فى ابتداء الخير وإخفائه على أحد الاقوال للاعتداد به والتنبيه على منزلته وكونه من الخير بمكان وذكر إبداء الخير وإخفائه توطئة وتمهيدا له كما ينبىء عن ذلك قوله تعالى : فان الله كان عفوا قديرا .
149 .
- فان إيراد العفو فى معرض جواب الشرط يدل على أن العمدة العفو مع القدرة ولو كان إبداء الخير وإخفاؤه أيضا مقصودا بالشرط لم يحسن الاقتصار فى الجزاء على كون الله تعالى عفوا قديرا أى يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على المؤاخذة وقال الحسن : يعفو عن الجانين مع قدرته على الانتقام فعليكم أن تقتدوا بسنة الله تعالى وقال الكلبى : هو أقدر على عفو ذنوبكم منكم على عفو ذنوب من ظلمكم وقيل : عفوا عمن عفا قديرا على إيصال الثواب اليه نقله النيسابورى وغيره إن الذين يكفرون بالله ورسله أى على مايؤدى اليه مذهبهم وتقتضيه آراؤهم لاأنهم يصرحون بذلك كما ينبىء عنه قوله تعالى : ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله فى الايمان بأن يؤمنوا به D ويكفروا برسله عليهم الصلاة والسلام لكن لايصرحون بالايمان به تعالى وبالكفر بهم قاطبة بل بطريق الالتزام كما يحيكه قوله تعالى : ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض أى نؤمن ببعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ونكفر ببعضهم كما فعل أهل الكتاب وماذلك إلا كفر بالله تعالى وتفريق بين الله تعالى ورسله لأنه D قد أمرهم بالإيمان بجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما من نبى إلا وقد أخبر قومه بحقية دين نبينا صالى الله تعالى عليه وسلم فمن كفر بواحد منهم فقد كفر بالكل وبالله تعالى أيضا من حيث لايشعر ويريدون بهذا القول أن يتخذوا بين ذلك أى الايمان والكفر سبيلا أى طريقا يسلكونه مع أنه لاواسطة بينهما قطعا إذ الحق لايختلف وماذا بعد الحق إلا الضلال ! هذا ماذهب اليه البعض فى تفسير الآية وهو الذي تؤيده الآثار فقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة أنه قال فيها : أولئك أعداء الله تعالى اليهود والنصارى آمنت اليهود بالتوراة وموسى وكفروا بالانجيل وعيسى عليه السلام وآمنت النصارى بالانجيل وعيسى عليه السلام وكفروا بالقرآن ومحمد صلى الله عليه و سلم فاتخذوا اليهودية والنصرانية وهما بدعتان ليستا من الله D وتركوا الاسلام وهو دين الله تعالى الذي بعث رسله وأخرج ابن جرير عن السدى وابن جريج مثله وقال بعضهم : الذين يكفرون بالله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام هم الذين خلص كفرهم الصرف بالجميع فنفوا الصانع مثلا وأنكروا النبوات والذين يفرقون بينه تعالى وبين رسله عليهم الصلاة والسلام هم الذين آمنوا بالله تعالى وكفروا برسبله عليهم الصلاة والسلام لاعكسه وإن قيل : إنه يتصور فى النصارى لايمانهم بعيسى عليه السلام وكفرهم بالله تعالى حيث قالوا : إنه تالث ثلاثة والكفر بالله سبحانه شامل للشرك والانكار إذ لايخفى مافيه والذين يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض هم الذين آمنوا ببعض الانبياء عليهم السلام وكفروا ببعضهم كاليهود فهذه أقسام متقابلة كان الظاهر عطفها بأو لكن أتى بالواو بدلها فهى بمعناها وقيل : إن الموصول مقدر بناءا على جواز حذفه مع بقاء صلته وقيل : إن قوله تعالى : ويريدون أن يفرقوا الخ عطف تفسيرى على قوله سبحانه : يكفرون لأن هذه الأرادة عين الكفر بالله تعالى لأن من كفر برسل الله سبحانه فقد كفر بالله تعالى كالبراهمة وأما قوله جل وعلا : ويقولون نؤمن ببعض الخ فعطف على صلة الموصول والواو بمعنى أو التنويعية فالأولون