مستقبل العالم الإسلامي البشائر والتحديات والمسؤوليات

مستقبل العالم الإسلامي البشائر والتحديات والمسؤوليات

 

مستقبل العالم الإسلامي البشائر والتحديات والمسؤوليات

 

  

     آية الله الأستاذ واعظ زاده الخراساني       

الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية   

 

بسم الله الر حمن الر حيم

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله أمناء الله وصحبه أنصار الله.

 المقدمة:

نحن الآن على اعتاب القرن الحادي والعشرين ومغادرة القرن العشرين، وأمام المجتمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في هذه السنة بالذات وهي عام 1420 الهجرية مؤتمران يقيمهما هذا المجمع، احدهما هذا المؤتمر الذي نتشرف معكم بالمشاركة فيه. أقامه المجمع بالتعاون مع تجمع العلماء المسلمين في بلدكم لبنان وهذا شرف لي أيّ شرف وثانيهما المؤتمر العالمي الثاني عشر من جملة المؤتمرات السنوية التي يقيمها مجمع التقريب في طهران في شهر ربيع الأول من كل سنة احتفالا بذكرى المولد النبوي الشريف وفي رحاب اسبوع الوحدة بمشاركة كوكبة غفيرة من المفكرين وزعماء الحركات والمنظمات والتجمعات وأئمة المذاهب الإسلامية ونخبة من المصلحين الذين يهمهم مصير العالم الإسلامي وما يعتوره من البأساء والضراء ومن أسباب الفرح والسرور والرجاء والأمل أو من موجبات الحزن والغمّ والجزع والملل.

وموضوع الحوار في هذين المؤتمرين عبارة عن «مستقبل الإسلام والمسلمين في القرن القادم» وبحثنا المتواضع هذا يندرج في قائمة الأبحاث التي ستقدّم من قبل الآخرين الى أحد المؤتمرين وسوف نخرج بإذن الله تعالى من خلال تلك الابحاث والحوارات الى نتائج ايجابية واطروحات قيّمة ثم الى أعمال مثمرة وقرارات مفيدة لاتخاذ موقفنا نحن كمسلمين أمام العالم في القرن القادم. ضمن تقييم حصيلة أعمالنا السابقة ولاسيما في القرن العشرين وكذلك معرفة الاحداث الكبيرة والثورات والتحولات السياسية والاقتصادية والتقنية والثقافية التي حدثت في العالم عامة وفي العالم الإسلامي خاصة في هذا القرن.

وهي من غير شك زاخرة بالخيرات والشرور وبالحسنات والسيئات وبالمعطيات العلمية والصناعية وما اعتور الشعوب من الاحوال.

ثم علينا وضع الخطط والبرامج وعقد البروتوكولات لواجباتنا ومسؤولياتنا نحن معاشر المسلمين أمام الله وفي سبيل الإسلام وأمام العالم والأجيال القادمة. اعتبارا بالماضي وتركيزاً على مستجدات المستقبل وسيراً وتفاعلاً مع متطلبات الحاجات ومستدعيات الحالات.

اما بعد: فالبحث يحوي ثلاثة فصول: البشائر والتحديات والمسؤوليات وينتهي بخاتمة.

 

 

البشائـــر

 

والمراد بها ما يزيد رجاءنا ويضاعف ثقتنا، ويقوي عزمنا، ويبهج انفسنا، ويشرح صدورنا لما يستقبله العالم الإسلامي من الاشعاع والفلاح، والتقدم والعطاء من البشائر التي تجمعها وعود الكتاب والسنّة وتكهنّات الأئمة والأولياء وما تكمن في جوهر الإسلام من القيم التي ترشدنا الى الكمال وما في الشعوب الإسلامية وخاصة في الجيل المثقّف الجديد والشبان الملتزمين من الشوق الى التقدم ماديا ومعنويا.

