العناصر المؤكدة لوحدة الأمة الإسلامية قراء معاصرة

العناصر المؤكدة لوحدة الأمة الإسلامية قراء معاصرة

 

العناصر المؤكدة لوحدة الأمة الإسلامية
قراء معاصرة
 
 
 
المحامي الشيخ مصطفى ملص

عالم و مفكر اسلامي - لبنان

 

مقدمة:
اليس من الغريب في القرن الميلادي الواحد والعشرين وبعد مرور اربعة عشر قرناً على بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أن نكتب ونتحدث لنؤكد أن الأمة الإسلامية أمة واحدة ، أو لندعوا إلى هذه الوحدة التي اثبتها المولة عز وجل في قرآنه الكريم بقوله عز وجل:" ان هذه امتكم أمة واحدة وانا ربكم فإعبدون" وبقوله في آية أخرى:" ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فإتقون".
ان النصوص الشرعية أو الدينية من كتاب وسنّة كلها تثبت وحدة أمة المسلمين، وأن العرق أو اللون أو اللسان أو الانتماء الاقليمي كلها عناصر لا تؤثر في وحدة الأمة سلباً، وأن جامع المسلمين الاول والاساسي هو شهادة ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله، من آمن بها نهو مسلم، له والمسلمين وعليه ما عليهم، ولا يُعاب على كفرٍ كان عليه إنسان بعد أن يدخل في الإسلام مهما كان هذا الكفر، شركاً أو الحاداً أو انكاراً لوجود الله عز وجل، أو عبادة وثنٍ أو صفمٍ أو كوكبٍ أو نارٍ أو عجلٍ، أو غير ذلك مما يتخذه الناس ارباباً من دون الله.
واذا كان الدخول في الإسلام يكتمل بشهادة التوحيد، فإن مستلزمات هذه الشهادة حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم المعروف في حديث"جبريل عليه السلام" الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والذي يبين فيه النبي الاكرم محمد صلى الله عليه وسلم اركان الإيمان واركان الإسلام هي الإيمان بالله وملائكته ورسله وكتابه واليوم الآخر والقدر خيره وشره من عند الله، وان اركان الإسلام خمسة، وهي: شهادة أن لا اله الا الله وأن محمداً رسول الله وافام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع اليه سبيلاً، وأن الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك،... الخ.
فمن اجتمعت عنده اركان الإيمان واركان الإسلام فهو مسلم، له ما للمسلمين وعلي ما عليهم. وهكذا نجد أن النصوص جعلتنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها في تحديد من هو المسلم الذي هو جزء من امة الإسلام.
اما الواقع فهو مختلف في كثير من نواحيه مع نصوص الكتاب والسنة، ونرى فيه من يستسهل القول بالتكفير اكثر بكثيرٍ من القول بصحة الإيمان، حتى ان بعضهم يكفر الناس احتياطاً، فلعل لديهم ما يخرجهم من الملة وهو لا يعلم به. وفي هذا خلافٌ لهدي وارشاد وتعاليم المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي رضي من الناس اظهار إسلامهم ليحكم به، ولو كانوا منافقين، فكان يقول عليه الصلاة والسلام عن المتهمين في دينهم:" بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر".
ونرى بعض الناس يربطون الحكم يإيمان المرء وكفره بحسب موقفه من شخص معين من المسلمين كخليفة أو صحلبي أو عالم أو صاحب مذهب فقهي أو فكري، وكأن ذلك من اركان الإسلام، وهذا تحميل للدين ما لا يحتمله، ولو فتح هذا الباب لكان شراً ووبالاً على الدين. نعم، الموقف من خليفة أو حاكم أو امام بعد رسول الله لا يُخرج من الله ولا يطعن في الإيمان.
ما يطعن في ايمان المرء أن يُكذّب أو يُنكر شيئاً ثبت في كتاب الله، أو قال به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا مخرج من الملة قطعاً، اما ما سوى ذلك فقد يكون ذنباً من الذنوب يتاب منه، أو يعاقب عليه. كما أن سابَّ الله أو رسوله وهو مدرك لما يقول كافرٌ لما في ذلك من الاستهانة بالله ورسوله ولكل حكمهُ عندَ الفقهاء.
إن ما نريد الوصول اليه هو ضرورة وضع منظومة تستند إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في تحديد من هو المؤمن أو المسلم ومن هو الكافر، ومن هو المرتد عن الدين ومن هو الفاسق ومن هو المبتدع أو صاحب البدعة في الدين لنضع حداً لفتنة التكفير التي تضرب اليوم بين المسلمين، فتفرق صفهم وتفسد وحدتهم وتجعلهم في ضياع يستفيد منه اعداؤهم والمتآمرون عليهم والطامعون في اضعافهم وتفريق صفهم، فليس للمسلم ان يكون عوناً لأعداء الإسلام على المسلمين، وليس له ان يترك نصرة اخوانه في الدين، فضلاً عن وجوب نصرة المظلومين أينما وجدوا ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. ومن حديث رسول الله:" المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم ادناهم وهم يدٌ على من سواهم".
ان احوال المسلمين اليوم على اختلاف بلدانهم ليست بالجيدة، وقد تداعت عليهم الامم كما تداعى الاكلة إلى قصعتها، وهم متفرقون ضعفاء، متحاربون متنازعون، يضعون انفسهم في خدمة خصومهم واعدائهم، وهم احوج ما يكونون إلى اجتماع كلمتهم ووحدة صفهم، وفقاً لكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، لذلك نحن مضطرون لأن نتحدث عن العناصر التي نؤكد على وحدة محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 
العناصر المؤكدة لوحدة الأمة الإسلامية
المسلمون هم الذين صدّقوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وآمنوا بالله رباً وبمحمد رسولاً ونبياً، وبالقرآن كتاباً منزلاً من عند الله عز وجل، وآمنوا بالغيب الذي تحدث عنه القرآن الكريم كاليوم الآخر والحساب والجنة والنار، والجن والشيطان وغير ذلك من الامور التي اخبر عنها القرآن الكريم سواءٌ مما هو كائن في المستقبل أو مما كان في الماضي، أو مما هو متعلق بما في السموات والارض.
وهذا الإيمان هو الذي يوحدهم ويجعلهم امة من دون أمم الارض جميعها، وعندما نتحدث عن امة فهذا يعني أننا نتحدث عن جماعة من البشر، لهم غايات مشتركة في الحياة يسعون إلى تحقيقها، واول هذه الغايات الحفاظ على ذات الأمة، والحفاظ على ملامحها ومميزاتها التي تمتاز بها، وعلى مصالحها التي تساعد على ذلك، فالإنتماء إلى الأمة يحتم الالتزام بالحفاظ عليها، والا تحول ابناء الأمة إلى مرض ينخر في بنيانها ويحطم الاسس التي تقوم عليها.
واذا عدنا إلى القرآن الكريم سنجد الكثير من الآيات التي تحثنا على ذلك، وتنهانا عن التنازع والفرقة، وعن الاقتتال والخصام، وتدعونا لكي نكون مصلحين في امتنا ومجتمعاتنا ومن هذه الآيات:
1-" ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء" (الانعام 159)
2- "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" (الانفال 46)
3- "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، واذكرا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداءاً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا" (آل عمران 103)
4- "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض" ( التوبة 71)
5- "واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" (الانفال 60)
ان هذا الكم من الآيات وغيرها تدعو للحفاظ على الإسلام بل على وحدة الأمة كي تبقى قوية عزيزة منيعة قادرة على صد الاعداء، وهذا ما يؤدي إلى الحفاظ على بقاء الأمة وحفظ وجودها، ليس كأفراد فقط، وانما كقيم ومبادىء وتعاليم وشريعة....الخ.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" المسلم أخ المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه ولا يحقره بحسب امرىءٍ من الشر ان يحقر اخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.."
وهذا الحديث النبوي يتحدث عن حق المسلم على المسلم، وعن مسؤولية المسلم عن المسلم، وفيها وجوب انصافه وتقديره والدفاع عنه ونصرته اذا احتاج إلى النصرة، وان شخص المسلم وماله وكرامته محرم على المسلم ان ينال منها أو ان يسمح لأي احدٍ مسلماً أو غير مسلمٍ أن ينال منها.
 
