قولا وفعلا امنوا بمانفى عنهم الايمان فيندرج فيه فرض إيمانهم برسول الله صلى الله عليه و سلم وحذف المتعلق ثقة بظهور مما سبق من قوله تعالى : هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله الح ومالحق من قوله سبحانه : ولو أنهم أقاموا التوراة الخ .
وتخصيص المفعول بالإيمان به E يأباه كما قال شيخ الاسلام المقام لأن ماذكر فيما سبق وما لحق من كفرهم به E إنما ذكر مشفوعا بكفرهم بكتابهم أيضا قصدا إلى الالزام والتبكيت ببيان أن الكفر به صلى الله عليه و سلم مستلزم للكفر بكتابهم فحمل الإيمان ههنا على الإيمان به E مخل بتجاوب النظم الكريم وقدر قتادة فيما أخرجه عنه ابن حميد وغيره المتعلق بما أنزل الله وهو ميل إلى التعميم وكذا عمم فى قوله تعالى : واتقوا فقال : أى ماحرم الله تعالى .
وقال شيخ الاسلام : ماعددنا من معاصيهم التى من جملتها مخالفة كتباهم لكفرنا عنهم سيئاتهم التى اقترفوها وسارعوا فيها وإن كانت فى غاية العظمة ولم نؤاخذهم بها وجمعها قلة إما باعتبار الأنواع وإما باعتبار أنها وان كثرت قليلة بالنسبة إلى على كرم الله تعالى وقد أشرنا فيما تقدم أن جمع القلة قد يقوم مقام جمع الكثرة إذا اقتضاه المقام ولأدخلنهم مع ذلك جنات النعميم .
65 .
- وجعل أبو حيان تكفير السيئآت فى مقابلة الايمان وإدخال جنات النعيم فى مقابلة التقوى وفسرها بامتثال الأوامر واجتناب النواهى فالآية من باب التوزيع والظاهر عدمه وتكرير اللام لتأكيد الوعد وفيه تنبيه على كمال عظم ذنوبهم وكثرة معاصيهم وأن الاسلام ماقبله وإن جل وجاز الحد وفى إضافة الجنات إلى النعيم تنبيه على مايستحقونه من العذاب لو لم يؤمنوا ويتقوا .
وأخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن مالك بن دينار أنه قال : جنات النعيم بين جنات الفردوس وجنات عدن وفيها جوار خلقن من ورد الجنة قيل فمن يسكنها قال : الذين هموا بالمعاصى فلما ذكروا عظمة الله تعالى شأنه راقبوه ولايخفى أن مثل هذا لايقال من قبل الرأى والذى يقتضيه الطاهر أن يقال لسائر الجنات : جنات النعيم وإن اختلفت مراتب النعيم فيها ولو أنهم أقاموا التوراة والأنجيل أى وفوا حقهما بمراعاة مافيهما من الأحكام التى من جملتها شواهد نبوته صلى الله عليه و سلم ومبشرات بعثته وليس المراد مراعاة جميع مافيهما من الأحكام منسوخة كانت أو غيرها فان ذلك ليس من الإقامة فى شىء وماأنزل إليهم من ربهم من القرآن المجيد المصدق لما بين يديه كما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما واختاره الجبائى وغيره وقيل : المراد بالموصول كتب أنبياء بنى اسرائيل ككتاب شعيا وكتاب حزقيل وكتاب حبقوق وكتاب دانيال فانها مملوءة بالبشائر بمبعثه صلى الله عليه و سلم واختاره أبو حيان ويجوز أن يراد به مايعم ذلك والقرآن العظيم وإنزال الكتاب إلى أحد مجرد وصوله اليه وإيجاب العمل به وإن لم يكن الوحى نازلا عليه والتعبير عن القرآن بذلك العنوان للايذان بوجوب إقامته عليهم لنزوله اليهم وللتصريح ببطلان ماكانوا يدعونه من عدم نزوله إلى بنى اسرائيل وتقديم اليهم لما مر آنفا وفى إضافة الرب إلى ضميرهم مزيد لطف بهم فى الدعوة إلى الإقامة