إضافة إلى ما تستدعيه طبيعة الأحوال الإجتماعية وتفاعلها مع الأحداث فأمامنا ألوان من الثقة:

 

1ـ ثقتنا بالكتاب والسنّة ووعود الأولياء:

1ـ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون.«الصف 9 والتوبة 33».

2ـ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه وكفى بالله شهيدا.«الفتح 28».

3ـ وعد الله  الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنّن لهم دينهم الذي ارتضى وليبدّلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً... «النور 55».

4ـ ان هو إلاّ ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين. «ص 88».

وهذه الآيات نزلت بشأن هذه الامة بالذات وهناك آيات تبشر الصالحين واص صحاب الحق واتباع الرسل وحزب الله عامة.. بغلبة الحق على الباطل وبنصر الله من ينصره:

1ـ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الارض يرثها عبادي الصالحون «الانبياء 105».

2ـ كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ الله قويّ عزيز «المجادلة21».

3ـ وقل جاء الحق وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً «الاسراء 81».

4ـ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه  فاذا هو زاهق «الأنبياء 18».

5ـ قل جاء الحق وما يبديء الباطل وما يعيد «سبأ 49».

6ـ فاصبر إنّ وعد الله حق«غافر77».

7ـ فانّ حزب الله هم الغالبون. «المائدة 56».

8 ـ ألا أنّ حزب الله هم المفلحون. «المجادلة 22».

9ـ وانّ جُندنا لهم الغالبون «الصافات 173».

10ـ إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم. «التوبة 40».

11ـ ولينصر الله من ينصره. «الحج 40».

12ـ إنّا لننصر رسلنا والذين آمنوا.... «غافر 51».

إلى أمثالها من الآيات المبشرة بانتصار الحق على الباطل والصالحين على الكافرين وانّ الارض سوف يرثها عباد الله الصالحين.

ونحن المسلمون لا يختلج الشك في خلدنا أننا حزب الله وجنده وعباده الصالحون، واصحاب الحق وإننا باذن الله ننصر الله ودينه الحق فالآيات تصدق فينا ونحن من أبرز مصاديقها.

وهناك آيتان تمثّلان تزايد المسلمين عِدّة وعُدّة على مدى الدهر.

1ـ... ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطئه فأزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار... «الفتح 29».

2ـ ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اُكلها كل حين بإذن ربّها..«ابراهيم 24».

فالآية الاولى تمثل تضاعف المسلمين بزرع أخرج شطئه...، والثانية تمثل الكلمة الطيبة ـ وهي كلمة الإسلام ـ «بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء» أي من دون حد، تؤتي ثمارها كل حين ـ أي يوم القيامة ـ .

حتى أنّ القرآن يؤمّننا خوف قلة العدد بقوله: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله «البقرة 249».

وفي الوقت الحاضر نحن بحمد الله كثيرون نُمثّل حوالي ربع سكّان الارض ونمتلك اخصب الاراضي وأذخرها بالمعادن والخيرات وأوسعها مساحة وأحسنها موقعا.

كما يؤمّلنا القرآن بعد اليأس وينهانا عن اليأس:

1ـ حتى إذا استيئس الرسل وظنّوا أنّهم قد كُذّبوا أتاهم نصرنا.

2ـ انه لا ييئس من روح الله إلاّ القوم الكافرون (يوسف: 87).

وهاتان الآيتان جاءتا في سورة يوسف التي تحمل مثلا أعلى ونموذجاً بارزاً من الفوز بعد الخسران والفلاح بعد الخذلان لنبي من أنبياء الله تعالى وهو يوسف عليه السلام الذي ألقاه إخوته في غيابة  الجب فأنجاه الله منها وأجلسه على عرش العزّة والكرامة.

حتى أنّ الله يتجاوز بنا ولا ييئسنا من نصره لو ارتد عن الإسلام مرتدون. وأنه تعالى سوف يبدّلهم بآخرين أولي عزيمة وصمود فيقول:

يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه أذلة على المؤمنين، أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم «المائدة 54».

