دور الاستكبار العالمي ادواته اجندته اساليبه مواجهته

دور الاستكبار العالمي ادواته اجندته اساليبه مواجهته

  

  دور الاستكبار العالمي ادواته اجندته اساليبه مواجهته

" ما بين دور الشعوب وتبعية الحكومات نموذجاً اليمن "

اسباب عدم تأثير الدعوة عند بعض الدعاة  "

" والمرتكزات التي يجب يُعمل بها الدعاة "

 

                                                                            هناء علي عبدالله العلوي - اليمن

 

الإهداء

الى قائد المسيرة القرآنية قائدي ومولاي علم الهدى سماحة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله

اهدي هذا البحث .

إلى كل أبطال الوطن من جيش ولجان شعبيه

2-      الذين صنعوا عزاً ونصراً ....

وسطروا اعظم الملاحم البطولية ...

أهدي هذا البحث

3-      إلى كل امهات ، وزوجات ، وأبناء الشهداء...

اهدي هذا البحث ..

 

 

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف المرسلين محمد بن عبد الله  وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

يسرني أن اقدم  هذا البحث المتواضع أمام نخبة من مفكري  وعلماء الدول العربية والإسلامية التي جاءت لحضور مؤتمر الوحدة الاسلامي ، والذي تزامن مع مناسبة ذكرى مولد المصطفى  محمد (صلى لله عليه وعلى آله وسلم) خاتم الانبياء والرسل الذي ارسله رحمة للعالمين قال تعالى :( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) "الانبياء 107 " فقد اخرج الامة من الظلام إلى النور، وحرر الإنسان من عبادة الطاغوت ،وأقام القسط والعدل بين الناس وآزال الظلم والفساد والشر عن حياتهم وحمل في قلبه الرحمة العظيمة للأمة قال تعالى: ) لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ(128) " التوبة الآية 128"

حيث أن هذه المناسبة تجسد الوحدة الإسلامية بين الأمة و التي نسعى الى ترسيخها وخصوصاً في هذا الواقع العصيب الذي يعصف بالأمة الاسلامية فهي تعيش في مرحلة تعاني فيها من هوانٍ وشقاء واختلاف وفرقة واستباحة وإهدار للكرامة وفقدان للحكمة واستحكام وهيمنة من قبل قوى الاستكبار  التي تسعى بكل ادواتها الى مسخ الدين وهويته وإبعاد الامة عن معلمها وقائدها ومربيها ورمزها نبيها محمد ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لأنها تعلم ان ابعاد الامة عن اعظم قائد شهدته البشرية  هو ابتعاد عن القرآن وابتعاد عن الله سبحانه وتعالى ،وقد تناولت في مدخل بحثي ما بينه القرآن من خطورتهم وتظليلهم للأمة عن طريق ادواتهم واجندتهم التي يستخدمونها ، وما دور الأمة  في مواجهة ذلك.

 

المحور الاول: الاستكبار (مفهومة , أدواته , دوره  , طرق مواجهته )

مدخل :

عندما نعود إلى القرآن الكريم كتاب الله الذي انزله من يعلم السر في السماوات و الارض فإننا نجد ان فيه ما يكشف واقع المستكبرين من اليهود والنصارى وهناك  الكثير من السور التي  تتحدث عن اليهود و أخبارهم و تاريخهم الذي تجسدت فيه العديد من العبر و الدروس  و برغم من أهميتها الكبيرة  لكن للأسف أن الأمة لم تأخذ مما عرضه القرآن إلا جانب واحد و هو أن القرآن يهاجم هذه الطائفة و يبرزها كطائفة مجرمة فقط ، مع أن القرآن تحدث عنهم حديثاً متنوعاً ، حيث ذكر أنه فضلهم على العالمين و طلب منهم أن يذكروا نعمة الله التي أنعم بها عليهم و منها قوله تعالى: (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)(الآية 122) " البقرة" و رغم الحديث عن النعم التي منحهم الله إياها و الرعاية  في مختلف الأزمان  لكنه يلعن الكافرين و المتمردين منهم الذين لم يستجيبوا و لم يلتزموا بكتبه السماوية التي أُنزلت على أنبياء منهم و يدعوهم الى الإيمان برسوله محمد "صلى الله عليه وعلى آله وسلم  " و القرآن الكريم الذي جاء مصدقاً لما معهم من كتب سماوية فقد دمج بين الحديث عن مساوئهم و عما منحه لهم الله من الرعاية الكبيرة و بين الحديث عما برز في تاريخهم من صفحات مشرقة دمج كل هذا بضرورة أن يستجيبوا لهذا النبي الذي أرسله الله الى العالمين جميعاً محمد "محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم " و قال لهم : (وَلاَ تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ) " من الآية 41 البقرة " فلم يستجيبوا لهذا النبي رغم أن كتبهم بشرت به ، فهذا يدل على أن أنفسهم قد انحطت و خبثت و طال عليهم الأمد فقست قلوبهم من بعد ذلك ، إضافة إلى منطلق الحسد؛ لأن الرسول الموعود في آخر الزمن لم يأت من بني إسرائيل وجاء من بني إسماعيل حينئذٍ استحقوا اللعنة من جديد و الغضب من الله .

فقد عرض القرآن الكريم عن  بني اسرائيل ما يدل فعلاً على عظمتهم إذا صلحوا و على خطورتهم البالغة إذا ما توجهوا إلى الشر ، تكمن خطورتهم في المكر والذكاء والدهاء و كان هذا ما حصل و شهدت به الاحداث في الحاضر و شهد به تاريخهم الماضي الذي استفادوا منه عبراً و دروساً في الحاضر ليكونوا على أرقى مستوى من كل البشر خصوصاُ في المكر والخداع والتضليل ولبس الحق بالباطل و التحريف والقدرة على التأثير إلى درجة أنه عرض أن الرسول " صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لولا فضل الله ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوه قال تعالى : (ولولا فضل الله عليك و رحمته لهمت طائفة منهم ان يضلوك )و في آية أخرى (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَتَّخَذُوكَ خَلِيلاً)(الآية- 73)، فقد  أرادت هذه الطائفة وما تمتلك من مكر وخداع ان تفتن حتى بالرسول " صلى الله عليه وعلى آله وسلم" و هو الكامل في فطنته و عقله و ذكائه و الله يعرض هنا درساً للمسلمين أن اليهود من قدرتهم على المكر هموا أن يفتنوه و يضلوه فكيف سيكون شأن أبناء هذه الامة أمام هذه الطائفة المستكبرة إذا اتجهت إلى محاربتهم ، كيف سيكون شأنهم . وفعلاً فقد تجلت الأشياء، و برز العرب المسلمين مستسلمين عاجزين ضعفاء أمام اليهود، و برغم أنهم قلة قليلة فقد تحكموا في مختلف المجالات ،و استطاعوا قهر أمتنا ، و استطاعوا حتى أن يضعوا ثقافتها، و رأيها العام داخل المجتمعات العربية و الإسلامية ،و اصبحت الأمة الإسلامية عاجزة عن مواجهة المستكبرين حتى في المجال الإعلامي  برغم أنها تمتلك الكثير من الوسائل الإعلامية إلا أننا لم نستطع خلق رأياً عالمياً مضاداً للصهيونية ، أو أن نضع رأياً عالمياً متعاطفاً حتى مع القضية الفلسطينية و الله سبحانه و تعالى هو الذي أراد لهذه الأمة أن تكون أمة عزيزةً و قوية ، فهو سبحانه و تعالى لا يحدثنا عن خطورة اليهود البالغة فقط ، و لكنه كذلك يدلنا على سبل الهداية التي يمكن أن تؤهلنا لنستطيع  ان نواجه اليهود و نقضي على مخططاتهم و نُحبط مؤامراتهم و كيدهم ،خصوصاً أن الله تعالى قد ضرب عليهم الذلة و المسكنة  (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)" البقرة الآية 112" فعجيب أن نرى اليوم المسلمين قد صاروا هم الأذلاء لهذه الطائفة التي ضربت عليها الذلة و باءت بالغضب من الله ، هذا شيء غريب وينبغي أن يهتم به كل مسلم ويعرف لماذا وصل الحال إلى هذه الدرجة ؟ . و كذلك بين القرآن أنهم فئة  ضعيفة في ميدان المواجهة قال تعالى: (  إن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون )"آل عمران" ، هذا ما حكاه القرآن عنهم  فكيف اوصلونا الى هذا الواقع الذي نعيشه اليوم ؟ و لم لا نرى أي توجه عملي لإخراج الأمة من هذه الحالة السيئة التي اخضعت الامة تحت سيطرتهم وتقديم التنازلات لهم مع انهم لن يرضوا عنا مهما قدمنا لهم من تنازلات لقوله  تعالى: (ولَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ )" من الآية 120" ، فهم لن يرضوا عن أحد مهما كان مقرباً لهم ، حتى لو أظهرنا أنفسنا كعملاء لهم و سخرنا أنفسنا جنوداً لهم ، و إن ملأت الاتفاقيات و العهود و المواثيق معهم أدراج مكتباتهم  لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم ،و يكون الشخص واحداً منهم متبع ملتهم صراحة، و يتأكدوا أنك تخليت مما أنت عليه من ملتك التي أنت عليها و دين أمتك .فلو رجع المسلمون إلى القرآن الكريم لعرفوا أن الله سبحانه و تعالى قد هداهم إلى هذا الشيء و لكنهم أعرضوا عنه فأصبحت هذه الحالة سائدة عندهم، و باتوا يعانون من هزيمة نفسية ثابتة مستقرة لا يرون منها مفراً ولا مخرجاً .ولو ارادوا الخروج من هذه الحالة يجب ان يضعوا نصب اعينهم في هذه المرحلة على الآيات التي تتحدث عن بني إسرائيل و أهل الكتاب ، و عن اليهود و نظرتهم إلينا و إلى ديننا و يعتبروها حقائق ، ثم ينظروا إلى الواقع نفسه عندها سيرون الشواهد واضحة ، سيتحرك الناس في ميدان العمل و قد ازدادوا بصيرةً حينها لا يستطيع أحد أن يوقفهم ولا أن يؤثر عليهم بأي وسيلة من وسائل التأثير لأن بصيرته ستصبح نافذة و قوية فلن يتأثروا لأنهم تحركوا وفق ما تقضي به هذه الحقائق داخل القرآن الكريم ، ووفق ما تقضي به هذه الحقائق في واقع هذا الكون .

مفهوم الاستكبار في ثقافة الثورة الاسلامية الإيرانية:

 يطلق على مجموعة القوى التي تستند الى قدراتها السياسية، والعسكرية ،والعلمية والاقتصادية، وتعتمد على نظرة تمييزية للإنسان لتستغل المنظومات الانسانية الكبرى أي الشعوب والحكومات والبلدان وتضغط عليها وتسيطر عليها بشكل تعسفي مذل تتدخل في شؤونها، وتتطاول على ثرواتها وتتعامل مع حكوماتها بمنطق القوة وتظلم الشعوب وتهيمن على ثقافاتهم واعراقهم وتقاليدهم ..

لما كان الاستكبار يقوم على ثقافة شيطانية مستمدة من منطق إبليس (لعنه الله) الذي أبى، واستكبر، وأعلن عصيانه ، وكفره من منطلق تمييزي لنفسه عمن سواه ، وقد لازم هذه الثقافة كل أتباعه، ومعتنقي عقيدته سواء كانوا أولئك الأتباع أقوام أو إمبراطوريات أو ديانات أو جماعات فكرية أو سياسية .

اساس الاستكبار :

أقام الاستكبار اسسه على الظلم ،والجور، والعدوان ،ومهاجمة أي بلد أو حكومة  لا تكون على استعداد لتأمين مصالحه.