العناصر الإيمانية والعبادية:
المسلمون على اختلاف يعتقدون بما يلي:
1- الإيمان بالله الواحد الاحد بأسمائه وصفاته وينزهونه عن كل ما لا يلق بكماله وجلاله.
2- الإيمان بنبوة ورسالة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، انه رسول مرسل من الله عز وجل لهداية الناس واخراجهم من الظلمات إلى النور.
3- الإيمان بأن القرآن الكريم كتاب الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وبأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وانه الموجود بين دفتي المصحف لا زيادة فيه ولا نقصان، وهو المتعبد بتلاوته في الصلاة. ولا صحة لكل تهمة تزعم أن فريقاً من المسلمين يقولون بنقصه أو تحريفه أو الزيادة فيه، ما دام من ينسب اليهم القول ينفون ذلك عن انفسهم.
4- الإيمان بالمغيبات التي تحدث عنها القرآن الكريم كالملائكة والحشر والجنة والنار والجن وغيرها.
5- الإيمان بأركان الإيمان وأركان الإسلام وهي الصلاة والصيام والزكاة والحج بالاضافة إلى الشهادتين رغم ما يمكن ان يكون هناك من اختلافات في التفاصيل الفقهية.
6- اداء عبادة الحج في وقتٍ واحد وشكلٍ واحد دون اي تمييز بين مذهب ومذهب أو فئة وفئة.
7- اتفاق الجميع على ان من انكر أمراً من هذه الامور الستة التي ذكرناها لا يكون مسلماً.
هذا من ناحية الإيمان والعبادات والشعائر
اما من الامور الأخرى المؤكدة لوحدة الأمة وللزوم ان تكون الأمة واحدة موحدة فمنها:
 
