القران الكريم بين تحريف المفاهيم وتحريف النص

القران الكريم بين تحريف المفاهيم وتحريف النص

 

 

القران الكريم بين تحريف المفاهيم وتحريف النص

 

السيد صدر الدين القبانجي

 

الفصل الاول: تحريف المفاهيم عبر نظرية أسطورية النص القرآني

تحريف المفاهيم عبر نظرية أسطورية النص القرآني

نظرية اسطورية القرآن الكريم:

أسطورية القرآن، أو أسطورية النص القرآني هو ما يؤكده الحداثيون الاسلاميون!! على لسان د.محمد اركون، ونصر حامد ابو زيد وغيرهما وتبعاً للحداثيين الغربيين الذين تعاملوا مع التوراة والانجيل ومجمل الخطاب الديني على اساس انه خطاب اسطوري.

عشرات المرات جاء التأكيد على اسطورية النص القرآني في كلمات د.محمد أركون فلنستمع اليه وهو يقول:

(إن الحكايات التوراتية والخطاب القرآني هما نموذجان رائعان من نماذج التعبير الميثى أو الاسطوري. هكذا نلاحظ كيف أن العمل الاجتماعي – التاريخي الذي أنجزه النبي في مكة والمدينة كان مصحوباً دائماً بمقاطع من القرآن، أي بخطاب ذي بنية ميثية(اسطورية)([1]).

وحين استفزت هذه الرؤية مشاعر المسلمين المضادة، خاصة وأنهم يقرؤن القرآن الكريم وهو يستعمل كلمة اسطورة بمعنى الكذب والخرافة كما في قوله تعالى وهو يحكي عن لسان الكافرين:( إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)([2])

حاول د. أركون ان يبرر استعماله لكلمة اسطورة ووصفه القرآن الكريم بها بانه جاء نتيجة ضيق العبارة العربية عن ترجمة الكلمة الفرنسية فقد قال :

(ومع ذلك فقد وقعت تجارب مؤلمة مع علماء مشهورين محترمين معروفين برسوخ علمهم وصفاء نيتهم وإخلاص إيمانهم فتورَّطوا في سوء تفاهمات مأساوية، فعندما يقرؤون ترجمة جملة كهذه:

(Le Cora nest un discourse de structure mythique)

أي(القرآن خطاب أسطوري البنية) كما جاء في ترجمة الدكتور عادل العوا، فإنهم يصرخون ويدينون ... في الواقع، إن الترجمة صحيحة وسليمة لغوياً، إلا أن مفهومات (خطاب) و(أسطورة) و(بنية) لم يفكر فيها بعد كما ينبغي في الفكر العربي المعاصر. ولن تؤدي المناقشة الى أية نتيجة صالحة اذا ما تمسك هذا الطرف المذكور بأحكام فقه اللغة التقليدي والتاريخ الروائي – الخطي واستخدام القرآن لمفهوم الاسطورة))([3]).

(ولذلك ينبغي على القارئ العربي الا يفهم من استخدامنا الغزير لكلمة(اسطورة) أو(وعي اسطوري) انا نقصد الأكاذيب والخرافات التي لا أساس لها من الصحة أو لا وجود لها. وانما نقصد التركيز على أهمية البعد النفسي أو الخيالي الذي يميل الى المبالغة والتضخيم في حياة الأفراد والجماعات. انه موجود وفعال ومجيش للجماهير(خصوصاً في المجتمعات البدائية والمتخلفة) مثلما هو موجود العامل الاقتصادي المادي وربما أكثر)([4]).

من حقنا أن نستغرب كثيراً من شخص يدعي انه يؤمن بالاسلام والقرآن لكنه يصفه في عشرات المرات من كتابه بل العديد من كتبه بانه اسطورة ثم لاينبه القارئ الى ان مقصوده هو شيء آخر غير ما تعطيه هذه الكلمة من معنى لدى السامع والقارئ، بل حتى وهو يدافع عن نفسه حين يطلق كلمة اسطورة على القرآن الكريم نجده مرة اخرى يؤكد ذات المعنى المرفوض، ويعتبر القرآن الكريم اسطورة تحتوي على قليل من الحقيقة مع كثير من نسج الخيال.

استمع اليه وهو يقول :

(التعريف الانتربولوجي الحديث الذي يعتبر أن كل اسطورة تحتوي على جزء ولو ضعيف من الحقيقة، ثم يكبرها الخيال وينميها.

اذن ان الاسطورة غير الخرافة، وينبغي منذ الآن فصاعداً أن نميز بينهما في اللغة العربية الحديثة. فالأولى لها نواة في الوجود والواقع في حين ان الثانية مختلقة تماماً. كما ان الأسطورة مرتبطة بالمجاز وتحريك المشاعر(نقول لغة أسطورية أو شعرية أو دينية)([5]).

(فمثلاً نجد أن الأسطرة تلعب دورها على مستوى التعبير الرمزي الذي يقدمه الأنبياء والفلاسفة والشعراء للحالات  المحدودة للوضع البشري كالموت والحياة والحب والعدالة و(الرغبة العميقة في البقاء والخلود))([6]).

على كل الاحوال ... فان القرآن بحسب هذا الفكر الحداثي هو اسطورة وهمية أو محفوفة بكثير من الاوهام وهو لا يعبرّ عن حقيقة الاّ في جزء بسيط من مدلوله، ولكن هذا الجزء البسيط قد تراكمت عليه الحكايات ونسجت حوله الخرافات فلم يعد أفضل حالاً من سائر الاساطير التي قد تكون في الاصل تعبيراً عن حقيقة لكن الحكايات والخرافات تراكمت عليها فصنعت منها أسطورة.

يقول د . نصر حامد ابو زيد:

 (ولا شك ان النصوص الدينية اعتمدت، شأنها شأن غيرها من النصوص على جدلية المعرفي والأيديولوجي في صياغة عقائدها، المعرفي التاريخي يحيل بالضرورة الى كثير من التصورات الاسطورية في وعي الجماعة التي توجهت لها النصوص بالخطاب)([7]).

(ما زال الخطاب الديني يتمسك بوجود القرآن في اللوح المحفوظ اعتماداً على فهم حرفي للنص، وما زال يتمسك بصورة الإله الملك بعرشه وكرسيه وصولجانه ومملكته وجنوده الملائكة، وما زال يتمسك بالدرجة نفسها من الحرفية بالشياطين والجن، والسجلات التي تدون فيها الاعمال، والأخطر من ذلك تمسكه بحرفية صور العقاب والثواب وعذاب القبر ونعيمه ومشاهد القيامة والسير على الصراط .. إلى آخر ذلك كله من تصورات أسطورية)([8]).

هذه الرؤية الى النص القرآني باعتباره اسطورياً هي التي انتهت الى القول بفقد القرآن للاعتبار العلمي. حتى نرى أن الدكتور نصر حامد ابو زيد يؤسس في مجموع كتبه لنظرية يسميها رفض(سلطة النص) وهو يشرح هذه النظرية في عشرات المواضع من كتبه بالقول أن النص القرآني لا يملك سلطة تفرض علينا التعبد والالتزام بمداليله وأحكامه، بل يجب إخضاع النص القرآني للمداليل التي تتوافق مع مقتضيات العصر، ويجب ان نكيّف النص القرآني مع معطيات الخبرة البشرية وليس العكس.

لنقرأ له وهو يتحدث عن طريق الخلاص من الازمة التي يمر بها الواقع الاسلامي قائلاً:

(وهل يتم ذلك الا بتحرير العقل من سلطتي النصوص الدينية والسلطة السياسية وبتحرير الذاكرة من عمليات المحو والاثبات الايديولوجية أي بتحرير الثقافة من عوائق النمو)([9])

ويقول :

(من هنا تكون الدعوة الى التحرر من سلطة النصوص هي في حقيقتها دعوة الى التحرر من السلطة المطلقة والمرجعية الشاملة للفكر الذي يمارس القمع والهيمنة والسيطرة حين يضفي على النصوص دلالات ومعاني خارج الزمان والمكان والظروف والملابسات)([10])

يبدو واضحاً أن النص القرآني سوف يفقد أي اعتبار وفق هذه النظرية وسوف لا يبقى أي معنى للأيمان بالقرآن واحترام آياته ونصوصه.

وحيث كانت هذه المسأله مثيرةً للرأي العام الاسلامي فقد حاول نصر حامد هنا وهناك أن يخفف وقع الصدمة ليقول ان ليس مقصوده سلب الاعتبار والحجية والسلطة عن النص القرآني وإنما مقصوده سلب الاعتبار عن سلطة التفاسير التي يذكرها المفسرون للنص القرآني.

لنستمع اليه وهو يقول :

(انه لا أحد يرفض النصوص بل أرفض سلطة النصوص، وهي السلطة المضفاة على النصوص من جانب أتباع النقل)([11])

ومن حقنا ان نستغرب طبعا لماذا هذا الخداع للناس؟ ولماذا هذا التهتك بحرمة القرآن الكريم والتعبير عشرات بل مئات المرات برفض سلطة النص، ثم التهرب من هذا المدلول في إشارات عابرة لا يطلع عليها القارئ الا في بعض سطور الكتاب وكأن المطلوب إيهامه ومخادعته!!

وعلى كل الاحوال فاننا لا نريد أن نبحث عن النوايا، وإنما نريد عرض ومناقشة النظرية وقد كان نصر حامد واضحاً في مجموع كلماته التي تسلب السلطة(الحجية) من النص القرآني.

يقول د. حسن حنفي :

(مهمة (التراث والتجديد) التحرر من السلطة بكل أنواعها، سلطة الماضي وسلطة الموروث، فلا سلطان إلا للعقل، ولا سلطة إلا لضرورة الواقع الذي نعيش فيه، وتحرير وجداننا المعاصر من الخوف والرهبة والطاعة للسلطة سواء كانت الموروث أو سلطة المنقول)([12])

(والتجديد هو إعادة قراءة التراث بمنظور العصر، ليس معنى ذلك أن القراءات القديمة له خاطئة أو أن القراءات المستقبلية له غير واردة، بل كلها صحيحة، ولكن الخطأ هو قراءة التراث من المعاصرين بمنظور غير عصري، هنا يكمن الخطأ، خطأ عدم المعاصرة)([13]).

 

مبررات التفسير الاسطوري

نستطيع ان نستخلص من الكلمات السابقة وغيرها عدة مبررات للتفسير الاسطوري من وجهة نظر الحداثيين طبعاً.

المبرر الاول: ان القرآن الكريم يعتمد منهج(الخطاب الجماهيري) (تجييش الجماهير) وذلك بهدف تحريك عواطفهم، والهاب حماسهم، لكسب قناعاتهم من ناحية و دفعهم تجاه الموقف المطلوب من ناحية ثانية، هذا المنهج يسمح باستخدام المبالغة، والحكايات الوهمية، والوعود المغرية، وهذا هو واقع الاسطورة.

المبرر الثاني: هو التماشي مع المستوى الثقافي السائد، لان القرآن لما كان كتاباً وعظياً ارشادياً فهو مضطر لمجاراة الناس في الكثير من مرتكزاتهم الفكرية، وهذا هو ما كان يؤكده الرسول الاكرم(ص) بالقول (نحن معاشر الانبياء أُمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم)([14]) وهذا يعني ان بالامكان الاستفادة من كثير من الحكايات والخرافات والاعتقادات المألوفة لديهم(الفكر الشعبي) لتدعيم المعتقد او الموقف الذي يريده الدين ، اذن سيكون القرآن قد دخل في دائرة الكتب الاسطورية!!

المبرر الثالث : ان القرآن الكريم يتضمن عرضاً لقصص هي اقرب الى الخرافة منها الى الحقيقة، فهي لا تنسجم مع العقل والوجدان الفطري، ولما كان القرآن يعطي للعقل اهمية خاصة كان لابد من حمل تلك القصص على ارادة الحكاية والتمثيل وليس ارادة المعنى الحقيقي.

مثال ذلك قصة الذبيح اسماعيل والفداء بكبش عظيم، أو قصة نزول المائدة من السماء على بني اسرائيل، ومثل ذلك ايضاً قصة خلق آدم وهبوطه الى الارض من الجنة، فهي حكايات لا يقبلها العقل السليم، ومن أجل ذلك بات لزاماً حملها على الاسلوب الاسطوري الذي يستخدم التصوير المسرحي والتمثيلي بهدف ايصال فكرة معينة الى القاريء والمشاهد دون ان يكون لتلك الصورة حقيقة على ارض الواقع.

المبرر الرابع : انه لا يمكن الاخذ بالتفسير الحرفي الظاهري لكثير من الايات القرآنية لانه يصطدم مع الامكان العلمي للموضوع([15]).

مثال ذلك (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)([16]) أو (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)([17]) أو(وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)([18]) وغير ذلك، فالتفسير الحرفي يأخذ بظاهر هذه الايات الذي ينسجم مع التجسيم والرؤية المادية لله تعالى.

ولما كان ذلك غير صحيح من وجهة نظر علمية فكان لابد من حمل تلك الايات على ارادة التمثيل والتصوير التقريبي للموضوع وهذا هو معنى الاسطورة.

هذه هي مبررات التفسير الاسطوري .

ولكننا نعتقد ان هذه المبررات لا تنهض حجة على صحة التفسير الاسطوري، التفسير الذي سيفقد معه النص القرآني اعتباره وقيمته العلمية كما قرأنا ذلك في كلمات نصر حامد ابو زيد السابقة، حيث لا يبقى شيء من الصور القرآنية الا ويصل اليها الشك، فلا مشاهد الجنة ولا مشاهد النار، ولا قصص الملائكة ولا أحداث القيامة، ولا قصص الانبياء ولا معجزاتهم الا ويمكن أن تكون قد جاءت على سبيل التصوير المسرحي التمثيلي الاسطوري بهدف تجييش الجماهير، ومجاراة أفكارهم، ومعنى ذلك سقوط النص القرآني جملة وتفصيلاً!! وهذا بالطبع هو ما يريده ويصرح به الحداثيون كما قرأنا عنهم.

 

لماذا لا نقبل التفسير الاسطوري؟

نحن نرفض التفسير الأسطوري، ونرى أن كل المبررات التي ذكرت هي مبررات لا تسمح باعتبار القرآن الكريم كتاباً أسطورياً، ومن ثم إسقاطه عن الاعتبار، حتى إذا كانت تلك المبررات صحيحة على مستوى الموجبة الجزئية، بمعنى أنها صحيحة في بعض الحالات وليس في كل الحالات، ولكن ذلك لا يبرر لنا تعميم الحكم على كل النص القرآني واعتباره اسطورياً، وتوضيح ذلك: ان القرآن قد يستخدم المجاز أحياناً ولكن ذلك لا يسمح بالقول أن القرآن الكريم هو كتاب على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة، وكذلك أيضاً القرآن قد يستخدم المبالغة أحياناً ولكن ذلك لا يسمح باعتبار جميع آياته وأحكامه واردة على سبيل المبالغة، ومثل ذلك حينما يستخدم أسلوب التمثيل، بل الصحيح هو وضع كل شيء في موضعه، و دراسة كل نص بحسب سياقاته ودلالاته، هذا المعنى هو نفسه ما نستخدمه مع كل كلمات المتكلمين، والمؤلفين، والباحثين، فهم حينما يستخدمون المجاز أو المبالغة أو التمثيل فذلك لا يسلب من كلماتهم إرادة المعنى الحقيقي، ولا يحول كلماتهم إلى كلمات رمزية أسطوريةفاقدة الاعتبار، بل أن أصول المخاطبات بين الناس تقضي بحمل جميع كلماتهم على الجد وإرادة المعنى الحقيقي إلا في حالات تدل القرائن والشواهد على أن الكلام مسوق للتمثيل أو المبالغة أو المجاز أو الهزل وما شاكل ذلك، هذه هي القاعدة في التفاهم بين الناس ولولا هذه القاعدة أصبحت جميع كلمات الناس فاقدة لدلالتها على المعنى الحقيقي ومصابة بالشك الدلالي!! 

ولنعد إلى مناقشة التفسير الأسطوري بطريقة أخرة فنقول: أننا من زاوية البعد العلمي والبعد الاسلامي- معاً- يجب ان نحافظ على اربعة أمور للقبول باي لون من الوان التفسير:

الامر الاول: صدقية القرآن الكريم، ومعنى ذلك أن أي تفسير يؤدي الى تكذيب القرآن الكريم او التشكيك بصدقه هو تفسير مرفوض لاننا انما ننطلق في هذا البحث من منطلقات اسلامية، ونفترض ان الحداثيين يعلنون عن ايمانهم بالقرآن الكريم، وهو يعني ان القرآن صادق وليس كاذباً([19]).

الامر الثاني: الدلالة اللغوية وقواعد المخاطبات البشرية ، فهي دلالات وقواعد يجب المحافظة عليها، لاننا نتعامل مع نص قرآني جاء بلغة البشر، وبنفس قواعد المخاطبات البشرية، فهي وحدها ستكون طريقنا لمعرفة ماهو مقصود المتكلم من كلامه .

معنى ذلك ان أي تفسير للنص القرآني يجب ان لا يهدر الدلالة اللغوية ولا يتجاوزها لاننا لا نملك معياراً آخر لفهم معاني النصوص.

الامر الثالث: أحكام(العقل النظري والعملي) ، فاي تفسير يصطدم مع أحكام العقل لا يمكن القبول به لانه وحده هو القاعدة الوحيدة التي يمكن ان نصحح على اساسها معتقداتنا، واذا اهملنا هذه القاعدة لم يبق لدينا اية مرجعية لنقد افكارنا وتقويمها.

اذن فالعقلانية هي الامر الذي يجب ان نحافظ عليه في أي تفسير نقدمه للنص القرآني.

الامر الرابع: الايمان بالقدرة الالهية المطلقة التي لا يعجزها شيء في الارض ولا في السماء، فهي قدرة تفوق قدراتنا، وهي قدرة لا تخضع للقوانين المادية التي نتعامل معها.

ومعنى ذلك ان نتعامل مع النص القرآني ليس بحدود ما تسمح به القدرة البشرية بل بحدود ما تسمح به القدرة الالهية المطلقة، فاذا كان الله قادراً على كل شيء فيجب أن لا نستوحش ونرفض مقولة عيسى(ع) حين قال:(وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ)([20]) أو حين يقول القرآن الكريم(قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ)([21]) فان ذلك ليس بخارج عن القدرة الالهية.

هذه أمور اربعة يجب المحافظة عليها سواء من منطلق علمي او من منطلق اسلامي، فالاسلام والعلم يفرض علينا الالتزام بهذه الامور الاربعة.

 

نقد المبررات الأربعة للتفسير الأسطوري

وعلى هذا الاساس يجب ان نقيم التفسير الاسطوري وندرس مبرراته.

فهل تسمح تلك المبررات بحمل النصوص القرآنية على الاسطورية؟

1.       ان اثارة العواطف وتجييش الجماهير- وهو المبرر الأول للتفسير ألاسطوري- هي امور مطلوبة ومقبولة في كل المخاطبات البشرية، لكن هل يجوز ان تكون على حساب الصدقية ، فالقرآن الكريم حينما يتحدث عن(يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ)([22]) أو يتحدث قائلاً(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ)([23]) هل يمكن ان نحمل كل ذلك على سبيل التمثيل المسرحي والاسطوري بهدف كسب العواطف واثارة المشاعر دون أن يكون له واقع خارجي!؟

أليس ذلك على حساب صدقية القرآن الكريم؟ بمعنى ان القرآن سيكون في ضوء التفسير الاسطوري قد نقل لنا حكايات ومشاهد لا واقعية لها ودون ان ينصب أية قرينة على أنه يريد التمثيل والتشبيه.