نشأة الاستكبار: 

منذ أن تزعمت الصهيونية الحركة الماسونية  لا يختلف اثنان بأن الصهيونية العالمية ، واليمين المسيحي المتطرف، والوهابية التكفيرية هي الأذرع التي زرعها الاستكبار العالمي لضرب الدين السلامي ، وبسط نفوذه على العالم  برمته ومنه عالمنا العربي  والإسلامي الذي كان محط الأطماع الاستعمارية على امتداد التاريخ .

 ولاشك أن الصهيونية تمكنت من زعامة (الحركة الماسونية) التي مكنتها الأخرى من بسط نفوذها العالمي من خلال تحكمها بالجانب الاقتصادي الذي يعتبر شريان الحياة. فقد تحكمت بصك العملة بدلاً عن الدولة ؛وكان يتم ذلك من خلال اخضاع الطبقة الحاكمة وبالذات الاسر المالكة في اوروبا وبعد ان تحكموا في العملة تحكموا في الدول عن طريق القروض وكان ذلك من خلال اشعال الحروب في كافة بلدان اوروبا والمضاربة بالعملة وجني الاموال الهائلة التي بواسطتها ركعوا اوروبا ثم بدأوا بالتحكم في شركات النفط العالمية، والمال، والاقتصاد، والادوية، والطاقة والتجارة ،وافساد الطبقة الحاكمة ، واستعباد الانسان في مأكله ومشربه ، وكل شيء في حياته ، وانتهاك حقوقه ، واستخدام كل انواع الاسلحة القاتلة من اجل التحكم به واخضاعه .

ولعلّ (الحركة الماسونية) التي ظهرت مع بداية عصرنا الحديث كإحدى مظاهر النهضة الأوروبية والتي تعد المرجعية الأساسية للحركة الاستعمارية الأوروبية هي الصورة المثالية للاستكبار العالمي الذي تمكن من فرض هيمنته على العالم بأشكال شتى منذ الكشوف الجغرافية حتى العولمة .

 

 

القوى الاستكبارية:

هي تلك التي تمسك ادارة جزء كبير من العالم في قبضة اقتدارها وعسفها وقدراتها المالية . شبكة الصهيونية  العالمية، والقوى الامريكية التعسفية ، والأجهزة المالية التي تدعم نظام الهيمنة العالمية .

  أما أدواتها فهي أنظمة حكم ودول تستمد قوتها من دعم القواعد العسكرية الثابتة، والمتحركة لقوى الاستكبار ، والهيئات الدينية المتطرفة والمنتجة للإرهاب فكراً وممارسة ، ومن المنظمات والهيئات الأممية والإقليمية والمحلية التي توكل اليها وظيفة حماية الأمن والاستقرار في العالم وحماية حقوق الإنسان وكذا مراكز الأبحاث ،ومنظمات المجتمع المدني والجماعات الحقوقية والناشطون ،والنخب الثقافية، والأحزاب السياسية، والنخب العسكرية ،وأجهزة الاستخبارات ، والشركات العابرة للقارات ، وشركات المال والنفط  ،والذهب والصناعات العسكرية، وشركات الإعلام والسينما والمعلوماتية .و تتطور هذه الأدوات في شبكات جماعية أو أفراد أو منظمات أو اتحادات بتطور الصراع بين قوى الاستكبار والقوى المناهضة لها ولمشاريعها في العالم ، ومنه ساحتنا العربية والإسلامية .

    ونظراً للأهمية الاستراتيجية التي يحتلها الوطن العربي والعالم الإسلامي في العالم جغرافياً ودينياً واقتصادياً وثقافياً ولمكانتهما في تاريخ الحضارة الإنسانية ، ودورهما الرئيسي في حاضر ومستقبل العالم ، فقد كانا هدفاً رئيسياً لقوى الاستكبار في جميع مفاصل مخططاتها الاستعمارية على امتداد خمسة قرون ، وقد واجهت شعوب أمتنا العربية والإسلامية تلك الأطماع، والمشاريع الاستعمارية لقوى الاستكبار منذ مراحلها الأولى ، فانتصرت مرات وانكسرت أخرى ، لكنها ما لبثت تقاوم وتجمع طاقاتها وتوحد قواها لأنها أمة حيّة أناط بها الله مسؤولية إبلاغ رسالاته السماوية لخير الإنسانية في الحياة الحرة الكريمة.

 

اهداف النظام العالمي الجديد لدى قوى الاستكبار:

1-      عمله عالميه .

 2- حكومة عالمية .

 3- جيش عالمي .

 4- ديانة عالميه شيطانية .

اجندتهم :

 التحكم بالعملة ، والاسرة ، والحرية، والدين ، ولا يوجد شيء نمتلكه أو نخطط أن نمتلكه أو نخطط لامتلاكه.

 

(مشروع الشرق الأوسط الجديد)

هو أحدث المشاريع الاستعمارية الذي يُراد فرضه على ساحتنا العربية والإسلامية من قبل قوى الاستكبار العالمي وأدواتها في المنطقة . وقد ووجه بمقاومة كبيرة من قوى المقاومة والرفض العربية والإسلامية على امتداد ثلاثة عقود وما يزال الصراع محتدماً ، بل وبلغ ذروته خلال الخمس السنوات الأخيرة .

   والحقيقة أن هذا المشروع قد بدأ العمل عليه من سبعينيات القرن الماضي وأسندت قوى الاستكبار إلى أدواتها في المنطقة (آل سعود) و مشائخ الخليج والشاه في إيران وتحت قيادة ( إسرائيل/ الصهيونية ) ومر بعدة مراحل نوجزها في الآتي:

اولاً من عام 1978- 1988م:

وذلك حينما تمكن الشعب الإيراني أن يوجه ضربة قاصمة لهذا المشروع في مهده عندما قامت الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني (رضوان الله عليه) إذ أصبحت (إيران) قائدة مشروع المقاومة العربية الإسلامية ضد هذا المشروع فكان الرد الاستعماري إعلان الحرب على إيران عبر أدواته في المنطقة (النظام الديكتاتوري في العراق والسعودية وأمراء الخليج) .. وتبع ذلك شن عدوانٍ آخر على قوى المقاومة العربية في لبنان عام 1982م مما أدى إلى ضرب قوى الثورة الفلسطينية واحتلال جزء كبير من لبنان وتهديد سوريّة  ، ولكن سرعان ما تمكنت قوى المقاومة من استعادة مسيرتها بانطلاقة (حزب الله ) وانخراط الجميع في مقاومة الاحتلال الصهيوني .

  وبصمود قوى المقاومة العربية بمختلف مشاربها دولاً وحركات ووحدت طاقاتها تحققت الانتصارات المتلاحقة التي أفشلت ذلك المشروع ، فتم تحرير بيروت ومعظم جنوب لبنان عربياً ، وانتصرت الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1988م إسلامياً .

ثانياً1990 م – 2000م :

 تحقق في بداية هذا العقد إنجازاً تاريخياً يمنياً حين تمكن الشعب اليمني من استعادة وحدته في دولة يمنية واحدة في مايو1990م مما أرعب قوى الاستكبار وأدواته التي جهدت في إفشال تحقيق ذلك. ولما كانت الساحة العربية مهيأة لمرحلة واعدة في مناخ وحدوي عربي فقد سارعت قوى الاستكبار إلى كبح جماح العرب فأوعزت إلى النظام الديكتاتوري في العراق باجتياح الكويت لينقسم العرب من جديد إلى مؤيد ومعارض وقد تكلل هذا الاجتياح بضرب العراق وهزيمته وفرض قوى الاستكبار لهيمنتها على الخليج بقوة وكانت نتيجة تلك الهزيمة جر العرب إلى توقيع اتفاق العرب مع إسرائيل فيما عرف بمؤتمر مدريد لحقه اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل والمفاوضات السرية والعلنية بين فصائل فلسطينية وإسرائيل .أما في اليمن فقد أعادت قوى الاستكبار الكرّة مرة أخرى في عام 1994م حين تمكنت السعودية وعملائها في اليمن من شق وحدة الدولة في اليمن ثم إدخال اليمن في حرب أهلية بين طرف يريد الانفصال بالقوة وطرف أعاد الوحدة وأفشل الانفصال بالقوة أيضاً .

   وعلى الرغم من قتامة هذا المشهد إلا أن قوى المقاومة في لبنان وفلسطين كانت تسطر ملاحم البطولة والتضحية في أرض الجنوب اللبناني ، ثم اندلعت ثورة الحجارة في فلسطين .. حتى تكلل النضال بنصر مؤزر صنعته المقاومة في لبنان بقيادة حزب الله في عام 2000م بتحرير كامل أراضي لبنان وهزيمة إسرائيل  بدعم كامل من الجمهورية الإسلامية في إيران والجمهورية العربية السورية لتبدأ مرحله جديدة من التحدي .

ثالثاً :2001م – 2006م :

   حينما أيقنت قوى الاستكبار العالمي أن قوى المقاومة العربية الإسلامية قد استردت زمام المبادرة وأن مشروعها الشرق أوسطي لم يضرب فحسب بل إن وجود كيانهم الاستكباري الصهيوني أصبح في خطر , هنا كان لابد من الإسراع لإنقاذه ... فكانت مؤامرة الحادي عشر من سبتمبر والذي كان الهدف منها السيطرة الاستعمارية المباشرة على المنطقة العربية لخلق خطوط تماس مع المقاومة في إيران وسوريا ولبنان ، وهكذا تم غزو العراق واحتلاله وبدأ التطبيق لمشروع الشرق الأوسط الجديد بتمزيق العراق مذهبياً وقومياً وأقليات وإنهاء جيشه المدمر والاستعانة بالوهابية بشقيها الناعم (النفوذ السعودي) والمتوحش (ميليشيات القاعدة وأخواتها ) وهو ما فتح شهية تلك القوى للمضي قدماً في ضرب قوى المقاومة بحصار سوريا وتهديد إيران ثم اغتيال الحريري فشن العدوان على لبنان في العام 2006م الذي أعلنه الغزاة تاريخاً لولادة مشروعهم ... لكن قوى المقاومة العربية الإسلامية تمكنت من الانتصار وإلحاق الهزيمة الساحقة بالعدو الصهيوني وأمريكا وحلفائهما .

     وتوالت انتصارات المقاومة العربية في غزة 2008م وفي صعدة اليمن حيث ألحقت حركة أنصار الله المباركة هزيمة كبرى بالحرب العدوانية الذي شنها عليها النظام وأذرع السعودية التكفيرية في اليمن بدعم امريكي  وتدخل سعودي مباشر في الحرب السادسة .

رابعاً عام 2011 :

   وهي المرحلة التي استهلت فيها الثورات العربية السلمية والتي مازالت مستمرة . حيث كان لابد لانتصارات المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن أن يتحول إلى فعل تغيير جذري ضد قوى الإستكبار وأدواتها في المنطقة ؛ فخرجت الشعوب إلى ساحات وميادين الحرية والتغيير في تونس ومصر واليمن وليبيا وسط دعم شعبي واسع مما أحدث صدمة كبيرة لتلك القوى وأدواتها ؛ ولكن للأسف كانت قوى الإستكبار قد تمكنت خلال سنوات من نسج شبكة من أدواتها العسكرية ، والحزبية، والثقافية ، والقوى الدينية ، والإعلامية والتي تصدرت المشهد في تلك الثورات ثم الأخذ بزمامها ، والاستيلاء عليها ، ومصادرتها بقيادة الإخوان المسلمين وأذرعهم المسلحة في مصر وتونس واليمن والمغرب وعبر القاعدة ومسمياتها في (سوريا) التي أقحمت في مؤامرة غصباً عنها وعن شعبها ؛وما زال الصراع محتدماً حتى يومنا هذا .

بعض أساليب  الاستكبار في ضرب الامة والدين  :

لقد سعى الاستكبار جاهداً لضرب الدين , و تكريس فكرة أن اوروبا تقدمت حينما تخلت عن الدين ، واذا كان لابد من تقدم المجتمعات الاسلامية فما عليها الا ان تسلك طريق العلمانية وتتخلى عن الدين وتبني نفسها على اساس النموذج الغربي في شؤون حياتها مع تعزيز الفكرة التي  تقول  أن الإسلام دين روحي يخلو من نظريات السياسة ، وهذه الفكرة هي التي ساعدت  المساعي الاستكبارية  في حرف أي دور أو تأثير في بناء المجتمعات العربية والإسلامية  كما ان العامل العلماني وغزو البلاد الاسلامية تحت شعار التقدم والتحدث والعامل التقليدي والموروث في الفقه والسياسة الاسلامين القاضي بحرمة الخروج على الحاكم الفاسق واعتباره من أولي الامر كان عاملاً اساسياً وكذلك استطاع الاستكبار ان يضمن استمرارية الحكومات القائمة في بلاد المسلمين  بما توفره لها من دعم خارجي ولوجستي صابغاً شرعيتها بالشرعية الدينية من قبل فقهاء السلطة الذين وظفوا الدين لمصالحهم الدنيوية ووظفوا انفسهم ادة للشيطان والمستكبرين  فالاستكبار على امتداده لم يجد صعوبة في التحكم بمفاصل الحياة الاسلامية لانه وجد في الحكام المسلمين خير معين له على هذا الامر سواء اخذ المسلمون بالعلمانية او لم يأخذوا بها معتمدين على أن لدى المسلمين  قابلية  واستعداد لقبول ما هو غريب عليهم نتيجة لما هم عليه من خواء فكري وروحي وثوري مما سهل على الاستكبار مهمة التحكم والسيطرة تحت عناوين العلم والحرية وحقوق الانسان ودخول الديمقراطية الخاوية لتقضي على ما تبقى من مؤسسات سياسية ودستورية ليحكم  السيطرة على الجانب السياسي .

وكذلك  وضعوا في قائمة مخططاتهم و اهتماماتهم بث الفرقة بين المسلمين و توجيه أبواقهم الدعائية ضد أي بلد أو حكومة أو شعب أو فئة تنشد الصحوة الإسلامية التي تحرر الشعوب من الهيمنة وبوعي المجتمع الذي يتحرك بمنهجية القرآن و يدعو إلى عزة المسلمين و كرامتهم و حريتهم فهنا يتحرك النفوذ محاولاً الفصل بين الجزء الحيوي المتحرك من الأمة الإسلامية عن سائر أجزاء الامة حتى لا تنبثق أمة إسلامية عظيمة و موحدة ، وقاموا بإضعاف الدول من خلال تفجير الصراعات الاجتماعية الداخلية وبث سياسة التفرقة والتنازع بين المكونات المجتمعية بما يؤدي  إلى الشعور باستحالة العيش المشترك تحت سقف الوطن الواحد . و من الأدوات التي استخدمها الاستكبار العالمي في خلق الأزمات الكيان الصهيوني ذاك الذي كرسته أمريكا حارساً لمصالحها ومصالح الغرب في المنطقة ، وقاعدة عسكرية لشن الحروب على الانظمة الوطنية المناهضة للسياسات الغربية و الأدوات المحلية المرتبطة بالإدارة الأمريكية و المناهضة للأنظمة الوطنية والتقدمية .

ووسائل الإعلام المختلفة في أنحاء العالم و التي تتوجه دائماً لصالح مصالحهم والتي تروج  للمفاهيم والشعارات المختلفة التي تصنعها امريكا واسرائيل في ضرب الدين وضرب الامة مثل مكافحة الإرهاب رغم أنهم أساساً هم من يصنع الإرهاب و مجاميعه و هم من يسلح و يدعم مادياً ومعنوياُ ويقوموا بإدخالهم إلى المناطق المراد احتلالها و الهيمنة عليها و بناء قواعد عسكرية فيها ،فقد استخدموا هذا المفهوم كسلاح و ذريعة و مبرر ليلجموا به العرب ويستهدفوا المسلمين بشكل مباشر و المقصود من وراء هذا ضرب حركات المسلمين الجهادية المقاومة تحديداً وضرب حركات التحرر في أكثر من 60 دولة تحت مسمى مكافحة الإرهاب و الهدف كما أسلفنا هو استعباد  البلاد و استعمارها وإفساد الناس و محاربة الدين ومسخ الثقافة و بث الرعب و الخوف في قلوب الناس لخلق حالة من اللامبالاة وحالة الخوف و السكوت ليتمكنوا من بسط نفوذهم والسيطرة على المنطقة بأكملها .

 ومن وسائلهم ايضاً خلق مشروع المفاوضات و المعاهدات وهذا اسلوب مخادع يستخدمونه في مفاوضاتهم مع العرب ليس لحل المشكلة وإنما لإزالة الخطر عن انفسهم  حتى يتمكنوا ويستقووا أكثر ثم يضربوا الأمة  .

وكذلك خلق الازمات والصراع بين المسلمين ثم التحكم بهم عن طريق منظماتهم وقراراتهم وفي مقدمتها الامم المتحدة ومجلس الامن .

استهداف كل الشخصيات الوطنية من علماء و مفكرين وسياسيين وعسكريين و غيرهم عن طريق الاغتيالات  .

استخدام  كل الأدوات الثقافية المختلفة من رجال الفكر و الثقافة من داخل البلاد وخارجها .

 

المنهجية القرآن في مواجهة الاستكبار  (للشهيد القائد السيد حسين- سلام الله عليه)

 إذا أرادت الأمة العربية و الإسلامية أن تتوحد ، و تواجه الخطر الذي يتهددها ، و يتهدد سلامتها ، و سلامة دينها ، وعزتها، و كرامتها، ومقدساتها، و مجدها و حضارتها ، و أرضها، و سماها و  أن تكون أمة عزيزة كما أراد لها الله ورسوله فيجب عليها الآتي :

أولاً :

 يجب أن تثق الامة  بالله سبحانه و تعالى و تعرفه المعرفة الكافية و المطلوبة وذلك بالرجوع للقرآن الكريم و خصوصاً أن العرب و المسلمين ظلوا دائماً يدورون في حلقة مفرغة يتلقون الضربة تلو الضربة مستسلمين مستكينين لأنهم استبعدوا أن هذا القرآن قد هدى الأمة إلى كل شيء في هذه الحياة و كيف تكون الأمة بمستوى المواجهة لأي خصم ، فجعلوا القرآن وراء ظهورهم ،و حولوه إلى كتاب يتلى ، و يردد ، ويتناول قضايا عبادية أخلاقية في صورة محدودة ، و يحكي قصص الماضي لمجرد العبرة و العظة التي يفهمونها بفهم قاصر أو يعرضون عنها .

ثانياً :

لابد من معرفة الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)   المعرفة الكافية  وان يفهمه المسلمون الفهم الصحيح الذي ينبغي أن يكون عليه ؛ لأنهم  لم يفهموه حتى كقائد عسكري محنك و قدير و حكيم فقد جردوه من شخصيته و حولوه إلى مجموعة كتب مُلئت بالكذب عليه و بالأحاديث الدخيلة التي صنعها يهود تمظهروا بالإسلام و اندسوا في أوساط المسلمين ، ثم أصبحت هي من معتقدات المسلمين وهي التي تصنع رؤيتهم و توجههم لأنهم لم يرتبطوا بالرسول شخصياً و لم يدرسوا حياته كإنسان حكيم وقدير و كامل ، ولو رجع المسلمون إلى غزوة تبوك في السيرة النبوية أو سورة التوبة التي تتحدث عن هذه الغزوة لكانت وحدها كافية لأن يأخذ المسلمون منها دروساً في مواجهة استكبار اليهود والنصارى  .

ثالثاً :

 إذا أرادت الأمة  ان  تهزم عدو الله و عدوها يجب  أن تعود إلى أمر الله و رسوله و أن تتولى من امرنا الله ورسوله  ان نتولاه الإمام علي (عليه السلام )  فليس هناك اقوى من  حكمة القرآن الذي جاء بالحديث عن ولاية الإمام علي (عليه السلام) ثم الأمر للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله وسلم) بإعلان ولاية الإمام علي عليه السلام في خضم الآيات التي تتحدث عن أهل الكتاب بعد أن حذر من موالاة اليهود و النصارى في سورة التوبة قال تعالى:  (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ( الآية 51 ) لان هذه هي الضربة القاصمة التي ستذل المسلمين إذا اتجهوا لموالاة اليهود و النصارى كما هو حاصل الآن؛ حيث نرى زعماء العرب و المسلمين بمجرد أن يصعدوا على كرسي الحكم حتى يتجهوا إلى بلدان الاستكبار ليعلنوا لهم الولاء و السمع و الطاعة ؛ فكيف يمكن أن يُنصروا؟ ، و أن يُحظوا بنصر الله فالله لا يعطي نصره إلا لأوليائه الصالحين الذين يسيرون على هديه ، لقد سلب أصحاب محمد (صلوات الله عليه وعلى آله وسلم) ذلك النصر و هم في ميدان المعركة و بحضور الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) نفسه عندما تنازعوا و فشلوا و عصوا أمر الرسول ، لقد سلبهم النصر و ضُربوا في ميدان المعركة على يد الكفار و الرسول بينهم ؛ فكيف يمكن أن يمنح نصره و تأييده اليوم لدول و شعوب تتولى اليهود و النصارى؟ قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(54)إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(55)وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ(56) )"المائدة الآية 54-56" ؛ لأن المقام مقام صراع ليرشد الأمة حتى تكون بمستوى قهر اليهود و تتغلب عليهم يجب أن تعود إلى القرآن الذي يؤكد في فاتحته ( اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ) و أن تتولى الله ،ورسوله ،و الذين آمنوا، و عترة رسول الله حينئذٍ سيكونون حزب الله و سيحبهم الله و رسوله ( فإن حزب الله هم الغالبون ) أما أولئك الذين يتولونهم ليسوا جديرين بتوليكم قال تعالى: (هَا أَنْتُمْ أُوْلاَءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور)" 119  آل عمران " .

 اما قرناء القرآن فقد أرشد إليهم الرسول الكريم في حديث الثقلين الذي أجمعت عليه كل الأمة من سنة و شيعة الذي جاء فيه " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعده أبداً كتاب الله و عترتي أهل بيتي " ، فلن يقدر على مواجهة اليهود إلا أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) و من يسيرون على نهجهم و التاريخ شاهد على ذلك فغزوة خيبر أكبر مثال على ذلك عندما اُعطيت الراية للإمام علي في اليوم الثالث ، الرجل الذي أحب الله ورسوله فأحبه الله و رسوله كرار غير فرار ، فاتح خيبر و هازم اليهود و هم يعلمون ذلك ، ولأنهم يعلمون ذلك ألبسوا الحق بالباطل و لعبوا بعقول الأمة و أفكارها وتوجهاتها و وضعوا لها قدوات مزيفة ، يوهمون المسلمون أن هؤلاء – آل البيت – هم الخطرون عليها و هذا من محاولات الأعداء والمتلبسين بالدين فقد رمزوا شخصيات وقيادات في الماضي والحاضر  لا يشكلون أي خطورة حقيقية على أمريكا واسرائيل لأنهم لا يحملون أي رؤية لهذه الأمة لتكون بمستوى المواجهة ضد المستكبرين ؛ و لهذا عملوا على ترميزهم ليحلوا في ذهنية الأمة بدلاً عن أعلام الهدى وهذه من احدى المسببات للمشكلة التي تعيشها الأمة الاسلامية والعربية في الوقت الراهن.

