وعدة آيها مائة وعشرون عند الكوفيين وثلاث وعشرون عند البصرين واثنان وعشرون عند غيرهم ووجه اعتلاقها بسورة النساء على ماذكره الجلال السيوطى عليه الرحمة أن سورة النساء قد اشتملت على عدة عقود صريحا وضمنا فالصريح عقود الأنكحة وعقد الصداق وعقد الحلف وعقد المعاهدة والأمان والضمنى عقد الوصية والوديعة والوكالة والعارية والاجارة وغير ذلك الداخل فى عموم قوله تعالى : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فناسب أن تعقب بسورة مفتتحة بالأمر بالوفاء بالعقود فكقيل : ياأيها الناس أوفوا بالعقود التى فرغ من ذكرها فى السورة التى تمت وإن كان فى هذه السورة أيضا عقود ووجه أيضا تقديم النساء وتأخير المائدة بأن أول تلك ياأيها الناس وفيها الخطاب بذلك فى مواضع وهو اشبه بتنزيل المكى وأول هذه ياأيها الذين آمنوا وفيها الخطاب بذلك فى مواضع وهو أشبه بخطاب المدنى وتقديم العام وشبه المكى أنسب .
ثم إن هاتين السورتين فى التلازم والاتحاد نظير البقرة وآل عمران فتانك اتحدا فى تقرير الأصول من الوحدانية والنبوة ونحوهما وهاتان فى تقرير الفروع الحكمية .
وقد ختمت المائدة فى صفة القدرة كما افتتحت النساء بذلك وافتتحت النساء ببدء الخلق وختمت المائدة بالمنهى من البعث والجزاء فكأنهما سورة واحدة اشتملت على الأخكام من المبدأ إلى المنتهى ولهذه السورة أيضا اعتلاق بالفاتحة والزهراوين كما لايخفى على المتأمل .
بسم الله الرحمن الرحيم ياأيها الذين آمنوا أفوا بالعقود الوفاء حفظ ما يقتضيه العقد والقيام بموجبه ويقال : وفى ووفى وأوفى بمعنى لكن فى المزيد مبالغة ليست فى المجرد وأصل العقد الربط محكما ثم تجوز به عن العهد الموثق وفرق الطبرسى بين العقد والعهد بأن العقد فيه معنى الاستيثاق والشد ولايكون إلا بين اثنين والعهد قد يتفرد به واحد واختلفوا فى المراد بهذه العقود على أقوال : أحدها أن المراد به العهود التى أخذ الله تعالى على عباده بالإيمان به وطاعته فيما أحل لهم أو حرم عليهم وهو مروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وثانيها العقود التى يتعاقد الناس بينهم كعقد الإيمان وعقد النكاح وعقد البيع ونحو ذلك واليه ذهب ابن زيد وزيد بن أسلم وثالثها العهود التى كانت تؤخذ فى الجاهلية على النصرة والمؤازرة على من ظلم وروى ذلك عن مجاهد والربيع وقتادة وغيرهم ورابعها العهود التى أخذها الله تعالى على أهل الكتاب بالعمل بما فى التوراة والانجيل مما يقتضى التصديق بالنبى صلى الله عليه وسلّم وبما جاء به وروى ذلك عن ابن جريج وأبى صالح وعليه فالمراد من الذين آمنوا مؤمنوا أهل اكتاب وهو خلاف الظاهر واختار بعض المفسرين أن المراد بها مايعم جميع ماألزمه الله تعلاى عباده وعقد عليهم من التكاليف والاحكام الدينية وما يعقدونه فيما بينهم من عقود الأمانات والمعاملات ونحوهما مما يجب الوفاء به أو يحسن دينا ويحمل الأمر على مطلق الطلب ندبا أو وجوبا ويدخل فى ذلك اجتناب المحرمات والمكروهات لأنه أوفق بعموم اللفظ إذ هو جمع محلى باللام وأوفى بعموم الفائدة .
واستظهر الزمخشرى كون المراد بها عقود الله تعالى عليهم فى دينه من تحليل حلاله وتحريم حرامه لما فيه كا فى الكشف من براعة الاستهلال والتفصيل بعد الاجمال لكن ذكر فيه أن مختار البعض أولى لحصول الغرضين زيادة التعميم وأن السور الكريمة مشتملة على أمهات التكاليف الدينية فى الأصول والفروع ولو لم يكن