المصلحة العليا للأمة:
يبلغ تعداد المسلمين في العالم اليوم مليار ونصف مليار بالحد الادنى، لذلك هم من اكبر الامم عدداً في البشرية، وهم منتشرون على اتساع رقعة الكرة الارضية اما كشعوب اصيلة أو كجاليات وافدة إلى دول غير إسلامية أو كأقليات مسلمة في بلدان اخرى.
والعالم الغربي يواجه المسلمين كأتباع ديانة واحدة، لا يفرق بين شعبٍ وآخر ولا بين مذهب ومذهب، ولا يرضى العالم الغربي غير المسلم الا ان تكون الشعوب الإسلامية مجرد تابع لسياساته، نأتمر بأوامره، وتحافظ على مصالحه، ثم ان السياسة العالمية اليوم تقوم على نهج القوة، وعلى نفوذ التكتلات العالمية الكبيرة، فهناك اتحادات فيدرالية مثل الولايات الأميركية المتحدة، وهناك اتحادات كونفيدرالية مثل الاتحاد الأوروبي، وهناك احلاف عالمية بين دول متعددة جمعت بينها مصالح خاصة مثل حلف الشمال الاطلسي، ودول البريكس، وجماعة جنوب شرق آسيا وغيرها من الاحلاف السياسية والاقتصادية والعسكرية، وغالباً ما ترفض هذه الاحلاف ان يكون من ضمنها دول إسلامية الا اذا كانت تابعة وهامشية وخاضعة لشروطهم.
فهل من مصلحة المسلمين في ظل هذا الواقع العالمي ان تبقى مصالحهم مهددة، وقرارهم مصادراً وتأثيرهم في السياسة العالمية ضعيفاً أو معدوماً؟
بالتأكيد ليس هناك عاقلٌ يرضى بذلك أو يقول به، إن العالم الإسلامي الذي يتمتع بثروات هائلة من النفط والمعادن والبحار والاراضي الزراعية والتنوع المناخي لو قدر له ان يتوحد على اسس من الوعي والإيمان والحكمة لإستطاع الافادة من ثرواته وقدراته التي تذهب اليوم هدراً وتتحكم بها الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وبريطانيا التي لم تنخرط في الاتحاد الأوروبي بشكلٍ كامل.
انه مما يؤسف له ان الدخل القومي للعالمين العربي والإسلامي لا يقاس بالدخل القومي لبعض الدول الأوروبية، فهناك دراسات تقول ان الدخل القومي لإسبانيا مثلاً وهي دولة ليست غنية في أوروبا وتعتمد في دخلها القومي على السياحة وعلى بعض الصناعات، يعادل الدخل القومي لمجموع الدول العربية بما فيها الدول النفطية، وان دخل ايطاليا يعادل دخل العالم العربي وايران.
ان المطلع على احوال الدول الإسلامية بمعظمها يدرك كم تعاني من الفقر والتخلف، فبعض الدول في افريقيا مثلاً ما زالت بدون شبكة طرقات معبدة وبدون كهرباء أو هاتف وتعاني نقصاناً هائلاً في الطب والمستشفيات والجامعات والمدارس، وان ارضها متروكة بدون زراعة رغم توفر الماء وخصوبة الارض، وذلك بسبب عدم قدرة اهلها على تأمين الآلات المساعدة في الزراعة وبسبب عدم وجود المستثمرين من المسلمين وغيرهم ونضرب مثلاً على ذلك دولة السودان التي يمتنع العالم العربي والإسلامي عن مد يد العون لها، مما ادى إلى فشل الدولة في الحفاظ على وحدتها وقامت دولة جنوب السودان التي اصبحت مرتعاً لليهود والصهاينة يتخذون منها منطلقاً للنفوذ في القارة الافريقية بشكلٍ عام.
ان دولاً مثل السعودية والكويت والامارات العربية المتحدة تمتلك ثروات هائلة كدول وكأفراد اثرياء، وهي تستثمر هذه الثروات في أميركا وأوروبا أو تضعها في البنوك الربوية، ومن المؤسف ان الادارة الأميركية هي التي تتحكم بهذه الثروات والودائع وتستطيع الحكومة الأميركية بقرارٍ منها أن تحجز كل هذه الاموال أو أن تصادرها اذا شاءت ولكن يكون للدول العربية المعنية قدرة على منعها من ذلك.
فلو ان هذه الاموال وغيرها كثير استثمرت في العالم الإسلامي لحولت هذا العالم إلى جنة من الخيرات ولقضت على ظاهرة البطالة التي تشمل اكثر من اربعين بالمئة من الشباب العربي والطاقات العربية.
ثم ان التجارة البينية بين دول وشعوب العالم الإسلامي لا تتجاوز نسبة 5% من الميزان التجاري لهذه الدول بينما تبلغ النسبة مع الغرب 95% رغم ان هناك امكانية لرفع هذه النسبة إلى 50% لو توجهت هذه الدول بإتجاه العالم الإسلامي، مما سيؤدي إلى نتائج اقتصادية مذهلة على كافة الصعد.
ومن الملاحظ ان العالم الغربي يستورد المواد الخام من العالم الإسلامي بأسعار زهيدة ثم يعيد تصديرها اليه بعد تصنيعها بأسعارٍ خيالية بحيث يغطي جزءٌ صغيرٌ من المواد الخام المصنعة كلفة استيرادها كلها كمواد خام.
ان وجود حكام خاضعين للتأثير الأميركي خصوصاً والغربي عموماً، يعيشون الخوف على عروشهم ومناصبهم سوف يبقي العالم الإسلامي في حالة شلل تجاه هذا الوقع المؤلم, لذلك الأمل معقود على توعية لجماهير بالمخاطر الحقيقية التي تتهددها واتية من الضرب ومن اتباعه في المنقة هذه الجماهير التي تعمل أميركا واسرائيل والأنظمة العميلة لها على ايجاد عدّو وهمي منبين ابناء الأمة لصرف انتباه الأمة عن اعدائها الحقيقين، سالبي قرارها وناهبي ثرواتها والمحتلين لأرضها ومقدساتها.
 