ومن ناحية ثانية فان التفسير الاسطوري هو هدر للدلالة اللغوية، حيث يفترض التفسير الاسطوري ان النص القرآني لا يراد منه معناه المدلول عليه باللفظ وانما يراد منه الترميز الى قضية اخرى([24]). فالشيطان هو رمز للهوى والنزعات الشريرة في الانسان، والملائكة هي رمز للنزعات الطيبة في الانسان، وحكاية استماع الجن للقرآن هي مماشاة ومجاراة مع ماهو مألوف في الفكر الشعبي وهو ترميز لعظمة القرآن وقدرته العظيمة في التأثير، ولا واقعية لا للشياطين ولا للملائكة ولا للجن!!

اليس كل ذلك هدر للدلالة اللغوية في ألآيات التي تتحدث عن الملائكة، والشياطين، والجن، وما شاكل؟

واذا أسقطنا من الحساب قيمة الدلالة اللغوية فما هو المعيار الذي نسلكه لمعرفة مراد المتكلم؟

نعم، في حالة واحدة يمكن القبول بفكرة التمثيل والترميز وهي ما اذا نصب المتكلم شاهداً حالياً او مقالياً او وجدانياً أو عقلياً على انه لا يقصد المعنى الحقيقي للكلام وانما يقصد به الترميز الى معنى آخر، حينئذ فقط نستطيع رفع اليد عن المدلول اللغوي الأولي للكلام وحمله على معنى آخر.

وهنا ايضاً سوف لا تسقط الدلالة اللغوية عن الاعتبار بل سيكون ذاك المعنى المرموز اليه هو المدلول اللغوي النهائي، كما في قوله تعالى على سبيل المثال(إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَ)([25]) فان سياق النص وطبيعة المشهد تعطي دلالة على ان ليس المقصود بقوله (تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) هو حديث مثل أحاديثنا، وكلام مثل كلامنا، بل المقصود ان واقع حالها ينبيء عن ان هناك قرار الهي بهذا الزلزال العظيم، هذا هو ما يسميه علماء البلاغة بـ(لسان الحال) في مقابل (لسان القال).

اذن لا يوجد هنا هدر للدلالة اللغوية بل محافظة عليها بعد أن تعطينا مدلولا جديدا من خلال القرائن المحيطة بالنص، وهذا بخلاف التفسير الاسطوري الذي يلغي الدلالة اللغوية.

ان قواعد التخاطب بين الناس تقول ان الاصل في كلام المتكلم هو الجد في مقابل الهزل، والاصل في كلام المتكلم ارادة المعنى الحقيقي في مقابل المعنى المجازي.

وهذه أصول صحيحة يجري عليها الناس في جميع مخاطباتهم، بينما يريد التفسير الاسطوري أن يحمل النص القرآني على عدم إرادة المعنى الحقيقي للكلام دون أن ينصب أية قرنيةِ وشاهد على ذلك وهذا مالا تقبله قواعد التخاطب، وسيكون حينئذ مجرد فرضية وتَقوّل على المتكلم وافتراءً عليه(أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)([26]) وسيكون التزاماً ببعض القرآن وهدراً للبعض الآخر، والقرآن يقول(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَ اء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)([27]).

2.       من الطبيعي ان يقوم المتكلم الحكيم بمجاراة الناس ومماشاتهم في بعض أفكارهم -وهذا هو المبرر الثاني للتفسير الأسطوري- ولكن هل يكون ذلك على حساب الحقيقة وعلى حساب الصدق في الكلام؟

هل يبرر ذلك للمتلكم الحكيم ان ينسج قصصاً خيالية لاقناع الناس ومجاراتهم ومماشاتهم؟

لقد كان الناس يعتقدون بالجن فجاء القرآن يماشيهم في ذلك المعتقد دون ان يكون للجن حقيقة وواقع هكذا يقول الحداثيون

ولكن هل تسمح نظرية المماشاة ان ينسج النص القرآني قصة اسطورية لا واقع لها فيقول(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً)([28]).

هل يناسب ذلك صدقية القرآن الكريم؟ هل يناسب ذلك مدلول النص القرآني؟

وحينما يتحدث القرآن الكريم عن الملائكة باعتبارهم ذوات لها مهام خاصة وادوار خاصة في عالمها كما في عالم الانسان فهل يجوز فهم ذلك كله على اساس انه مماشاة مع المستوى الثقافي للناس يومئذ حيث كانوا يعتقدون بوجود هذه المخلوقات السماوية دون أن يكون للملائكة أية حقيقة!؟

اذن ما معنى عشرات الايات ومئات الاحاديث الشريفة ونصوص الكتب السماوية كلها التي تتحدث عن شؤون الملائكة وأحوالهم وقصصهم وقدسيتهم وقدراتهم وادوارهم ...!؟ هل يكون ذلك من الصدق إذا لم يكن لهم أية حقيقة؟ أم هو كذب وخداع وتضليل وتسخيف لعقول الناس؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً

3.       أمّا مسألة العقلانية في التفسير-وهذا هو المبرر الثالث للتفسير الاسطوري- فنحن نؤكد ان الالتزام بمبدأ(العقلانية) في تفسير النص القرآني هو مطلب صحيح حيث لا يجوز بحال من الاحوال ان نتجاوز مسلمات العقل وثوابته، لكن الحداثيين يخلطون بين ما هو من ثوابت العقل وما هو من المألوف عند الناس فيحسبون ان غير المألوف هو غير عقلاني وبالتالي فهو خرافة!!

ان تصبح النار برداً وسلاماً على ابراهيم هذا خرافة!؟

وأن يفدي الله اسماعيل بكبش من السماء هذا خرافة!؟

وأن تنزل مائدة من السماء على بني اسرائيل هذا خرافة!؟

وأن يبقى يونس حياً في بطن الحوت هذا خرافة!؟

لماذا؟ لأنها تصطدم مع العقل، ولكن الصحيح أن المسألة في كل هذه الامور ليست تجاوزاً لقوانين العقل، وانما هي تجاوز للمألوف البشري من قوانين الطبيعة.

اذن فهناك فرق بين الخرافة – وهي ما يصطدم مع الامكانات العقلية– وبين ما هو معجزة أو موقف غيبي لا نعرف خلفياته ، فانه لا يمثل خرافة، ولا مبرر لرفضة اذا كان النص القرآني يؤكده، ولا يجوز لمن يؤمن بالله وقدرته، والوحي وصدقيته، والنبي ونبوته، ان يتصرف بدلالة النص القرآني ويقدم له تفسيراً اسطورياً هو تكذيب للنص وهدرٌ لدلالته([29]).

اذا كنا لا نفهم – فرضاً - فلسفة اغراق أمة كاملة بالطوفان كما في قصة نوح فهل يعني ان ذلك خرافة؟

واذا كنا لا نعرف – فرضاً - كيف تكلم صبي في المهد فهل يعني ان ذلك مرفوض عقلياً؟

واذا كنا لا نعرف فلسفة رؤيا ابراهيم في قضية ذبحه لاسماعيل، وكنا نستوحش من مشهد الذبح الافتراضي فهل يسمح لنا ذلك ان نرفض النص القرآني الصريح في القصة!؟ وهل يسمح لنا جهلنا بخلفيات الموقف أن نعتبره مما لا يقبله العقل؟

الخرافة هي الرؤى والمواقف التي لا يقبلها العقل السليم، أما مجرد أن لا نفهم نحن تفسيرها وربما يكون لها تفاسير هي في علم الله تعالى وليس في علمنا، كما في قصة موسى والخضر فليس ذاك خرافة ولا أُسطورة.

ان التسرع في اتهام القصص القرآنية بالخرافة هو جرأة على الله تعالى ورسوله، واتباع الهوى والظن(إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى)([30]).

واذا كنا نؤمن بقدرة الله على كل شيء فلماذا يستبعد التفسير الاسطوري المعاجز النبوية والقصص القرآنية التي تتحدث عن حالات خرق وتجاوز لقوانين الطبيعة!؟

هل ذلك مستحيل على الله تعالى ؟

أم أنه خارج عن قدرته ؟

أم يريد الحداثيون ان يقولوا كما قال من قبل(سبينوزا) ان الله تعالى حينما وضع للطبيعة قوانينها فانه سوف لا يخرج على تلك القوانين!؟ ومن أين عرف سبينوزا ذلك، هل أوحي إليه به!؟

أم يريدون ألقول ان الله تعالى ليس من شأنه التدخل في شؤون الحياة والناس، وكل ما ينسبه الانبياء الى الله تعالى فهو من عمل الطبيعة وقوانينها، فلا طوفان نوح، ولا عصا موسى، ولا نار ابراهيم، ولا كلام عيسى في المهد، ولا عذاب قوم لوط، ولا قوم شعيب، كل هذه وامثالها من قصص القرآن هي عرض لعمل قوانين الطبيعة كان الناس لا يعرفونها وربما كان للانبياء خبرة خاصة مكنتهم من استغلالها واقناع الناس بأنها من عالم الغيب وهي في الواقع فعل الطبيعة!؟

  (المعجزة بحسب تعريف(سبينوزا) تفترض التعليق المؤقت من قبل الله لقوانين الطبيعة أي للقوانين التي خلقها هو نفسه من اجل تنظيم حركة الكون.

  وبالتالي فالمعجزة اذن مستحيلة، فالله لا يمكن ان ينتهك القوانين التي سنّها)([31]).

وهكذا يفسر سبينوزا معجزة توقف الشمس التي حدثت على يد النبي يوشع بحسب ما جاء في نصوص العهد القديم والجديد – انه لم يكن الأمر كما يبدو

(فالواقع ان كمية الصقيع كانت كبيرة في تلك اللحظة في الهواء، فحصل انعكاس استشنائي لأشعة الضوء وتوهم الناظرون ان الشمس توقفت في السماء ولم تعد تتحرك)([32]).

اذا كانوا يريدون هذا المعنى فاننا سوف نختلف عنهم كثيراً لاننا نعتقد من ناحية بالقدرة الالهية المطلقة، كما نعتقد بان الله تعالى لم يتخلّ عن الانسان وحياته وسعادته ونصر عباده واوليائه، ولولا ذلك لم يكن هناك أي تفسير لبعث الانبياء والرسل.

كما أن مسيرة الانبياء تشهد بتدخل الهي مباشر وتجاوز لقوانين الطبيعة في حالات كثيرة وربما كان ذلك خضوعا لقوانين اخرى لا نعلمها هي من اختصاص الانبياء، وعلى كل الاحوال فان الفكر الديني يتعامل مع الله تعالى ويفسّر العلاقة معه بطريقة تختلف كثيراً عن الفكر المادي.

والحداثيون لا يملكون أي مبرر علمي لتفسير مئات النصوص القرآنية تفسيراً اسطورياً يحمل تلك القصص والمعاجز على أنها أشبه بالخيالات والقصص الشعبية التي لا واقع لها!؟

اليس ذلك تكذيباً للنص القرآني؟

اليس ذلك خروجاً عن الدلالة اللغوية للآيات القرآنية؟

ان مسؤوليتنا في فهم النص القرآني ان نخضع لقوانين الدلالة اللغوية، وأصول المخاطبات البشرية، ولا يجوز لنا ان نحيد عن ذلك الا اذا قدمنا شاهداً من القرآن نفسه.

4.       من الحق ان نحمل بعض الايات القرآنية على معاني تأويلية ونرفع اليد عن التفسير الحرفي لها اذا كانت تصطدم مع العقل وثوابته، وهذا هو المبرر الرابع للتفسير الأسطوري، ولكن اذا كانت لا تصطدم مع الثوابت العقلية وانما تصطدم مع بعض مذاقاتنا البشرية واساليبنا الحياتية فهل يجوز لنا ان نرفض معنى الايات القرآنية ونؤلها بما تشتهي انفسنا ويروق لخيالنا، فنحن نعتقد ان التفسير الحرفي للقرآن الكريم ليس مقبولاً حينما يصطدم مع الامكانات العقلية ولكن ليس البديل هو ان نذهب للتفسير الاسطوري.

مثلاً: نحن نرفض تفسير قوله تعالى(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ)([33]) على أساس حرفي مادي كأن يكون لله تعالى كرسياً ضخماً بمستوى يستوعب السماوات والارض كما هو في الرؤية المادية التجسيمية فهذه رؤية مرفوضة لان الله تعالى ليس جسماً ولا مادة، ولكن حينما نرفض التفسير الحرفي المادي فهل يسمح لنا ذلك أن نرفض مدلول النص القرآني من أساسه، ونعتبره وارداً على سبيل التمثيل والاسطورة!؟ فلا عرش ولا كرسي ولا لوح محفوظ ولا غير ذلك وإنما هي أساطير ذكرها القرآن لمماشاة مستوى الوعي والادراك القائم يومئذ، ويستمر الموقف نفسه مع الملائكة والجنة والنار والغضب والرضى الالهي فهي جميعاً حكايات اسطورية لتحفيز الناس نحو الخير وإشعارهم بالرقابة الالهية الدائمة!؟

 

(نتيجة البحث)

نعم هكذا يقول التفسير الاسطوري !!

الحقيقة ان التفسير الاسطوري هو تطرف في فهم النص القرآني كما كان التفسير الحرفي تطرفاً ايضاً فهو هدر واضح للدلالة وتكذيب لما نزل به الوحي وكشفه من حقائق كبرى قد يخفى علينا صورتها الحقيقية ، لكن الواجب عليها هو التصديق بها (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)([34]).

الحقيقة ان التفسير الاسطوري غير قادر على المحافظة على صدقية القرآن، الكريم وصحة دلالاته، وألإيمان بقدرة ألله تعالى وحكمته، بل هو تجاوز للقرآن الكريم وخروج على نصوصه وتنكر للقدرة الآلهية بل هو تكذيب صريح لما جاء به النبي(ص) من عند الله تعالى.

 

الفصل الثاني: تحريف النص عبر نظرية التلاعب بالقران الكريم

نظرية التلاعب بالقرآن الكريم

لقد كان من أخطر السهام التي وجهها الحداثيون للقرآن الكريم هو القول بتعرض القرآن الكريم للخلط والتلاعب!! حيث لم يعد بالامكان الاطمئنان الى النسخة التي بايدينا من القرآن الكريم وما اذا كانت تعبّر بالضبط عن الكلام الالهي المنزل على قلب النبي محمد(ص) أم لا([35])، بما يعني أنه سوف لا يبقى أي مجال للاحتفاظ بقيمة علمية للنص القرآني باعتباره تعبيراً دقيقاً عن أوامر الله ونواهيه.

إن القدسيّة التي أعطيت للقرآن الكريم هي قدسيّة مفتعلة ووهميّة، أو بعبارة محمد أركون:

(أنه قدّس أو خلعت عليه أسدال التقديس بواسطة عدد من الشعائر والطقوس والتلاعبات الفكرية الاستدلالية)([36])

ربما سوف تقول ان هذا حديث عن سجال قديم حول تحريف القرآن الكريم أو عصمته من التحريف، لا ... ليس كذلك أنهم يتحدثون عن معانٍ أعمق وأخطر من ذلك.

لنمض معهم في عرض صور الخلط والتلاعب – بحسب عبارتهم – التي تعرضَّ لها القرآن الكريم، فقد ذكروا عدّة صور لهذا التلاعب([37]):

التلاعب الاول :

الخلط بين ما هو الهي وما هو بشري .

بين القرآن بوصفه كلاماً الهياً([38]) وبين القرآن بوصفه خطاباً بشرياً مرحلياً نطق به محمد بن عبد الله(ص).

فالموجود بين أيدينا والذي جاء به محمد بن عبد الله(ص) هو كلام بشري وليس هو كلام الله اللامتناهي، ولكن بعمد حاول القرآن الكريم ان يسبغ على نفسه طابع الالهية لفرض الهيمنة على قلوب الناس!!

لنقرأ هنا بالضبط ما كتبه محمد أركون حول هذا الموضوع:

(نلاحظ ان الخطاب القرآني قد صيغ أو ركبّ لغوياً بصفته جهداً ذاتياً مبذولاً لرفع نفسه الى مستوى كلمة الله الموحى بها، هذا في حين أن المعارضين المكيين كانوا يرفضونه بوصفه كاذباً ... نحن نقول اليوم بانه كلام ذو سلطة مشابهة لسلطة العديد من الاقوال الاخرى السابقة التي شهدتها منطقة الشرق الادنى)([39]).

وهو يمضي في شرح هذه الرؤية اكثر فيرى ان القراءة الاسلامية المتعارفة(التلقيدية) للقرآن الكريم تحسب أن هذا القرآن الذي بين أيدينا هو كلام الله، والصحيح أن كلام الله هو شيء آخر فوق هذا القرآن، وهذه الآيات التي نقرؤها والتي تلاها علينا رسول الله(ص) ليست هي كلام الله، بل مستوى أدنى من مستوى كلام الله، وهكذا فالقراءة الإسلامية بحسب محمد أركونتخلط بين:

(مستوين من مستويات الوحي، وكثيراً ما يخلط بينهما في التعبير الشائع اكثر من غيره، أي كلام الله، نقول ذلك على الرغم من ان القرآن نفسه يلح على وجود كلام الهي، ازلي، لا نهائي، محفوظ في أم الكتاب، وعلى وجود وحي منزل على الارض بصفته الجزء المتجلي والمرئي والممكن التعبير عنه لغوياً والممكن قراءته)([40]).

ويعلق هاشم صالح – وهو يترجم كتاب أركون- على هذا النص بالقول

(ان المسلمين راحوا يخلطون كلياً بين كلا مستويي الوحي وراح القرآن يفقد طابعه التاريخي بشكل كامل)([41]).

ماذا يريد ان يقوله الحداثيون هنا ؟

ان وجود أصل الهي للقرآن الكريم متعالي على مستوى الادراك البشري العام، واعتبار الآيات القرآنية التي نزلت على قلب النبي(ص) وتلاها للناس هي تنزيل من ذلك الاصل الالهي المتعالي([42])... هذه الحقيقة ليست خافية على أحد من المسلمين، ولا أحد ينسى النصوص القرآنية التي تتحدث عن ذلك ، لا من علماء المسلمين ولا من عموم طبقاتهم، فالقرآن صريح بالقول(فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)([43]) وصريح بالقول ايضاً(وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)([44]).

فهل يريد الحداثيون ان يكشفوا حقيقة جديدة خافية على المسلمين؟

لا ... طبعاً

انما يريد الحداثيون القول أن هذا القرآن الذي بين ايدينا هو منتج بشري خاضع للبيئة الثقافية التي نزل فيها، وهو لا يتمتع بالقدسية التي احيطت به باعتباره كلام الله، والواقع انه كلام البشر وليس كلام الله المتعالي على النقد، وهكذا سوف لا يعود الوحي ذا قيمة مطلقة، بل هو كأي نص تاريخي يجب ان يخضع للنقد والتحقيق واكتشاف العوامل البيئية التي فرضته ونسجت صياغته.