رابعاً :

 التوجه نحو الجهاد في سبيل الله تحت رآية رسول الله و قيادة عترته ومن ساروا على نهجه وكذلك الإنفاق في سبيل الله ، فالقرآن الكريم يتحدث عن الجهاد في سبيل الله في إطار الحديث عن بني إسرائيل  ،و ما يعرضه من أخبار عنهم ليقول لنا أنتم بحاجة إلى أن تربوا أنفسكم ، و تربوا الأجيال التي تليكم لأن يحملوا روح الجهاد وروح العطاء، و الإنفاق في سبيل الله ؛ و إلا فلن تستطع الأمة قهر الأعداء قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) "الآية60"  لابد ان تكرس الامة في مجتمعاتها كلمة الجهاد في سبيل الله لأنها اصبحت غريبة وغير مقبولة خصوصاً بعد توجه الاعداء نحوها ومحاولة تشويهها تحت مسميات وحركات جهادية تتحرك تحت غطاء الدين والجهاد والاسلام واقامة الدولة الاسلامية ، وهي اساساً من تضرب الدين ، ونجح في ذلك الاستكبار فقد جند له جنوداً لقتل المسلمين من داخل المسلمين وبإسم الاسلام ؛ فبدلاً من ان نخطط كيف نكون امة قوية لمواجهتهم استبقوا هم في التخطيط وإعداد القوة والسلاح لضربنا وقتلنا والسيطرة علينا وعلى خيراتنا.

خامساً:

 لابد أن تدخل الأمة في إطار المواجهة الحضارية و أن تتجه نحو الاكتفاء الذاتي لتعتمد على نفسها في جميع مجالات غذائها فتهتم بالزراعة و التصنيع و غيرها من الأمور التي يحتاجها الناس ليكونوا على مستوى المواجهة ، قال تعالى: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) "الآية  16 " وقال: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) "الرعد الآية 11 " فالإنسان عندما ينطلق لإصلاح ذاته و يجعلها خالصة لله سبحانه و تعالى سيستطيع أن يصلح من حوله و يصلح المجتمع و الأمة و إذا صلُح المجتمع استطاع أن يكون بمستوى المواجهة في جميع المجالات مع العدو و منها المجال الاقتصادي التنموي الذي تتحكم فيه دول الاستكبار على مستوى العالم لتجعل الشعوب هزيلة و فقيرة و ضعيفة و مستسلمة لأننا عندما تتحدث عن التنمية الاقتصادية في الشعوب الأخرى فهي لا تخرج عن الاستراتيجية في إطارها العام التي تجعل من الشعوب مستهلكة ، و متى ما نمت تحول إلى أيدٍ عاملة داخل مصانعهم و شركاتهم في بلداننا و منحها عناوين وطنية ( إنتاج محلي ) و المصنع يهودي أو أمريكي والمواد الأولية كذلك ، أصبحت بلداننا سوقاً مفتوحاً لمنتجاتهم عاماً بعد عام ، و إذا تقدمت أي دولة في اقتصادها أو في اكتفائها الذاتي توجهوا نحوها بأسلحتهم العسكرية ، و الحرب كفيلة بتدمير كل منشآتها الاقتصادية و الإنتاجية حتى تعود إلى الصفر .

 

المحور الثاني : اسباب تعثر الدعوة عند بعض الدعاة

هناك الكثير من الاسباب التي حدت من فاعلية الدعوة عند بعض الدعاة .

 فقد اشار الى اهمها السيد عبد الملك في كلمته بتاريخ 26 اكتوبر الموافق 13 محرم 1437هـ  وتتمحور في النقطة الاولى .

اولاً: الانحراف الذي حصل في مسار الأمة ، واستهدافها من خلال عملية التضليل لتحريف المفاهيم الدينية ، وإفساد النفوس وتحويل الإسلام إلي شكلية وطقوس معينة مفرغة من أي مضمون ومعنى وانتماء غير واعٍ بحقيقة مبادئ الاسلام الكبرى التي بها عزة الأمة وقوتها ،وكانت النتيجة صناعة نموذجين ، النموذج الأول ألبسوه رداء التدين لاستيعاب واحتواء المتعطشين للتدين في أوساط الأمة باسم الدين وباسم الاسلام بينما حقيقة الأمر صناعة لخليط من المفاهيم المزيفة والأباطيل والافكار المنحرفة المحسوبة على الدين ، والنموذج الآخر  النموذج التكفيري الذي هو اليوم أداة  بيد امريكا تضرب به شعوب المنطقة ، وتشوه به الاسلام ، وهو امتداد لذلك النموذج الذي له وجود  في المراحل الماضية من تاريخ الامة بتدينه الذي لا قيم فيه ولا رحمة ولا عدل بوحشيته واجرامه ، بواقعه أداة طيعة بيد المتجبرين والمفسدين  ونموذج أخر منفلت لم يعد له ارتباط اصلاً بالمبادئ الدينية على قطيعة تامة معها  يتحرك في مواقفه واعماله وتصرفاته بالغريزة والاهواء والرغبات والأطماع وليس مع القيم والمبادئ .

ثانياً : دخول الثقافات المغلوطة في اوساط الأمة، فقد ساهمت المفاهيم المغلوطة بشكل كبير في ضرب الأمة، و جعلتها أسيرة بقناعاتها الثقافية و مفاهيمها  التي قُدمت عن طريق  رؤى أو ثقافة اكتسبت من هنا أو هناك و لعبت دوراً أساسياً في الواقع السيء المظلم للمسلمين و الأمة.

ثالثا: لأن الدعاة غير مؤهلين للدعوة فأهليتهم قاصرة من حيث التحصيل العلمي، وحين ينطلقون بقصورهم العلمي يقعون في أخطاء خطيرة فكرية ومنهجية وسلوكية ،وابتعادهم عن القرآن الكريم فالقرآن  أصبح فيهم مجرد حقل معرفي يعنى بالتجويد وأسباب النزول، ومسابقات الحفظ، وألقي بتعاليمه خلف الظهر، وتعرضت أحكامه وتعاليمه للانتقاء فما  فيه سهولة ويسر على النفس دعوا إليه، وما فيه صعوبة وكلفة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقارعة الظالمين حذروا منه.

رابعاً: لأنهم تركوا وظيفة الدعوة إلى الله وسلكوا دور الدعوة إلى الأشخاص والأنظمة والحركات والجماعات والمذاهب؛ فهم الداعية كيف يدخل المدعوين إلى حزبه أو جماعته أو مذهبه أو يحسن صورة نظامه أو كيانه؛ وليس همه  إلى الإسلام.

خامساً: اتخذ كثيرُ من الدعاة والعلماء الدعوة وظيفة اقتصادية بدلاً من أن تكون مسؤولية دينية، حرصوا على أن تُدِرَّ عليهم هذه الوظيفة معيشتهم اللازمة، فداروا في فلك الأنظمة والتقرب من السلطان وقاموا بتدجين الأمة .

سادساً: تحرك الدعاة في حدود معينة مرتبطة بتفاصيل الأخلاق والسلوك للمجتمع وضمن شرائح محددة من المجتمع، ومعالجتهم الدعوية لجزئيات معينة في المجتمع تحكمها ضوابط وسياسات عامة منحرفة في المجتمع، فهم يحذرون من السرقة البسيطة التي يمارسها فرد عادي في المجتمع ربما اضطرته الحاجة الملحة للسرقة بينما يغضون الطرف عن السارق الأكبر الذي يستنزف ثروات الأمة لمآربه الشخصية وفي شهواته القذرة، ويغضون الطرف عن معالجة الأسباب العميقة لإنتاج وضع اقتصادي متردٍّ حمل السارق الصغير على السرقة. ومن يظل يمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحدود جزئية وفي فئة البسطاء من الناس في مجتمع يتحكم في إنتاج أخلاقه وقيمه ووعيه وسلوكه نظامٌ ظالمٌ ومستبد وطاغ ومنحرف فإنه كمن يحرث في الماء وكسراب بقيعة يحسبه ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، وحين يقترن الاستبداد بذلك فإن ذلك يقدم صورة قاتمة من التناقض للدعاة ويكون بذلك مسخرة للنابهين، أما حين تغريه أموال الحاكم وتفزعه سجونه فهو يؤدي دوراً مائعاً وسيئاً وغير مقبول.

 

 بعض المرتكزات الاساسية التي يجب ان يعتمد عليها الدعاة في دعوتهم

 تكلمت سابقاً عن الاسباب التي كانت عائقاً لتعثر الدعوة عند بعض الدعاة وهنا سأطرح بعض النقاط التي قد تكون علاجاً للمشكلة التي يعاني منها الدعاة.

 يقول الشهيد القائد السيد حسين: "سلام الله عليه" في ملزمة مسؤولية طلاب العلوم الدينية.

أنه مهما كان الحديث حول العلم وطالب العلم والعالم وواجباتهم ودورهم وكيف تكون نفسياتهم واهتماماتهم فالحديث واسع وينتهي في الأخير الى قول الله تعالى :(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) (الاحزاب من الآية39)  فهذه  يجب ان تكون غاية العلم ،وغاية طالب العلم والعالم

ويقول في ملزمته الدعاة الى الله

اولاً:  لابد ان يرتبطوا بالله سبحانه وتعالى ويعرفوه حق المعرفة ويثقوا به ويفهموا دينه ونظرة الدين للإنسان و نظرة الدين للحياة و نظرة الدين للأخرة وللأحداث والمتغيرات فالقرآن الكريم والعودة اليه هو الذي يؤهلهم كيف يكونوا بمستوى المواجهة وان الحياة و الامور كلها ستتغير بالشكل الذي تسير اليه إلى جانبهم في مواجهة ذلك الخطر على البشرية والدين ، ومتى ما كان الله معهم فهو  من لا تستطيع اي قوة اخرى ان توقف ارادته ، وضرب الأمثلة الكثيرة في القرآن على ذلك: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) " من الآية21"  وقصة  نبي الله موسى مع فرعون في القرآن الكريم فيها الكثير من الدروس والعبر المتعلقة بالواقع ،والتربية ، والتهذيب والثقة بالله ، و كذلك متعلقة بوضع رؤية صحيحة الى الحياة وقدرة الله وارادته النافذة التي تجعل كل المجالات لا يمكن ان تقفل امام من يسيرون على هديه لكننا نحن متى ما جهلنا عظمة الهنا وجهلنا معاني اسمائه الحسنى حينئذٍ سنبقى ضعافاً لان اهم مصدر لمعرفة الله واشرف العلوم الذي يجب ان نهتم به في مجال معرفة الله هو القرآن الكريم فكتب علم الكلام لا تستطيع ابداً ان تضع  معرفة تربطنا بالله بالشكل الذي يضعه القرآن الكريم .

ثانياً : يقول الله سبحانه وتعالى: في كتابه الكريم في ترتيب المقدمات التي لابد ان تتوفر قبل ان ننطلق في ميدان العمل كدعاة قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ30 نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ)" فصلت 30-33" فقبل ان ينطلقوا في ميدان العمل في الدعوة الى الله لا بد أولاً من الاستقامة "استقاموا"  آمنوا به ثم استقاموا على ما امنوا به حينها تأهلوا ان يكونوا دعاة الى الله ؛ فالاستقامة حالة لا تتوفر الا بعد وعي كبير ثم يأتي بعدها الحديث عن الدعوة الى الله (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ) "من الآية 33" فعندما ينطلق الانسان ليدعوا الى الله وهو غير مستقيم وغير صحيح لا يستطيع أن يبني امة مستقيمةً وخصوصاً ان ايمانه لم يترسخ فهو سرعان ما يرتاب امام اي شبهة وبالتالي لابد أن نكون مؤمنين من الايمان الذي لا يخالطه ارتياب ولا شك قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)" الآية 15" و(قالوا ربنا الله ثم استقاموا) ثم انطلقوا في ميدان الدعوة وايمانهم لا ارتياب فيه وكل ما يسمعه ويختلط به لا يزيده الا ثباتاً واستقامة ورسوخاً على ما امن به لا تزحزحهم عن ذلك شبهة ولا ترغيب ولا ترهيب ولا تغيرات الظروف والاحوال وتقلبات الزمان والسلطان ،فالاستقامة أمر بها رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) قال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) "هود 112" فالله سبحانه وجه الآية الى رسوله وهو مستقيم ولا شك في ذلك ولكن عادة ما تتوجه بعض الاوامر من الخطاب للمستمعين الآخرين بأن القضية في غاية الأهمية فإذا كان القران يقول لرسول: (صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) على الرغم مما هو عليه من استقامة اذاً؛ فنحن الأحوج إلى هذا الخطاب وخصوصاً في هذه المرحلة التي لا بد أن تتكرر على مسامعنا الأمر بالاستقامة والحديث عن الاستقامة  واهمية الاستقامة لان الدين لا ينصر ولا تبنى الامم ولا تربى الاجيال إلا على ايدي المستقيمين والمستبصرين .

 ثالثاً:  يجب ان يكون الداعية متحلياً بالتقوى والاعتصام بالله والالفة بين القلوب .لا يستطيع ان يكون داعية من النوع العابد المستبسل المجاهد المثابر الذي يحمل هماً كبيراً  ما لم يكن لديه رسوخ في مجال التقوى وصفات التقوى  ، وحلل التقوى لقوله تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(104)وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(105) )"ال عمران 102-105 "  فالداعية هو أحوج الناس ان تكون متجسدة  فيه صفات المتقين؛ لأنه من يدعو الناس إلى دين الله فقد جاء في الآية اتقوا الله وحده ثم بعدها الاعتصام بحبل الله وبصورة جماعية الصورة التي يجب ان نبني انفسنا عليها بشكل امة واحدة ننطلق جميعاً لنعتصم بحبل الله ودينه وكتاب الله سبحانه وتعالى بعيداً عن الأسباب التي تفرق وتمزق الصف كذلك نصت الآية على الالفة بين القلوب بين قلوبنا كمؤمنين بصفة خاصة وبين قلوبنا كدعاة الى الله سبحانه وتعالى لأننا اذا انطلقنا بشكل مجموعات تدعوا الى الله و نحن في ما بيننا متعادين متباغضين لا توجد فيما بيننا نظرة الالفة والمحبة والاحترام والايثار والتقدير والعطف لا يمكن ان نفيد الامة ولا يمكن ان نصل بها الى ان تتحلى بهذه القيم فالقرآن الكريم يقول لنا لابد ان تتوفر هذه الاشياء لديكم كدعاة وإن كان الخطاب اساساً موجه الى الامة لتتحلى بهذا الشكل  لكنه موجه بشكل اساسي لمن يحمل مهمة ان يكون أمة او من يبنوا من انفسهم أمة تنطلق لتدعوا الى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) "أل عمران 104"  لا يمكن لأمة أن يكون بناؤها بالشكل الذي يمكن أن يكون مثمراً في مجال الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الا اذا كان افرادها تسودهم وحدة اوصارها وروابطها قوية لا يفكر احد منهم ان ينفصل عن الآخر وخصوصاً أن الهدف الذي يجمع الجميع واحد والمعتقد واحد والنهج فليس من السهل ابداً الانفصال مهما صدرت من أشياء بين بعضنا البعض ولكل مشكلة حل ، وامام كل مشكلة داخلنا كمجموعة تريد ان تنتهض بهذه المهمة فالمتقون عادة هم أشخاص يُبنون بناءاً ليكونوا ضمن مجموعات صالحة لان تتحرك في ميدان الدعوة الى الله في الدعوة الى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتحلي بكل صفات المتقين العفو وكظم الغيظ والصبر والاحسان فهي صفة لا بد  ان تكون سائدة داخل من يؤهلون انفسهم ليكونوا دعاة الى الله فعندما نعود للآيات المتتالية في "سورة ال عمران"؛  فهي تتحدث عن التقوى ، وتكرر الأمر بالتوحد بشكل متكرر ( اتقوا الله  ) امر جماعي ،( واعتصموا ) ايضاً  فالواو تفيد واو الجماعة ثم، (جميعاً) ثم بعدها (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا ) "ال عمران  105" أمر اخر بالوحدة ونهى عن التفرق والاختلاف فقد ارشدنا الله الى هذه الاشياء باعتبارها مقدمات مهمة لابد منها في سبيل تأهيل انفسنا ان نكون دعاة، سواء اطلقت كلمة دعاة الى الله او كلمة أمة تدعوا الى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فهو نفس الشيء والمجموعة وإنما الاختلاف في التعبير واعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا بمجرد ان امرنا بان نعتصم بدينه بشكل جماعي فهذا يعطينا مفهوماً وتصريحاً بان دينه اذاً واحد وأنه لا يسمح لان يكون الدين متعدد قال تعالى :( وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا ) "من الآية 5 آل عمران" قد يكون تفرق الناس  الذين هم محسوبين على دين معين تفرقاً مصبوغاً بصبغة الدين وهذا ما حصل لدى الامم السابقة من بني اسرائيل وغيرهم وما حصل لدى المسلمين انفسهم تفرقوا باسم الدين واختلاف باسم الدين ، فالله سبحانه وتعالى يأمرنا ان نستقم بدينه بشكل جماعي ودينه متفرق ومتعدد ، ومتباين وخصوصاً في الوضعية الحالية التي نعيشها وكيف ان العدو استغلها وسخرها لخدمته في ضرب الدين والامة وتعزيز المسميات المصطلحات لاختلاف العقائد والثقافات ولان الله سبحانه وتعالى يعلم انه لا يمكن توحد الامة ما لم تكن عقائدها وثقافتها موحدة ، ومن يطرح فرضيات للتوحد أن بإمكان الأمة ان تجتمع وهي مختلفة في عقائدها وفهمها لقدواتها ، مختلفون في فهم المذاهب  فهذا غير صحيح ولا يمكن أن نجتمع في يوم من الايام في موقف فيه نصر لديننا وإعلاء لكلمة ربنا إلا اذا التفتنا حول كتاب الله والقرآن الكريم فهو الكتاب الذي يجمع الامة ويوحدها لان السبب في الحال الذي وصلنا اليه اليوم هو الاختلاف والتباين في الثقافة والمعتقدات التي انعكست حتى على ان تصبح مقدرات هذه الامة لا قيمة لها في  مجال اعزازها ونصر دينها وما زلنا نعيش أمة مستضعفه ومسؤولة لأننا تفرقنا ولم يعد بإمكان احد ان يلم شملنا ما لم تأتي ثقافة واحدة نجتمع حولها وعقائد واحدة ومنهج واحد نلتف حوله .

رابعاً : البصيرة نكون احوج اليها في حالة تعدد الثقافات وفي حالة ازدحام الشبه داخل الساحة التي نتحرك فيها حالة تباين الأنظار والمواقف في الساحة التي هي ميدان عملنا وخصوصاً مع تعدد المفاهيم لهذا الدين والقدوات فيجب ان يكون استبصارنا واحداً وقناعتنا واحدة ورؤيتنا من أجل ان نخلف موقفاً موحداً ورؤية واحدة فالله سبحانه وتعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم أن الامة ستفترق وسيحدث فيها اختلاق وتمزق فوضع لنا منهجاً نستبصر به ونمشي عليه لنكون أمة مهتدية وناجية من الظلال التمسك بعترة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) .

خامساً : الإحسان فقد يمنح الحكمة والعلم من توفرت فيه هذه الصفة فكان من المحسنين والاحسان ليس كما يقال هو (ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فإنه يراك) فعبارة (تعبد الله) عبارة واسعة ومهمة لكن الاحسان في القرآن الكريم قد تناوله القرآن في عدة مواضيع كلها تبدوا انها اهتماماً بأمر الاخرين وأمر الدين والدين مرتبط بالآخرين وفيه الكثير من القصص التي تُحكي احسان الانبياء فالعالم الذي لا يبني مواقف فيها احسان الى الآخرين سيكون وبالاً على المجتمع لان المجتمع نفسه قد يصل به الحال الى ان يظلم ويضطهد وتمسخ اخلاقه وتفقد معتقداته  فمتى ما حصل الانسان على العلم  والحكمة والاحسان يكون علمه هدى يهدي نفسه ويهدي الاخرين ويكون عنصراً خيراً يعمل في سبيل الله وسبيل ا
لمستضعفين من عباده .

 

المحور الثالث : ما بين تبعية الحكومات ودور الشعوب

لابد أن نؤمن جميعاً بضرورة الدور المحوري الأساسي الذي تقوم به  الشعوب لانه لا يمكن الرهان على الحكومات لماذا؟ لان حجم الهجمة الغربية كبير جدًّا على العالم الإسلامي، ووضعية أغلب  الحكومات هش وضعيف ومرهون بدول الاستكبار تُسيرها كيفما تريد وتتحكم بها وبقرارتها وهنا تبرز الفجوة الفاصلة بين الحكومات والشعوب عندما ترتهن الحكومات بدول الاستكبار وتخضع لها حينها تتجه دول الاستكبار الى النيل من كرامة الشعوب وعزتها وحريتها واخضاعها كما اخضعت الحكومة والتحكم بمواردها وثرواتها الاقتصادية وهذا ما لمسناه في واقعنا الحالي فهناك الكثير من الحكومات التي تخضع للاستكبار ثم  تكون غير قادرة على حماية شعوبها فيبدا السخط الشعبي في مواجهة الجميع وتكون هناك بذور الحرية وبذور الصرخات التي يسمعونها في وجوه اوليائهم  وفي وجوهم .   وقد نجد بعض  الحكومات مدركة لخطر تلك المؤامرات وتقوم بالدور الجيد الا انه يجب ان لا تكتفي بدورها وتستغني عن دور الشعوب، فدور  الشعوب ضروري ومهم وفاعل ومجدٍ والشعوب هي  معنية بأن تتحرك لمواجهة الأخطار التي تعاني منها فهي الاساس وهي من تمنح الحكومات الشرعية وهي من تستطيع ان تنتزعها منها  وبالتالي  لا تمتلك   الحكومات الحق أو الصلاحية في تبني مواقف محدودة أو معينة تجاه قضايا كبيرة خطيرة نتيجتها في نهاية المطاف بيع وطن أو التضحية بسيادة أمة وكرامة شعب ولا تمتلك الحق ولا تمتلك الصلاحية في أن تبيع أوطانها أو تهدر دماء شعبها او تفرط بسيادته وكرامته سواء بفتح المجال لبناء قواعد اجنبية عسكرية تهدف الى السيطرة على البلد او جلب الغزاة الى داخل البلد تحت اي مسميات او تطلب اي تدخل عدواني او تخضع ارادة الشعوب الثورية . هنا لابد أن يكون للشعوب  موقف وان تحتج وتعترض لأنها هي المتضرر في نهاية المطاف ولديها الحق في ان تتحرك  لأنها هي من تكون الضحية فقد عانت الكثير منها فقد عانى  الشعب الفلسطيني ، ولا يزال يعاني، و الشعب العراقي ولا يزال من تبعات العدوان الأمريكي الصهيوني  , وكذا الشعب الأفغاني واللبناني  واليمني وقد اثبتت هذه الشعوب دورها الفاعل والمقاوم طيلة المرحلة السابقة واللاحقة والكل يعرف بذلك وليس هناك وقت للدخول في التفاصيل وسأقتصر حديثي حول دور الشعب اليمني نموذجاً .

