بالدونية مقارنة مع العرب. ومن جهة أخرى، نجد أن ((المولودين على الإسلام)) (العرب) يراقبون سلوكيات هؤلاء المسلمين الجدد. وكان من الشائع القول بأن بعض الشابات يعتنق الإسلام من أجل الزواج بأحد الغرباء، العرب على الخصوص، لأن هناك صوراً تكونت لديهم تعتبر أن الرجال في الوسط الإسلامي أغنياء، وهي فكرة تكونت بسبب المسلسل التلفيزيوني ((الكلون)) ( El Clon ). في هذا المسلسل، نجد أن الأزواج المسلمين يقدمون باستمرار هدايا من الذهب إلى زوجاتهم ويضمنون يهم حياة رغيدة. ومن المرجح أن تكون هذه الصورة النمطية قد جرت أبحاثاً واسعة داخل المساجد، خاصة في فترة عرض المسلسل، كما أنه في تلك الفترة كانت الجالية المسلمة في الواجهة منذ أحداث برجي التجارة العالمي.

أما في علاقة بالمسارات الحياتية للمعتنقين للإسلام، تشير ماركيس (Marques 2000، س. 87 – 88) إلى أربع خاصيات: عدم وجود هوية دينية قبل الإعتناق، حافز الدراسة المرتبط بالدين، وفي بعض الحالات التجارب المأساوية أو حالات التفكك الأسري والشك في وجود الله.

بالنسبة لهذه الكاتبة، فهذا البحث عن الأمان والسكينة هو الذي يحفز المعتنق على المشاركة في الجماعات الدينية، ونظرا لأنه يكون على وعي بأن علاقته الثقة تحتمل بعض المجازفة، فإن المعتنق يذهب في اتجاه الانتماء نفسياً وروحياً إلى المجموعة. وهذه من بين الطرق التي يعمل من خلالها على بناء ذاته وهويته وإيدولوجيته. وهناك من يقوم بالبحث عن دين مرتبط بإيدولوجية ذات خط عرقي/سياسي له علاقة بالتجارب السابقة التي خاضها في حركات سياسية إجتماعية (المرجع السابق، ص.95).

و حسب ماركيس (المرجع السابق، ص. 106)، فمراحل الإعتناق هي:

1-      فترات توتر شديد وعدم رضى

2-      إستعداد روحي

3-      بحث ديني

4-      وجود بديل ديني

5-      بناء علاقات عاطفية

6-      تقنين الإتصالات خارج المجموعة

7-      تفاعل بين عناصر أخرى من الجموعة

و تنتهي الكاتبة إلى استنتاج مفاده أن المسلمين الجدد، يتبنيهم هذه ((النمط الجديد في الحياة)) وهذه الهوية الدينية يعطون تأويلا ومعنى آخر لحياتهم. ويمكن رصد هذه التأويلات الجديدة للحياة من خلال التغييرات في السلوك، في اللباس وحتى في أوساط التعايش الإجتماعي، التي يتم تقليصها إلى دائرة خاصة بالأصدقاء القدامي، باستثناء أولئك الذين يحترمون الخيارات التي تبناها المعتنق الجديد، وكذا الإتصالات مع العائلات نفسها، التي لا تقبل أحيانا، هذا الإختيار الديني الجديد. وكما عاينت، فالمعتنقون يواجهون مشاكل سواء داخل أو خارج الجالية، وهو أمر مرتبط كذلك بأصوله، وجنسه، وبظروفه الإجتماعية  الثقافية.

كما يجب ألا ننسى أن تحول البرازيليين ذوي الأصول غير العربية إلى الإسلام يجرنا إلى الوقوف على أم آخر، يتمثل في التعايش مع الماضي (التقاليد) والحاضر (الحداثة) في محاولة لملء فراغ هوية لفرض الإعتراف بها، لأنه من خلال استرجاع الماضي يمكن إعادة ترتيب الهويات الجماعية والفردية (مرجع سابق، س. 161).

 

إستنتاجات نهائية:

نجد في المركز أشخاصا أكثر تديناً وارتباطاً بالتقاليد، وبالقرب منهم هناك مجموعات تبتعد تدريجيا عن ممارسة الدين الإسلامي التقليدي، وتنفتح أكثر على التأثيرات الخارجية. أما الهامش الدوائر فهو في تفاعل كبير مع الحداثة ويتبناها. وغالبية الساكنة المسلمة تتواجد، ربما، في منزله وسط، بين الأكثر محافظة والأكثر حداثة ... يجب على ((المسلمين الوسطيين)) الإختيار بين حداثة عميقة وبين ((حل الإسلام)) (بيتير ديمانت، Petter Demant، 2005، ص. 322)

إنطلاقا من التحليل الذي يجريه ديمانت، يمكن أن نقول بأن في البرازيل هناك محاولة كي يختار هؤلاء ((المسلمون الوسطيون)) الإسلام. ويمكن أن نلمس هذه المحاولة في مضمون الأعمال التي تنتج في المجال الأكاديمي. فعدد الأطروحات اتي أنجزت حول الدين والمسلمين يزداد كل سنة، مما يعكس ربما إنتشار الدين نفسه والمحاولات التي تقوم بها الجالية المسلمة كي تبقى موحدة رغم الخلافات.

فما هي الجالية المسلمة؟ وجوابنا الممكن هو: والجالية ساوبيرناردو دو كامبو، وجالية فلوريانوبوليس، وجالية ريو دي جانيرو، غير أن هذه التعريفات غامضة وضبابية. لماذا؟ لأننا إذا ركزنا على تحديد الهويات فإننا سنجازف بالقول على أن المسلمين في الحقيقة هم المتواجدون في هذا المكان أو ذاك. في حين أن تكوين الهويات أمر غير مقنن ومستقل عن المكان، ساوباولو أو فلوريانوبوليس، كما أننا نجد زيجات بين أشخاص من مدن ودول مختلفة. فقد نجد شخصاً من جاليات الجنوب يصبح منتميا للجالية في ساوباولو بعد زواجه. كما أن هناك من قد يعلنون إسلامهم ناطقين الشهادتين أمام شيخ ساوبيرناردو، لكنهم يداومون على الذهاب في مسجد باري، لأن هذا المسجد قد يكون الأقرب إلى محل عملهم أم سكنهم، وهي أمور لاحظتها خلال البحث الميداني الذي أجريته في المخيمات. وقبل أن ألج هذه الأماكن، كنت قد حددت مكان إشتغالي في ساوبيرناردو دو كامبو. لكني عندما وصلت إلى هناك، لاحظت أن التقسيمات بين الجالات كانت فقط في مخيلتي وليس في الواقع. فالممارسة الإسلامية في الحقيقة يمكن أن تختلف حسب العرق، أو مدة الإعتناق، الخ. وكما سبقت أن أشرت، في حالة برازيليا، فأحياناً تكون هناك ضرورة لتكييف الممارسة الدينية، لأن هذه المنطقة لا توجد فيها أغلبية مسلمة.

من جهة أخرى، عائلات كبيرة العدد تقطن في منطقة ما قرب المسجد، وتكون جزءاً من هذه الجالية، وتقدم نفسها على أنها من طائفة أخرى. وفي هذه الحالة تتحول المنطقة إلى جزء من لبنان، وبالضبط من بلدة سلطان، وهو الحال بالنسبة للمسلمين العرب في جالية ساوبيرناردو دو كامبو.

و ختاماً، يمكن أن نقول بأن الإختلافات بين الجاليات هي مجموعة من نقط التوتر، كما يرى هانيرز 1997 (Hannerz)، التي تحف عندما يصلي المسلمون أو يصومون أم يحجون. فالقول مثلاً بأن جماعة ساوباولو هي الأكثر ((تشددا)) وأنها ((محافظة)) لا يحل مشكل التحديات الهوياتية، ولا حتى القضايا ذات الطبيعة الدينية المحضة.

و القول بأن جماعة ريو دي جانيرو تدعو إلى الإسلام ((الحقيقي))، دون الإقتراب من الثقافة العربية، أم لا يخلو بدوره من مجازفة، خاصة وأن القيمين الدينيين هناك أنفسهم عرب.

و القول بأن جماعة ساو بيرناردو دو كامبو ((تقليدية))، لا يحل مشكل الهوية القائم. كما يجب تعميق التحليل التاريخي للهجرات العربية الإسلامية إلى البرازيل، وهو الأمر الذي يجهله العديد من المعتنقين، مما يترك لديهم تلك الصورة التي تكونت لديهم في العصر الحالي.

و في هذا السياق، أعتبر أن التطرق لهذه المواضيع يتطلب أكثر من قراءات إثنوغرافية ومقالات. فالبحث الميداني هو الذي يفرض نفسه، إضافة إلى تحليل المعطيات المحصل عليها. كما أن نختلف تجارب البحث التي أنجزت حول الإسلام في البرازيل تعطينا إنطباعا واضحاً عن مدى التعقيد الذي يشوب فهم موضوع البحث، وكيف أن زاوية النظر الخاصة إلى الأشياء تؤثر على دراستنا وعلى النحو الذي نبني به علاقتنا مع الآخرين.

و بتعبير آخر، أو على حد تعبير تورينير 1982 (Turner)، يجب ملاحضة الانزياح لفهم البنية. ومن هذا المنطلق أرى أن دينامية العلاقات بين العرب المسلمين والبرازيليين هي نوع من من النزياح الضروري لفهم البنية الإسلامية وفهم مجموعة من العناصر الأخرى التي أشرنا إليها في هذا البحث. وحتى لو اعتبرنا أن الصراع والتوتر تميز المجال الديني الإسلامي فيجب الإحتياط عند ملاحظة جميع الأطراف الأخرى والدينامية القائمة، والتأثيرات التي تتكون وتتبلور، حسب التوجى الذي تختاره الهويات التي تتصارع وتتراكم. فالعلاقات الإجتماعية متحركة وليست ثابتة، ولا يمكن أن تعمم. وفي هذه الحالة، يجب ملاحظة التأثيرات، والحدود، والتمازج، كما يشير إلى ذلك هانريز Hannerz. فالأشياء لا تستقر في مكانها، والحدود مرتبطة بالقطيعة وبالعراقيل، والتمازج يساعد على التجميع، والإختلاط، والتركيب، والتعدد، والتوضيب، والتناغم، وتداخل الأجناس والمعتقدات، والتطبيع الثقافي، وإنشاء ثقافة ثالثة (هايرز، 1997، ص17)، ومن الأكيد أن الدين عندما يتصل بقيم ثقافية فإنه يفرز ديناميات يجب أخذها في الحسبان عند التصدي لأصولنا العرقية.