(ان مشكلة الوحي سوف تُقلَّص او تختزل الى ابعادها التاريخية والنفسانية كما هي الحال فيما يخص المسيحية راهناً)([45]).

الهدف هو التشكيك في قدسية هذا النص القرآني الذي بين ايدينا، ومحاولة زحزحة الرؤية السائدة بين المسلمين والتي تسبغ عليه الصفة الالهية وتمنحه الاطلاق والتعالي.

استمع الى ما يقوله أركون وهو يتحدث عن القرآن الكريم :

اننا نلاحظ ان التلفظ الشفهي به كان قد نُطق أولاً من قِبلَ وسيط، وهذا الوسيط في حالة الاسلام يُدعى الرسول أو النبي ثم سجل هذا الوحي كتابةً فيما بعد على الرقّ أو الورق لكي يصبح كتاباً عادياً يمكننا أن نخزنه أو نفتحه أو نقرؤه أو نفسرهّ.

وهذا الكتاب نفسه أصبح من خلال سيرورة تاريخانية(الكتابات المقدسة) وهذا يعني انه قدس او خلعت عليه أسدال التقديس بواسطة عدد من الشعائر والطقوس والتلاعبات الفكرية الاستدلالية...)([46]).

وهكذا يتحول القرآن الى كتاب عادي يجب اخضاعه لعمليات الحفر والتنقيب!! وازاحة هالة التقديس التي مُنحت له، لأنها لم تعتمد على أسس علمية، بل على(تلاعبات فكرية)!! لان تحويله من(كتاب عادي نلمسه باليد ونتحسسه ونفتحه ونقرؤه) الى(كتابات مقدسة، وشرعاً مقدسة، وأخلاقاً مقدسة، ومعرفة متعالية أو تخلع التعالي على الاشياء)([47])، هو تحويل يحتاج الى دراسة ومراجعة.

(وهناك مشاكل عديدة ينطوي عليها مثل هذا التحويل، فالعملية التحويلية والاساليب اللغوية والادبية والبلاغية التي كانت قد استخدمت من أجل خلع الصبغة التنزيهية والقدسية والمتعالية والانطولوجية على الكتاب كانت قد أوضحت وبرهن عليها علمياً فيما يخص التوراة والاناجيل، ولكنها لم تحصل حتى الان فيما يخص القرآن. لماذا؟

لان الظروف السياسية والثقافية والتربوية السائدة تحول دون القيام بمثل هذا العمل في كل السياقات الاسلامية)([48]).

وهكذا يضحى القرآن الكريم حتى دون مستوى التوراة والانجيل من حيث مدى امكانية الاعتماد عليه؟؟

هذا هو ما يريد ان يقوله الحداثيون في النقطة الاولى من نقاط الخلط او التلاعب التي طرأت على القرآن الكريم بحسب تعبيرهم !!

نقد التلاعب الاول:

ولكن الحقيقة ان لا أحد من المسلمين يخلط بين هذا القرآن المنزل من عند الله تعالى وبين أصله الالهي المتعالي المحفوظ في كتاب مكنون والذي(لا يمسه الا المطهرون)، ولا أحد من المسلمين يفترض ان هذا القرآن الكريم الذي بين ايدينا هو صوت الله وحنجرته في الوقت الذي يعتقد الجميع بانه كلام الله.

لكن ماذا يعني كلام الله ؟

اذا كان هذا القرآن قد نزل على قلب النبي(ص)، وصيغ بصياغة عربية، وبلغة بشرية فهل يعني ذلك انه ليس كلام الله؟

وهل يعني ذلك سلب القدسية عنه كما يريد ان يقول الحداثيون

لقد حاول الحداثيون كما قرأنا التاكيد على ان هذا القرآن هو كتاب عادي وليس كتاباً مقدساً، لماذا؟ لأنه نزل بلغة البشر، وثقافة البشر وفي مرحلة تاريخية معينة، فهو اذن بشري وليس الاهي!؟

هذه هي المغالطة، أو هذه هي الخدعة، وهذا هو التمويه!

والصحيح اننا يجب ان نميز بين لغة الخطاب وبين هوية الخطاب، فلغة الخطاب هي لغة بشرية، وعربية طالما كانت تخاطب البشر وبلغة العرب، لكن ذلك لا يحوّل هوية الخطاب الى هوية بشرية، بل تبقى هويته الهية اذا كنّا نؤمن طبعاً بالوحي والنبوة وهو المفروض في هذه المناقشة، فالحديث هنا ليس مع الكافرين الذين لا يؤمنون بالله ولا بالنبوات انما الحديث مع من يُظهر الايمان بالله والوحي والنبوة وهم الحداثيون الإسلاميون.

في هذا الفرض فان بشرية لغة الخطاب لا تعني بالضرورة بشرية هوية الخطاب فالقرآن هو بشري اللغة، ولكنه إلهي الهوية، وقد نحتاج الى شيء من التوضيح بالامثلة فنقول:-

حين تحدث ابن سينا في كتابه(الاشارات) فانه تحدث وكتب بلغة عربية رغم ان كلامة كان ذا هوية فلسفية يناقش فيه أصل الوجود ومبادئ الوجود ولا علاقة له بالعرب ولغة العرب، فاللغة كانت هي لغة الخطاب والكتاب لكن الهوية هي هوية البحث الوجودي الفلسفي وما هو فوق اللغات والقوميات والبشريات.

وقد نضرب مثالاً آخر للتوضيح:

ان خلق الكائنات هو خلق يتم عبر قوانين الطبيعة، هكذا خلق القمر، وخلق الشجر، وخلق الليل والنهار، والسماوات، والارض، والحجر والمدر، والانسان والحيوان وغير ذلك... هناك عملية خلق طبيعية، ولا توجد هناك معجزة في اختلاف الليل والنهار، ولا حركة الشمس والقمر، ولا سير الرياح وهطول المطر... أليس كل ذلك يجري وفقاً لقوانين نسميها قوانين الطبيعة؟

نعم، الامر كذلك، ولكنا في الوقت نفسه نقول أنه صنُع الله، وخلق الله(اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)([49]) (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ)([50]) (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ)([51]) هكذا نعتقد، وهكذا يقول المؤمنون بالله تعالى، فما معنى ذلك؟

المعنى ان الصناعة قد تكون صناعة طبيعية لكن الايادي تبقى ايادي إلهية(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)([52]). فالبناء هو بناء إلهي، ولكن الأيدي والأسباب هي اسباب وقوانين طبيعية.

وهكذا استطاعت الاديان الالهية ان تجمع بين الايمان بدور العوامل الطبيعية والايمان بالله الخالق لتلك القوانين والمعطي لها هويتها وفاعليتها وحيويتها، ولا يوجد ثمة منافاة بين الاعتقاد بقوانين الطبيعة وبين الايمان بالله تعالى.

لا أحد من المسلمين يرفض ذلك، أو يجد تصادماً بين كيفية النشوء(الخلق) التي تمر عبر اسباب وعوامل طبيعته، وبين هوية النشوء والوجود التي تستمد حقيقتها من الله تعالى حيث(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)([53]) .

هذا المثال نفسه كان لتوضيح الفرق بين لغة الخطاب وهوية الخطاب، فلغة الخطاب القرآني هي لغة عربية بشرية، ولكن هوية هذا الخطاب هي هوية الهية، فالله تعالى هو صاحب هذا الخطاب وصانعه وفاعله وموحيه(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ)([54]).

اذن فهذا الخطاب هو خطاب الهي، ليس فقط في وجوده المتعالي في(أمّ الكتاب) وفي(لوح محفوظ) بل في صورته القرآنية التي بين ايدينا، و في صورته البشرية اللغوية العربية، هو في كل هذه الصور كتاب الهي، وكلام الهي كما ان السماوات والارض، والشمس والقمر، والحجر والمدر هي صنع إلهي رغم انها تمر عبر قوانين طبيعية لكنها تقدير الهي كما قال تعالى(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)([55]).

هذه هي الرؤية الاسلامية للقرآن الكريم، هو لغة بشرية وهوية إلهية، فهو كلام الله تعالى وليس كلام الانبياء، ولا كلام جبرئيل، وهذا هو ما أكدّه القرآن الكريم في عشرات الآيات القرآنية مثل(وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ)([56]).

ومثل(يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ)([57]).

ومثل(إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي)([58]).

اذن فالكلام هو كلام الله تعالى، والحديث هنا ليس عن اللوح المحفوظ، والكتاب المكنون، انما عن هذا القرآن المنزل على قلب النبي والمتلو على الناس(وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ)([59])، فهذا القرآن هو كتاب الله وليس كتاباً صنعه الإنسان.

واذا كان كذلك فهل سيكون القرآن الكريم كتاباً عادياً أم هو كتابٌ مقدّسٌ؟

اذا كنا نؤمن بالقرآن فلننظر ماذا يقول القرآن عن نفس؟

هل القرآن نفسه يسبغ الالهية، والتقديس، والعصمة على كلام الله في اللوح المحفوظ فقط أم على هذا الكتاب الذي بين ايدينا أيضاً؟

الجواب: إن القرآن يضفي العصمة والقدسيّة الإلهية على هذا الكتاب الذي بأيدينا أيضاً فضلاً عن أصله المخزون عند الله تعالى وهو اللوح المحفوظ والكتاب المكنون. 

واذا كان القرآن قد نزل على قلب النبي(لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا)([60]) فهل يسمح لنا ذلك أن نفتح لانفسنا باب الرفض والتكذيب كما كان يصنع كفار قريش أم اننا قد عبرنا مرحلة الشك الى مرحلة الايمان؟ ان مواجهة القرآن بالرفض من قبل المعاندين والكافرين لا تعني أن عملية الرفض يجب ان تستمر وأنها عملية مسموح بها لأنها هكذا كانت في الأيام الأولى لنزول القرآن الكريم.

وهل يريد أركون ان يعيش المسلم دائما في مرحلة الشك!؟.

اذن ما معنى الايمان والاسلام؟ اليس سيكون التظاهر بالاسلام والايمان عملاً نفاقياً؟

اية خدعة هذه؟ وأي تحايل؟، أن ندعو للشك في القرآن ثم ندعّي ان ذلك هو القراءة العلمية للقرآن الكريم؟ وندعو للشكك بالنبوة وندعي ان ذلك هو الايمان العلمي بالنبوة؟ اذن ماذا يبقى من النبوة اذا كانت هي مجرد حالة سيكلوجية لدى النبي كما هي لدى الشعراء والفنانين!؟، وماذا يبقى من الوحي اذا كان القرآن قراءة بشرية قدمها النبي تبعاً لثقافة مرحلية عاشها الانسان!؟ (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ)([61])، (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ)([62]).

هل كان تقديس القرآن وليد التلاوة الشعائرية والتلقين والتعبية كما يقول الحداثيون أم أن القرآن نفسه هو الذي سجل القدسية لنفسه حينما قال(لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)([63]) وحينما قال(ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)([64]) وحينما قال(كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)([65]).

أم أن الحداثيين يريدون الشك بصدقية هذه الايات كلها ؟

هل هي من صنع التراث؟

هل هي من صنع فقهاء الاسلام؟

أم هي صناعة الوحي نفسه حينما قال(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ)([66]).

لا شك ان هناك مستويين للكتاب:

المستوى الاول: الكتاب في عالم اللوح المحفوظ(أمّ الكتاب) (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)([67]) .

المستوى الثاني : الكتاب في مرحلة التنزيل(كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ)([68]).

هذان مستويان ولكن العقيدة الاسلامية تحتفظ بالقدسية للقرآن الكريم في كلا هذين المستويين، ولا ينزعون صفة(الكلام الالهي) و(التقديس) عن المستوى الثاني، كما ان المستوى الاول هو كلام الله وهو مقدس، بينما يريد الحداثيون القول بأن المستوى الأول وحده هو كلام الله المقدّس، أمّا المستوى الثاني فهو كلام النبي ومتأثر بالمناخات الثقافية المحدودة وبالتالي فهو لا يحتفظ بصفة القدسيّة، ولا السلطة الإلهية!!

ماذا يعني ان الكتاب في المستوى الثاني لا يمتلك سلطة الهية كما يقوله الحداثيون؟

هل يعني انه ليس كلام الله كما قالوا(انه ذو سلطة مشابهة لسلطة العديد من الأقوال الأخرى السابقة في الشرق الادنى)!؟

أم يعني ان مرحلة التنزيل على قلب النبي ثَّم من النبي الى الناس قد شهدت تحريفاً واختلاقاً من النبي نفسه أو من جبرئيل

أليس ذلك شكاً وتكذيباً للنبي نفسه؟ اليست هذه الشكوك هي نفسها التي سطرها المشركون من قبل؟

ان انتقال القرآن من مرحلة(أم الكتاب) الى مرحلة(فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ)([69]) هو انتقال لا يخلّ بالصفة الالهية للقرآن في كلتا المرحلتين، ولا يحولّه من الهي مقدس الى بشري غير مقدس، بل هو القرآن نفسه الذي يجب ان نصدق به(من جاء بالصدق وصدّق به)([70]) وان أي تشكيك في ذلك هو تشكيك بالوحي والنبوة وتحايل على الناس ومخادعة لهم.

  (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلى وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)([71]).

التلاعب الثاني :

تحويل القرآن من النص الشفهي الى النص المكتوب.

حينما استمع المسلمون الى رسول الله(ص) وهو يتلو عليهم آيات الكتاب المبين، كان النص القرآني شفهياً وهم يتلقونه بالمشافهه بكل ما في المشافهة من فم الرسول(ص) والى أذن المستمع مباشرةً من زخم روحي، وهزِّ عنيف، ودلالات محيطة بالنص ترتبط بالجو الذي نزلت فيه الآية من حيث أسباب النزول([72]) أو من حيث المناخات النفسية المحيطة به.

هذا النص الشفهي تحول فيما بعد الى نص مكتوب يقرؤه المسلمون على الالواح والاوراق، وسوف يفقد النص حينئذ شطراً كبيراً من قدرته على التحريك والاثارة بل وايحاءاته الدلالية الناشئة من طبيعة جو المشافهة.

وهكذا يكون القرآن قد شهد تلاعباً على يد الرسول نفسه بعد ان تحوَّل من الالهي الى البشري، ثم شهد تلاعباً آخر على يد العقل الإسلامي حينما نقلوه من الشفهي إلى الكتبي!!

يقول محمد أركون وهو يتحدث عن تلاعبات العقل الاسلامي بالقرآن الكريم:

(ان اولى هذه التلاعبات التي قام بها العقل الإسلامي تمتثل في المرور من حالة الكلام الشفهي الى حالة النص المكتوب.

ابتدأنا بالكاد اليوم ناخذ بعين الاعتبار النتائج والانعكاسات التكوينية والبنيوية والابستمولوجية لهذا المرور وذلك في ميدان علمي الانتربولوجيا والألسنيات، لقد حصلت هذه الظاهرة في وقت مبكر جداً بالنسبة للقرآن الكريم)([73]).

لقد فقدنا اذن النص الشفهي وبفقدانه نكون قد فقدنا كثيراً من النتائج والانعكاسات والدلالات التي يعطيها النص إن:

(التبليغ الشفهي الاول - حين نطق محمد بن عبد الله بالايات القرآنية أو المقاطع والسور على هيئة سلسلة متتابعة أو وحدات متمايزة ومنفصلة على مدى عشرين عاماً قد ضاع الى الابد، ولا يمكن للمؤرخ الحديث أن يصل اليه أو يتعرف عليه مهما فعل ومهما أجرى من بحوث)([74]).

ماذا يريد ان يقول الحداثيون هنا؟

هل مجرد الاشارة الى ان النص الشفهي أقوى تاثيراً وتفاعلاً من النص المكتوب؟

لا ... بل ما هو اكثر من ذلك!

النص الشفهي كان يتقبل نوعين من التلقي إماَّ القبول أو الرفض، أماَّ النص القرآني المكتوب فقد أحيط بمستوى من التقديس والتأليه بحيث لم يَعد قابلاً لأي مستوى من النقد، ومن أجل ان  نقرأ القرآن كما هو في حالة الشفهي فان علينا ان ننسى القراءه الاسلامية التي تعاملت معه بعد أن صار مكتوباً واعتبرته مقدساً لا يرقى اليه الشك!!

يقول محمد اركون:

(المكانة الشفهية لها بروتكولها الخاص في التواصل أو التوصيل، ونقصد به الأداء الشفهي من خلال قناة خاصة وفي ظروف مادية معينة، ومن خلال علامات سيمائية خاصة، وأدوات وآليات مستخدمة لتوليد المعنى الذي يؤدي الى ردود فعل مباشرة عليه: فأما القبول وأماَّ الرفض، أماَّ انه يثير حماسة الجمهور المستمع واما ان يثير غضبه على الفور.

أما النص المكتوب فهو مقروء من قبل جميع المسلمين من خلال بروتوكول الايمان الذي لا يناقش ولا يجادل فيه أو من خلال ما يدعوه كبار المفسرين على غرار الخوئي بالمقدمة التمهيدية للقرآن، أو من خلال المسلَّمات المقبولة من دون ان تخضع ابداً للنقاش)([75]).

ومن ناحية ثانية فان النص الشفهي جاء في ظروف زمانية ومكانية خاصة واليوم نحن نقرأ النص المكتوب في ظروف زمانية ومكانية اخرى تختلف كثيراً عن ظروف النص الشفهي.الامر الذي يسمح لنا بالشك في إمكانية تعميم الخطاب من ظروف المشافهة الى ظروف المكاتبة!!

يقول الحداثيون ان العقل الاسلامي هو الذي فرض تعميم الخطاب القرآني واعطائه صفة الابدية بينما لا يوجد أي مبرر لهذا التعميم ولهذه الابدية!!

يقول محمد اركون:

(وأما التلاعب الثاني فيتمثل في التسليم بوجود إستمرارية بنيوية وتماثلية معنوية ما بين الزمكان الأولي والأصلي الذي لفظت فيه الآيات والأحاديث لأول مرة وبين الزمكانات المتغيرة(= الظروف المتغيرة) التي يستشهد بها بعد أن أصبحت نصوصاً ، هنا أيضاً يتم الانتقال دون طرح أي تساؤل بخصوص شروط امكانيته وصحته ، أقول يتم الانتقال من حالة الكلام الحي المتفجر المرتبط بتجرية داخلية فريدة لا تختزل ولا تعاد(أقصد تجربة النبي الذاتية) أو المصاحبة لعمل جماعي محدد(تجربة النبي وأتباعه التاريخية) الى مضامين محفوظة عن ظهر قلب أو مسجلة كتابياً. ثم يجري اسقاطها على تجارب اخرى وأعمال اخرى وأزمنة اخرى ذات بنية وأبعاد مختلفة ومتغيرة بالضرورة)([76]).

ماذا سينتج عن هذا التلاعب؟

ينتج عن ذلك ان النصوص القرانية يجب ان تدرس وتحترم في ظروفها التي نزلت فيها، اما ما سوى ذلك فانها لا تتمتع بأي الزام او تعميم، بل ان حيلة العقل الاسلامي وخداعه هو الذي اعطاها صفة الابدية والتعميم التاريخي!!

يعني ذلك ان الخطاب القرآني حجة على معاصرية ولا حجية له على عصور اخرى كالعصر الذي نعيش فيه!!

هذا هو ما يريد ان يصل اليه الحداثيون.

 نقد التلاعب الثاني:

لا شك ان انتقال القرآن الكريم من حالة الشفاهية من عصر الرسول(ص) إلى الكتابية في عصر ما بعد الرسول(ص) سيترك آثاره في مدى تأثير النص على القارئ و السامع، لكن أن نعتبر ذلك تلاعباً، وتحايلاً قام به العقل الإسلامي لإسباغ القدسيّة على النص القرآني وقطع دابر الشك فيه فهذا كلام مرفوض وغير مبرهن، بل هو إثارة الشك وبشكل متعمد في قدسيّة النص القرآني.

وإذا أردنا أن ندرس الموضوع دراسة علمية قلنا ان هناك ثلاثة مشاكل يمكن ان تولد نتيجة هذا الانتقال من الشفهي الى الكتبي.

المشكلة الاولى: هي فقد الخطاب الكتبي للزخم الروحي الحركي الذي يعطيه الخطاب الشفهي خاصة حينما يصدر من فم الرسول الاكرم(ص) .

هذه المشكلة فيما نعتقد هي مشكلة صحيحة، ولكنها لا تؤثر على قيمة الخطاب القرآني الكتبي، بل ان هذا الخطاب يبقى محتفظاً بفاعليته وقدرته التثويرية، كما هو محتفظ ايضاً بدلالته في مجال الاحكام والاعتقادات والمواعظ والارشادات، نحن نقبل ان المشافهة أقوى في التأثير من المكاتبة، وهذه حقيقة صحيحة في كل الخطابات، وعلى مختلف العصور والامكنة، لكنها لا تخل بالقيمة العلمية للنص الكتبي.

ان كل دساتير العالم اليوم هي دساتير كتبيه، كما ان كل الكتب العلمية هي نصوص كتبية، كما ان كل العهود والمواثيق بين الدول والمؤسسات الرسمية المدنية هي نصوص كتبية، فهل تفقد قيمتها العلمية؟.

لاشك ان النص الشفهي يمتاز على النص الكتبي في قدرته على التاثير والتحريك، لكن النص الكتبي هو الاخر يمتاز بقدرته على البقاء والديمومة ومواجهة النسيان والتحريف، ولاجل ذلك كان رسول الله(ص) يوصي اصحابه بكتابة ما ينزل به الوحي.

اذن فهذه المشكلة لا تأثير لها على دلالة النص القرآني وقيمته وحجيته حتى اذا افتقد بعض مستويات الإثارة والفعل.

المشكلة الثانية:-هي اختلاف الظروف الزمكانية للنص الشفهي عن الظروف الزمكانية للنص الكتبي الذي يعيشة المسلمون خاصة بعد قرون من عصر الوحي، وحينئذ فقد يمكن افتراض اختصاص النص بعصر النزول دون ما سواه.

ولقد اكدنا هناك ان القراءة الاسلامية لا تلغي أبداً الظروف التي نزل فيها النص القرآني، ولا تريد ان تطلق القول بتعميم الاحكام والخطابات القرآنية دون دراسة ومراجعة جادة في سياق النص والدلالات المحيطة به للتعرف على ما اذا كان خاصاً باهل زمانه أم له امتداد زماني ومكاني.

ومن الظلم اتهام الفقهاء والمفسرين بانهم يقومون باسقاط النص القرآني على التجارب الزمكانية الاخرى المختلفة عن ظروف النص، وأنهم ينساقون في تعميم الخطاب دون أية مراجعة للتباين بين الظروف.

الحقيقة ليست كذلك.

ان فقهاء الشريعة الاسلامية، ومفسري القرآن الكريم يضعون دلالة النص وما تعطيه القرآئن المحيطة به والظروف التي نزل فيها باعتبارها هي المقياس في الحكم بعمومية النص أم خصوصية.

نعم، هناك أصل مبدئي لدى فقهاء الاسلام وهو عالمية الشريعة الاسلامية والخطابات القرآنية انطلاقاً من قوله تعالى(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ)([77]) وعشرات النصوص القرآنية الصريحة في توجيه الخطاب القرآني لكل ابناء البشر فيما عدا ما جاء عن النبي(ص) نفسه في هذا الشأن.

هذا أصل مبدئي هو بمستوى البديهة الاسلامية وكما سبق شرحه في فصول سابقة من هذا الكتاب يمكن العودة اليها.

 من المدهش أن يتسَّرع الحداثيون وبعيداً عن ظهور الآيات القرآنية الواضحة بلا أدنى شك للقول ان تعميم النص القرآني الى ازمنة وامكنه متأخرة عن زمن النص هي من صنع العقل الاسلامي المتأخر عن عصر النص!!

اذا كان كذلك فان الخطاب القرآني([78]) يجب ان يسقط جملة وتفصيلاً وفي كل المجالات والمساحات - العقيدة والشريعة والعبادة - وهو ما يحوّل القرآن الى كتاب متحفي لا اكثر!! ولا شك ان هذا هو ما يريد ان يقوله الحداثيون صريحاً احياناً وتلميحاً أخرى(مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً)([79]).

المشكلة الثالثة :

ان القرآن في حالة الشفهي كان يُتلقى بوصفه خطاباً عادياً قد يواجه بالاعتراض والرفض أحياناً بينما هو في حالة الكتبي قد أحيط بتقديس خاص بحيث لا يجرأ أحدٌ على المناقشة فيه والردّ عليه!!

لكن السؤال الذي نوجهّه للحداثيين أن الاعتراض والرفض والتكذيب للنص القرآني كان يصدر من الكفار أو المنافقين أو ممّن في قلبه مرض، ولم يكن يصدر ممن آمن بالله ورسوله وما اُنزل على رسوله بل كانوا يتلقونه بالقبول المطلق.

فماذا يريد الحداثيون ؟

هل يريدون ان نفتح للمسلمين باب الشك والرفض والاعتراض على القرآن الكريم؟ اذن فذاك ليس هو الاسلام والايمان بل هو الجحود والكفر.

ولا أحد يستطيع ان ينسى الوضوح القرآني في هذا الشأن حينما يقول(إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)([80]).

وحينما يقول(فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)([81]).

ولاشك ان تحكيم النبي هو تحكيم للقرآن الكريم واحكامه .

وحينما يقول(وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)([82]).

ولا شك ان قضاء الله هو خطابه القرآني، وقضاء الرسول هو استلهام من القرآن الكريم.

القرآن الكريم هو نفسه يرسم اسلوب التعامل معه حينما يقول في وصف المؤمنين(وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً)([83]) فهل يريد الحداثيون ان يدفعوا باتجاه التشكيك في الايات القرآنية !؟

ذلك هو ما يشهد له استخدامهم لكلمة(التلاعب) و(التلاعبات) بالقرآن الكريم الأمر الذي يرفع أية حصانة عن هذا القرآن الذي بأيدينا، ولعمري كيف يكون الانتقال من الشفهي الى الكتبي تلاعباً !؟

ولماذا يصر الحداثييون على استخدام هذه العبارات التي تخدش الاحترام  و تقلل من قيمة النص بل وتثير حوله الشكوك؟

التلاعب الثالث:

تحويل النص القرآني من مجازات الى قوانين

في هذا التلاعب يفترض الحداثيون ان القرآن الكريم لم يكن كتاب قانون أو تشريع، وانما هو كتاب مواعظ واخلاقيات، ونصائح وامثال، استخدم اسلوب التمثيل والاستعارة: والكناية والمجاز للتعبير عن إراده الله تعالى، لكن السياسة والسلطان، وتبعهم فقاء السلطة هم الذي خدعوا الناس وأوهموهم بان القرآن انما يتحدث عن شريعة وقانون كي يتم لهم المزيد من السيطرة والاستعباد وتسيير النظام السياسي وديمومته!!

لاحظ ماذا يقول محمد أركون حول هذا الموضوع:

(إن القرآن كما الاناجيل ليس الا مجازات عالية تتكلم عن الوضع البشري. ان هذه المجازات لا يمكن أن تكون قانوناً واضحاً . وأما الوهم الكبير فهو اعتقاد الناس – اعتقاد الملايين – بامكانية تحويل هذه التعابير المجازية الى قانون شغال وفعال ومبادئ محددة تطبق على كل الحالات وفي كل الظروف)([84]).

(ينبغي أن نشير هنا الى كل المناخ الميثي(الأسطوري) الذي تمت فيه عملية المرور من مرحلة المجاز الى مرحلة انجاز القوانين الصارمة الواضحة التي هي الشريعة. ينبغي تفحص ذلك عند المسلمين والمسيحيين وشعوب أخرى. إن هذا المناخ الميثي الذي سيطر على الاجيال السابقة هو الذي أتاح تشييد ذلك الوهم الكبير، أي امكانية المرور من ارادة الله المعبر عنها في الكتابات المقدسة الى القوانين الفقهية (الشريعة) )). في الواقع أن هناك انواعاً مختلفة من الكلام (من الخطاب) . هناك فرق ما بين خطاب شعري أو ديني وخطاب قانوني ، فقهي أو فلسفي . ولا يمكن لنا أن نمر من الخطابين الاولين الى الخطابات الاخرى الا بتعسف واعتباط ))([85]).

هذه الفكرة نجدها مبثوثه بشكل واسع في كتابات الحداثيين، وهم يعلنون صريحاً ان هذه الفكرة هي التي اكتشفها ونظر لها المستشرقون من امثال(كولد زيهر)([86]) فها هو أركونيقول بعد ان يستعرض نظريته في الخدعة التي انطلقت على المسلمين ورسخّت في اذهانهم ان الدين يمثل قانوناً وشريعة.. ليقول:

(اثبت هؤلاء المستشرقين كولد زيهر ، شاخت... ألخ ان الاشياء كانت قد جرت بشكل مختلف ، وان النظرية التي اخترعها التراث ليست الاَّ وهماً، وذلك من اجل اسباغ الصفة الالهية على قانون انجز داخل المجتمعات الاسلامية وبشكل وضعي كامل)([87]).

طبعاً، فاننا سنناقش هذا الموضوع في الجزء الثاني من هذا الكتاب حين نتحدث عن الشريعة بين الحداثة والاسلام، أما هنا فأننا بصدد عرض نظريتهم الحداثية حول التحويرات!! والتلاعبات!! التي جرت على القرآن الكريم.

سوف لا يبقى لنا – في ضوء هذه الرؤية الحداثية - ان نتعامل مع القرآن الكريم الا باعتباره كتاباً روائياً تاريخياً وربما لغوياً وادبياً، ونحاول ان نقرأ فيه ثقافة ماضية، لأمة ماضية، وربما افادتنا تلك القراءة شيئاً في تجربتنا المعاصرة!!

اللغة القرآنية هي لغة الشعر(وهناك فرق ما بين خطاب شعري أو ديني وخطاب قانوني) كما يقول اركون!

واذا كان الخطاب القرآني خطاباً شعرياً فكيف تم اكتشاف الشريعة منه!؟

يقول الحداثيون ان ذلك تم عبر صناعة اشتركت فيها السلطة والعلماء معاً، وخدعوا الناس بفكر الشريعة وانطلت عليهم الخدعة:

ان موقف المسلمين من الشريعة يمثل نوعاً من التقليد العبودي السكولاستيكي الذي رسخ عبر الاجيال بواسطة التعليم والتلقين([88]).

ان علينا في القراءة الحداثية الجديدة للقرآن الكريم ان نتعاطى مع النص القرآني بطريقة اخرى.. بطريقة التنقيب في القيم الحضارية التي كانت تحكم مجتمع الجزيرة يومئذ وقريش بالذات، ومجموعة الثقافات السائدة آنذاك، لنعرف ما هي تأثيرات تلك القيم وتلك الثقافات على الخطاب القرآني، وما هو تأثير الخطاب القرآني عليها، واعتبار كل ذلك موضوعاً يمثل مرحلة تاريخية مرَّت بها البشرية وخاض الدين فيها تجربته البشرية([89]).

نقد التلاعب الثالث:

الحقيقة إن هذه الإثارة تنحل إلى أثارتين إحداهما إثارة لغوية ، والثانية أثارة تاريخية.

الإثارة اللغوية هي إن لغة القرآن لغة مجازات ورموز، ومتعالية عن الفهم الكامل أريد منها الإشارة إلى مبادئ وأخلاقيات عامة لا تكشف عن شريعة وقوانين، هذه هي الاثارة اللغوية.

والإثارة التاريخية هي إن الفقهاء والساسة من أجل ضبط الوضع الاجتماعي وتطويعه لسلطتهم ابتدعوا فكرة القانون والشريعة، ونسجوا من تلك الكلمات القرآنية المتعالية والرموز والمجازات منظومة تشريعية أطلقوا عليها اسم الشريعة الإسلامية بينما لا يوجد في القرآن شئ من ذلك.

مع الاثارة اللغوية:

ماذا يعني إن القرآن مجازات متعالية لا يمكن تحويلها إلى قوانين؟

وماذا يعني إن الخطاب القرآني خطاب شعري ديني يختلف عن خطاب الشريعة والقانون؟

لنسأل أولاً ما هو المقياس في فهم الخطاب؟ أليس هي دلالات اللغة و قوانينها؟ أم هناك مقاسات أخرى لفهم الخطاب؟

لا أحد يستطيع أن يقّدم مقياساً آخر لفهم الخطاب غير دلالات اللغة وقوانينها، ومع القبول بان القرآن خطاب الهي لكنه جرى على أساس اللغة وقوانينها، وقواعد التخاطب بين البشر، وطرق التعبير المتعارف عندهم ولم يخرج عليها فهو(كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)([90]) وهو لسان عربي مبين، وعلى أساس ذلك فما معنى إن القرآن مجازات لا يمكن تحويلها إلى قوانين وشرائع؟ هل ذلك اعتماداً على قاعدة لغوية أم هو مجرد تمنيات ورغبات للخلاص من شريعة الله وأحكامه؟

كيف يفسّر الحداثيون آيات الأحكام؟ وكيف يفسّرون آيات العقيدة؟

وكيف يفسرون آيات القصص التاريخي؟

وكيف يفسرون آيات المواعظ والإرشاد؟

هل هي مجازات متعالية عن الفهم أم هي كلام مفهوم لدى القارئ؟ لاشك إنها كلمات ونصوص مفهومة وجارية بمستوى مخاطبات البشر، وعلى أساس ذلك يتم الاستجابة لها أو رفضها، قبولها أو نقدها.

ان اعتبارها نصوصاً مقدسة لأنها صادرة من الله المتعالي اللامتناهي هو كلام صحيح بالتأكيد. وهذا هو التقديس الذي يضفيه الفكر الإسلامي على القرآن الكريم كما سبق ولكن اعتبارها نصوصاً متعالية عن الفهم فهذا مغالطة واستنتاج غير صحيح بل هو تمويه مقصود.

متى كان القرآن مجازات؟

نعم هو يستخدم المجاز كما يستخدمه كل الكلام العربي، لكن هل يعني انه خرج في مداليل الكلمات عن معانيها الحقيقية، أو معانيها المجازية المدلول عليها من خلال القرائن؟

طبعا....ليس كذلك.

إن هذه الخدعة تحاول أن تخلط بين المدلول اللغوي والمدلول ألاستعمالي للكلمة وهو ما يؤكده علماء اللغة بالتوضيح التالي:

المدلول اللغوي هو المعنى الذي وضعت له الكلمة بحسب دلالتها اللغوية الأصلية مثل كلمة البحر الى ماء البحر، وكلمة القمر الى الكوكب المعروف.

أما المدلول الاستعمالي فهو المعنى الذي أراده المتكلم وبحسب القرائن والسياقات المحيطة بالنص. مثل أن يريد بكلمة البحر سعة العلم، ويريد بكلمة القمر أنه غاية في الجمال، حيث ينصب المتكلم قرائن في كلامه تدل على أنه لايريد المعنى الحقيقي(المدلول اللغوي) وإنما يريد المعنى المجازي وهو المدلول الاستعمالي فيقول مثلا:(الشعوب الفقيرة تواجه بحراً من المشكلات)

ويقول مثلا:(ان الأنبياء يمثلون أقماراً في سماء الإنسانية)

فلا شك إن المستمع هنا يفهم معنىً آخر من كلمة البحر وكلمة القمر ليس هو المعنى اللغوي الموضوع له الكلمة، بل هو المعنى المجازي المدلول عليه بقرائن محيطة بالكلمة، إذن فهناك فرق بين المدلول اللغوي والمدلول الاستعمالي، وإذا كان القرآن الكريم يستخدم المجازات كما هو في عموم النصوص اللغوية ولدى عموم المتكلمين فان ذلك لا يفقد دلالته الاستعمالية المقصودة على المعنى المجازي والكنائي والاستعاري.

ولأجل ذلك لا أحد يستطيع القول ان الكلمات القرآنية غامضة، ومهما كانت رائعة وعظيمة في مداليلها الاَّ انها اكثر وضوحاً وانسيابيةً من كلمات الفلاسفة الصعبة على الفهم في العادة.

والآن... ماذا يفهم محمد أركون وغيره من الحداثيين من قوله تعالى:(وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ)([91])، وقوله تعالى:(أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا)([92])، وقوله تعالى:(وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الأْلْبابِ)(3).

ومئات من الآيات المماثلة في مجال الأحكام؟

أليست هي واضحة في الحديث عن قانون شرعي؟

ولو أردنا إن نضع قانوناً فبأي لغة نتحدث غير هذه اللغة؟

فلماذا يفترض الحداثيون إن الآيات القرآنية لايمكن تحويلها الى قوانين وشرائع؟

أم يريدون كما كان يقول نصر حامد أبو زيد(يجب أن نلوي عنق النص القرآني) زوراً وبهتانا بهدف إخضاع القرآن لقناعاتهم الخاصة وفهمهم لمتطلبات التقدم

ان من التجاوز على الحقيقة أن يقاس الخطاب القرآني بالشعر!

صحيح ان الخطاب القرآني هو خطاب متميز في جوانبه الأدبية والبلاغية، وصحيح انه لم ينزل بلغة النصوص الدستورية، أو لغة المنطق والفلسفة، أو لغة البحث العلمي، لكن ذلك كله لا يحوّله إلى كتاب شعري مثل ديوان المتنبي أو أبي العلاء المعريّ.

ان من التحامل على القرآن، بل على اللغة العربية وأساليب التخاطب ان يوضع الخطاب القرآني في مصاف الخطابات الشعرية، أليس هذا هو نفسه ما كان يقوله المشركون:(بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ)([93]) وقد كان القرآن نفسه جديّاً في جوابهم حيث قال:(وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ وَ لا بِقَوْلِ

كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ)([94]). وقال تعالى:(وَ إِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ وَ إِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)([95]).

 

مع الاثارة التاريخية:

هل صحيح ان ائمة المذاهب الاسلامية هم الذين خدعوا العقل الاسلامي العام بحيلة وجود(شريعة) في الاسلام؟

هل صحيح ان أئمة المذاهب الإسلامية هم الذين عمدوا إلى مجموعة الاعراف الاجتماعية القائمة يومئذ، ومجموعة النصائح الإسلامية العامة ليصنعوا منها قانونا وتشريعاً باسم الإسلام؟

هكذا يقول اركون، ونصر حامد، وخليل عبد الكريم وغيرهم من الحداثيين.

تعتمد هذه النظرية على ان القرآن الكريم لم يقدم للناس أحكاما شرعية، وإنما قدّم لهم نصائح عامة، وممارسات حرة في تطبيقها، وهكذا قام رسول الله(ص) أيضا فهو لم يشرعّ ولم يقنن وإنما اعتمد عرفاً اجتماعيا كان سائدا يومئذ في المعالجات الاجتماعية.

مشكلة هذه النظرية انها تفسير للنص القرآني، وللتجربة النبوية الكريمة على أساس الميول والأهواء وليس على أساس الدليل العلمي(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ ما تَهْوَى الأْنْفُسُ)([96]).

القول بان جميع آيات الأحكام في القرآن الكريم، - باستثناء آية واحدة هي آية حرمة الربا([97])-  لا دلالة لها على تشريع حكم. أو تحديد موقف شرعي وإنما هي مواعظ وتوصيات غير إلزامية، هذا القول لايملك شاهداً واحداً لامن اللغة ولا من التاريخ، وانما هو مجرد فرضية يرغب الحداثيون تصديقها للخلاص من الدين وأحكامه، واللحاق بركب الغرب المتحلل من شريعة الاديان الآلهية.

ومثل ذلك افتراض أن ممارسات النبي(ص) في المجال التشريعي لم تكن تشريعا بمقدار ما كانت حلاًّ وقتيا مربوطا بزمانه ومكانه كأية ممارسة سياسية أو تاريخية أو اجتماعية قام بها، هذا الافتراض هو تفسير غير مبرهن لحقيقة تاريخية يؤكدها الفهم الاجتماعي، كما يؤكدها المدلول اللغوي للنص القرآني والنبوي، وهي حقيقة التشريع والتقنين الذي كان يرسمه القرآن والرسول(ص) في نصوصه ومواقفه.

سوف يكون لنا وقفة تفصيلية مع هذا الموضوع لدى بحثنا عن السنة، والشريعة في القسم الثاني من هذا الكتاب. لكن علينا هنا الاشارة الى الخطأ المتعمد الذي يرتكبه الحداثيون في الخلط بين مرحلتين، مرحلة تأسيس الشريعة ومرحلة تدوين الشريعة.

ان القرن الثاني الهجري وما بعده هو الذي شهد تدوين الحديث النبوي وتأليف كتب الفقه الاسلامي بعد ان كان كل ذلك محفوظا في صدور الرجال يتناقله المسلمون على اساس المسموعات وليس المقرؤات.

كانت هذه هي مرحلة التدوين

الاَّ ان عصر النبي(ص) كان هو عصر التاسيس للشريعة الاسلامية من خلال نصوص القرآن أو نصوص السنّة الشريفة، وقد كان أهل البيت(ع) يدفعون باتجاه الاسراع في جمع القرآن وتدوين السنة، فيما كانت الخلافة الحاكمة تدفع باتجاه المنع من تدوين السنة والحديث  بها لئلا يختلط كلام الله بكلام النبي!!

  لسنا بصدد البحث عن العوامل السياسية أو الدينية التي وقفت وراء ذلك، انما نحن بصدد التاكيد على ان المسلمين جميعاً كانوا يتلقون النص القرآني وسنَّة النبي(ص) باعتبارها مصدراً لمعرفة الشريعة الآلهية. ولم يكن هذا الفهم العام عبارة عن اصطناع سياسي مذهبي قام به الفقهاء أو القادة السياسيون لخداع الرأي العام وتطويعه والتمكن منه، وانما كان ذلك هو الفهم الطبيعي لنصوص القرآن والسنة الذي تفرضه طبيعة سياقاتها ودلالاتها اللغوية والعلميّة.

من الخطأ اذن القول بأن القرن الثاني كان هو عصر التشريع، والصحيح ان القرن الثاني كان عصر تدوين الشريعة لا تأسيسها، بل ان القرآن الكريم والرسول الأكرم(ص) هو الذي قام بتأسيس الشريعة، ورسم القوانين الإسلامية، ولا يضر في ذلك أن تكون عملية التدوين قد جاءت متأخرة.

التلاعب الرابع:

تحويل النص القرآني من تعددي الى أحادي المعنى

لقد كان النص القرآني كما نزل على قلب النبي(ص) مفتوحاً على معانٍ متعددة، لكن وبعد قرون ولاسباب سلطوية ومذهبية اضحى النص القرآني مغلقاً على تفسير واحد هو التفسير الرسمي الذي رشحته المذاهب وفرضته السلطة.

وبحسب أركون اضحى:

المسلم عندما يستشهد بأي مقطع من القرآن، فهو يبتدي كلامه قائلاً(قال الله تعالى) وينهيه قائلاً(صدق الله العظيم) لا يوجد أي مجال للمناقشة حول التأليف، أو حول المكانة الالهية لمضمون النص المستشهد به، او حول تناسب الاستشهاد مع الموضوع، أو مع الظرف الذي استشهدوا به من اجله، قبل السنوات الخمسين الاخيرة كانت الاستشهادات في النص المكتوب أو في المحادثات الجارية تتم من قبل اصوات مأذونة: أي من قبل اولئك الذي يمتلكون ليس فقط سيطرة جيدة على النص القرآني، وانما يسيطرون على تفسيره([98]).

ويقول في موضع آخر من كتابه:

القرآن نص مفتوح على جميع المعاني، ولا يمكن لاي تفسير او تأويل ان يغلقه أو يستنفذه بشكل نهائي وارثوذكسي، على العكس نجد ان المدارس أو المذاهب المدعوة اسلامية هي في الواقع عبارة عن حركات ايديولوجية مهمتها دعم وتسويغ ارادات القوة للفئات الاجتماعية المتنافسة على السلطة والهيمنة([99]).

هذا هو التلاعب الرابع!! الذي تعرض له القرآن الكريم-بحسب الحداثيين-: فرض معنى واحد على نصوصه بعد ما كان منفتحاً على كل المعاني، وهذا المعنى الواحد هو المعنى الذي يناسب الشيعي عند الشيعة، والسني عند السنة وهكذا باقي المذاهب الاخرى.

لم يعد بالامكان لأحد المناقشة في التفسير المطروح مذهبياً والمدعم سلطوياً، وقد اضحى الرأي العام الاسلامي أسيراً لهذه الاحادية المفروضة في فهم معاني القرآن الكريم.

نقد التلاعب الرابع

لم يكن الحديث في هذا التلاعب المزعوم بأفضل من الحديث فيما سبقه، فهو لا يعود ان يكون توظيفاً مقصوداً لزعزعة الثقة بالقرآن الكريم، والتشويش على حجيته وقدسيّته من خلط بين مقدمات صحيحة وأخرى باطلة، ثم تقديم استنتاجات باطلة، ولتوضيح الموقف من هذا التلاعب الرابع نقول:

إن هذا التلاعب المزعوم يبتني على عدة قضايا:

الأولى: أن القرآن مفتوح على جميع المعاني الاحتمالية.

الثانية: أن مدرسة الإسلام الرسمي احتكرت تفسير القرآن الكريم وجعلت له أوصياء مأذونين بتفسيره دون سواهم.

ولكن من الحق المناقشة في كلتا هاتين القضيتين

فالقضية الأولى: هي أدعاء غير صحيح. أذ لايمكن أن يكون القرآن الكريم مفتوحا على جميع المعاني وبلا حدود.

أن عظمة القرآن الكريم، ووجود دلالات لامتناهية وعميقة في كلماته تسمى(البطون)، لا يعني أن النص القرآني يستوعب كل التفاسير المتضادة، وكل المعاني المتقابلة لان ذلك سيحول القرآن من كتاب(بيّن) إلى كتاب(غامض) ومن كتاب(هدى) إلى كتاب(حيرة) ومن كتاب(فرقان) إلى كتاب(محايد) ومن كتاب(نور) إلى كتاب(ظلمة)، لان قبوله لجميع التفاسير وحسب الرأي الحداثي سوف لايدع مجالا لاعتماده في اكتشاف الحق وتمييزه عن الباطل، وبذلك تبطل مهمة القرآن وهدفه ولم يعد له قيمة الا باعتباره نصاً أدبياً سحرياً يتلّون بكل الألوان او يتشكل بكل الأشكال.

القرآن الكريم نفسه يرفض هذا الأمر، ويندد بأولئك الذين يعمدون لتفسير القرآن حسب أهوائهم(ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ)([100])، كما يرسم المسار الواقعي والصحيح في فهم المعاني والمقاصد الحقيقية والنهائية للقرآن الكريم من خلال مراجعة أهل الاختصاص قائلا(فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)([101])

ولقد سبق مناقشة هذه المسألة لدى حديثنا عن نظرية تعدد القراءات، وربما سيساعدنا القارئ في مراجعة ما كتبناه.

نعم أن يكون النص القرآني مؤشرا على معاني منسجمة ومترابطة ينفتح بعضها على البعض الآخر وبنفس الاتجاه والمعنى فذلك هو الأمر الصحيح الذي يجعل القرآن الكريم مصدر عطاء معرفي غير متناهي، وهو ماسبق شرحه في معالجة شبهة تعدد القراءات فراجع.

وعلى أساس ذلك فان تحديد القرآن بمعاني قد تم أكتشافها، واغلقت الابواب بعدها فلا جديد غير ماكشفه الأولون، ولا مزيد على ماعرفه المتقدمون هذا هو الخطأ الذي سوف ينهي مهمة القرآن وقدرته الدائمة على العطاء والإثراء، وفاعليته في عملية البناء.

ان القرآن كتاب عطاء متواصل للإنسان ويمتلك من القدرة في مواكبة المستجدات البشرية ما يجعله صالحا لكل زمان ومكان، فلا نضوب في عطائه، ولا جفاف في نبعه وهو كما وصفه الإمام علي(عليه السلام) بالقول:

  (نوراً لا تطفأ مصابيحه، وسراجاً لا يخبو توقده، وبحراً لا يدرك قعره، ومنهاجاً لا يضل نهجه، وشعاعاً لا يظلم ضوءه، وفرقاناً لا يخمد برهانه)([102])

نعم، هذا هو القرآن عطاء دائم ومتجدد وحركة لا تقبل السكون والجمود.

لكن ما يقوله الحداثيون هو شئ آخر.

أنهم يريدون إلغاء الدلالة القرآنية على معاني ثابتة يقينية.

أنهم يريدون إلغاء دلالته على ثوابت عقيدية، وثوابت شرعية، وثوابت أخلاقية، وكل ذلك بحجة أنه مفتوح على جميع المعاني الاحتمالية!! فهو يستوعب المذاهب الاقتصادية المتضادة، ويستوعب المذاهب السياسية المتضادة، ويستوعب المذاهب العقائدية المتضادة!! بل هو يستوعب الإلحاد والإيمان معاً كما يستوعب الحق والباطل معاً، وتنتهي به ثنائية الحق والباطل، والإيمان والكفر!! كما سبق قراءة نصوص الحداثيين في ذلك، وان تعجب فاعجب مما قالوا ان يريدون إلا(اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)([103]).

هذا كله في نقد القضية الاولى التي يتضمنها التلاعب الرابع وهي ادعاء ان القرآن مفتوح على جميع الدلالات والمعاني، وخلاصة ما ذكرناه في هذا النقد أن القرآن الكريم مفتوح على معان لا متناهية(بحرا لا يدرك قعره، و منهاجا لا يضلّ نهجه، و شعاعا لا يظلم ضوؤه)([104]) وبذلك يكون قادراً على مواكبة العصر، لكن تلك المعاني إنما هي في إطار ثوابت ودلالات محدّدة يفتح بعضها الباب للبعض الآخر، وليست هي معان مفتوحة على كل الاحتمالات وكل التفاسير، بحيث لا يبقى للنص القرآني معنى واضح يحتج به الله على العباد ويهديهم إليه.

وأما القضية الثانية: وهي أحتكار الفهم الاسلامي للقرآن الكريم من قبل مجموعات خاصة جنّدت القرآن لصالح السلطة، هذه القضية التاريخية هي قضية قد وقعت بالفعل، وهي تتحدث عن واقع تاريخي مرّ، لكنه كان مرفوضا وما يزال مرفوضاً لدى مدرسة أهل البيت، ومشكلة هؤلاء الحداثيين هي الغفلة عن واقع المعارضة الفكرية والسياسية التي مثّلها الائمة الأطهار من اهل البيت(ع) وشيعتهم حيث قدموا طول التاريخ تفسيرا آخر للقرآن والسنّة، وعملوا على فك الأبواب المغلقة والقيود التي فرضت على القرآن والسنة.

ويحدثنا التاريخ عن قصص مأساوية في هذا المنهج الفكري، والهيمنة على مصادر المعرفة. الأمر الذي يفسر الجمود والتراجع الذي حلَّ بالمسلمين وما زلنا نذوق آثاره ونتائجه.

التاريخ يحدثنا عن فقه سلطاني، يبرر للسلطان مايقول وما يفعل حتى وجدنا بعضهم يبيح للسلطان شرب الخمر دون سائر الناس!!([105]).

التاريخ يحدثنا عن غلق باب الاجتهاد في الفقه والعقيدة على مذاهب اربعة لاسواها واستمر الحال لقرون عديدة ولم يجرأ أحد على مواجهة ذلك الا في حالات نادرة كان نتيجتها السجون والملاحقات والتصفيات والاتهامات الجاهزة بالكفر والإيداع بالسجون، ومازلنا نرى ذلك الى اليوم مع الاسف الشديد.

لقد كان الأئمة من أهل البيت(ع) هم أول ضحايا هذا الاحتكار الفكري، فبينما كانت أبواب الحريّات مفتوحة لغيرهم كانت ابواب السجون مفتوحة لأهل البيت(ع) وشيعتهم.

فإذا كان الحداثيون يريدون رفض هذا الواقع المرّ، ومواجهة تلك السياسة فتلك مسألة صحيحة، فلا حكر للفقه، ولا للعقيدة، ولا للتفسير، ولا للفلسفة، ولا للكلام على احد، و(طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)([106]) والقرآن مفتوح أمام الجميع وأنه(لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)([107])

ولكن الحداثيين يدعون إلى شي آخر، وقد نعذرهم أحيانا في هذه الدعوة التي كانت بمثابة رد فعل على ذلك التسلط والتحجر الذي فرض على عقول المسلمين قرونا طويلة، غير إن ردة الفعل هذه تورطت بنفس الخطأ الذي تورط به الفعل نفسه، فالاحتكار خطأ والانفلات خطأ آخر، ومشكلة الحداثيين أنهم رفضوا الاحتكار، ودعوا إلى الانفلات، وكان الصحيح هو ما اختاره أهل البيت وشيعتهم وهو فتح باب الاجتهاد وبالشروط الموضوعة لأي تخصص علمي وفي أي شان من الشؤون.

لقد كان أهل البيت ينهون أشد النهي عن التفسير بالرأي الذي لايعتمد على قواعد علمية في فهم القرآن الكريم، وانما يفتح الباب للمذاقات والاهواء وهو ما يدعو له الحداثيون اليوم.

لقد كان اهل البيت(ع) يرون ذلك هدماً للدين وخطراً ساحقا له.

لقد كان الامام جعفر بن محمد الصادق(ع) يقول:(ان دين الله لا يصاب بالمقائيس)([108])، وقال(ع):(وان السنة اذا قيست محق الدين)([109])، وقال الصادق(ع):(وان أول من قاس ابليس)([110])، ولقد كان رسول الله(ص) يقول:(من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)([111])

الى غير ذلك من النصوص الواضحة في دلالاتها على المنع من الانفلات والتحلّل في عملية التفسير والاجتهاد بعيدا عن الضوابط، وهو مايسمه الحداثيون(التحرر من سلطة النص) كما قرأنا ذلك عن نصر حامد ابو زيد وغيره مما يدعو له الحداثيون اليوم.

لقد آمن شيعة أهل البيت(ع) وتبعا لأئمتهم(ع) بفتح باب الاجتهاد في مجال الشريعة وفي مجال العقيدة معا واستمرت مدرستهم الفكرية والفقهية تقدم أروع النظريات والرؤى القادرة على مواكبة حركة التاريخ وتطور المجتمع. ولم تُصب لا بالتحجر الفكري ولا بالانفلات الديني بل جمعت بين الأصالة الدينية واعتماد مصادر المعرفة الشرعية وبين الانفتاح على مستجدات العصر ومسائله ومشاكله ونظرياته.

إذن فالفقه، والتفسير ليس حكرا على أحد.... هذا صحيح ويجب مواجهة أي محاولة لكم الأفواه ومصادرة الحريات في التعرف على الدين وأحكامه ومعتقداته. كما إن الفقه والتفسير ليس مفتوحا في الفضاء بلا ضوابط ولا نوافذ ولا أبواب، بل هو كأي علم من العلوم، يعتمد على قواعد في سبر أغوار ذلك العلم ومبادئه. ولا معنى لان تعطى الشرعية لكل اجتهاد بعيداً عن ضوابطه العلمية، وضوابطه الأخلاقية.

ومن اجل ذلك يضع الشيعة عدة شروط للمجتهد القادر على أن يتحرك في اكتشاف علوم الشريعة والعقيدة. أول تلك الشروط هو التقوى، وثانيها الاستيعاب لمصادر المعرفة الشرعية وثالثها المعرفة بأساليب اللغة ودلالاتها، ورابعها تفهم التأريخ المحيط بزمن النص والظروف التي نزل فيها. هذه الشروط التي تمنح فرصة الاجتهاد التفسيري والفقهي والكلامي لفهم الشريعة والعقيدة، وهي شروط تقطع الطريق على الكتاب المتطفلين على الدين والشريعة، المتأثرين بالمناخات الثقافية الغربية أو اليسارية التي عملت على تهميش الدين من ساحة الحياة ومهدت لظهور أقلام ومدارس فكرية بنفس الاتجاه في وسط العالم الإسلامي تحت عنوان الحداثة، والتحرر وما شاكل ذلك.

ننتهي من هذا إلى أن الإثارة التاريخية التي اعتمدت عليها فكرة التلاعب الرابع هي إثارة صحيحة تاريخياً لكنها ناقصة ومجتزأة وغير شاملة لموقف أهل البيت(ع) ومدرستهم، ولأجل ذلك فقد سجّلت هذه الإثارة تعميماً في النقد والرفض للفكر الإسلامي بينما كان الصحيح هو رفض المدارس الرسمية الحاكمة وتفهم المدارس المعارضة التي تقف على رأسها مدرسة أهل البيت(ع) وشيعتهم والذين لم يغلقوا باب الاجتهاد، ولا احتكروا الفقه والتفسير والكلام لمجموعة خاصة كما صنعته المدارس الرسمية الحاكمة. 

التلاعب الخامس :

فقدان النسخة الاصلية وفرض نسخة رسمية واحدة للقرآن الكريم.

كيف جُمع هذا القرآن الذي بأيدينا حالياً؟

هل هو نفس القرآن الذي نزل على رسول الله(ص) خلال ثلاث وعشرين عاماً، أم هو نسخة قد جمعت من هنا وهناك وربما تلاعبت بها أيدي التحريف المقصود ثم فرضت على المسلمين بقهر السلطة؟

هذه هي الحقيقة بحسب محمد أركون وباقي الحداثيين.

(ان النص القرآني كان في منشأ تكوينه مجموعة من النصوص، ولم يكن نصاً واحداً، فلم ينزل على النبي مرة واحدة، بل نزل مجزءاً على مدار بضع وعشرين سنة ...

راح الخليفة الثالث عثمان(أحد أعضاء العائلة المعادية لعائلة النبي) يتخذ قراراً نهائياً بتجميع مختلف الاجزاء المكتوبة سابقاً والشهادات الشفهية التي أمكن التقاطها من أفواه الصحابة الأول، أدى هذا التجميع عام 656م الى تشكيل نص متكامل فرض نهائياً بصفته المعنى الحقيقي..

هذه هي المقوله الرسمية التي لا يسمح لأحد من البشر أن يوجه اليها أدنى ذرة من الشك)([112]).

هذه هي الطريقة التي جمع بها القرآن، وهذا هو حال القرآن الذي بين ايدينا

وماذا ينتج عن ذلك بحسب الرؤية الحداثية؟

ينتج عن ذلك:

أولاً: امكانية التشكيك بدقة النص القرآني الموجود بين أيدينا ومدى تطابقه مع النص الاصلي الذي نزل نجوماً على رسول الله(ص). خاصة اذا لاحظنا ان السلطة هي التي فرضت هذه النسخة، وهي التي أبت ان تستمع لاصوات اخرى كان لها رأي اخر في حقيقة النص القرآني.

(ان علينا اعادة كتابة قصة تشكل هذا النص بشكل جديد كلياً، أي نقد القصة الرسمية للتشكيل التي رسخها التراث المنقول نقداً جذرياً)([113]).

لان هذه القصة الرسمية لا يمكن الوثوق اليها علمياً بشكل كامل، خاصة مع افتراض تعرض النسخة الاصلية للحذف والتصرف او النسيان العمدي او غير العمدي لبعض نصوصها.

(هناك منسي لا يمكن تعويضه نتج عن البتر التاريخي، وعن الضغوط الانتخابية التي يمارسها أي تراث ثقافي على نفسه.

من اجل أن نعيش حجم هذه الظاهرة في الاسلام يكفي ان نذكر بالطريقة التي فرضت بها نسخة واحدة للقرآن في القرن الرابع)([114]).

ثانياً: ان هذه النسخة التي بين ايدينا حتى لو كانت شاملة لكل النص القرآني الذي نزل على النبي(ص) الا انها قد جمعت بطريقة اخرى تختلف عن ترتيب النزول.

(هذه النصوص المتعدده قد أدمجت في نص واحد، لاعلى أساس ترتيب نزولها بل على أساس لم تكتشف قواعده اكتشافاً تاماً بعد، وبالتالي يواجه الباحث بنيتين يطلق عليها في علوم القرآن ترتيب النزول وترتيب التلاوة)([115]).

وذلك يعني ان الايات كما هي بين ايدينا ربما وضعت في غير سياقاتها، بل في غير مواضعها التي نزلت فيها، الأمر الذي سيعطيها دلالة اخرى ربما لم تكن هي المقصودة في اصل النزول، وينتج عن ذلك انه لا يمكن الوثوق الكامل إلى النص القرآني الذي بأيدينا ولا اعتماد دلالاته طالما لم يتم التأكد من صحه السياقات التي وضع فيها.

نقد التلاعب الخامس:

هذا التلاعب المفترض يعتمد على قضيتين:

الأولى: أن هذا القرآن الذي بين أيدينا هو النسخة التي جمعها عثمان بن عفان، في حين لم يكن القرآن مجموعا على عهد النبي(ص) كمصحف واحد، الأمر الذي يسمح بافتراض وجود آيات ومقاطع قد سقطت سهواً أو عمداً من القرآن الكريم.

الثانية: إن هذه النسخة التي جمعها عثمان بن عفان لم تكن بنفس الترتيب الذي نزلت فيه الآيات والسور، الأمر الذي يدعو للشك في دقة الدلالة حين لاتوضع الآيات في سياقاتها التي نزلت فيها.

والحقيقة إن هذه المشكلة التي تثار حول طريقة جمع القرآن، ومدى الدقة فيها ليست مشكلة جديدة، فقد بحثها قديما وحديثا المفسرون  كافة  وعلى مختلف المذاهب الإسلامية.

وبالفعل فقد كان هناك رأي يذهب إلى تعرض القرآن الكريم إلى التحريف بالزيادة أو النقيصة أو ترتيب مواضع الآيات، ورغم إن هذا الرأي لم يكن مقبولا ولم يزل مرفوضا لدى الاتجاه السائد لدى علماء الإسلام إلاّ انه على كل الأحوال يمثل رأيا في هذا الموضوع حتى إذا كان شاذا.

أمّا الرأي الذي مثلَّ الاتجاه الإسلامي العام السائد ولدى مختلف المذاهب الإسلامية فهو الرأي القائل بعصمة القرآن من التحريف، سواء على مستوى الزيادة والنقيصة أو على مستوى ترتيب الأيات ووضعها في غير مواضعها.

المسألة أذن جديرة بالدراسة، وفي هذه الدراسة لا يجوز أن نعتمد على الظنون والشكوك بعيدا عن السند العلمي والتاريخي، في الوقت الذي نرى التشكيك الحداثي ينتقل فورا من إمكانية حدوث التحريف في القرآن الكريم إلى الجزم به واعتباره قضية واقعة.

نحن نلاحظ-مثلا- محمد أركون يدعو في المرحلة الأولى إلى إعادة كتابة قصة تشكل هذا النص بشكل جديد كليا، أي نقد القصة الرسمية للتشكيلة التي رسخها التراث المنقول نقداً جذريا.

وهذه دعوة مقبولة ندعو بها إلى دراسة ما حدث، وكيف حدث؟ وهذه الدراسة قد تنتهي إلى نتيجة تؤيد وقوع التحريف وقد تنتهي إلى نتيجة تؤكد عدم وقوعه .

لكننا نلاحظ محمد أركون ينتقل سريعا بعد هذه الدعوة لافتراض إن التحريف قد وقع بالفعل في القرآن الكريم فهذه ليست مجرد فرضية للدراسة بل هي حقيقة قائمة دون أن يقدم على ذلك أي برهان.

لاحظ ماذا قال:

 (هناك منسي لايمكن تعريفه نتج عن البتر التاريخي، وعن الضغوط الانتخابية التي يمارسها أي تراث ثقافي على نفسه)([116])

لم يبرهن محمد أركون .على وجود هذا الحذف -المنسي- بالفعل بعد أن كان مجرد افتراض ممكن.

(نظرية عصمة القران الكريم من التحريف)

والحقيقة إن هناك عوامل تطيح بفرضية التحريف و تنسف الشك في ذلك  وتفرض اليقين بان هذه النسخة التي بأيدينا هي نفسها التي نزلت على رسول الله(ص) فيما عدا ترتيب السور الذي لا يخلّ بالدلالة والمعنى.

 

الشواهد على عصمة القرآن من التحريف

ولتوضيح ذلك نقول:

ان هناك ثلاثة شواهد على عدم وقوع التحريف في القرآن الكريم هي شاهد التاريخ، وشاهد القرآن، وشاهد العترة.

الشاهد الاول: شاهد التاريخ 

حيث يكشف الحساب العلمي الدقيق انه لو كان قد وقع تحريف في القرآن الكريم لوجدنا لذلك أصداءً واسعة، ومواقف تتبناها الحركة الفكرية والسياسية المعارضة لخط السلطة الحاكمة، وخط المذاهب الرسمية، بينما لم نجد شيئاً من ذلك، بل وجدنا تاريخياً ان كل المذاهب الاسلامية وبما فيها مذهب اهل البيت(ع) كان يعتمد نفس هذه النسخة من القرآن الكريم.

 أما الحسابات التي أثارها الرأي القائل بتحريف القرآن الكريم فهي حسابات مقبولة للوهلة الاولى لكنها لا تصمد امام النقد والتدقيق، وبعد البحث والتحقيق.

ان من الطبيعي أن تثار عدة علامات استفهام حول دقة النسخة التي جمع فيها القرآن على عهد الخلفية الثالث، وقبلها على عهد الخليفة الأول. وما جرى بعد ذلك في العهد الأموي والعباسي من تدخل السياسة في الشأن الديني بشكل كبير كما هو معلوم. كل ذلك يسمح بإثارة الشك تاريخيا بشأن النسخة الموزعة على المسلمين بالقسر، خاصة بعدما عرفنا إن السلطات الحاكمة يومئذ أقصت الخطوط والمذاهب الأخرى المخالفة لها.، وبخاصة الإقصاء الواضح لأهل البيت(عليهم السلام) وملاحقة مدرستهم وعلمائهم وقياداتهم تحت كل حجر ومدر، هذا الواقع السياسي ربما يسمح بالشك بل ماهو أكثر من الشك في دور الأصابع السياسية وتأثيراتها على الفكر الاسلامي السائد يومئذ وعلى القرآن الكريم والسنة بوصفهما الأصل في التراث الإسلامي.

فإذا قبلنا إن السلطة قد زرعت الوضاعين والكذابين هنا وهناك للكذب على رسول الله(ص)، وافتعال الأحاديث عليه([117]) وإذا قبلنا إن السلطة قامت بتصفية سياسية وجسدية وإعلامية وفكرية للخطوط الأخرى، إذا قبلنا ذلك كما هو ثابت تاريخيا فلماذا لا نقبل ان تصل اصابع التحريف الى القرآن الكريم من زاوية تاريخية؟ هذا هو ماتقوله نظرية تحريف القرآن الكريم. وهذا هو ما قراناه في كلمات محمد أركونوغيره من الحداثيين، فقد كانت زاوية النظر عندهم هي الزاوية التاريخية في الموضوع.

  قد لانستطيع هنا ردّ هذا الاحتمال التاريخي بالحديث النبوي الثابت والمعروف([118]) وهو قوله(ص):(اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا وأنهما لن يفترقا حتى يردا علىَّ الحوض)([119]).

لان الرسول الكريم(ص) يؤكد في هذا الحديث ان التمسك بالقرآن الكريم وأهل البيت(ع) عاصم من الزلل، و أمان من الانحراف، لكن ماذا لو أعرضت الامة عن القرآن الكريم وأعرضت عن اهل بيته(ع)؟

ان السياسة التي قتلت اهل البيت(ع) و وظَّفت السلطة لحربهم، من الطبيعي ان تعلن الحرب على القرآن الكريم نفسه أذا اصطدم بمصالحها، ولا أقل من افتراض ذلك تاريخيا، ورسول الله(ص) لم يقدم في هذا الحديث شهادة تاريخية على انَّ الامة سوف لا تخرج على أهل بيته ولا على القرآن، بل هو قد تنبأ بما يجري بعده من عدوان على اهل بيته و تحريف لسنته، و خروج على قيم القرآن الكريم.

ان فرضية العدوان على القرآن الكريم، كما هو العدوان على اهل البيت(ع) لا تُقلّل من قيمة القرآن ولا من اهل البيت(ع)، ولا يصطدم مع حديث الثقلين القائل"ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا" فهذه دعوة للتمسك بهما وليس إخبارا عن تمسك الامة بهما، كما ان قوله(ص)"وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض" هو شهادة صادقة على التطابق الكامل بين اهل البيت(ع) والقرآن الكريم في المفاهيم والمواقف، لكنه لا يتضمن اشارة الى موقف الامة التاريخي من هذين الثقلين، في الوقت الذي نرى ان هذه الامة قد أعرضت عن أهل البيت(ع) وقتلتهم.

نعم، هذه هي الحسابات التاريخية التي يستند اليها القائلون بالتحريف.

لكن الجواب الصحيح عن هذه الحسابات التاريخية هو ان تحريف القرآن الكريم  سواء بصورة عمدية أو غير عمدية كان سيواجه رفضاً ومعارضة واسعة في الامة، وخاصة من أوساط المعارضة السياسية للسلطة وبخاصة اهل البيت(ع) وشيعتهم. لكن ما نلاحظه تاريخيا ان لا احد يومئذ تحدث عن وجود تحريف للقرآن الكريم، بل كان هناك إجماع على صحة هذا الجمع القرآني بحيث كان يتناوله الجميع من هم مع السلطة ومن هم ضد السلطة، من هم مع هذا المذهب ومن هم مع ذاك المذهب، الامر الذي يدلل على عدم وقوع التحريف([120]).

لاحظوا مثلا موقف اهل البيت(ع) تجاه قضية الامامة، فقد مثَّلوا صوت المعارضة وقدموا التضحيات الكبيرة، ولم تمنعهم الدماء ولا السجون ان يثبتوا للتاريخ رأيهم في المسألة، لكننا لانجد لهم أي صوت يشير الى تحريف القرآن الكريم، وإدانة السلطة الحاكمة به، بينما قد صدرت عنهم إدانات واسعة للسلطة في قضايا أخرى سياسية وأخرى فقهية.

لقد سجل الامام علي(ع) ملاحظاته على الخلافة التي سبقته وبشكل صريح في خطبته المعروفة بـ"الخطبة الشقشقية([121]) "وذلك بعد ان استلم الخلافة، كما سجل ملاحظاته حتى في مسائل فقهية اخرى تخص الوضوء والصلاة وغيرها. بل كان الامام علي(ع) قادراً على تسجيل ملاحظاته السلبية ان كان هناك تحريف للقرآن الكريم  في جمعه الاول على عهد ابي بكر. لان الوضع السياسي قد شهد في ظاهر الحال تقاربا كثيرا مع الامام علي(ع) على عهد الخليفة الثاني الذي كان يقول" لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها ابو الحسن" وكان يعلن باستمرار عن استماعه لآراء الامام علي(ع) في المسائل الفقهية. وقد أظهر الامام علي(ع) في مواقع عديدة مخالفته لرأي السلطة يومئذ ومع ذلك لم نسمع ولا مرة واحدة ان الامام علي(ع) قد اشار الى وقوع تحريف ولو بسيط في القرآن الكريم، وكان يمكنه ان يذكر ولو على سبيل النصح للخلافة الحاكمة، أو لا أقل يذكر ذلك لاتباعه من الصحابة والتابعين.

هذا الشاهد التاريخي نفسه نلاحظه في مواقف الأئمة الباقين من أهل البيت(ع) حيث نجدهم في كل الاحوال السياسية والثقافية لم يستخدموا ورقة التحريف لا ضد السلطة ولا ضد المذاهب الاخرى.

السؤال الذي يفرض نفسه في الحسابات العلمية والتاريخيه انه أذا كان هناك تحريف للقرآن الكريم فاين كانت المعارضة؟ ولماذا لم تستخدم هذه الورقة لصالحها؟ وهب أن الامرَ كان يكلفها ثمناً باهظاً لكننا نرى المعارضة قد تحملت هذا الثمن واستعدت للتضحية، كما في ثورة الامام الحسين(ع) بينما لا نراها قد اشارت أبدا الى مسألة تحريف القرآن الكريم، فهل ياترى كانت القضية لاتُعنيهم؟ أم كانت لا تعني الرأي العام؟ ام كانت مجهولة لديهم؟ هذه كلها فروض تاريخية في تفسير الموقف، لكن من الواضح انها جميعا فروض ساقطة بالحساب التاريخي، والفرض الوحيد القادر على ان يثبت نفسه هو ان المعارضة وبخاصة اهل البيت(ع) لم يكونوا يرون وقوع التحريف في القرآن الكريم، والاّ  لثاروا ضدهّ، أو اشاروا اليه على الاقل في اوساط شيعتهم خاصة.

هذا الحساب يجري فيما اذا كان التحريف قد وقع في القرآن الكريم بشكل مقصود وبتوجيه من السلطة او من الاصابع الدخيلة على الاسلام. وكذلك يجري في الفرض الثاني وهو أن يكون التحريف قد وقع في القرآن الكريم لابقصد، وانمّا بفعل عوامل النسيان، وتعدد النسخ، وتبعثر الاوراق والالواح التي كان قد كتب عليها، واختلاف المحفوظات لدى الصحابة وما شاكل ذلك.

هذا الفرض ايضا ساقط بالحسابات العلمية التاريخية.

رغم أن هذا الفرض مما لايمكن استبعاده للوهلة الاولى بحسب العوامل التاريخية خاصة في كتاب يتألف من أكثر من ستة الآف آية. وقد نزل في مدة ثلاث وعشرين عاما، ولم يكن محفوظاً إلا في الألواح المتفرقة وصدور الرجال المختلفة. إن فرضية سقوط بعض الآيات سهوا، أو وضعها في غير موضعها جهلا، هي فرضية ممكنه من الناحية العلمية، ولكن الشاهد التاريخي سيدفعها ايضاً، فلماذا سكت أهل البيت(ع) عن هذا التحريف غير العمدي وهم أعرف بالقرآن الكريم العدل الثاني له؟ وكيف نفسّر ذلك رغم المعارك المذهبية التي تدعو كلها للاشارة الى التحريف ان كان قد وقع؟

إذن نحن أمام فرض ممكن من الناحية العلمية إلاّ ان الشاهد التاريخي قام على عدم تحققه.

في الشاهد التاريخي نلاحظ ايضاً ان رسول الله(ص) تنبأ بما سيتعرض له حديثه من الوضع والتحريف، فكان يقول(أيها الناس ستكثر علىَ الوضاعه(الكذابه) فمن كذب علي متعمداً فليتبؤ مقعده من النار)([122]).

ونلاحظ انه صلى الله عليه وآله تنبأ بما سيجري على اهل بيته من بعده قائلاً:(الى الله اشكو ما تلقى عترتي من بعدي)([123])، وكان يقول:(أبكي لذريتي وما تصنع بهم شرار امتي من بعدي)([124]).

ولكن لا نلاحظ انه(ص) قد أشار أو حذر أو نبَّه او أنبأ عن تحريف القرآن بعده، فكيف نفسّر ذلك؟

الا يكون ذلك شاهداً على انَّ القرآن الكريم مصون من التحريف بعناية الهية خاصة؟

من الناحية العلمية فان حادثة مهمة وكبرى بمستوى(تحريف القرآن الكريم) لا يمكن أن تمر وتغيب على الناس، خاصة مع وجود أمة تمتلك اجتهادات مختلفة ومذاهب متعددة، ومئات الائمة والاف المحدثين والمؤرخين، ومع وجود معارضة سياسية لم تستسلم طول التاريخ ولم تسكت أمام الانحراف، مع كل هذه الارقام كيف يمكن افتراض ان القرآن قد شهد تحريفاً ولكنه تم السكوت عليه؟

 خاصة إذا عرفنا وآمنا ان الأئمة من أهل البيت(ع) يعرفون القرآن كاملاً، ولا تضيع عليهم آياته ومعانيه ولا مصاديقه ولا اسباب نزوله وقد قال فيهم رسول الله(ص):(لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ)([125])، مع هذه العقيدة وما يؤمن به شيعة أهل البيت(ع) لا يبقى مجال لافتراض وقوع التحريف في القرآن الكريم وسكوت أهل البيت(ع) عنه وعدم تنبيه الناس إليه.

هذا هو الشاهد التاريخي على عدم وقوع التحريف في القرآن الكريم.

الشاهد الثاني:  شاهد القرآن:

ماذا يقول القرآن في مسألة سلامة القرآن الكريم من التحريف او عدم سلامته؟

من الواضح أن القرآن يكوّن رؤيته في الحوادث التاريخية على أساس عاملين؟

العامل الأول: الإيمان بالقدرة الآلهية التي تخضع لها كل العوامل والمؤثرات الطبيعيّة

ان نجاه يونس من بطن الحوت لم تكن وفق العوامل الطبيعية، وهي كما قال تعالى:

(فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)([126])

كما إن سلامة موسى بن عمران من بطش فرعون لم تكن بفعل أم موسى بل كان بعناية إلهية خاصةـ كما قال تعالى:

 (وَ لِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ)([127])

 ومثل ذلك سلامة إبراهيم من نار نمرود، فلم تكن الأمطار الغزيرة او الرياح العاتية هي التي أخمدت النار، وإنما كانت القدرة الآلهية وراء ذلك(قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ)([128])

هذا هو عامل القدرة الالهية التي تجلت في هذه الوقائع وهي التي غّيرت مجرى العوامل الطبيعية.

العامل الثاني: هو الضمان الآلهي،

بمعنى ان الله تعالى يتكفل بقدرته وحكمته أمراً معيَّنا. كما تكفَّل لموسى وهرون السلامة من بطش فرعون حين(قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَ أَرى)([129])

ومثل ذلك سلامة نوح من الغرق حين قال الله تعالى:

(وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ)([130])

ويتكرر الضمان الآلهي في مواضع عديدة أشار إليها القرآن الكريم مثل:

قوله تعالى(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)([131])

ومثل قوله تعالى:(وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)([132])، ومثل قوله تعالى:(وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)([133])

ومثل ذلك في التعبير عن الضمان الآلهي ما جاء في الأحاديث النبوية الشريفة إشارة الى ظهور المصلح العالمي المهدي الموعود حين قال رسول الله(ص):

(لن تقوم الساعة حتى يخرج واحد من ولدي يواطئ اسمه اسمي يملأ الارض عدلا وقسطا بعدما ملئت ظلما وجورا)([134])

 إذن نحن امام قانون القدرة الآلهية التي لايعجزها شئ في الارض ولا في السماء، وامام قانون الضمان الالهي الذي لا يتخلف لأنه تعالى لايخلف الميعاد

على أساس هذين العاملين يقول الفكر الديني ان الله تعالى تكفّل وضمن بقدرتهِ حفظ هذا القرآن الكريم عن ان تتلاعب به أيدي التحريف العمدي وغير العمدي، وقد ضمن الله تعالى ذلك وأخبر عنه بقوله تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)([135]).

وبقوله تعالى:(وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)([136])

ومع إيماننا بالقدرة الآلهية، ومع ايماننا بالضمان الالهي لم يعد بالإمكان تسرّب الشك في صيانة هذا القرآن من التحريف رغم ان العوامل الطبيعية قد تسمح بهذه الفرضية لولا الشاهد التاريخي كما أسلفنا.

لكننا أمام قدرة ما فوق التاريخ، وضمان ما فوق الطبيعة ، تلك هي قدرة الله وضمان الله، هذه القدرة التي تجلت في كل سيرة الأنبياء وحركتهم، وتجلت في معركة الدين ضد الكفر، هذه القدرة حينما تقترن بوعد الالهي فانه سوف لايبقى أي مجال للتردد في النتيجة، النتيجة هي تحقق الوعد الآلهي، واذا كان الله تعالى قد ضمن سلامة هذا القرآن وحفظه فانه سيذلل له العوامل الطبيعية كما ذللها للأنبياء من قبل.

نحن في هذه الزاوية من النظر لا نتحدث عن عوامل طبيعية ساعدت على حفظ النص القرآني وهي عوامل يمكن ان نتحدث عنها بالفعل. مثل حرص النبي(ص) على كتابة الآيات القرآنية، وحرص المسلمين على حفظها وتلاوتها، والقدرة التي تمتع بها العرب يومئذ على الحفظ الدقيق حتى اننا لا نشهد اليوم ضياعا أو اختلافا في المعلقات الشعرية، وكذلك الطريقة التي اعتمدت في جمع القرآن الكريم باعتماد الشهود والحفظة و مقارنة الالواح بعضها ببعض، هذا بإلاضافة الى عدم وجود أي صوت آخر يتحدث عن تحريف القرآن، مع انَّ كل العوامل الطبيعية والتاريخية والسياسية كانت تفرض بروز هذا الصوت لو كان هناك تحريف، وهذا هو ما سميناه بالشاهد التاريخي على سلامة القرآن، هذه عوامل قد تسجل لصالح فرضية عدم وقوع التحريف في القرآن الكريم([137])... لكننا في الشاهد القرآني لسنا بحاجة الى تقديم مثل هذه الدراسة التأريخية وهي جديرة بالاحترام طبعا انما نحن امام ضمان إلاهي لا يتخلف، وقدره الهيّة لاتعجز نصّ عليها القرآن الكريم في آيات لايحتمل فيها الوضع والافتعال، فأن كان هناك ثمة اختلاف في مواقع الآيات او إضافة بعضها او حذف بعض آخر، فانه لايوجد هناك أي اختلاف قد أشير إليه في هاتين الآيتين وهما(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)، وآية(لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ).

ولاشك في دلالة هاتين الآيتين على تكفل الله تعالى بسلامة هذا القرآن الكريم، فهو محفوظ بحفظ الله تعالى، وهو بعيد عن أيادي الباطل وتعرضه لأي نحو من أنحاء التصرف والحذف.

الشاهد الثالث: شاهد العترة:

سيكون شاهد العترة الطاهرة هو المكمّل لشاهد التاريخ وشاهد القرآن الكريم، فاذا لم يكن شاهد التاريخ ولا النص القرآني كافيا لتوليد اليقين التام بعدم وقوع التحريف في القرآن الكريم فان اهل البيت(عليهم السلام) يقدمون الشاهد الاقوى والوثيقة الاعظم الدالة على سلامة القرآن من التحريف.

نفترض أننَّا لا نثق بالدليل التاريخي، ونفترض ان القرآن لم يكن صريحا في الدلالة على صيانته من التحريف ، لكن النصوص  القطعية الواردة عن اهل البيت(ع) تؤكد ان هذا القرآن الذي بين يدي المسلمين هو نفسه القرآن الذي نزل على رسول الله(ص).

والقارئ يعلم ان الأئمة من أهل البيت(ع) عاشوا بعد رسول الله(ص) الى منتصف القرن الثالث الهجري، وعاشوا اوضاعا سياسية وثقافية متعددة، وفتحت لهم فرص واسعة في بناء مدرسة فكرية كبيرة خرَّجت الآف التلاميذ ومنهم أئمة مذاهب أسلامية كبيرة، ونُقلت عنهم عشرات آلاف الاحاديث في مختلف العلوم الاسلامية، وكانت السلطات الحاكمة تتقرب اليهم احيانا في ظاهر الحال- وتستمع لرؤاهم العلمية، بل وتتزلف اليهم وتجمع لهم العلماء والفقهاء للاستماع اليهم.

في كل هذه الظروف والفرص العلمية وجدنا أهل البيت(ع) يضعون ثقتهم الكاملة بهذا القرآن الموجود بين ايدي المسلمين، ولا يثيرون حوله غبار الشك والاتهام،

 في هذا الشأن يمكن أن نقرأ الروايات الداعية إلى عرض أحاديثهم على كتاب الله والأخذ بما وافق وطرح ماخالف([138]) .

ومثل ذلك الروايات الواردة عنهم(عليهم السلام) في تمجيد كتاب الله تعالى وحث الامة على التمسك به دون أية اشارة الى حدوث تحريف فيه.

نقرأ في ذلك مثلا:

قال ابو جعفر الباقر(ع):(اذا حدثتكم بشيء فاسالوني من كتاب الله)([139])

وهكذا قال عليه السلام:(أقرأوا كما يقرأ الناس)([140])

في الوقت الذي كان أمير المؤمنين(ع) يدعو لاعتماد القرآن الكريم الموجود بين ايدي الناس واستنطاقه حيث يقول:(ذلك القرآن فاستنطقوه)([141]).

فإذا كان ثمة تحريف في القرآن الكريم فما معنى اعتباره المرجعية الفكرية للمسلمين، ودعوتهم للرجوع إليه واستنطاقه وعرض أحاديث السنة عليه، إن ذلك كله يكشف عن اعتقاد أهل البيت(ع) بصحة القرآن الكريم الموجود بين يدي المسلمين.

نحن اذن امام ثلاثة شواهد تؤكد سلامة هذا القرآن وتمامه وعدم تعرضه للنقص والزيادة او التحريف، شاهد التاريخ، وشاهد القرآن، وشاهد العترة.

بهذا سوف نعرف ان الحديث عن التلاعب بالقرآن الكريم بالطريقة التي تناولها الحداثيون هو حديث غير علمي، بل هو حديث يعمل على النيل من ثقة هذه الامة بدينها وكتابها، وقبل ذلثقتها بنبيها وبربّها، ولكن(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)([142]).

(نتيجة البحث)

نستطيع ان نختم بحثنا هذا بالتأكيد على وجود التقابل والتضاد الكبير بين القراءة الحداثية وبين القراءة الاسلامية للقرآن الكريم.

فالقرآن الكريم في القراءة الحداثية ليس وحياً منزلاً من السماء، وليس خطاباً الهياً منزلاً من عند الله تعالى، بل هو تجربة شخصية و صياغة بشرية!!

والقرآن الكريم لا يعبر عن معارف وحقائق ثابتة، ولا يرسم تشريعات خالدة، انما هو معتقدات مرحلية وتشريعات وقتية تتناسب مع الظرف الذي عاشه الرسول الاكرم(ص)!!

والقرآن الكريم لم يعد كتاباً مقدساً بل هو أُسطورة كمثل الأساطير التي نقرؤها في التاريخ!!

ومهما كان الحال في شأن هوية القرآن الكريم فان نصوصه وآياته لا تملك حجيّة - سلطة - تفرض علينا الالتزام بتلك النصوص ودلالاتها.

كما ان كل التفاسير القرآنية هي تفاسير صحيحة مهما تضاربت فيما بينها فلا مبرر للبحث عما هو المقصود الالهي من هذه الآيات لان الانسان القاريء هو الذي يصنع المدلول والمعنى.

أنت تجد درجة التقابل والتضاد واسعة بين هذه القراءة وبين القراءة الاسلامية التي تؤكد على ان القرآن هو كلام الله تعالى انزله على قلب نبيه الاكرم(ص) وان آياته تعبر عن حقائق ثابتة واحكام خالدة، وهو كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو كتاب خالد مقدس.

وان النبوة والوحي ليس تجربة شخصية بشرية للنبي كمثل تجارب الفلاسفة والعرفاء وتتكامل عبر اثراءهم لها بل هي معطىً الهي منَّ به الله تعالى على شخص النبي الاكرم(ص) وبعثه رحمة للعالمين، وليس فيه شيء من مظاهر الانتحال والكذب والاسطوريّة.

ومن ناحية اخرى فان النص القرآني حيث أنزل بثقافة الناس ولغتهم فهو نص بينّ وبليغ ومفهوم حسب سياقات اللغة وقوانين التخاطب(بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)([143]) في ضوء ذلك فهو نص يتمتع بالسلطة والحجية والاعتبار لمن كان يؤمن بالله ورسوله وآياته، فيجب اعتماد تلك الآيات لمعرفة المقاصد الالهية والألتزام بها.

ومعنى كل ماذكرنا اعلاه ان القراءة الحداثية تتقاطع مع القراءة الاسلامية تقاطعاً كاملاً، حيث لايمكن أن نؤمن بالله ورسوله والكتاب المنزل من عنده على قلب نبيه(ص) ثم نعتبر القرآن اسطورة!! وفاقد(لسلطة النص) و(لا يعبر عن حقائق ثابتة)، و(لاأحكام خالدة) وغير ذلك مما يقوله الحداثيون.

الحقيقة ان الايمان بصدق النبي(ص) ورسالته يتناقض تماماً مع تلك المقولات التي قرأناها عن الحداثيين، وهي قد تكون مقبولة حينما تصدر من مفكرين ماديين لايؤمنون بالله ولا بالانبياء، ولكن أن تصدر من أناس يعلنون انهم مؤمنون بالاسلام ويطالبون بتجديد الفكر الاسلامي ليتوائم مع العصر فهذا ما لا يمكن تبريره، ولسنا هنا طبعاً بصدد اصدار فتاوى على هؤلاء الحداثيين وانما بصدد تقويم قراءتهم ومحاولة فهمها فيما اذ كانت تتناغم مع الايمان أم هي أقرب للكفر، مهما كانت الأسماء والعناوين.

ان القرآن الكريم سيفقد قيمته واعتباره في ضوء القراءة الحداثية، فلا وحي الهي، ولا تقديس، ولا معانٍ عليا، ولا تشريعات خالدة، ولا مقاصد محددَّة، بل تستوي كل القراءات وكل الاديان وكل التشريعات في التوافق مع آيات القرآن التي لم تعد تمثل أكثر من مواعظ إنسانية عامة حشدت لتأكيدها أساطير وقصص بهدف إثارة انسان الجزيرة العربية قبل أربعة عشر قرناً ونحن اليوم نعيش عصراً آخر، وثقافة أخرى، وأممّية عالمية جديدة!!

هذه هي القراءة الحداثية وهي في أحسن حالاتها عمل بالظنون، وجنوح نحو الهوى، وتقوُّل على الله تعالى، ورغبة في متاع الدنيا، وتمرّد على خطاب الله وأحكامه، وقد قال تعالى:(إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى)([144])، (فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى)([145])

ولكن سيبقى القرآن الكريم صادحاً بالحقيقة الكبرى، والوعد الإلهي المطلق حين قال:(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون)([146]).

 

والحمد لله رب العالمين

([1])  تاريخية الفكر العربي الإسلامي / د. محمد أركون/ ص210 ترجمة هاشم صالح/ الطبعة الثالثة الناشر مركز الإنماء القومي. 

([2]) سورة الأنعام الآية 25.

([3]) تاريخية الفكر العربي الإسلامي/ د. محمد أركون ترجمة هاشم صالح /ص9-10 / الطبعة الثالثة/ الناشر / مركز الإنماء القومي.

([4]) المصدر السابق / ص35 الهامش.

([5]) المصدر السابق / ص211.

([6]) المصدر السابق / ص212/ الهامش

([7]) النص والسلطة والحقيقة / نصر حامد أبو زيد / مصدر سابق / 135.

([8]) المصدر السابق/ ص135.

([9]) الخطاب والتاويل/مصدر سابق/ ص138.

([10])الامام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية /مصدر سابق / 26.

([11])الامام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية /مصدر سابق / 26 ، د. نصر حامد ابو زيد .

([12]) التراث والتجديد / حسن حنفي / الطبعة الرابعة / 52.

([13])التراث والتجديد / حسن حنفي / الطبعة الرابعة/ المؤسسة الجامعية للدراسات ص132.

([14]) كتاب الكافي، للكليني جـ8 ص 268

([15]) يشير إلى ذلك مثلاً عبد الكريم سروش فيقول:( علينا أن نفصل الرسالة الجوهرية للقرآن عن سياقها التاريخي والثقافي، وأن نترجمها إلى العصر الراهن. وهنا يتعلق الأمر بمضمون وروح تلك الرسالة وليس بلفظها. إن المسألة تشبه ترجمة الأمثال. ففي اللغة العربية تقول: إنه كمن يحمل التمر إلى البصرة. وإذا ترجمت ذلك إلى اللغة الإنجليزية فتقول: إنه كمن يحمل الفحم الى نيوكاسل. تُبقي على المضمون وتغير الألفاظ. ولا يمكن ذلك إلا عندما تنظر إلى القرآن باعتباره النص الذي حصل على شكله بواسطة التاريخ وشخص النبي. وإذا بقيت متشبثا بفكرة أن القرآن هو كلام الله الأزلي وغير القابل للتغيير والذي يجب أن يطبق حرفيا، فإنك ستُحمِّل نفسك في الزمن المعاصر معضلة غير قابلة للحل) حوار مجلة زمزم2007

([16]) سورة الفتح الآية 10.

([17]) سورة الحديد الآية 4.

([18]) سورة الزمر الآية 67.

([19]) يقول نصر حامد أبو زيد في حوار أجراه محمد علي الأتاسي نشر في الحوار المتمدن على الشبكة العنكبوتية:(هذا الخط في الدراسات القرآنية يبدأ مع الشيخ محمد عبده الذي تكلم عن التمثيل في القرآن واعتبر ان القصص القرآني تمثيلات بما فيها قصة آدم وخروجه من الجنة. والتمثيل هنا مفهوم بلاغي. الشيخ محمد عبده، وان استخدم لغة تقليدية، فقد وضع الاساس لهذه التوجه وجاء بعده طه حسين ودفع المنهج الى الامام في كتبه كلها طبعاً، لكن في الاخص كتاب "في الشعر الجاهلي"، عندما اشار الى القصة= =القرآنية عن ابرهيم واسماعيل ليس من الضرورة اعتبارها واقعة تاريخية. وواصل بعده امين الخولي عندما اعتبر ان ادبية القرآن هي السمة الاساسية التي تسبق اي سمة اخرى، وان التحليل الادبي وفن القول يسبقان اي تحليل فلسفي او فقهي. هذا المنهج طبقته عائشة عبد الرحمن في "التفسير البياني" ومحمد احمد خلف الله في رسالته "الفن القصصي في القرآن" وشكري عياد في رسالة الماجستير، وأنا اعتبر نفسي تواصلاً مع هذا الخط، في سياق تطور النظرية الادبية وعلم النصوص. عندما كتبت "مفهوم النص" كان الشيخ امين الخولي مرجعية بالنسبة اليّ في ما يسمى ادبية القرآن)

([20])  سورة آل عمران الآية 49.

([21]) سورة الأنبياء الآية 69.

([22]) سورة آل عمران الآية 124.

([23]) سورة الجن الآية 1.

([24]) في الحوار ذاته مع نصر حامد أبو زيد رداً مجيباً على سؤال أنه من خلال إيراد رأي جلال الدين السيوطي بأن القرآن أوحي الى سيدنا محمد بالمعنى فقط وانه هو الذي وضع صياغته باللغة العربية. قال نصر حامد: أن هذا الرأي يفتح على آفاق واسعة ويحيلنا على فكرة جوهرية تقول ان القرآن مكتوب  بلغة بشرية وهذه اللغة تتطور قبل القرآن وبعده وهي بمثابة كائن حي يتبدل بالاحتكاك مع الواقع من خلال تبدل دلالات الألفاظ ومعانيها واستخداماتها. لكن رغم ذلك تبدو اللغة العربية اليوم للبعض وكأنها اللغة الوحيدة في= =العالم التي تتمنع في قواعدها النحوية على التغيير، فكأنها شيء مقدس؟ هذا وهم وغير صحيح، فالتركيب العربي اختلف وتبدلت بنيته، وان كان النحو المعياري قد بقي على حاله) القرآن نص تاريخي وثقافي/حوار منشور مع نصر حامد أبو زيد/

([25]) سورة الزلزلة الآيات 1-5.

([26]) سورة البقرة الآية 80.

([27]) سورة البقرة الآية 85.

([28]) سورة الجن الآية 1.  

([29]) يقول أبو زيد في حواره المذكور سابقاً مشيراً إلى شبهة أسطورية القرآن إن:(السؤال الذي يطرحه البعض عليّ باستمرار، في هذه اللحظة، هو: ان الناس تموت باسم الاسطورة، وعدوك يوظف اسطورته في شكل أو آخر، فكأنك تريد ان تفكك لنا اسطورتنا، من أجل ان يهزمنا الآخر باسطورته؟ ويقولون: اننا الآن في خطر لا يحتمل ترف الاشتغال على النص والتأويل. طبعاً، جوابي ان هذا ليس بالترف، وان الفشل الذي نحن فيه، عائد في جزء منه الى تجمّد وعينا. واذا كنا نريد ان نحارب بأسطورتنا، فأسطورتنا قائمة على اسطورة العدو، وهي تالياً أضعف لأنها قائمة على أسسه. فهو يحاربك بالاسطورة ايديولوجياً، لكنه يحاربك بالعلم والعقل والوعي فعلياً)،

([30]) سورة النجم الآية 23.

([31]) هاشم صالح / مدخل الى التنوير الاوربي/ 205

([32]) هاشم صالح / مدخل الى التنوير الاوربي/ 205

([33]) سورة البقرة الآية 255.

([34]) سورة الزمر الآية 33.  

([35]) بل ذهبوا إلى أكثر من ذلك يقول معروف الرصافي حينما جعل القرآن الكريم ليس تنزيلاً الهيا وإنما كلام رسول الله(ص): إن محمداً كان في خلوته تلك يفتكر في وضع الأساس الذي تقوم عليه الدعوة، وأنه بعدما قرّ رأيه على الأساس الذي تقوم عليه الدعوة أخذ يفتكر في الصورة التي تقوم بها الدعوة، وبعبارة أخرى أخذ يفتكر في الواسطة التي يؤدي بها الدعوة، ومعلوم أن الدعوة إنما تقوم بالكلام، ولكن بأي صورة من الصور الكلامية يصاغ ويسبك كلام الدعوة؟ أيجعل الكلام شعراً منظوماً أم نثراً مسجوعاً، أم ماذا؟ هذا هو أهم ما كان محمد يفتكر فيه وهو في غار حراء، ثم استقر رايه على أن لا يجعل الكلام الذي تقوم به الدعوة شعراً يروى وينشد، بل يجعله قرآناً يقرأ ويحفظ. الشخصية المحمدية، معروف الرصافي. ص552

([36])  من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني/ مصدر سابق/ محمد أركون/ ص25.  

([37]) اقتصرنا في عرض مقولات الحداثيين على كلمات د. أركون وبوسع القارئ ان يجد مثلها في كتابات آخرين مثل نصر حامد أبو زيد وسروش والجابري. 

([38]) في عام 1933 كتب معروف الرصافي الشاعر العراقي المعروف كتابه(الشخصية المحمدية، أو حل اللغز المقدس) ساق فيه الكلام إلى أن القرآن الكريم هو من اخراعات رسول الله(ص) ثم جاء بعده عبد الكريم سروش ليقول: أن القرآن هو نتاج عقل محمد وهي ليست جديدة في بابها فقد بدءها المشركون في الأيام الأولى وظلت عائمة في أفكار الفلاسفة ثم الحداثيين الغربيين حتى وصلت إلى المجتمع الإسلامي عن طريق مقلديهم من الحداثيين العرب ممن تناول المؤلف آرائهم في هذا الكتاب. 

([39]) القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني / مصدر سابق/ محمد أركون/ 21

([40]) المصدر السابق / ص22

([41]) المصدر السابق / ص22 الهامش

([42]) يقول نصر حامد أبو زيد بعدم إمكانية المطابقة التامة-بالاعتبار الإسلامي التوحيدي- بين فهم النبي محمد للنص القرآني من طرف وبين مقاصده ودلالاته(الإلهية) من طرف آخر، ذلك لأن القول بمثل هذه المطابقة، يفضي إلى انتهاك تصور التوحيد الإسلامي، ومن ثم، فإن مبدأ رفع الاجتهاد غير وارد ابداً، خصوصاً وان هذا المصطلح(اي الاجتهاد)-بصفته هذه- أمر مختلف عليه، في حالات كثيرة، ويدخل -بالتالي- في دائرة نفسه(نقد الخطاب الديني، نصر حامد أبو زيد ص125)

([43]) سورة الواقعة الآيات 75-79

([44]) سورة الزخرف الآية 4.

([45]) القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني / محمد أركون/22

([46]) القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني / محمد أركون/ ص25

([47]) المصدر السابق / ص25

([48]) المصدر السابق/ ص26

([49]) سورة الرعد الآية 16.

([50]) سورة العنكبوت 61.

([51]) سورة لقمان 29.

([52]) سورة الذاريات الآية 47.

([53]) سورة الحديد الآية 3.

([54]) سورة الشورى الآية 51.

([55]) سورة يس الآية 38.

([56]) سورة التوبة الآية 6.

([57]) سورة الفتح الآية 15.

([58]) سورة الأعراف الآية 144.

([59]) سورة الكهف الآية 27.

([60]) سورة مريم الآية 97.

([61]) سورة الطور الآية 33.

([62]) سورة الطور الآية 42.

([63]) سورة فصلت الآية 42.

([64]) سورة البقرة الآية 2.

([65]) سورة هود الآية 1.

([66]) سورة القيامة الآيات 16-19.

([67]) سورة الزخرف الآية 4.

([68]) سورة إبراهيم الآية 1.

([69]) سورة الإسراء الآية 106.

([70]) سورة الإسراء الآية 106

([71]) سورة الزخرف الآيتان 79-80. 

([72]) يقول أبو زيد في حواره المنشور أن:(علينا التفريق بين أسباب النزول كمصطلح مستقر في المعنى الفقهي الوارد في المرويات التراثية، وما يمكن ان أسمّيه السياق التاريخي للوحي. هذا السياق لا يمكنه ان يتجاهل مفهوم اسباب النزول في المعنى الفقهي، لكنه يتعامل معه تعاملاً نقدياً، لأن بعض هذه الاسباب متناقض، وبعضها الآخر يأتي تبريراً لمعنى معيّن يريد المفسّر ان يفرضه. كما يجب عدم الاكتفاء باسباب النزول، لأنها كما ذكرت قليلة. مثلاً عندما تبدأ سورة(البقرة) بالآية:(ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه)، فهذا جواب عن سؤال لا نجده في الآيات التي تتبعها مباشرة، بل نجده في ما بعد حين يتكلم عن سؤال اليهود للنبي محمد ان يأتي بكتاب كألواح موسى. اذاً، فكرة الكتاب موجودة في النص القرآني ولها سياق نزول، لكن يصعب ربطه بالآية في افتتاح السورة، لأن السؤال موجود في آية أخرى وُضعت في مكان آخر وتالياً عملت تغييباً لسياق الآية الأولى. نقطة اخرى هي ضرورة التعامل مع النص القرآني ليس فقط من خلال اسباب النزول ولكن من خلال سياقه التاريخي في معناه الأشمل، ومن خلال شخصية النبي محمد وعلاقته بالمجتمع والثقافة، وهذه كلها لا تزال في اطار المحرمات

([73]) تاريخية الفكر العربي الإسلامي/ مصدر سابق  محمد أركون/ 85.

([74]) تاريخية الفكر العربي الإسلامي/ مصدر سابق  محمد أركون / 38.

([75]القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني/ مصدر سابق/ محمد أركون/ 38

([76]) تاريخية الفكر العربي الاسلامي /مصدر سابق/ص86

([77]) سورة سبأ الآية 28.

([78]) إن الخطاب القرآني يركز بصورة مكثفة ومن كل جانب ووفق أقصى الحدود الممكنة وبشتى ألوان التأكيد والترسيخ على قضايا الإيمان وحسن العبادة والمهام التأسيسية الكبرى والضوابط والقيم والسلوكية والحياتية التي ليس لها خصوصية زمانية أو مكانية واضحة. تجديد فهم الوحي/مصدر سابق/ ص22

([79]) سورة الكهف الآية 5.

([80]) سورة النور الآية 51.

([81]) سورة النساء الآية 65.

([82]) سورة الأحزاب الآية 36.

([83]) سورة الأنفال الآية 2.

([84]) تاريخية الفكر العربي الاسلامي / محمد أركون/ 299 .

([85]) محمد أركون/ تاريخية الفكر العربي الاسلامي ص299.

([86])  إجناتس جولدتسيهر(1850 - 1921م) مستشرق يهودي مجري يعتبر من بين مؤسسي الدراسات الإسلامية الحديثة في أوربا تلقى تعليمه في بودابيست برلين، بدعم وزير الثقافة هنغاري. أصبح جامعيا في بودابست في عام 1872 بدأ رحلة عبر سوريا وفلسطين ومصر، واستغل الفرصة لحضور محاضرات المشايخ المسلمين في مسجد الازهر في مدينة القاهرة. عين أمينا للجاليه اليهودية في بودابست، وهو أول مستشرق قام بمحاولة واسعة شاملة للتشكيك في الحديث النبوي. اْلف كتبا ومقالات بهدف الطعن في السنة وليس البحث العلمى، ومكث سلطانه وسلطان مدرسته متسلطا على كثير من المستشرقين والحداثيين واعتبروا كتبه المرجع الاْساس في دراساتهم للاْحاديث والسنن ولم يخرج عن متابعته في كل ما قاله الا فئة قليلة جدا من المستشرقين المتاخرين عنه فقد تحرروا من متابعته وناقشوه في بعض ما قال وراْوا في اْحكامه على السنة جورا وظلما. عن مصادر متفرقة

([87]) تاريخية الفكر العربي الاسلامي محمد أركون/ 297

([88]) تاريخية الفكر العربي الاسلامي محمد أركون/ 298.

([89]) يقول نصر حامد أبو زيد:(تاريخية النص القرآن مثلاً-، تعني ايضاً ان هناك اجزاء منه سقطت بحكم التاريخ واصبحت شاهداً تاريخياً، أي انها تحولت من مجال الدلالة الحية المباشرة الى مجال الشاهد التاريخي. مثال ذلك تحوّل آيات الرق والاحكام المتعلقة بها الى آيات للعبرة بعد زوال نظام الرق من حياتنا. هذه الخطوة لا يكفي ان تقولها وتمضي. انها هنا عملية خلق للوعي، وعليك ان تعمّق هذا الوعي في استمرار بأمثلة وشواهد، وان تكرر في استمرار ما كتبته. اذاً، تاريخية النص وانتماؤه الى الثقافة وانفتاحه على التأويل في ثقافات مختلفة، هذه القضية كسبت ارضاً ولكنها لم تصبح مستقرة داخل الوعي العام. طبعاً أن لا أقول ان عليّ الانتظار، فأنا أتحرك) في حوار منشور

([90]) سورة فصلت الآية 2.

([91]) سورة المائدة الآية 49.

([92]) سورة البقرة الآية 275.

(3)سورة البقرة الاية 197

([93]) سورة الأنبياء الآية 5.

([94]) سورة الحاقة الآيات 41-43.

([95]) سورة الحاقة الآيات 48-52.

([96]) سورة النجم الآية 23.

([97])  انظر روح الحداثة ص187/ طه عبد الرحمن / نقلا عن الصادق بلعيد / القرآن والتشريع ص156.

([98]) القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني/ محمد أركون/ 17.

([99]) تاريخية الفكر العربي الإسلامي / محمد أركون/ مصدر سابق/ 145 .

([100]) سورة آل عمران الآية 7.

([101]) سورة النحل الآية 43.

([102]) نهج البلاغة، جـ 2 ص77.

([103])  سورة فاطر الآية 43.

([104]) من كلام للإمام علي(ع) بحار الأنوار جـ92، ص32، ونهج البلاغة

([105]) انظر د. علي زيعور / مبادئ العقل العملي/ ص223 الطبعة الأولى بيروت- المؤسسة الجامعية

([106]) الكافي / للكليني جـ 1 ص30. شرح مسند أبي حنيفة، ملا علي القالي، ص538.

([107]) سورة النمل الآية 77.

([108]) الكافي / للكليني / جـ 1 ص55. 

([109]) انظر : الكافي جـ 1 : كتاب فضل العلم ، باب البدع والرأي والمقائيس ص58

([110]) الكافي / للكليني جـ 1، ص58 .

([111]) تفسير الرازي/ فخر الدين الرازي جـ 7 ص192. 

([112]) تاريخية الفكر العربي الإسلامي/ محمد أركون/ مصدر سابق ص288

([113]) تاريخية الفكر العربي الإسلامي/ محمد أركون/ مصدر سابق ص 290

([114]) تاريخية الفكر العربي الإسلامي / أركون/ مصدر سابق ص 288

([115]) تاريخية الفكر العربي الإسلامي / أركون/ مصدر سابق ص290

([116]) تاريخية الفكر العربي الإسلامي / أركون/ مصدر سابق ص60. 

([117]) للمزيد من الفائدة يراجع في هذا الشأن كتب العلامة مرتضى العسكري فإن له كتباً المهمة في هذا الشأن منها:(خمسون ومئة صحابي مختلق1-2) وهو كتاب فريد في موضوعه يستعرض سيرة(39) صحابياً من أصل(150) صحابياً لم يكن لهم وجود إلا في الروايات المدسوسة على التاريخ والتي اختلقتها السلطة آنذاك والتيارات السياسية لأغراض معروفة، وكتاب(عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى) وهو كتاب فنّد فيه نظرية أنه مؤسس التشيع وغيرها من المؤلفات المهمة، يذكر أن العلامة العسكري ولد في مدينة سامراء= =المقدسة في عام1332هـ ودرس في حوزاتها السطوح والمقدمات مدّ سنتين وبعد عام1349 هـ ثم هاجر إلى مدينة قم المقدسة في سنة 1350 هـ وبقي فيها حتى عام1353هـ ودرس على كبار الأستاذة في الحوزة العلمية منهم: السيد شهاب الدين مرعشي نجفي، والشيخ محمد حسن شريعت مدار والسيد روح الله الموسوي الخميني في بعض دروس العقائد والشيخ ميرزا خليل كمري في التفسير، توفي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن عمر ناهز المئة عام قضاها في العطاء العلمي والمعرفي 

([118]) مسند الإمام أحمد بن حنبل جـ 3 ص14.

([119]) كان هذا هو احد الادلة التي أعتمدها الشيعة على عصمة القرآن من التحريف، أنظر في ذلك العلامة الطباطبائي في الميزان في تفسير القرآن الجزء 12.

([120]) لا نستطيع أن نغفل أحاديث كثيرة أشارت إلى وقوع التحريف في القرآن الكريم أو على الأقل كلمات ساقطة منه غير أننا نعتقد جازمين أنها من الأحاديث التي تم تسريبها أبان الحكم الأموي وما بعده في محاولة لتشويه الإسلام ككل وليست فقط العداء لأهل= =البيت(ع)، وقد تطرق غير واحد من العلماء إلى هذا الموضوع رغم حساسيته؛ مثل كتاب: إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف تأليف: أبو عمر صادق العلائي، أوما هو مبثوث في صحاح السنة وغيرها، وهذا ما دفع بعض الحداثيين المعاصرين وأبرزهم محمد عابد الجابري إلى السير على نفس الطريق الذي سار عليه الأمويون من الاعتقاد بتحريف القرآن مستدلاً بحفنةِ أحاديث ضيفة السند أو غير موثوقة أو الظن. كما أشار في كتابه الجابري في كتابه مدخل إلى القرآن الكريم 

([121]) من خطب الإمام علي(ع)  و هي المعروفة بالشقشقية و تشتمل على الشكوى من أمر الخلافة ثم ترجيح صبره عنها ثم مبايعة الناس له وسبب تسميتها أنه(ع) أثناء الخطبة قَالُوا وَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ فَنَاوَلَهُ كِتَاباً قِيلَ إِنَّ فِيهِ مَسَائِلَ كَانَ يُرِيدُ الْإِجَابَةَ عَنْهَا فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ فِيهِ [فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ] قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوِ اطَّرَدَتْ خُطْبَتُكَ مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ، فَقَالَ : هَيْهَاتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ) نهج البلاغة..

([122]) راجع كنز العمال جـ 5 : ص 239 و 240 و 223 و 224 والمستدرك للحاكم جـ1 : ص 103 وصحيح مسلم جـ 1 في المقدمة.

([123]) أمالي الشيخ الصدوق ص191.

([124]) بحار الأنوار، العلامة المجلسي : جـ28: ص14.

([125]) الكافي، للشيخ الكليني، جـ1، ص287.

([126]) سورة الأنبياء الآيتان 87-88.

([127]) سورة طه الآيتان 39-40.

([128]) سورة الأنبياء الآيتان 69-70.

([129]) سورة طه الآيتان 45-46.

([130]) سورة القمر الآيتان 13-14.

([131]) سورة الصف الآية 8.

([132]) سورة الأنبياء الآية 105.

([133]) سورة القصص الآية 5.

([134]) سنن أبي داود، سليمان بن أبي الأشعث السجستاني: جـ2، ص309.

([135]) سورة الحجر الآية 9.

([136]) سورة فصلت الآية 42.

([137]) أجمع علماء الشيعة الكبار المتقدمون والمتأخرون على عدم وقوع التحريف في القرآن الكريم منهم:=

-                    قال الشيخ الصدوق، محمّد بن علي بن بابويه القمي، المتوفّى سنة (381 هـ):(اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيّه(ص) هو مابين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة.. ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب) كتاب الاعتقادات للشيخ الصدوق/ص93.

-                    وقال الشيخ المفيد، محمّد بن محمّد بن النعمان، المتوفّى سنة(413 هـ):( قال جماعة من أهل الاِمامة: إنّه لم ينقص من كَلِمة ولا من آية ولا من سورة، ولكن حُذِف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين (ع) من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، وذلك كان ثابتاً منزلاً، وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز، وعندي أنّ هذا القول أشبه ـ أي أقرب في النظر ـ مِن مقال من أدّعى نقصان كَلِمٍ من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل) أوائل المقالات/ ص55.

-                    وقال الشيخ الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن المتوفى سنة (548 هـ):(ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه، فانّه لا يليق بالتفسير، فأمّا الزيادة فمجمعٌ على بطلانها، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامّة أنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً ؛ والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى، واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء) مقدمة تفسيره "مجمع البيان" جـ1ص83.  ولو استقصينا كلامهم لطال بنا البحث.

([138]) يمكن ان نقرأ بهذا الخصوص عدد من الروايات التي نقلها الشيخ الكليني في كتابه الكافي ، المجلد الاول باب (الرد الى الكتاب والسنة) ، وباب (الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب) .

عن الامام الصادق (ص) قال :

قال رسول الله (ص) :"ماوافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه "

وعن الامام الصادق (ع) انه قال :"مالم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف "

([139]) كتاب الكافي، للشيخ الكليني جـ1، ص60.

([140]) كتاب الكافي، للشيخ الكليني جـ2، ص462.

([141]) كتاب الوافي، للفيض الكاشاني، جـ1، ص271.

([142])  سورة الصف الآية 4.

([143]) سورة العنكبوت الآية 9.

([144]) سورة النجم الآية 23.

([145]) سورة النجم الآيات 29-30.

([146]) سورة التوبة الآية 33.