التعاون العلمي والتقني:
لا سبيل للارتقاء بالحياة إلا بالعلم وامتلاك القدرة على انتاج التقنيات الحديثة والمتطورة، ولقد امتلك العالم العربي ناصية العلم فتحكم به بحيث يمنعه عمن يشاء ويبيحه لمن يشاء. وهذا الأمر ليس حديثا في التاريخ الإسلامي وجد رجل حكم مصر بالقرت التاسع عشر أدرك أن تقدم المسلمين لا يكون الا بالعلم والتصنيع فأراد أن يقيم دولة تهتم بالعلم والصناعة، وكان لهذا الحاكم وهو محمد علي باشا الارنؤوطي طموحات في توسيع الرقعة الواقعة تحت سيطرته، ووصل به الامر إلى مواجهة الدولة العثمانية وحقق الانتصارات التي تؤكد على مقدرته في تحقيق طموحاته، فكانت النتيجة ان أوروبا جميعها وقفت ضد محمد علي باشا وتأمرت عليه ودعمت السلطنة العثمانية الهرمة رغم العداوة معها لإيقاف محمد علي باشا ومنعه من تحقيق غاياته.
وقد فرضت الدول الأوروبية حظراً على تحول مصر إلى دولة صناعية وفرضت عليها ان تبقى دولة زراعية، وكانت مصر في ذلك مع اليابان وفرنسا في مستوى اقتصادي واحد. فأين اصبحت اليابان وفرنسا واين اصبحت مصر اقتصادياً؟ اليابان وفرنسا من أقوى دول العالم اقتصادياً بينما مصر تتسول الحنطة من الولايات المتحدة الأميركية.
وما زال القرار الغربي حتى الآن نافذاً بحق دول العالم الإسلامي بحيث يمنع على هذه الدول امتلاك العلم والصناعة والتقنية، ولا يسمح لها الا بالصناعات التي اصبحت متخلفة قياساً على التقدم العلمي الحاصل في الغرب.
وما الموقف الأميركي والغربي اليوم من البرنامج النووي السلمي الايراني الا تطبيقاً لهذه السياسة وهذا القرار، وهم يضغطون على ايران لوقف التخصيب ويعلنون استعدادهم لبيعها اليورانيوم المخصب لمفاعلاتها السلمية، والقصد من ذلك ابقاء التقدم العلمي في ايران تحت السيطرة الغربية للحد منه وصولاً إلى تعطيله وتدميره.
 لذلك العالم الإسلامي يحتاج إلى وحدة سياسية تجعله قوياً وقادراً على مواجهة الحظر الغربي على العلوم والتقنيات، وقادراً ايضاً على تبادل الخبرات بين دوله وشعوبه، فلن يكون للعالم الإسلامي تقدم وتطور فعلي ما دام غير مستقل عن الارادة الغربية، والتجربة الايؤانية خير نموذج، حيث تدل على ان هناك امكانية لإمتلاك ناصية العلم والتقنية والقدرة والقوة على الصمود والتحدي، ولكن الامر يحتاج إلى قرار سياسي والى قيادة تعرف كيف تدير المواجهة مع الغرب المستكبر.
وحينما نتكلم عن التعاون العلمي والتقني لا نعني به فقط التعاون العسكري أو التسليحي، بل التعاون لحل كثير من المشاكل على صعيد التنمية الزراعية والصناعية والتعليمية والبيئية وعلى صعيد استثمار الثروات الطبيعية والثروات المائية البحرية والنهرية، والمطرية، وغير ذلك.
 الوحدة وفتح الحدود:
ان الوحدة بين الشعوب والدول الإسلامية سيكون لها اثر كبير على صعيد الغاء الحواجز الجمركية وعلى صعيد انتقال الافراد بين الدول والاقاليم وسيكون لها اثر اقتصادي كبير، لأن سوقاً ستنشأ بين ما لا يقل عن مليار إنسان، فكم ستوفر هذه السوق من فرص العمل امام الطاقات العلمية والتجارية والصناعية والشبابية.
ان الحدود الوهمية بين الشعوب الإسلامية لم توجد الا لخدمة الغرب الاستعمار وللتفريق بين ابناء الأمة الواحدة، لذلك تؤكد تجارب الأمم ان الاتجاه لإزالة الحدود وهو المصلحة الحقيقية، فدول الاتحاد الأوروبي ازالت الحدود فيما بينها ويستطيع الأوروبي وغير الأوروبي الموجود في أوروبا ان يتنقل بين هذه الدول دون ان يعيقه عائق أو يسأله عن مساره سائل، وفي أميركا نجد ان الحدود بين دول أميركا الشمالية ليست اكثر من خطوط وهمية وأن المواطنين الكنديين والأميركيين والمكسيكين يدخلون ويخرجون بدون تأشيرة دخول، كما ان حركة تبادل السلع والبضائع جيدة بالكامل.
 
ماذا تعني الوحدة الإسلامية؟
ربما يتخوف البعض من دعوة الوحدة بإعتبار انها تلغي الخصوصيات بين الشعوب، وتؤدي إلى خضوع بعضهم للبعض الآخر، أو إلى تحكم الدول القوية بالدول الضعيفة.
والبعض يفهم منها قيام نظام سياسي على رأسه خليفة أو حاكم قد يصبح دكتاتوراً أو طاغية بغرض ارادته وقراراته على الآخرين وربما كانت هناك مختاوف أخرى وجميع هذه المخاوف مشروعة وللناس الحق بها.
ولكن ما نريد قوله اننا لا نقبل بفرض تصور معين للوحدة بين المسلمين ودولهم، ولا ندعي ان هناك اطار سياسي مجرب أو محدث يشكل نموذجاً لهذه الوحدة.
ان ايجاد التصور حول الوحدة واطارها السياسي امرٌ متروك لأولى الشأن والاختصاص من رجال فقه وقانون دستوري واقتصاد وسياسة وامن وجيش كل في مجاله واختصاصه، فقد تكون الصيغة دولة فيدرالية أو كونفيدرالية، أو اتحاداً أو حتى حلفاً وقد يرى البعض اندماجاً وقد يرى البعض الآخر الحفاظ على اشكال من الدولة ضمن الاتحاد، إلى آخر ما هنالك من تصورات.
ان مسألة الوحدة الإسلامية واطرها تشكل تحدياً امام المسلمين عليهم أن يجدوا الصيغة التي تكفل قيام وحدة بينهم قابلة للحياة والاستمرار وتحقق في ذات الوقت الغايات والاهداف والمصالح العليا للوحدة الإسلامية، واساس هذه الوحدة أن نقر جميعاً بأن من توفرت فيه اركان الإيمان واركان الإسلام فهو مسلم له مالنا وعليه ما علينا، مهما تضاربت المصالح والرؤى والافكار والنظرة إلى التاريخ أو إلى الرجال أو كان الاختلاف حول قضية من قضايا الدنيا.