فالقرآن مليء بالتبشير بالفتح والنصر وبغلبة الحق على الباطل وأنّ الله لا يخلف الميعاد وكلّه تفاؤل ورجاء وأمل بالمستقبل الزاهر من غير تحديد بزمان أو مكان.

وأمّا السنّة فتكفينا تلك  الوعود الكثيرة في روايات متضافرة ومقبولة عند المحدثين جميعا بأنّ الله سيملأ الارض برجل من آل البيت قسطا وعدلا بعدما مُلئت ظلما وجورا. فالعدل الشامل والصلح العادل في العالم منشأه الإسلام دون سائر الاديان ومصدره الشرق المسلم دون الغرب المُلحد.

اضافة الى جانب ذلك فانّ النبي عليه الصلاة والسلام كان يُصبح متفائلا وكان يطالب أصحابه عند الصباح بقوله: «هل من مبشّرات» يقصد الرؤى الحسنة التي رآها أحدهم. وكان يأمرهم بالفأل الحسن بقوله: «تفاءلوا بالخير تجدوه» أو «تفأل بالخير تنله».

وقد وعدهم بأن دينه سيبلغ المشرق والمغرب وقد حقق الله وعده ووعد رسوله في الماضي وسيحققهما في المستقبل حتى يشمل الإسلام العالم كلّه فانّ المراد بالمشرق والمغرب ـ الارض كلّها من غير تحديد.

وهناك بشائر مبعثرة في خلال الكتب على لسان الصحابة والائمة والأولياء بغلبة الإسلام على الاديان ورفع راية الحق على جميع بقاع الارض. لا نطيل الكلام بذكرها ونحن في غنى عنها بعد وعود الكتاب والسنّة.

 

2ـ ثقتنا بالشعوب الإسلامية:

نحن نؤمن ونثق بالشعوب الإسلامية كأمّة واحدة وكجيش ربّاني يجاهدون في سبيل الله صفّا كأنهم بنيان مرصوص شهد به الكتاب والسنّة والتاريخ والسيرة.

فاستمروا على ذلك سواء في حياة النبي عليه السلام أو بعد رحيله الى الملأ الأعلى فقد حملوا راية الإسلام على عواتقهم وكلمة التوحيد وذكر الله على ألسنتهم وضحّوا بأنفسهم في سبيله فشرّقوا وغرّبوا وما كانت قوتهم وسلاحهم الاّ كتاب الله وسنّة نبيه مع إيمان في قلوبهم واخلاص وصدق في نياتهم فكانوا يقتلون ويُقتلون ويجاهدون في سبيله لا يخافون لومة لائم ولايخشون إلاّ الله.

هذه الخصال الحميدة الضامنة لانتصارهم على اعدائهم ظهرت منهم عبر العصور وفي جميع الجبهات فقاموا بواجبهم وقاوموا خصومهم أيّا كانوا بدءا بالمشركين واهل الكتاب وغيرهم من اهل الملل والنحل الباطلة، الى صمودهم في الاندلس مدة ثمانمائة عام، وأمام الصليبيين مائتي سنة وضد الماركسية والإلحاد في روسيا واسيا الوسطى والبوسنة والهرسك وكوسوفا وغيرها من مناطق سلطة الاتحاد السوفييتي المنهار، سبعين سنة وتحت نير أتاتورك والقوى العلمانية حوالي ثمانين سنة والآن نرى رأي العين جهادهم وصمودهم «كالجبل الراسخ لا تحرّكه العواصف» امام الصهاينة في فلسطين منذ خمسين سنة. وفي كشمير منذ اربعين سنة وكذلك في غيرها من ارض الإسلام، أليست تلك البطولات والتضحيات التي حفظها لنا التاريخ ـ وهي قليل من كثير ـ بازاء هذه التي نشاهدها اليوم في كثير من الشعوب الإسلامية من القيام ضد المستعمرين والمستكبرين وحكّام الجور في كل مكان، أليست هذه كفيلة بثقتنا بأمتنا وبشعوبنا المسلمة؟

 

3ـ ثقتنا بالعلماء والقادة والحكّام:

لو استثنينا شرذمة من العلماء هنا وهناك باعوا دينهم بدنياهم أو بدنيا غيرهم من الحكام والرؤساء وكذلك ثلّة من الحكام والأمراء في الاقطار الإسلامية، وفي أوقات متفرقة غلبوا وساموا شعوبهم المسلمة ظلما وجورا ولم يراعوا كتاب ربهم ولا سنّة نبيهم في ما كانوا يصدرون من أحكام، وما يتداولونه من اعمال مجاورة لاهواءهم أو تلبية لمن اجلسهم على منصة الحكم من الاجانب والقوى الشريرة ـ لواستثنينا هؤلاء وأولئك فإن جل العلماء وجمهور القادة المسلمين في الاعصار والامصار كانت قلوبهم متعلقة بالإسلام وهمومهم مصروفة الى ارساء دعائمه واقامة اركانه وإن اختلفت آراؤهم ومذاهبهم ومسالكهم واتجاهاتهم السياسية حتى انجرّت الى التقاتل فيما بينهم ومع ذلك فنحن نرى أنّ حسناتهم غلبت سيآتهم في سبيل الإسلام والاّ لم تبق للاسلام باقية فما نقرأه في مطاوي التاريخ عن كثير منهم ـ لو كانت صدقا ـ فهي في الأغلب ترجع الى أحوالهم الشخصية دون آرائهم الدينية والسياسية ـ والعلم عند الله ـ فكم من عالم في  الشرق الإسلامي وغربه ضحّى بنفسه وأهله وماله في سبيل دينه، وجمهور منهم استشهدوا من اجل اعلاء كلمة الله وقد حفظ لنا التاريخ حياة نخبة صالحة من هؤلاء فرض علينا احياء ذكراهم أسوة للآخرين.

كذلك يوجد من بين الأمراء والحكّام ـ ولاسيّما في صدر الإسلام ـ جماعة ممن قدّم دينه على هواه، ويا حبّذا لو تُستقصى أخبارهم في كتاب ليكونوا اسوة للشباب والمثقّفين والموظّفين والحكّام في هذا العصر. وفرض علينا أن لا ننسى مواقفهم الجميلة وحرصهم على نشر الإسلام، ولانهتم بالحديث عن سيآتهم وتعظيم خطيئاتهم، فالمسلم لايكون سيء الظن بالناس وبأخيه المسلم، فينظر اليه بمنظار التخطئة بدل السماحة والعفو، وهكذا ربنا الرحمن.

 

4ـ ثقتنا بشبابنا والمثقّفين من أبنائنا:

في تقديرنا أنه لم يمض على جيل من الاجيال المسلمة خلال الف واربعمائة وعشرين عاما مضت على إنبثاق نور الإسلام ما جرى على الشباب المسلم في القرن العشرين وفي الآونة الاخيرة منه بالذات من الفوضى في التفكير والعقيدة ومن تشتت الآراء وتلوّن الافكار وما ظهرت من أطوار الفلسفة والاتجاهات الفكرية، كما تعرّض الشباب لألوان من شبكات الفساد والمعاصي والضلال والمآسي، اخلاقا وسلوكا وتقاليدا التي جاءت من الغرب وشاعت كأمراض سارية بين الشعوب والمسلمين وهذه يُعبّر عنها بالغزو الثقافي أو «التسلل الثقافي» على حد تعبير قائدنا الإمام الخامنئي حفظه الله. وليس مبالغة من القول  أنّ الشباب اليوم في كل بقعة من الارض يعيشون خطرا عظيما وأنّهم على شفا حفرة لابل حُفر من النار ومع ذلك كله فنحن متفائلون بشبابنا وبالجيل المثقّف ونرى أن معظمهم وقوا أنفسهم من لهيب هذه النار المستعرة، والمحرقة للرطب واليابس والذين وقعوا في خندقها يُرجى خلاصهم منها، وقد كثر أولئك الذين نجوا منها بعد  الاكتواء بلظاها. ونؤكد على أنّ أعظم الخطر  الذي كان يهدد شبابنا خاصة المثقّف منهم قد نكص وارتد أمام صمود كثير من تلك القلوب الطيبة والاُسر الاصيلة فغلبتها التقاليد الدينية الموروثة عن الأسلاف. ومع ذلك فلا ننكر أنّ كثيرا من العائلات في البلاد الإسلامية تأثروا بالتقاليد الاجنبية. وفُتنوا بالاجهزة الفتّانة التي تتزايد كل يوم وتُستخدم كل آن للفساد والاضلال.

وعلى كل حال ففي زعمنا أنّ شطرا كبيرا من الجيل المثقّف قد تجاوزوا هذا الخطر وسلموا من هذا التحدي الحديث فالتزموا روح التقوى والحمية الدينية وهم مستعدون لحمل هذه الامانة الى الآخرين ولو انقطع يوما من الايام هذا الرجاء في الشباب ـ لا قدّر الله ـ لانطفأ نور الإسلام وفقدت هذه الدعوة المباركة من يحملها الى الأجيال المقبلة وهذا ما يبتغيه ويحبذه الاعداء وقد تعلّقت به آمالهم فيبذلون جهودهم في سبيله ولكنهم بإذن الله حسب ما وعدنا في كتابه وعلى لسان نبيّه خائبون.

والشاهد على تلك الثقة بالشباب ما نرى ونسمع من الحركات الإسلامية هنا وهناك التي يقودها الشباب والمثقّفون وما نشاهده في مواسم الحج من جمّ غفير من شابّ وشابّة مثقفة بين الحجيج وكذلك في صفوف الجمعة والجماعات وفي المساجد والمشاهد المشرّفة وحلقات الحديث وقراءة القرآن كما نشاهدهم في ميادين النضال في فلسطين وغيرها وقد جرّبنا نحن شبابنا عند انبثاق الثورة الإسلامية او في خلال معارك الحرب المفرضوة فهل في الشباب بعد هذا وذاك من ريب؟

 

5ـ ثقتنا بالاسلام واستعداده للبقاء والتنامي:

أمّا طبيعة الإسلام فقد اثبتت استعدادها للبقاء وتفاعلها مع الاحوال والمستجدات في كل بلاد الإسلام شرقا وغربا وشمالا وجنوبا فلم يقاوم أمام شرائعه واحكامه شيء من التطورات ولم يقف تفاعله مع المشاكل والاحوال يوما من الأيام ويكفيك شاهدا على ذلك تاريخ الإفتاء والقضاء في الإسلام، وتنامي الفقه وتفتّحه عند جميع المذاهب فلم يعرقله شيء عن ركب الحياة والارتقاء بل عن السبق في ميادين السباق.

و لو تأمّلنا في آية «مَثَلُ كلمة طيبة» لنراها مثلا بارزا من نمو الشريعة الإسلامية ـ ولم أر احدا لحد الان تنبّه لذلك ـ فإنّ «الكلمة الطيبة» تشمل العقيدة والشريعة والاخلاق ـ ولها اصول ثابتة في الكتاب والسنّة لا تتغير ولا تتبدّل. وفروع ناشئة عن تلك الاصول، مرتفعة في السماء ـ والسماء مثلٌ من اللامحدودية ـ متشعّبة ومتغيّرة حسب الحاجات.

فالإسلام اصوله كأصله ثابتة وفروعه ناشطة حسب الاحوال والمستجدات تؤتي اُكلها وثمارها كل حين، وفي كل مصر بإذن ربّها ولا يقف عطاءها عبر العصور.

وكما ان الإسلام في الماضي تماشى مع الثقافات والآراء تفاعلا مع فلسفة اليونان بالذات ومع عرفان الهند وإيران فقد غذّاها الإسلام وربّاها من عطاءه بما لا يكاد يخطر بالبال، كذلك نشاهد العلماء والمفكّرين في هذا العصر يطبّقون الإسلام على العلوم الحديثة والافكار الجديدة في الفن والاقتصاد، والاجتماع والحكم والسياسة وغيرها اقتداء بسلفهم الذين انكفئوا الى أخذ الفلسفة والعرفان من الامم السالفة وطبّقوها على ما استنبطوه من اسرار الكتاب والسنّة وهذا باب واسع لا نريد هنا أن نلجه ونخوض فيه.

والحاصل أنّ الماضي مرآة للمستقبل، ويبشّرنا بكل خير في تقديرنا وتقويمنا عن الإسلام في المستقبل من جهات شتى:

أولاً: تقدّم العلوم وتوسّعها ـ وهي كفيلة بمعرفة اسرار الكون أكثر من ذي قبل ـ يفتح ويكشف لنا أسرارا من شريعتنا ومن كتاب ربّنا كما قال «انّ هذا إلاّ ذكر للعالمين ولتعلمنّ نبأه بعد حين» وقال: «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم....» «فصلت 53».

ثانياً ـ تقدّم الشعوب المسلمة ثقافة واقتصادا وثقة بالنفس واستقلالا بالحكم.

ثالثاً ـ تهاون او إنقضاء السلطات العالمية ـ واستسلامها أمام بطولات الشعوب المستيقظة وفي طليعتهم المسلمون حيث خلصوا نجيّا من نير الاستعمار أو كادوا أن يخلصوا.

رابعاً ـ فشل أو تواني روح الطائفية والمذهبية في الأوساط العلمية والجامعات الإسلامية ودور العلم، وبذلك ستذهل وتتقلّص وتذوب تلك الخلافات التي تلاشت بسببها قوتنا، وذهبت بها ريحنا ـ على حد تعبير القرآن ـ فقد عثر العلماء والمفكّرون على هويتهم بعد ان افتقدوها من خلال اشتغالهم بالخلافات التي لا طائل تحتها ولا نائل وارتفعت الأغلال التي كانت عليهم، وزالت عنهم تلك العراقيل التي حالت دون وحدتهم ـ قرونا وأجيالا فانّ العالم بأسره الآن متفتح أكثر من الماضي والمفكّرون يهتمون بالإفادة والإصلاح والعمل الجاد المثمر بدل الخوض في ما لايغني، والمسلمون أحق وأولى من غيرهم بذلك.

خامساً ـ ويقع هذا في القمة ـ ظهور حركات سياسية في العالم الإسلامي منذ بداية القرن العشرين تُنادي باقامة الحكم الإسلامي في ارض الإسلام مستمدا من جوهر الإسلام كما كان في الصدر الاول. والمصلح الكبير «السيد جمال الدين الاسد آبادي» المعروف بالأفغاني هو اول من رفع هذا اللواء من غير نكير في هذا القرن ثم تبعه الآخرون في افريقيا وآسيا، لاسيما في مصر وايران والقارة الهندية واسيا الوسطى. وهذه الدعوة المباركة مستمرة لحد الآن ومن أقواها مادة وأوسعها نطاقا حركة الاخوان المسلمين. ولكن تلك الحركات كانت تقدم رجلا وتؤخر اخرى وكان لها قبض وبسط واقبال وادبار هنا وهناك حسب مستدعيات الاحوال، ولم تنجح في بقعة من البقاع الاّ في ايران بزعامة الفقيه البارع والمصلح الكبير الإمام الخميني قدس الله سره، فقد أعطى الامام نموذجا بديعا للحكومة الإسلامية بما لم يسبقه سابق.

ومعلوم أنّ الحكم الإسلامي هو دعامة الإسلام والركن الركين الكفيل باحياء الشريعة الغراء. وقد كان زوال الحكم الإسلامي وانعدامه من الساحة من أكبر التحديات الهدّامة لكيان الإسلام وأمّا الآن فالجمهورية الإسلامية بحمد الله قد حققت جملة من آمال هؤلاء المصلحين القدامى في هذه الارض المباركة وفتحت الطريق السوي والصراط المستقيم أمام الباقين، وهذا كما قلنا يقع في قمة البشائر التي أحصيناها وسنحققها تماما بإذن الله وسيأتيك نبأه بعد حين.

 

 

التحديات

 

اما التحديات في عالمنا فتستفحل وتتفاقم كل يوم من داخل البلاد وخارجها:

أما التحديات الخارجية، وهي أهمها وأشدّها تأثيرا فهي:

1ـ الغزو الثقافي الآتي من جانب الاتصال المستمر بين الشرق المسلم والغرب المتمرّد، فيطّلع الانسان المسلم على اعمالهم ويستسلم لتقاليدهم سواء عن طريق الرحلات المتبادلة بين القطرين، او بسبب الصحف والكتب والافلام والراديو والتلفزيون، واخيرا بواسطة الاقمار الاصطناعية وشبكة الانترنت وغيرها من وسائل المعلوماتية التي تتولّد من جديد.

2ـ الغزو العلمي فإنّ الغرب دائما يتقدم علمياً وتقنياً الى جانب انحطاطه في ناحية السلوك والاخلاق والأهواء وهذا بدوره قد جعل الغرب قبلة آمالنا في العلوم والفنون فنتحرك وراءهم في المستقبل كما في الماضي، وستبقى لهم علينا سيطرة علمية وتقنية وهذا بنفسه خطر آخر ربما يفوق خطر الغزو الثقافي.

3ـ المواثيق والمعاهدات المستحكمة بين دول الغرب ضدّنا فإنّهم مع تضادهم واختلافهم فيما بينهم متوافقون على التعاون والتعامل والسعي المشترك في سبيل إضعافنا وسلب ثرواتنا والتغلّب علينا سياسياً واقتصادياً وثقافياً.

4ـ التبشير والاستشراق فانهما كانا حليفين ضدنا في الماضي، وسيستمران على ذلك في المستقبل، وقد سمعنا أنّ الفاتيكان مصممة على تنصير أفريقيا حتى نهاية القرن القادم.

5ـ إحتلال بقاع من بلادنا في فلسطين وكشمير والبلقان وغيرها من قبل خصوم ألدّاء.

6ـ تواجد بقايا من الاستعمار والاحتلال الغربي في بقاع من أرض الإسلام، بل الاستعمار الجديد في كثير منها.

7ـ ظهور فرق متمردة عن الإسلام ـ وكثير منها عميلة للأجنبي ـ واعتناقهم ما يحسبونها ديناً ـ وما أنزل الله به من سلطان ـ: كالقاديانية والبهائية وغيرهما ولها نشاط كبير واهتمام بالغ بنشر ضلالاتها بين المسلمين بأسلوب يفتن الشباب.

8ـ الجاليات الإسلامية في البلاد غير الإسلامية مهددّون بالعزوف عن دينهم، وبتناسي تقاليدهم وعاداتهم الدينية التي ورثوها عن آباءهم بالاختلاط والتأثر بالشعوب التي يعيشون بين ظهرانيهم، وهذا ما يقال له: التأقلم، أي التأثر بالاقليم.

وأما التحديات الداخلية فهي عبارة اجمالا عن:

1ـ تأثّر الشعوب المسلمة ثقافيا وتقنيا بأعداءهم.

2ـ الفقر المزمن والفوضى الاقتصـادية، وتتبعه الامراض البدنية والنفسية.

3ـ عدم استقلال جملة من الحكومات في الاقطار الإسلامية وتضامنها مع السلطات الاستكبارية، وبالتالي فقدان روح العزة الإسلامية وعدم الاهتمام بالإسلام وبمصلحة الشعوب المسلمة.

4ـ وجود الخلافات والمناورات السياسية بين هؤلاء الحكّام على الثغور والحدود،  أو تحرّكها وراء الخطوط السياسية التي تربطهم بجبهة اقليمية شرقية أو غربية اجنبية، كالانتماء الى روسيا أو انكلترا أو فرنسا أو أميركا بل انتمائهم الى جبهة إسلامية موحّدة قائمة على قدميها قبال تلك الجبهات الاجنبية.

5ـ وجود الخلافات المذهبية التي باعدت بين أتباع المذاهب والتي تستفحل وتتعاظم هنا وهناك، ومن وقت لآخر، حتى تنتهي الى تكفير أو تفسيق بعضهم البعض وفي كثير من الاحيان الى التقاتل فيما بينهم، برغم انهم اخوة مسلمون كما قال تعالى: (إنّما المؤمنون إخوة) «الحجرات 10».

وهذا من غير شك شرّ، وشرّ منه عدم قيام المسلمين باجراء آية أخرى من القرآن عالجت هذه المشكلة، وهي: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينها فإن بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا انّ الله يحبّ المقسطين)«الحجرات9».

هذه الآية تكلّفنا بالاصلاح بين الطائفتين المتقاتلتين من المؤمنين فهل قمنا بهذا الواجب في الحروب التي وقعت وتقع بين قطرين من الاقطار الإسلامية؟ أو كل طائفة منا تقوم بكل قوتها بمعاضدة أحد طرفي القتال محقّا كان أو باغياً لا لشيء إلاّ لمنفعة لنا نجدها في هذا الطرف دون ذاك.

6ـ إحياء واستيقاظ روح العنصرية والقومية بين طوائف المسلمين حتى في بلد واحد وهذه بدورها احدى شبكات الاجانب تلقاء المسلمين فانّ الإسلام مع اعترافه باختلاف الشعوب والقبائل كحقيقة اجتماعية منع من التفاخر بها وأكد بأنّ أكرمهم عند الله أتقاهم، وعندنا أن هذه الظاهرة الخبيثة في هذا القرن لون من الاستعمار الجديد.

7ـ التفاوت الطبقي في المجتمعات الإسلامية الى غيرها من التحديات.

 

 

المسؤوليات والواجبات

 

وهي كثيرة إذا أردنا التفصيل، وأمّا القول الموجز فيجمعها:

أولاً: الاهتمام بأمور المسلمين، فانّ النبي «ص» قال: من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم، وهذا الاهتمام يستدعي معرفة الشعوب المسلمة عِدّة وعُدّة وما فيهم من نقاط القوة والضعف ومن حالات وتحولات ايجابية أو سلبية.

ثانياً: التعاضد على القيام أمام تلك التحديات التي عددناها وازالة ما فيهم من النقص ومالهم من حاجة ملحّة مادية أو معنوية.

ثالثاً: الاستفادة التامة من تلك البشائر والايجابيات التي أحصيناها والاستمرار عليها حتى بلوغ المسلمين الغاية التي وعدهم ربّهم بها في كتابه من استخلافهم في الأرض وليكونوا أعزّة فإنّ العزة لله ولرسوله وللمؤمنين وكفى بالله شهيدا.

وفي الختام ارحّب بكم أيّها الاخوة الحضور والاساتذة الكرام وأحييكم بأطيب التحيات وأشكركم شكراً كثيراً وأسأل الله تعالى لي ولكم كل خير وأن يشملنا جميعاً عفوه ورحمته. ثم فرض علينا عرفان الجميل وأن نشكر تجمّع العلماء المسلمين من أجل عقد هذا المؤتمر العظيم ووقوفه الى جانب المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية وتعاضده معه في انجاز مهمته، وهي التقريب بين أتباع المذاهب الإسلامية وازالة ما حدث بينهم من التناكر والعداء ليقفوا صفا واحدا امام الاعداء بإذن الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وسلام على المرسلين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته