العولمة الاستكبارية وسايكولوجية القسر والقهر

العولمة الاستكبارية وسايكولوجية القسر والقهر

 

 

العولمة الاستكبارية وسايكولوجية القسر والقهر

 

الشيخ فؤاد كاظم المقدادي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

لا ريب أن مقولة العولمة كحالة طبيعية أصبحت من المدركات الواضحة لأهل الفكر والثقافة على اختلاف مبانيهم ومشاربهم، وذلك على أساس أنها إفرازٌ تلقائي للتحولات التقنيّة الهائلة في التواصل والتقارب الشديدين بين الدول والمجتمعات البشرية المختلفة لتشكّل بذلك مرحلة جديدة من التلاقح الثقافي والتفاهم الاجتماعي والسياسي والتكامل الاقتصادي بأبعاده الإنسانية التي تُقلّص من دائرة الظلم والاستبداد والفقر والحرمان، وتجعل المجتمع الإنساني بكل دوائره وانحداراته القومية والثقافية يُدرك القيمة الإنسانية المشتركة بين الاُمم والشعوب، ويدفعها لتوحيد حركتها باتجاه رفع الحيف عن الإنسان والانفتاح بين أحدهم والآخر على أساس منطق الحوار لتأصيل المشتركات والتقريب بين الخصوصيات.

 

إلاّ أن الذي سارت عليه القوى الكبرى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة هذه العولمة كان حرفاً لها عن مسارها الطبيعي، وتحويلها الى أداة استكبارية جديدة لقهر الإنسان والمجتمعات، وتحميلها منطقاً أشبه بمنطق شريعة الغاب منه الى منطق الحضارة الإنسانية بمفهومها الأولي، حتى صارت وجهاً جديداً للاستعمار بطريقته الحديثة، وجولة حاسمة لإحكام القبضة الحديدية للاستكبار على دول العالم، وإسقاط تمنّع الشعوب والدول من قبول هذا الاستكبار، كأمر واقع والرضوخ له ولو بالمحاصرة والردع الشامل تحقيقاً لقيادة العالم والهيمنة على مقدراته الاقتصادية وتوجهاته السياسية والثقافية.

 

وكان من أوائل من طاله هذا الأمر هو المنظومة الدولية ومؤسساتها وقوانينها العالمية والإقليمية، فليس بعيداً عنّا ما آلت إليه منظمة الاُمم المتحدة ومجلس أمنها بعد أن تمرّد أغلب أعضائها الدوليين على النهج الأمريكي القسري، وتحويلها بقوانينها ودولها الكبرى والصغرى الى أشبه ما تسمّى بالمؤسسة الخيرية التي يجب أن تخدم عملية العولمة الأمريكية بمنطق القوة الاستكبارية; وتبعاً لذلك انهارت كل المنظمات الدولية الاُخرى سواءً كانت قائمة على أساس مبدأ دولي عام أو إقليمي خاص كمنظمة دول عدم الانحياز ومنظمة الدول الإسلامية وجامعة الدول العربية وأمثالها، فقد وصل الأمر ببعض هذه المنظمات ودولها الى أن تستجدي أمريكا لتسمح لها بأن تجتمع في إطار مسمى وجودها إبقاءً لماء وجهها أمام شعوبها، بل أن بعضها أخذ يسوّق للأهداف الأمريكية علناً أو من وراء ستار من أجل تحقيق كل ما يمكن أن ينسجم مع تلك الأهداف حفاظاً على وجودها من التغيير، أو الزوال أمام الثور الأمريكي الهائج.

 

وقد يتساءل  البعض عن الأساس الآيديولوجي الذي انطلقت أمريكا وحلفاؤها منه لسلوك هذا النهج الصارخ في الاستبكار العالمي حتى على المنظومة الأوربية التي تشاركها في مفهومها الحضاري الغربي في سياسة العالم ، والتعامل مع دوله ومنظوماته. ويجد السائلون ـ على اختلاف مبانيهم ـ الجواب الشافي لهم فيما يقوله لنا «فرانسيس أنتوني بويل» استاذ القانون الدولي، وعضو برنامج الحد من الأسلحة ونزع السلاح والأمن الدولي بجامعة «إلينوي» في أمريكا في كتابه: «مستقبل القانون الدولي والسياسة الخارجية»:

 

(إن «الهوبزية» نسبةً الى «توماس هوبزThomas Hobbes»، لها أثر كبير في الفكر القانوني الدولي الغربي عموماً، والأمريكي خصوصاً، و«هوبز» هو مؤلّف كتاب «لوياتان Leviathen» عام1651م، وعنوان هذا الكتاب مأخوذ من «الكتاب المقدّس»، ويعني وحشاً بحرياً، يرمز الى الشر. ثم استعيرت الكلمة الى اللغة السياسية لتعني الدولة ذات القبضة الرهيبة القاهرة القادرة على تأكيد سلطتها في كل الأوقات والظروف. ويعدّ »هوبز« مؤسس الواقعية القانونية الحديثة، وملهم النظرية السياسية السائدة في الغرب، وتتلخص نظريته: في أن الطبيعة البشرية في أساسها نزّاعة الى الغلبة والتسلط والجشع; ولذا فلا معنى لوجود قوانين لا تقف وراءها قوة غالبة قاهرة لتفرضها; لأن طاعة القانون لا يمكن أن تتحقق إلاّ قسراً. ويستطرد «بويل» في كتابه قائلاً: إنّ الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية قد تبنوا هذه النظرية، حيث إن صنّاع القرار في الحكومة الأميركية عندما يعملون وفق المبدأ «الهوبزي»، وهو أن قواعد القانون الدولي هامشية لا جدوى منها; فإنهم بذلك يتصرفون بشكل يدلّ على أن الحكومة الأميركية لا تعير أيّ أهمية الى توقعات الدول والشعوب الاُخرى، فيما تراه أقل درجات الاحترام والتقدير الذي تستحقه في علاقتها مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، وعندما يُترجم هذا الموقف »الهوبزي« الى برنامج عمل في السياسة الخارجية الأميركية; فمن الطبيعي أن يتحول الى وصفة ناجعة لخلق الخلافات والصعوبات والنزاع مع الدول والشعوب الاُخرى; وبهذا تضع الحكومة الأميركية نفسها في موضع; بحيث تصبح الأداة الوحيدة التي تستطيع أن تحقق بها أهدافها هي: الاستعمال الوحشي للقهر السياسي والاقتصادي والعسكري) ([1]).

 

وعلى هذا المبدأ بدأت مرحلة جديدة من النهج الأميركي في السياسة العالمية، وأخذت تجلياتها تظهر بشكل صارخ وحدّي بعد أحداث 11سبتمبر عام 2001 م، وكان أبرز ما انكشف من خلفيات هذا النهج الاستكباري بمنطق القهر والقوة هو ما يلي:

 

1 ـ إعادة تشكيل السايكولوجية للعالم الإسلامي بمنطق القوة الاستكبارية وتحت شعار العولمة الحضارية الجديدة

 

فرغم موجة المعارضة الشاملة للرأي العام العالمي داخل الولايات المتحدة وخارجها، إلاّ أنّ الإدارة الأمريكية تمسكت بإفراط بخيار تدمير النظام العراقي دون أن يدرك أحد أسباب هذا التمسك المفرط، لكن تقريراً أمريكياً خاصاً ذكر بصراحة أن أول سبب لذلك هو أن واشنطن تريد من القضاء على نظام صدام حسين تحقيق مهمة (سايكولوجية)، وهي إجهاض حركة الشعوب الإسلامية ـ وخصوصاً الحركة الإسلامية ـ والقضاء على اعتقادها بإمكان مقاومة الولايات المتحدة الأمريكية.

 

فأمريكا تعلم جيداً أن العراق لا يشكلّ خطراً طارئاً، على الأقل في الفترة الراهنة، وبالصيغة الموصوفة في الإعلام الغربي، إلاّ أن (صدام حسين) يشكّل (كبش فداء) مناسباً لإسقاط عناصر القوة والهيمنة التي تسعى واشنطن للبرهنة على أنها تحتكرها على الحالة العراقية، وتوجيهها كرسالة للتيار الإسلامي، لأنّه يشكّل الخطر الحقيقي الذي يهدّد هذه القيم.

 

فيكشف تقرير (ستراتفور) الأمريكي ـ المعني بتحليل الشؤون السياسية والعسكرية ـ أنه لا توجد سوى دولتين من خارج الولايات المتحدة تؤيدان توجهاتها العسكرية نحو العراق هما: (إسرائيل وبريطانيا)، وفيما عدا ذلك فإن الإدارة الأمريكية من داخل الولايات المتحدة ـ كما دلّت على ذلك إحصائيات أجريت في ولايات أمريكية مختلفة ـ ومن خارجها، تلقى معارضة شديدة لسياستها هذه غير المبررة.

 

ويقول التقرير: إن هذا السبب السايكولوجي المهم لا تستطيع أن تفصح عنه الإدارة الأمريكية بوضوح ضمن سلسلة التبريرات التي قدمتها لاجتياح العراق كي لا تعمّق عداءها مع العالم العربي والإسلامي، والنتيجة أن أحداً لا يفهم بالضبط سبب التمسك الأمريكي المفرط بضرب العراق رغم موجة المعارضة الشديدة.

 

وذكر التقرير الصادر في 12 آب 2002م، أن الولايات المتحدة تعلم جيداً أن التحدي الحقيقي الذي تواجهه ليس تنظيم (القاعدة) المتلاشي ولا نظام صدام الهزيل تحديداً، وإنّما موجة الاستياء العام ومشاعر مناهضة للولايات المتحدة الموجودة بقوة لدى شرائح واسعة وكبيرة من الشعوب العربية والإسلامية، على الرغم من أن التقرير ذكر بداية أن مصدر الاستياء من أمريكا هو دعمها المطلق لـ (إسرائيل)، ووجود قواتها في الخليج الفارسي، إلاّ أنّه ذكر أن الإدارة الامريكية تعتقد بأنّها حتى لو غيّرت سياستها تجاه إسرائيل والخليج الفارسي فإنها لن تحظى بحبّ العالم الإسلامي، وأكّد أن الإدارة الأمريكية لن تقبل التخلي ببساطة عن الخليج الفارسي، باعتباره مصدراً مهماً للبترول، والأهم من ذلك، لأن قواتها ستشكل حجر عثرة أساسية أمام أيّة محاولة من الحركة الإسلامية لإقامة كيان إسلامي في المنطقة على غرار نظام الجمهورية الإسلامية في إيران يهدّد الوجود الغربي ـ الأمريكي، باعتباره يمثّل منظومة قيم مختلفة.

 

ومن هنا، فإن أمريكا تعتقد أن مشكلتها ليست مع القاعدة  ولا مع نظام صدام تحديداً، وإنما مع المدّ الإسلامي بعمومه، ومن المهم السيطرة عليه عبر مجموعة إجراءات أهمها القضاء على (سايكولوجية) الحالة الإسلامية التي تحفّز لديها الاعتقاد بإمكان القضاء على أمريكا، وذكر التقرير بعض الوقائع التي شكلّت (سايكولوجيا) إمكان المقاومة لدى التيار الإسلامي وامتداداته، وهي وقائع دلّت على إمكان تعرّض أمريكا للهزيمة والضعف وهي:

 

ـ وقف النفط العربي عن العالم الغربي سنة 1973م.

 

ـ الاعتقاد السائد بهزيمة القوات الأمريكية في لبنان والصومال.

 

ـ هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان.

 

ـ أحداث (11) سبتمبر.

 

ـ هزيمة الولايات المتحدة في إيران.

 

وانتهى الى أن أول إجراء هو تصفية ما يمكن تصفيته من هذه الوقائع وتحطيمها تماماً في محاولة لإعادة تشكيل (سايكولوجية جديدة) لدى التيار الإسلامي وحركته الثورية على حدّ تعبير التقرير.

 

ولذلك يمكن فهم تمسك الولايات المتحدة باحتلال العراق في سياق مساعي أمريكا للبرهنة على قوّتها التي تعرّضت للاهتزاز في 11 سبتمبر، وكي تبعث برسالة واضحة تماماً للتيار الإسلامي وحركته الثورية بأنها مازالت القوة العظمى في العالم، وأن قدراتها تفوق قوة التيار الإسلامي وحركته ـ على حدّ وصف التقرير ـ ومن جانب آخر فإن احتلال العراق يعتبر هدفاً مقدوراً على تحقيقه، مقارنة بهدف القضاء على حركات الرفض والمقاومة الإسلامية.

 

فأمريكا تجد صعوبة بالغة في القضاء على المنظّمات الإسلامية الثورية، حتى أنها لجأت للحديث عن استراتيجية اغتيالات رموز هذه التنظيمات في أيّ بلد كانت، من دون الحصول بالضرورة على إذن مسبّق أو إخطار ذلك البلد، وبقدر ما تدل الاستراتيجية الجديدة على قوة الولايات المتحدة في اتخاذ قراراتها باستقلالية، وتحديد استراتيجياتها في ضوء مصالحها الأمنية، دون اعتبار لبروتوكولات العلاقات الخارجية، بقدر ما تكشف الاستراتيجية ما وصلت اليه أمريكا من ضعف أمام التنظيمات الإسلامية الثورية.

 

فالمقصود من احتلال العراق بقوة والإصرار على خيار إزالة نظام صدام هو بالإضافة الى النفط وأمن إسرائيل، ومحاصرة الجمهورية الإسلامية في إيران هو (العمل على إعادة تشكيل السايكولوجية الإسلامية) وشلّها بالإحباط والشعور بالعجز عن إمكان تهديد القوة الأمريكية، وهو سبب ـ حسب التقرير ـ غير تقليدي، ولا يمكن طرحه كمبرّر أمام الرأي العام العالمي، الذي يرفض بشدّة المبررات المطروحة. ويؤكّد التقرير أن هذا هو من الأسباب الرئيسية لتمسك أمريكا المفرط بخيار احتلال العراق; أي لأن ذلك يحقّق لها مكاسب (سايكولوجية) على المدى البعيد في علاقتها بالتيار الإسلامي وحركته العالمية والهيمنة الحضارية بالطريقة الأمريكية على العالم الإسلامي، وخصوصاً منطقة الشرق الأوسط الستراتيجية تحت شعار حتمية العولمة الحضارية بقيادة أميركا وحلفائها الغربيين.

 

وعلى الرغم من أن التقرير يثني بصورة غير مباشرة على الاستراتيجية الأمريكية فى العمل، إلاّ أنه يستدرك بالقول: إن أمريكا لا تستطيع أن تجزم بالنتائج، أي أن انتصارها في احتلال العراق لا يعني بالضرورة انتهاء خطر التيار الإسلامي وحركته الثورية التي من الممكن أن يكون لها قراءة مختلفة للحدث، وبالتالي ردّة فعل مختلفة إزاء هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية.

 

2 ـ تكريس الهيمنة الأميركية على العالم عموماً وعلى الإسلامي منه بالذات، من خلال نموذجها الحضاري الخاص وبآلية القوة القاهرة وبغطاء تبريري لا يقبل النقاش والرد، حتى لو أدّى ذلك الى تغيير أسس النظام الدولي وتجميد منظماته ومؤسساته الدولية والإقليمية. فالطريقة الأميركية للسيطرة، تقوم على أساس استخدام ركائز القوة الصلبة، كالآلة العسكرية لقمع المخالف، وفرض اقتناع قسري بضرورة التناغم مع الطرح الأميركي، أو على الأقل الإذعان له; ويستدعي ذلك استخدام أنماط علاقات مثل علاقات الإكراه، والردع، كما تقوم أيضاً على استخدام لركائز الهيمنة النفسية كوسائل الإعلام جميعها، والمساعدات الاقتصادية، لإيجاد مبررات القناعة بالأهداف وتكريس علاقة الخضوع للولايات المتحدة الأمريكية. ويستدعي ذلك استخدام أنماط علاقات مثل علاقات الإغواء، والاستدراج، والإقناع مع إبقاء هامش فعّال من الرعب والخوف والردع والقهر خصوصاً مع الأطراف الضعيفة. وبخلافه تنتقل طريقة التعامل الى استخدام ركائز القوّة الصلبة لفرض السيطرة على من لا يرضى بالهيمنة الأميركية طواعية.  ولا يخفى ما في هذا السلوك من تجبّر وتكبّر وعلو.

 

وقد حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على بسط هيمنة نموذجها على العالم، وذلك في إطار إعادة صياغة النظرية الاستعمارية المحدثة.

 

ولأجل ذلك استخدمت الولايات المتحدة أدوات أعلامها لعولمة نموذج الحياة الأميركية، وتزيينه للرأي العام العالمي، وهو ما يسهّل عملية فرضه عبر المعاهدات الدولية، ومؤسسات التمويل العالمية، مع التحرك العسكري لقمع الدول الهامشية التي ترفض تقبّل هذا النموذج طوعاً.

 

ولذا عمدت الولايات المتحدة الأميركية الى تقسيم العالم الى دول حليفة ودول معادية، لكن وفق المعيار الأميركي. ولعل هذا ما اتّضح من كلمة الرئيس بوش للرئيس الباكستاني برويز مشرف: »أمامك خياران: إما أن تدخل في حلف الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، وإما أن نعيد باكستان الى العصر الحجري«، وكقوله قبل ضرب أفغانستان: »من ليس معنا فهو ضدّنا«.

 

وقد بشّرت أميركا وحلفاؤها بالازدهار والتقدم الحضاري على طريقتها الأميركية كما توعدت بالويل والثبور من يقف أمام إرادتها الاستكبارية الجامحة، ففي حرب العراق على سبيل المثال كان هناك نمطان للمثوبة ـ أشرنا إليهما سلفاً ـ  أما الجحيم فكان من نصيب العراق، كما أنه من نصيب كل دولة ترفض الإيمان بالهيمنة الأمريكية، طالما أن هذه البلاد المغضوب عليهاـ العراق ـ ليس لديها القدرة على رفض هذا الجحيم.

 

أما الفردوس الأرضي الأميركي فهو حالة الرخاء التي تبشّر بها حركة الأمركة بعد تحرير التجارة ورؤوس الأموال، ناهيك عن الفردوسات العاجلة من منح و مساعدات توزّعها هنا وهناك ضماناً للموالاة، وفي مقابل ذلك إرهابها من عواقب عدم الرضوخ.

 

إلاّ أن أميركا وحلفاءها الغربيين وأذنابها الأقليميين تغابوا كثيراً عندما تصوروا أنهم قادرون على صناعة هوية جديدة وتحميلها على المجتمعات الإسلامية، وهي في زهو صحوتها وتجدد أصالتها الدينية ووعيها لمهامها الرسالية الذي جسدته بروح المقاومة العنيدة، رغم كل ما تمارسه انظمتها الحاكمة من أساليب القمع للرأي ومحاصرة فكرها وثقافتها الإسلامية وردع حركتها الرسالية، وأبرز نماذجها المعاصرة الجمهورية الإسلامية في ايران بتيارها الثوري شعباً وقيادة، ولبنان برمزه الرائد حزب الله، وفلسطين بفصائلها الجهادية المقاومة، والعراق الذي ما إن سقط حكم الطاغية صدام حتى هدرت ملايينه بندائها الخالد: »نعم نعم للإسلام... كلا كلا لأميركا وصدام« الذي ظلّ حوالي 34 عاماً حبيس الصدور المعذّبة والأفواه المكتومة، وهكذا كان شأن الملايين من المسلمين في مختلف بلدان العالم الإسلامي التي عبّرت بوضوح عن استطالة عصر الشعوب المستضعفة بلغة الرفض للاستكبار والظلم والجور، وأن أميركا وحلفاءها سيدفعون ثمن غبائهم وحماقاتهم غالياً عندما يصطدمون بإرادة هذه الشعوب الثائرة التي لا ترى نهجاً غير نهج رائدها الخالد الإمام الحسين(عليه السلام) ; الذي رسم لها طريق العزّة والكرامة والحرية في كلمته الخالدة: »اني لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما« والعاقبة للمتقين والحمد لله رب العالمين..

الهوامش:

([1]). بويل، فرانسيس أنتوني،  مستقبل القانون الدولي والسياسة الخارجية الأميركية، ص20.