الصحوة الإسلامية والحقائق الداعمة للوحدة بين المسلمين

الصحوة الإسلامية والحقائق الداعمة للوحدة بين المسلمين

 

الصحوة الإسلامية والحقائق الداعمة للوحدة بين المسلمين

 

الدكتور محمد الدسوقي

إن الصحوة الإسلامية حقيقة واقعية لا مراء فيها ومرد هذه الصحوة إلى أن العالم الإسلامي ينفرد بجملة من الحقائق تجعله دائما لا يستسلم للضعف والتمزق مهما يتعرض لمؤامرات التهميش وزعزعة قيمه الإسلامية والحضارية والإنسانية ، فهذا العالم حقيقة تاريخية ذات ثقل واحد في ميزان التاريخ ، وميزان السياسة الدولية ، ولقد ظل كذلك كتلة واحدة من القرن الهجري الأول إلى القرن الثالث عشر ، أي حوالي ألف ومائتي عام على الرغم من كل ما حاق به من محن ، وكل ما دب في كيانه من تمزق .

     وهذا العالم حقيقة جغرافية فحدوده تكاد تكون متصلة بين كل شعوبه في إفريقيا وآسيا وبعض دول أوربا ، وهو بهذا يمثل حاجزا ماديا بين الشرق والغرب في الصراع المسلح بحيث يصعب تصور أي التحام بينهما لا يمر بذلك الحاجز الطويل العريض المتصل الحدود .

     وهو أيضا حقيقة اقتصادية ، فهذه الرقعة الفسيحة من الأرض تحوى من الخامات والمواد الطبيعية والإنتاجية ما يكفى بتكوين وحده اقتصادية متكاملة تكفى نفسها بنفسها .

     ثم هذا العالم وهو الأهم – حقيقة فكرية وشعورية يجمع بينها رباط فكرى وشعوري واحد إنه رباط العقيدة الإسلامية ، والتفكير المنبعث منها ، والنظام الاجتماعي المتأثر بها ، إن هذا الرباط جعل من المؤمنين به أمة واحدة مهما تناءت الأقطار ، واختلفت الألسن والألوان وما زال العالم الإسلامي على الرغم من فترات التراجع الحضاري والتخلف العلمي والتآمر الدولي يمتلك ذلك الرباط الواحد الذي تعتصم به كل الشعوب الإسلامية ، وليس أدل على ذلك من ظاهرة الصحوة الإسلامية المعاصرة التي تكاد تكون قاسمًا مشتركًا بين المسلمين كافة على الرغم من التفاوت بين بعضهم في نظم الحكم والسياسة .

     وهذه الصحوة ارهاص بأن الطريق إلى الوحدة أصبح ممهدا ، وأن آفاق المستقبل تبشر بخير للبشرية ، يحفظ عليها فطرتها الإنسانية ،  ويكفل لها حياة الكرامة والعدالة والأخوة الإنسانية ، ومع هذا تحتاج الصحوة إلى دعم فكري يدرأ عنها أن تكون مجرد شعور عاطفي ، وإنما تكون مزاجا من الوجدان والعقل والنظر والتطبيق حتى تؤتى ثمارها ناضجة في جمع كلمة الأمة والحرص على أن شريعة الله هي الحاكمة في دنيا الناس ..

     وهذا الدعم الفكري للصحوة الإسلامية حتى تكون خطوة جادة وعملية لتحقيق الوحدة بين أبناء الأمة يقوم على جملة من الحقائق التي تحرر العقل الإسلامي من الفهم القاصر أو المحدود ، حتى ينطلق نحو الغايات الكبرى التي تحمى مستقبل الأمة من المؤامرات التي تحاك ضدها، والتي لا تريد لها أن تنهض من جديد وأن تؤكد بكيانها الواحد أنها خير أمة أخرجت للناس .

وهذه الحقائق في اجمال هي :

أولاً : إن مما يؤثر سلبا على الصحوة الإسلامية الاهتمام الزائد بالجزئيات والفرعيات فهذا الاهتمام يستهلك الطاقات ، ويثير الخلافات بين الجماعات الإسلامية ، والأمة في واقع يقتضى من العلماء والدعاة الاهتمام بالكليات قبل الجزئيات ، فإن الانشغال بهذه ووضعها في غير موضعها من سلم التكاليف الشرعية يمنح الخصوم فرصة نجاح توجيه العقل المسلم صوب مشكلات هامشيه جزئية يشغلنا هؤلاء الخصوم بها ليتسنى لهم أن يفعلوا ما يشاءون .

على أن ذلك الاهتمام بالجزئيات يعكس عجزا عن فقه الدنيا أو الأوليات ، والاقتدار على الانتفاع بما سخر الله للإنسان لخدمة الدين ، فالدين الحق تقوى تعمر القلوب بالعبادات لا يستغرق تعلمها غير زمن يسير ثم مهارة في شئون الحياة وفقه الواقع تتحول مع صدق النية إلى وسائل لدعم الحق وسيادته.

ثانيًا : وإذا كان الاهتمام بالجزئيات يمثل فهما يجور على الكليات فإنه إلى هذا يمثل عدم فقه بالشريعة ومقاصد أحكامها ، فهذه الأحكام متكاملة لا يغنى بعضها عن بعض وهى فروض وسنن ، والفروض في جانب العبادات أمرها هين ففيها فقه كثير ويحفظها المسلمون حتى العامة لا تغيب عنهم منها إلا بعض الفروع التي يمكنهم الوقوف عليها دون مشقة، ولكن هناك من الفروض والواجبات الكفائية كقضايا الحكم والعلم والاقتصاد والوحدة الإسلامية يحتاج فقهها إلى جهد عقلي يخضع لمنهج أصولي دقيق ، ومن ثم ينبغي أن يكون من دعائم الصحوة المعاصرة الإحاطة بتعاليم الإسلام إحاطة وافية دون أن تختل درجة كل منها من حيث الفرضية وعدمها ، فلا يصبح المسنون في درجة الفرض ، ولا يهمل هذا على حساب المسنون ، وبذلك يكون فكر الصحوة سويا منطقيا يولى المعاملات والعلوم التي تكفل للأمة القوة والعزة بنفس الدرجة التي يوليها للعبادات ، فمفهوم العبادة في الإسلام ليس مقصورا على المفهوم الخاص لها ، وإنما ينسحب هذا المفهوم على كل سلوك الإنسان ما دامت تهمين عليه رقابة الله وخشيته . ومن ثم يشمل هذا المفهوم العام كل ما يعج به العالم المنظور من كائنات وجمادات ، وعلى عقل الصحوة أن يجول في هذا العالم بكل ما لديه من طاقات حتى يحقق أكبر نفع مما سخر الله للإنسان فتكون القوة المادية التي تدعم القوة الروحية في إعلاء كلمة الحق والقضاء الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون .

ثالثًا : وإذا كانت الصحوة ينبغي أن تهتم بالكليات أكبر من الجزيئات، وأن تحرص على شمولية الإحاطة بكل تعاليم الإسلام فإن على الصحوة أيضا أن تتعامل مع الواقع وتعايش الحاضر في معالجة شئون الحياة.

وواقعية التعامل مع الواقع تقتضى الانفتاح على كل الثقافات والعلوم فالحكمة ضالة المؤمن أنّى وحدها أخذها وعند من رآها طلبها .

ومما يتصل بالانفتاح الانتفاع بتجارب الآخرين ، نقتبس منها مالا يصادم نصا ولا يند عن قاعدة .

ومن الأمور التي تعبر عن معنى الواقعية في وعي الصحوة أن فقه الدين لا يتم إلا إذا تكامل علم الشرع المنقول بعلم الواقع الاجتماعي محليا كان أو دوليا ماديا كان أو اجتماعيا ، ومن ثم تتطلب واقعية الوعي خبرة بالحياة والناس ، خبرة تعرف الفروق الفردية وتأخذ الناس بالرفق والتدرج وصولا للغاية ، خبرة ترفض الانكفاء على النفس ، وهذا يومئ إلى أن هذه الواقعية تعنى التخطيط العلمي وربط النتائج بالأسباب وفق السنن الواقعية ، وتؤكد أن المسلم لا يعرف في حياته أخذ الأمور دون روية ودون نظر إلى مآلات الأفعال ودون معرفة وافية بمشكلات البيئة التي يعيش فبها .

رابعًا : إذا كانت الأمة الإسلامية تختلف عن غيرها من الأمم بأن لها تراثا حضاريا لا يمكن أن تولى ظهرها له فإن الصحوة الإسلامية عليها أن تدرك أن حاضر الأمة يجب أن يظل موصولا بماضيها ، ومن ثم كان على هذه الصحوة أن توثق علاقتها بالتراث العلمي للأمة ، تنقب في هذا التراث ، وتستهدى ما فيه من آراء لا تمثل ثقافة الزمان أو المكان ، لتستمد من أمجاد الماضي ما يدعم ويقوى صحوة الحاضر ، لكي يكون المستقبل مزدهرا يمشى فيه مع الزمن يلازمه في تطوره ويصاحبه في توثبه ثوبته فلا تكون بينهما فرقة ولا تخلف . وإذا كان حاضر الأمة امتدادا متطورا لماضيها فإن ما يجب مراعاته هو عدم الإسراف في تمجيد الماضي ورد الحاضر إليه ، ففي هذا إهدار للعقل وتعطيل لقدراته وأن السابق لم يدع للاحق شيئا .

إن الماضي نعتز به ولا نتنكر له ، ولكن ينبغي أن يكون عونا للحاضر على التجديد والتطوير ، لا أن يكون عائقا دون التقدم والتغيير .

خامسًا : لن يكون الحاضر امتدادا متطورا للماضي إلا إذا هناك اجتهاد شامل لا يختص بالأحكام الفقهية وإنما يغطى كل مجالات الحياة الفكرية والعلمية .

إن الاجتهاد في الإسلام يعنى ابتكار الأفكار والآراء في ضوء الضوابط والقواعد الشرعية ، وهذا يؤكد أن الصحوة الإسلامية لا تعرف الحق بالرجال وإنما تعرف الرجال بالحق ، ولا تجمد على الموروث وإنما تنمية وتضيف إليه.

إن الصحوة الإسلامية قد لا تدرك أن كلمة التوحيد مهددة ما لم تبرع :

فى علوم الكون والحياة والطب والفنون الحربية ، فلا بد لهذه الصحوة من فقه بالعلوم العصرية بطريقة جديدة وشمولية ، ولا بدلها أيضا من فقه متجدد للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية حتى يمكن للصحوة أن تقود الأمة إلى الوحدة الإسلامية وعلاج شامل لكل مظاهر التخلف والضعف .

سادسًا : وحتى  تنهض الصحوة الإسلامية برسالتها في دعم الوحدة الإسلامية وجعلها حقيقة واقعية ، وتطبيقا عمليا لما قرره القرآن الكريم في أكثر من آية ومنها قوله تعالى : ) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ( [المؤمنون : 52] – حتى تنهض بها ينبغي عليها أن تبرأ من النزعات المذهبية والطائفية ، وأن تكون على بينة من النشاط المعادى للوحدة الإسلامية سواء في الداخل أو الخارج وبخاصة بعد نجاح ثورات الربيع العربي في أكثر من دولة ، وانحياز الشعوب إلى العودة إلى الإسلام وتشريعاته التي صلح عليها أمر الدنيا والأخرى ، إن هناك في العالم دولاً يزعجها أن يكون لهذا الدين صوت مرفوع، وتشريع مطبق وتكامل وتعاون بين المؤمنين به ، ومن هنا وجب على الصحوة أن يكون هدفها الأعلى وغايتها الأولى هي جمع كلمة  الأمة على هدى وبصيرة وألا يكون للأهواء السياسية والمذهبية مكان في أجندتها ، تلك هى الحقائق الداعمة للصحوة الإسلامية أو جزت القول فيها ، فليس المجال مجال إضافة في الحديث ولكنه التذكير والتحذير ، فالأخطاء المحدقة  بالأمة - على الرغم من هذه   الصحوة – لا تريد لها أن تبلغ غايتها في دعم وحدة الأمة ، وعلى أهل الذكر من العلماء والمفكرين أن يبذلوا جهودهم المخلصة لرفع راية الإسلام دون أن يكون للمذهبية أو النزعات الإقليمية التي تنادى بالتقسيم والتمزيق تأثير وتوجيه لما يدعون إليه ويحرصون عليه ؛ إنها مهمة مقدسه وهم بإذن الله سينهضون بها على أحسن وجه ، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم .

وبعد فإن العالم اليوم ينظر إلى هذه الصحوة ويرى فيها ظاهرة جديدة في المجتمع الإسلامي ، وحتى يثبت هذا المجتمع أن صحوته ليست مجرد شعور عاطفي لا يلبث أن يخمد بمرور الأيام ، وإنما هي إلى جانب هذا الشعور فكر علمي يعكس فهما صحيحا عمليا لتطبيق الشريعة في أحكامها وبخاصة بين شعوبها وشعوب العالم كله ، تأكيدا لعالمية الرسالة ، ومن ثم كان على الصحوة أن يتسع نطاق الوعي الإسلامي لديها ليعبر في جلاء عن أن الأمة بنيان مرصوص يشد بعضه بعضا ، وأن الاختلافات المذهبية في حياتها لا تمثل شقاقا وعزلة وإنما تمثل ثراء علميا يمكن للأمة أن تتخذ منه في حاضرها ما يلائم علاج مشكلاتها المختلفة ، فضلا عن أن هذا الوعي يعبر عن صلاحية التشريع لكل زمان ومكان ، لأنه يخاطب الفطرة الإنسانية، ويتسم بالإعتدال والوسطية والعدالة والحرية واحترام آدمية الإنسان دون نظر إلى عقيدته أو لونه وجنسيته . صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون .

إن الصراع بين الحق والباطن سنة كونية ، والحق لا ينتصر لأنه حق فحسب وإنما ينتصر بالإيمان الصادق به والجهاد بالنفس والمال للذود عنه والمسلمون – وهم أصحاب حق لأن دينهم دين الحق والعدل – يتعرضون اليوم لمؤامرات ظاهرة وباطنة ، داخلية وخارجية ، وتمزقهم وتفرقهم يتيح لهذه المؤامرات أن تنال من الدعوة للوحدة الإسلامية ، وتحول دون تحقيقها ، ومن ثم كان جهاد الصحوة من أجل هذه الوحدة فريضة مقدسة ، وضرورة حياتية للأمة . وإذا لم تنهض الصحوة بهذا فقدت رسالتها وتخلت عن مهمتها وأصبحت شعارا لا مضمون له ، وهى بإذن الله لن تتقاعس عن الرسالة والمهمة ولن ترضى أن تكون صوتا لا يعبر عن معنى ، كما أنها لن ترضى أن يسود التفرق ، وأن تطفي النزعات الإقليمية في القطر الواحد على مفهوم الوحدة الجامعة في جوهرها لا في شكلها الوحدة التي تدفع عن الأمة الذين يتربصون بها ، الوحدة التي تعبر عن المفهوم الشامل للأخوة الإسلامية ، الوحدة التي تكفل للجميع الإصلاح والخير والعزة والنصر حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله .

           والله يتولى أهل الذكر من الأمة بالهداية والتوفيق ،،،

 

 

قبض النبى محمد فعيوننا
فافتنهن من السواد...
لمنْ شيخان قد نشدا كِلابا

 

تذرى الدموع عليه بالنسجام
إلى آخر البيت
كتابَ الله إن حفظ الكتابا

 

 

  من أمَّكُمْ لرغبةٍ فيكم جُبِر

 

حياةٌ ثم موتٌ ثم نشٌر
معاوى إننا بشر فاكبح

 

حديثُ خرافة يا أمَّ عمرو
فلسنا بالجبال ولا الحديدا