لما كانت قوى الاستكبار الاستعماري الصهيوني السعودي تدرك تماماً أن الشعب اليمني مقاوم بالفطرة يساند أمته العربية والاسلامية في كل قضاياها ويقف في وجه كل المشاريع التي تستهدفه وتستهدفها , فهو البلد العربي والاسلامي الوحيد الذي دخل الاسلام طوعاً حين ارسل الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) الامام علي (عليه السلام) لدعوة أهل اليمن للإسلام فاستجابوا له ؛ فنزل فيهم قوله تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ )( الآية 1) وايضاً  قوله تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) "المائدة الآية -54"

وهم من قال فيهم الرسول: (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أنهم اهل الحكمة والإيمان ، ودعا لهم بالبركة عندما قال : "اللهم بارك لنا في يمننا وشامنا قالوا ونجد يا رسول الله قال انها قرن الشيطان" فالواقع الحالي ٌيحكي ما قاله : "الرسول صلى عليه وعلى آله وسلم" ،  وقد كان اليمن هو البلد الذي آوى آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ونصرهم ونهج  نهجهم وما مشروع الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي " سلام الله علية" الا امتداداً لذلك النهج الذي استقى ثقافته من المدرسة المحمدية ، والذي كان له الأثر الكبير في مواجهة  قوى الاستكبار ومشاريعها في المنطقة منذ أن أُسست حركة (انصار الله ) على يديه الى يومنا  هذا، والتي مرت بالكثير من المراحل منذ انطلاقتها  سأوجزها في الاتي.

 

 المرحلة الاولى :      "مرحلة التأسيس وبناء النفس برؤى قرآنية "

 وتتمثل في دور الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (سلام الله عليه) الذي اسس المسيرة القرآنية ، ومن كانوا معه  من السابقين الذين ترسخت في فهمهم تلك  الثقافة القرآنية ، فكانوا على مستوى الموقف والمسؤولية التي تتوجب عليهم ازاء ما يحدث في المنطقة من متغيرات احدثتها دول الاستكبار تحت مسمى  (مشروع الشرق الاوسط الجديد)و في هذا الواقع العصيب  تحرك الشهيد القائد في مشروعٍ   قرآني ذي طابع  نهضوي إحيائي ،يهدف لإصلاح حال الأمة ،من خلال اتباع هدى الله والعمل على اصلاح كل فرد ليعرف بأنه المسؤول عن حاضره وقضايا أمته  ووطنه ويكون قادراً على تحمل المسؤولية  في مناهضة وممانعة قوى الاستكبار العالمي متجاوزاً الأطر المذهبية أو الطائفية أو الجهوية. ولان ذلك المشروع جاء بالتزامن مع أحداث الحادي  عشر من سبتمبر كان من بين اهدافه الاستراتيجية ممانعة ورفض الهيمنة والوصاية التي اخذت تمارسها امريكا على المنطقة تحت لافتة (الارهاب) الذي ثبت انه صنيعتهم .  وقد تمثل نشاطه  في تقديم المشروع بإلقائه دروساً ومحاضرات  عن الثقافة القرآنية  بالإضافة الى ترديد شعار (الله اكبر /الموت لأمريكا  / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام ) في المناسبات والاجتماعات والمساجد خصوصاً جامع الإمام الهادي بصعدة والجامع الكبير بصنعاء، ومقاطعة البضائع الامريكية والاسرائيلية  كإعلان موقف ومن منطلق الشعور بالمسؤولية أمام الله تجاه ما تصنعه امريكا واسرائيل بحق الشعوب وفي مقدمتها فلسطين . ومن الرسائل المهمة التي اراد ايصالها من خلال ذلك الشعار ؛الإدانة الاخلاقية والسياسية لمساعي فرض الوصاية الامريكية وتطويع الوعي العام اليمني والاسلامي عموماً للقبول بها ،وتحصين وعي المجتمع من ان يخترق أو يطوع لصالح المخططات والمشاريع الاستكبارية  في الوقت الذي سارع فيه  زعماء الأمة العربية والاسلامية في تقديم أنفسهم وجيوشهم أداة لإخماد أي صوت أو غضب أو موقف مهما كان بسيطاً في مواجهة هذا المخطط الأمريكي الصهيوني كل ذلك حماية لعروشهم التي صارت لديهم تمثل وجودهم ،وحياتهم ، كان هكذا حال منظومة  الحكم في اليمن التي كانت في مقدمة هؤلاء المسارعين  فبعد أن أخذ الشعار والأدبيات والملازم تنتشر بمعدلات ملفته أزعجت الأمريكيين وانعكس ذلك الانزعاج على النظام وشركائه من القوى المرتبطة به وقام بأعمال تعسفية من اعتقالات وتعذيب ومداهمات لمنازل المواطنين  لمدة عام ونصف وصل فيها عدد المعتقلين لما يقارب 800 معتقل بالإضافة الى التسريح ، والفصل من الوظيفة العامة  غير ان هذه الإجراءات العقابية لم تفلح في الحد من النشاط بل كانت تعطي مفاعيل عكسية وانتشر النشاط ولقي قبولاً كبيراً في اوساط الناس بالشكل الذي أثار مخاوف القوى العميلة في الداخل وأخرى اقليمية ودولية وبعد أن عاد الرئيس اليمني حينها من ولاية جورجيا الأمريكية بعد لقائه بالرئيس الأمريكي (جورج دبيلو بوش) في قمة الدول الثماني توجهت الحشود العسكرية الى محافظة صعدة وتحديداً منطقة مران حيث انطلق مؤسس الحركة  وذلك في 18-6 -2004م وشنت عدوانها العسكري الذي استخدمت فيه كل انواع الاسلحة ومنها المحرمة دولياً وقتلت آلاف النساء والاطفال ودمرت آلاف المباني والمنشآت والمزارع طيلة الحروب الست التي كانت تمتد بامتداد الثقافة القرآنية حيث وصلت الى مشارف صنعاء وقد حضي النظام حينها بدعم وتأييد  امريكي فقد نشرت سفارتهم في اليمن بعد أن طالت فترة الحرب بلاغاً صحفياً أعلنت فيه دعمها للحكومة ودعت فيه اليمنيين بالوقوف مع النظام في حربه على محافظة  صعدة للقضاء على حسين بدر الدين الحوثي نُشر ذلك في صحيفة البلاغ العدد(576)   وبعد أن فشل في جولاته الخمس من الحروب تدخل النظام السعودي في الحرب السادسة بكل جبروت وقسوة اعتقاداً منه أنه سيقضي على ذلك المشروع  لكن سرعان ما انكسر امام إرادة المجاهدين الذين دخلوا الى أراضيه ولقنوه درساً قاسياً ، ولم يستطيع أن يحقق شيء الا المزيد من سفك الدماء بحق الأبرياء ولا يخفى أن هذه الحروب شُنت في تكتم إعلامي شديد رافقتها حملة من الدعايات التشويهية بحق مؤسس الحركة ومن معه من أجل احباط المشروع القرآني والقضاء عليه ؛ لكنهم فشلوا وفشلوا وذلك بصمود فئة قليلة من المجاهدين بقيادة السيد عبد الملك حفظه الله بعد استشهاد الشهيد القائد السيد حسين  "سلام الله عليه" في الحرب الأولى فقد صمدوا حتى النصر رغم امكانياتهم البسيطة  وابى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون واستمرت المسيرة القرآنية في انطلاقتها المباركة ؛ لأنها مسيرة حق في وجه باطل ثقافتها القرآن وولائها لله ورسوله ومن أمر بتوليهم من آل بيته أعلام الهدى . وسأبرز بعض الملامح التي تميز بها مشروع الشهيد القائد السيد حسين سلام الله عليه  (سلام الله عليه)  كما اوضح ذلك. أ/ يحيى قاسم ابو عواضه في كتابه بعنوان (انصار الله)

 المسيرة القرآنية: هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني الذي نتحرك على اساسه ،وهي التوصيف الذي يُعرف به تعريفاً كاملاً .

وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ثلاث ركائز أساسية وهي: الأمة ،والقيادة ،والمشروع.

أولاً : الأمة (انصار الله ) قد عرفهم السيد حسين بدر الدين الحوثي _رضوان الله عليه _ في مقابلة مع ال( BBS  ) خلال الحرب الأولى بقولة: (نحن عبارة عن مجاميع من المسلمين)، وعزز السيد عبد الملك في مقابلة مع صحيفة الأخبار اللبنانية بتاريخ 4/7/2008م بقوله: ((نحن عبارة عن مجاميع شعبية تتحرك سلمياً لمعارضة الهجمة الأمريكية عبر الشعار والدعوة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية ونشر الثقافة القرآنية ومواجهة الغزو الفكري ونحن لسنا حزباً سياسياً)).

ثانياً: القيادة

القيادة مشروع متكامل :

(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)  "البقرة 213 "  إذا أليس هنا جاء المنهج و العلم ؛فالقيادة مشروع متكامل ؛لأن من مقومات الوحدة بشكل صحيح هو المنهج و القيادة التي تبدأ المسألة بدائرة  قابلة للتوسع ؛ لأن الأمة تحتاج إلى هدى من الله بشكل كتب و إلى أعلام للهدى قائمة يقول السيد حسين عند قول الله تعالى : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) "آل عمران101 " توحي الآية بأنه أيضاً لابد من هداية الله على هذا النحو و أن الأمة تحتاج إلى هدى من الله بشكل كتب و إلى أعلام للهدى قائمة ،علم للهدى يحمل هذا القرآن و يدور حوله و يهديهم بهديه ، يحمل رحمة القرآن و هديه

  ثالثاً  : المشروع .

بعض المعالم الأساسية لمشروع الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين _سلام الله عليه _

 اولاً: العودة الى القرآن الكريم لانه كتاب هداية .

العودة إلى القرآن الكريم لأنه نعمة و شرف للأمة يقول الله سبحانه و تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ) "الجمعة 2"  ليذكر الأمة بهذه النعمة العظيمة و كيف كانت تعيش حالة من البدائية مرحلة الأمية إلى أن تُمنح هذا الكتاب العظيم الذي جعله الله مهيمناً على كل الكتب السماوية السابقة كتاباً واسعاً في ثقافته ثقافة عاليةً جداً تجعل هذه الأمة لو تثقفت به هي أعظم ثقافة و أكثر إنجازاً و أعظم آثاراً في الحياة و أسمى روحاً و أسمى وضعية و أزكى و أطهر نفوساً من أي أمم أخرى .

و هو كتاب هداية شامل للناس إلى صراط مستقيم إرشاد واسع للناس بسعة الحياة كلها ، و كل شئونها ، و مجالاتها، و الأزمنة كلها على تعاقبها إلى يوم الدين و يهدي حتى إلى الآيات الكونية عندما يقول: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) "فصلت53" ، فهو يهدي بشكل واسع إلى ما يعتبر امتداداً لهدايته إلى الآيات الكونية ، و هو كتاب التربية، فالرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) انطلق هادياً ، و مربياً ،و قائداً عظيماً يربي الأمة وفق هذا المنهج الإلهي العظيم و كما قال الله سبحانه و تعالي: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ) "آل عمران164" حتى تكون نفوسهم زاكية، و مجتمعهم زاكياً حياتهم زاكية و نظرتهم صحيحة، و رؤيتهم صحيحة أعمالهم كلها زاكية تزكو نفوسهم و تسمو وتطهر ، و وعيهم يرتقي فتكون تصرفاتهم حكيمة ، تتجسد في حياتهم بشكل مواقف و أعمال تعكس وعياً صحيحاً راقياً يعكس زكاءً في النفس فالقرآن الكريم يجعل كل من يسيرون وفق توجيهاته و يتثقفون بثقافته يُمنحون الحكمة و العكس ، فالذي لا يسيرون على ثقافة القرآن سيفقدون الحكمة كما هو حال أمتنا اليوم الذي ظهر فيها مدى حاجة الناس الى الحكمة في المواقف ،و القضايا التي تواجههم ، و القرآن الكريم كتاب عمل ، وهو يستطيع أن يخلق روحاً عالية من خلال ما نشاهده من نظرة أولئك العظماء مثل الأنبياء "صلوات الله عليهم و النبي محمد" (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) و أعلام الهدى من أولاده الطاهرين كالأمام على ، و الحسن و الحسين "عليهم السلام" و أمثالهم من العظماء ، و هو مشروعاً للحياة و منهاجاً مهما تشعبت الحياة و تقدمت و اتسعت عمارة الأرض يظل الإسلام أوسع و القرآن أوسع و أشمل و أكمل فهو كما قال الإمام علي "عليه السلام" : ( بحر لا يُدرك قُعره ) وهو الصراط المستقيم لمن يسيرون عليه قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا) "الكهف 1 " يذكرنا الله أنه أنزل هذا الكتاب هدى للناس ليسيروا و يهتدوا به في كل مواقفهم و هو سبحانه و تعالى الذي خلق هذا الكون بدقة و توازن .

وهو كتاب عملي له موقف من كل حدث في الحياة يتحدث عن الكافرين و يلعنهم و يأمر بجهادهم و عن الظالمين و يسخر منهم و يلعنهم و يتحدث عن المنافقين و الفاسقين و المجرمين و يلعنهم و يرسم الخطط الحكيمة الدقيقة التي يمكن أن تجعل هذه الأمة بمستوى أن تكون أمة تهيمن على كل الأمم .

هذا هو القرآن الكريم الذي لا رحمة لنا إلا بإتباعه، و لا فلاح ، و لا فوز و لا نجاة ولا عزة ولا كرامة ولا قوة ولا رفعة لنا في الدنيا و الآخرة إلا بإتباعه وخصوصاً في هذه المرحلة فهي من أنسب المراحل لتقديم القرآن الكريم فمن ينظر إليها بنظرة قرآنية يجدها فترة مظلمة و فترة رهيبة و خطيرة لمن لا يتحركون على هدي القرآن فهي خطيرة و رهيبة هنا في الدنيا و في الآخرة أما من يسيرون على هدي الله ، على هدي كتابه ، فهي من أفضل المراحل في تاريخ هذه الأمة لمن يعملون في سبيل الله فقط و يتحركون في سبيل الله و على أساس كتابه؛ لأنه المخرج الوحيد أمام الفتن التي تصدع بالأمة الإسلامية  و العربية في هذه المرحلة، فالرسول (صلى الله عليه و آله وسلم)قال: في حديث رواه الإمام علي "عليه السلام" قال سمعت: "رسول الله صلوات الله عليه و على آله يقول : " ألا إنها ستكون فتنة ... فقلت : ما المخرج منها يا رسول الله ؟ ، فقال : كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم ، و خبر ما بعدكم ، و حكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله و من ابتغى الهدى من غيره أضله الله و هو حبل الله المتين ، و هو الذكر الحكيم ، و هو الصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء، و لا تلتبس به الألسن، و لا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه من قال به صدق، و من عمل به أُجر، و من حَكَم به عِدل ، و من دعا إليه فقد هدى إلى صراط مستقيم .

ثانياً:  إحياء الشعور بالمسؤولية

فقد عَمد السيد حسين الى احياء الشعور بالمسؤولية لأنه نظر إلى واقع يغيب فيه الشعور بالمسؤولية بل ماتت في نفوس الناس ،و أصبح كل ما يهمهم هو واقعهم الشخصي و على المستوى الشخصي دون استشعار للمسؤولية في اقامة العدل و مواجهة الظلم و الطغيان فهذه الحالة خطيرة جداً أثرت كثيراً في واقع المسلمين و أمام عدد هائل منهم، و أصبح الكثير منهم مقتنعاً أنه غير معني أساساً بما يدور و يحدث في الواقع خصوصاً مع التقسيم الجغرافي السياسي الذي صنعه الأعداء و ما يزالوا  .

ثالثاً: خطورة التفريط و التخاذل .

للأسف الشديد فقد وصلت الحالة لدرجة أنه لم يعد الكثير من الناس يفهمون أن لتخاذلهم و عدم استشعارهم للمسؤولية تبعات حتى في الدنيا ثم تبعات في الآخرة ؛ولذلك يتهاونون أو يتخذون قرارهم في السكوت و القعود و التخاذل ، و لا يقولوا الحق، و لا ينفقوا من مالهم و يتخذون قراراتهم بكل تهاون و لا مبالاة ؛ فيقعدوا و يسكتوا و يتهاونوا و هذه حال مؤسفة و داء خطير في واقع هذه الأمة ، و ضرب الأمة و مثل خطورة بالغة على هذه الأمة ، فكان من أهم معالم هذا المشروع الإلهي هو إحياء الشعور بالمسؤولة في واقع الأمة ، و تذكيرها بمسؤولياتها و تبصيرها بخطورة التفريط في المسؤوليات و لما لذلك من تبعات في الدنيا و الآخرة ففي الدنيا ذلاً و هواناً و قهراً و شراً و استسلاماً و عجزاً و في الآخرة جهنم و بئس المصير .

رابعاً :الحرص على إحياء المبادئ الإنسانية .

حرص على تعميم الوعي و الفهم الصحيح للدين ؛لأن واقع الأمة فيه حالة من البعد عن الوعي و الغباء في مواجهة الأعداء و، مؤامراتهم ،و مكائدهم و هذه الحالة ساعدتهم على التأثير الكبير في واقع الأمة و السيطرة عليها و ضربها و منعها من أي تحرك جاد يغير واقعها و ينتج نتيجة مختلفة تماماُ .

لذلك كان أكبر ما يرتكز عليه الوعي ، الفهم الصحيح للواقع و الدين ، الوعي بالواقع بكل ما فيه من أخطار و تحديات الوعي بالأعداء و مؤامراتهم و مشاريعهم و مكائدهم بكل أشكالها ، الوعي بالمسئولية و ما يجب علينا في مواجهة كل ما يعمله الأعداء و قدم رؤية أساسية في هذا الجانب .

إن أي فكر أو ثقافة أو مشروع أو رؤية لا يمكن أن يصنع للناس وعياً عالياً و بصيرة نافذة و إدراكاً دقيقاً للواقع بكل ما فيه مثلما يصنع القرآن الكريم الذي يتناول الواقع و الأحداث و من خلاله تناول الواقع و الأحداث و شخص الواقع ، و تناول مشاكل الأمة الكبرى و قيّمها تقييم جديد و برؤية صحيحة للحل تمثل مخرجاً أمام الله و مخرجاً حقيقياً للواقع .

خامساً : كشف حقيقة العدو التاريخي للأمة.

فقد كشف الأعداء  من أهل الكتاب و على رأسهم أمريكا و إسرائيل ، و عمل على أن يعيد الأمة إلى ساحة الصراع التي يجب أن تكون فيها مرابطة و كيف تواجههم و تهزمهم من خلال القران الكريم لأن العدو في هذه المرحلة يستهدف الركائز الأساسية للأمة و على رأسها القرآن الكريم و الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) و اللغة العربية .

سادساً : صحح الكثير من المفاهيم المغلوطة.

فقد ساهمت المفاهيم المغلوطة بشكل كبير في ضرب الأمة، و جعلها أسيرة بقناعاتها الثقافية و مفاهيمها  التي تُقدم عن طريق  رؤى أو ثقافة اكتسبت من هنا أو هناك و لعبت دوراً أساسياً في الواقع السيء المظلم للمسلمين و الأمة ، فكلما تصحح مفهوم تصحح وراءه سلوك و عمل و موقف و بالتالي يصنع نتيجة صحيحةً و سليمة .

ثانياً : ثقافة الشعار ،و المقاطعة الاقتصادية .

 لاشك بأن للشعارات أهميتها في هذه المرحلة بل صارت استراتيجية مهمة حتى لدى أعداء هذه الأمة بالرغم من إمكانياتهم الكبيرة المادية ، و العسكرية فنجد بأنهم يتحركون لاحتلال الشعوب تحت شعارات متعددة و مختلفة ؛ لأنهم يعرفون أنها ستكون مُهيئة للأمة في ضربها، و الاستيلاء على أراضيها .

فعندما ننظر إلى واقع الأمة الإسلامية و المسلمون و ما تمر بها من أحداث خطط لها الصهاينة منذ فترة طويلة، و مؤامرات خبيثة تهدف إلى القضاء على الإسلام و القرآن و الاحتلال المباشر للمنطقة تحت عناوين زائفة و أعداء وهميين و ضرب الأمة من داخلها ؛ فرأى أننا أمام واقع لا نخلو فيه من حالتين كل منهما تفرض علينا أن نتخذ موقفاً .

أولاً : لأننا امام وضعية مهينة ذل ، خزي ، عار ، استضعاف ، إهانة ، إذلال ، أصبحنا كعربٍ مسلمين تحت أقدام إسرائيل و أقدام اليهود و هذه تكفي إن كنا لا نزال عرباً و لدينا شهامة و إباء و نخوة  لتدفعنا إلى أن يكون لنا موقف .

و ثانياً: ما يفرضه علينا ديننا و كتابنا القرآن الكريم من أنه لابد أن يكون لنا موقف من منطلق الشعور بالمسؤولية أمام الله سبحانه و تعالى لأن الله لا يرضى لنا بالذل و القهر و الفرقة إن نحن رضينا و قبلنا فاذا رضينا بما نحن عليه و أصبحت ضمائرنا ميته و أعفلنا أنفسنا في الدنيا فإننا لن نعفى أمام الله .

و من باب المسؤولية أمام الله و لعزة المسلمين و حريتهم و كرامتهم وقف السيد حسين الموقف المشرف الذي تطلبه المرحلة و أطلق شعار الصرخة في يوم الخميس 17 يناير 2002 ( الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام ) و رأى بأنه موقف حكيم في مواجهة أمريكا و إسرائيل و مؤامراتهم و خططهم التي أصبحت مكشوفة ، و هو سلاح سهل و مؤثر و باستطاعة أي شخص أن يرفعه ، و يترك أثراً كبيراً في نفوس الناس ، أثر السخط الذي يتفاداه اليهود بكل ما يمكن ، السخط الذي يعمل اليهود على أن يكون الآخرون من أبناء الإسلام هم البديل الذي يقوم بالعمل عنهم في مواجهة أبناء الإسلام لأنهم يعلمون كم سيكون هذا السخط مكلفاً لهم و عاملاً مهماً في جمع كلمة المسلمين ضدهم و عاملاً مهماً في بناء الأمة اقتصادياً و ثقافياً و علمياً .

كذلك جاء الشعار كإعلان لرفض ولاية الأمر الأمريكية، و الصهيونية و ترسيخ ثقافة القرآن الكريم في موضوع أمر ولاية الأمة الإسلامية ، فالشعار الذي أطلقه السيد حسين – رضوان الله عليه – تأثيره كبير و إيجابي منذ الوهلة الأولى لانطلاقته  و إلى يومنا هذا ، و قد أثبتت الأحداث و المتغيرات و الهجمة الأمريكية و الصهيونية على المنطقة و اعتداءاتها المستمرة على أبناء هذه الأمة و ما يحدث بسببهم من جرائم ضد الإنسانية و خصوصاً في اليمن كلها عززت الحاجة إلى وضع الشعار و التمسك به و التثقف بثقافته فقد مثل الشعار في الاتجاه العملي بداية حكيمة و دقيقة و مدروسة للدفع بالناس و تحقيق نقلة من واقع الصمت و الاستسلام و الخضوع و حالة اللاموقف إلى حالة الموقف و الكلام و التحرك و الفعل و إلى تحمل المسؤولية ، و ترك اثراً معنوياً كبيراً في نفوس الناس و معنوياتهم وواقعهم العملي و  أثراً تربوياً  ترافق معه النشاط التثقيفي المستمر الذي كان يقوم به السيد حسين "سلام الله عليه" ، ثم حقق لهم الارتقاء إلى مستوى الاستعداد لأي مواجهة و إلى مستوى تقديم التضحيات في سبيل الله سبحانه و تعالى و بذل الأموال و كل ما يستطيعوا أم على مستوى مواجهة الأعداء فكان مشروعاً حقق نتائج كبيرة فقد أحرج من يدّعون الحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان – أمريكا و إسرائيل و من نهج نهجهم – و عن ممارساتهم الإجرامية ضد رافعي الشعار ، ابتداء من الحروب والتي ما زالت تدور حتى يومنا هذا و ما يقومون به من عدوان غاشم ضد أبناء الشعب اليمني .

المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الأمريكية و الإسرائيلية و ما لها من تأثير على العدو فهي بمثابة غزو له من الداخل ، إلى داخل بلاده و يعتبرونها حرباً لشدة تأثيرها عليهم ، و هي ضرب لاقتصاد أمريكا و إسرائيل و شركائهم في الداخل .

هذه نقاط اعتبرها موجزة فمهما تحدثت لا استطيع أن افي بحق هذه المسيرة وامتها وقائدها.

المرحلة الثانية : مرحلة النضال الشعبي الثوري (ثورة 2011- ثورة 21سبتمبر 2014). في الوقت الذي حاول أحد شقي النظام الذي كان شريكاً في الحكم أن يركب موجة ثورة  2011م بأجنحته السياسية والعسكرية والدينية المتمثلة بحركة "الاخوان المسلون"  ويوجهها باتجاهات اجندته للعودة بها الى المربع التقليدي بعد التسوية السياسية بين طرفي النظام المتمثلة في المبادرة الخليجية وتحويل الثورة الى ازمة بين القوى المتصارعة على الحكم ، والتي كانت شريكة في الحكم  لمدة ثلاثة عقود والقصد هو الذهاب بالثورة الى مسار بعيداً  عن تحقيق أهدافها، وتحقيق طموحات الشعب في التغيير وبناء الدولة العادلة . استطاع (انصار الله) بوجودهم القوي في ساحات الاعتصام  ان يخلقوا واقع ثوري صحيح  يستمد ثورته  من نهج أول الثائرين الإمام الحسين (عليه السلام) في الخروج على الظالمين والمستبدين وذلك  باستمرار اعتصامهم  في ساحات الثورة والتفاف الشعب حولهم ليستمر النضال الثوري داخل الساحات وخارجها وتحريك المسيرات الحاشدة التي  كانت  تخرج من اغلب محافظات الجمهورية  تحمل شعارات مناهضة لأي انحراف يحدث قد يؤثر على مستقبل البلد  الذي تتحكم بقراراته قوى الاستكبار وادواتها في الداخل عن طريق ما يسمى بالمبادرة الخليجية.

ومع استمرار ذلك الوعي الثوري الجمعي الذي أوجده الصمود الأسطوري لشباب الثورة في ساحاتهم مدة قاربت اكثر من ثلاثة اعوام.

   دخل "أنصار الله" إلى تجربة كانت فاصلة في حياة الشعب اليمني وهي تجربة الحوار الوطني الشامل  والذي مثل مكون أنصار الله مكون رئيسياً فيه  وشاركوا فيه بذهنية التغيير وطموح التغيير بحكم انه سيلبي ذلك الطموح وقدموا افضل الرؤى لكل القضايا وفي مقدمتها بناء الدولة والقضية الجنوبية . مع الإشارة إلى أن "أنصار الله" أكدوا مرارا أن الحوار الوطني لم يكن بديلاً عن الثورة إطلاقاً بل خطوة جادة لتحقيق أهدافها لما حقق من مخرجات  هامة اتفق عليها ممثلي كل المكونات السياسية لكن هذه المخرجات ظلت حبيسة الأدراج لأن رئيس الدولة حينها وحكومته لم يؤذن لهم بتنفيذها ممن كانوا الحكام الفعليين لليمن  من سفراء وقنصليات وحين شرعوا بتنفيذها بعد أكثر من أربعة أشهر أفرغوها من أهم مضامينها وحاولوا فرض مسألة الأقاليم الستة وابتعدوا عن الحلول والمعالجات ما أدى إلى الخروج للساحات مرة أخرى في ثورة 21سبتمبر للعام 2014 م ثورة الكادحين ، والمستضعفين في وجه المستكبرين والفاسدين الثورة التي التف حولها كل الشعب وبكل اطيافه  بما فيهم  الجيش والامن واستطاعت أن تسقط كل القوى المتنفذة التي تحكمت في موارد البلد اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً لأكثر من ثلاثة عقود، واسقطت كل مشاريع قوى الاستكبار وعملائها في الداخل التي كانت تهدف إلى تمزيق اليمن على أساس مذهبي ،ومناطقي  واستكمال تدمير مقوماته وإجهاض ما تبقى من مؤسسات الجيش والامن ، ووقفت  في وجه كل المخططات ومنها المد الارهابي التكفيري الذي عمدت قوى الاستكبار وادواتها في الداخل الى استخدامه من أجل افشال الثورة وإعادة الوضع  الامني الخطير الذي شهدته البلد قبل الثورة ، وقامت ببعض  التفجيرات الارهابية ابرزها ذلك الذي حصل في ميدان التحرير في بوابة ساحة الاعتصام والذي  خلف عشرات الشهداء والجرحى .إلا أنه ومع اصرار الشعب اليمني وثباته انتصرت الثورة وتوجت باتفاق السلم والشراكة الذي يعتبر إنجازاً وطنياً يمنياً خالصاً وتصحيحاً لكل المسارات الامنية والاقتصادية والسياسية وبتوقيع كل القوى السياسية اليمنية عليه رغم انه كان باستطاعة انصار الله التفرد بالوضع السياسي حينها الا انهم حرصوا على مبدا الشراكة الوطنية من اجل  بناء دولة عادلة يشارك فيها الجميع .

 

المرحلة الثالثة : مرحلة الصمود الاسطوري للشعب اليمني.

 حين اصبح الشعب اليمني وما زال في ازهى مراحل الوعي الثوري والثقافي  المناهض للظلم والاستبداد والسياسات الاستكبارية تمكن من مواجهة المشروع التقسيمي وصد قوى الاستكبار الأمريكية والصهيونية واقتلاع أذرعها السياسية والقبلية والعسكرية والدينية والمالية والمخابراتية والتكفيرية ، وافشال كل خططهما ومن اهمها خطة تقسيم اليمن الى سته اقاليم وتمريرها في مسودة الدستور. حينها  شعرت تلك القوى  بالخطر هي واذنابها في الداخل، و توجهت الى ارباك المشهد السياسي الذي  توصلت فيه كل القوى اليمنية الى مرحلة متقدمة وذلك من خلال  تفجير الوضع الامني عن طريق ادواتها التكفيرية التي قامت باستهداف أكبر مسجدين محسوبة على جماعة (انصار الله )خلف مئات الشهداء والجرحى .

  وفي 26مارس 2015م  شنت دول التحالف عدوانها بقيادة النظام السعودي بمساعدة امريكية ومشاركة اسرائيلية استهدف اليمن أرضاً وانساناً وحضارةً  فقد وصلت الاحصائيات التقديرية من ارواح البشر منذ بدأ العدوان إلى  اكثر من خمسه وعشرين الف نسمه اغلبهم من النساء والطفال ، وعمد الى تدمير آلاف المنازل  وهدمها على ساكنيها ، وكذلك هدم كل مقومات الحياة من مدارس، ومصانع ومستشفيات، ومساجد ، ومتاحف، وحدائق ، وجسور، وطرقات ،وموانئ ، ومخازن غذائية ومنشآت حكومية، وغير حكومية ،ومعالم دينية ، وفرض حصار بري وبحري وجوي شامل استهدف الماء والغذاء والدواء وكل المواد الاساسية الخدمية وفي مقدمتها النفط  .عدوانُ في صورةٍ وحشيةٍ لم يشهد له التاريخ مثيل ...ويكفي دليلاً أن عدد الغارات الجوية التي تم تنفيذها على اليمن وما تزال بلغت حسب اعترافاتهم الى (ستين ألف غارة)_ متجاوزة ما تم تنفيذه في الحرب العالمية الثانية بنسبة 30%_ مستخدماً فيها   كل انواع الاسلحة ومنها  العنقودية التي شنها على أبناء محافظة صعدة ، و اعلنها منطقة عسكرية انتقاماً منها  كونها منبع  الفكر والثقافة  المناهض للسياسات الامريكية والاسرائيلية . وعندما فشل العدوان في تحقيق اهدافه عن طريق الغارات الجوية التي يشنها وتحت مسمى إعادة الشرعية انكشف الغطاء الحقيقي لأهدافه حين  زج بآلاف  المرتزقة  لغزو البلد واحتلاله وتجزئته مناطقياً ومذهبياً  وتحويل جزء منه إلى موقع  لداعش من اجل  تطبيق نموذج اخر لسوريا ، والعراق  وتمزيق البنية الاجتماعية من أجل  إخضاعه والهيمنة  عليه  ؛ لكن مع صمود الشعب اليمني  ، ووعيه وثباته وثقته بالله وحكمة قيادته ووحدة وترابط ابنائه من جيش وأمن، ولجان شعبية، وغيرهم استطاعوا  أن يسطروا أعظم الملاحم البطولية طيلة تسعه اشهر من شن العدوان ويدحروه  ويُلحقوا به اشد الهزائم في الجبهات الداخلية والخارجية رغم استخدامه للضربات الجوية المكثفة و الزحوفات  العسكرية  المتتالية بمختلف الجنسيات المصحوبة بالغطاء الجوي والبوارج البحرية والغطاء الاعلامي المكثف والدعم اللوجستي والمعنوي لأكثر من ثلاثين دوله والصمت العربي والدولي إزاء ما يحدث من جرائم حرب بحق الإنسانية  والإبادة الجماعية الا انهم فشلوا وانهزموا امام الشعب اليمني الذي يخوض معركة الشرف ،والبطولة دفاعاً عن سيادته ، واستقلاله ، ووحدته ومقدراته من جهة ،ودفاعاً عن أمته العربية والاسلامية لأن سقوط اليمن _لا قدر لله _ معناه ضياع قطر عربي جديد وهزيمة عربية جديدة وانتصار امريكي صهيوني جديد وسيطرة على ارض عربية أخرى ؛؛لذا فإن انتصار اليمن هو هزيمة للمشروع العدواني في اليمن من جهة وهزيمة لقوى الاستكبار في المنطقة العربية والاسلامية من جهة اخرى. إن اليمن اليوم يمثل جزءاً اصيلاً في مواجهة الاستكبار العالمي واذنابه في المنطقة الذين وعد الله بانهم سيقهرون ويُغلبون ان جاهدنا وتحركنا تصديقاً لقوله تعالى:( الم(1)غُلِبَتِ الرُّومُ(2)فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(3)فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4)) وكذلك وعد بالنصر لمن يمضي على هديه  قوله تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ(7))

اليمن مقبرة الغزاة .

سينكسر قرن الشيطان .

 

 

الخاتمة

لقد كانت رحلة سريعة لا يمكن ان اصفها بأنها كافية وإنما سعيت لأن تكون هادفة في كل المحاور الثلاثة التي تناولتها ابتداءً من دور الاستكبار ووسائله ، والدور المحوري للشعوب في مواجهة ذلك الخطر الذي يعتبر خنجراً مغروساً في قلب الامة وتأثيره على الدين ، وكذلك طرحت بعض الاسباب التي تؤثر على فاعلية الدعوة والحلول التي تعالج تلك المشكلة وفي مقدمتها القرآن الكريم .

وفي الأخير اقدم الشكر الجزيل لاتحاد معالم الجنان على دعوتهم وإشراكهم للمرأة في قضايا الامة والدين وفي مقدمتها الوحدة الاسلامية ، واعتذر عن أي قصور.

نسأل من الله التوفيق والرضا وجمع كلمة الأمة تحت سقف القرآن الكريم وصل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .