إلى بلد ولايزال يطلب وهو هارب فرقا إلى أن يتوب ويرجع وبه قال ابن عباس والحسن والسدى رضى الله تعالى عنهم وابن جبير وغيرههم واليه ذهب الامامية وعن عمر بن عبد العزيز وابن جبير فى رواية أخرى أنه ينفى عن بلده فقط وقيل : إلى بلد أبعد وكانوا ينفونهم إلى دهلك وهو بلد فى أقصى تهامة وناصع وهو بلد من بلاد الحبشة واستدل للأول بأن المراد بنفى قاطع الطريق زجره ودفع شره فاذا نفى إلى بلد آخر لم يؤمن ذلك منه وإخراجه من الدنيا غير ممكن ومن دار الإسلام غير جائز فان حبس فى بلد آخر فلا فائدة فيه إذ بحبسه فى بلده يحصل المقصود وهو أشد عليه .
هذا ولما كانت المحاربة والفساد على مراتب متفاوتة ووجوه شتى شرعت لكل مرتبةمن تلك المراتب عقوبة معينة بطريق كما أشرنا اليه فأو للتقسيم واللف والنشر المقدر على الصحيح وقيل : إنها تخييرية والامام مخير بين هذه العقوبات فى كل قاطع طريق والأول علم بالوحى وإلا فليس فى اللفظ مايدل عليه دون التخيير ولأن فى الآية أجزية مختلفة غلظا وخفة فيجب أن تقع فى مقابلة جنايات مختلفة ليكون جزاء كل سيئة سيئة مثلها ولأنه ليس للتخيير فى فى الأغلظ والأهون فى جناية واحدة كبير معنى والظاهر أنه أوحى اليه صلى الله عليه وسلّم هذا التنويع والتفضيل ويشهد ماأخرجه الخرائطى فى مكارم الاخلاق عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وزعم بعضهم أن التخيير أقرب وكونه بين الأغلظ والأهون بالنظر إلى الأشخاص والأزمنة فان العقوبات للانزجار وإصلاح الخلق وربما يتفاوت الناس فى الانزجار فوكل ذلك إلى رأى الامام وفيه فصل تأمل فتأمل ذلك أى مافصل من الاحكام والأجزية وهو مبتدأ وقوله تعالى : لهم خزى جملة من خبر مقدم ومبتدأ فى محل رفع خبر للمبتدأ وقوله سبحانه : فى الدنيا متعلق بمحذوف وقع صفة لخزى أو متعلق به على الظرفية وقيل : خزى خبر لذلك و لهم متعلق بمحذوف وقع حالا من خزى لأنه فى الأصل صفة له فلما قدم انتصب حالا و فى الدنيا إما صفة لخزى أو متعلق به كما مر آنفا والخزى الذل والفضيحة ولهم فى الأخرة عذاب عظيم .
33 .
- لايقادر قدره وذلك لغاية عظم جناياتهم واقتصر فى الدنيا على الخزى مع أن لهم فيها عذابا أيضا وفى الآخرة على العذاب مع أن لهم فيها خزيا أيضا لأن الخزى فى الدنيا أعظم من عذابها والعذاب فى الآخرة أشد من خزيها والآية أقوى دليل لمن يقول إن الحدود لاتسقط العقوبة فى الآخرة والقائلون بالإسقاط يستدلون بقوله A فى الحديث الصحيح : من ارتكب شيئا فعوقب به كان كفارة له فانه يقتضى سقوط الإثم عنه وأن لايعاقب فى الآخرة وهو مشكل مع هذه الآية وأجاب النووى بأن الحد يكفر به عنه حق الله تعالى وأما حقوق العباد فلا ههنا حقان لله تعالى والعباد ونظر فيه إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم استثناء مخصوص بما هو من حقوق الله تعالى كما ينبىء عنه قوله تعالى : فأعلموا أن الله غفور رحيم .
34 .
- وأما ماهو من حقوق العباد كحقوق الاولياء من القصاص ونحوه فيسقط بالتوبة وجوبه على الامام من حيث كونه قصاصا فانهم إن شاءوا عفوا وإن أحبوا استوفوا .
وقال ناصر الدين البيضاوى : إن القتل قصاصا يسقط بالتوبة وجوبه لاجوازه وشنع عليه لضيق عبارة العلامة ابن حجر فى كتابه التحفة وأفرد له تنبيها فقال بعد نقله وهو عجيب أعجب منه سكوت شيخنا عليه فى حاشيته