لزيارة كعبة الوصول بشيء من الصيد أي الحظوظ والمقاصد النفسانية تناله أيديكم ورماحكم أي يتيسر لكم ويتهيأ ما يتوصل به إليه .
وقيل : ما تناله الأيدي اللذات البدنية وما تناله الرماح اللذات الخيالية ليعلم الله العلم الذي ترتب عليه الجزاء من يخافه بالغيب أي في حال الغيبة ولا يكون ذلك إلا للمؤمنين بالغيب لتعلقه بالعقاب الذي هو من باب الأفعال وأما في الحضور فالخشية والهيبة دون الخوف والأولى بتجلي صفات الربوبية والعظمة والثانية بتجلي الذات فالخوف كما قيل من صفات النفس والخشية من صفات القلب والهيبة من صفات الروح فمن اعتدى بعد ذلك بتناول شيء من الحظؤظ فله عذاب أليم وهو عذاب الاحتجاب يا أيها الذين آمنوا لاتقتلوا الصيد وأنتم حرم أي في حال الاحرام الحقيقي ومن قتله منكم متعمدا بأن ارتكب شيئا من الحظوظ النفسانية قصدا فجزاء مثل ما قتل بأن يقهر تلك القوة التي ارتكب بها من قوى النفس البهيمية بأمر يماثل ذلك الحظ يحكم به ذوا عدل منكم وهما القوتان النظرية والعملية هديا بالغ الكعبة الحقيقية وذلك بافنائها في الله D أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما أي أو بستر تلك القوة بصدقة أو صيام أحل لكم صيد البحر وهو مافي العالم الروحاني من المعارف وطعامه وهو العلم النافع من المعاملات والاخلاق متاعا أي تمتيعا لكم أيها السالكون بطريق الحق وللسيارة المسافرين سفر الآخرة وحرم عليكم صيد البر وهو في العالم الجسماني من المحسوسات والحظوظ النفسانية واتقوا الله في سيركم واعلموا أنكم اليه تحشرون بالفناء فاجتهدوا في السلوك ولا تقفوا مع الموانع وهو الله تعالى الميسر للرشاد واليه المرجع والمعاد .
جعل الله الكعبة أي صيرها وسميت كعبة على ما روى عكرمة ومجاهد لأنها مربعة والتكعيب التربيع وتطلق لغة على كل بيت مربع وقد يقال : التكعيب للارتفاع قيل : ومنه سميت الكعبة كعبة لكونها مرتفعة ومن ذلك كعب الانسان لارتفاعه ونتوه وكعبت المرأة إذا نتأ ثديها وقيل : سميت كعبة لانفرادها من البناء ورده الكرماني إلى ما قبله لأن المنفرد من البناء نات من الأرض .
وقوله تعالى البيت الحرام عطف بيان على جهة المدح لأنه عرف بالتعظيم عندهم فصار في معنى المعظم أو لأنه وصف بالحرام المشعر بحرمته وعظمته وذكر البيت كالتوطئة له فالاعتراض بالجمود من الجمود دون التوضيح وقيل : جيء به للتبيين لأنه كان لخثعم بيت يسمونه بالكعبة اليمانية .
وجوز أن يكون بدلا وان يكون مفعولا ثانيا لجعل وقوله سبحانه : قياما للناس نصب على الحال ويرده عطف ما بعده على المفعول الاول كما ستعلم قريبا إن شاء الله تعالى بل هذا هو المفعول الثاني .
وقيل : جعل بمعنى خلق فتعدى لواحد وهذا حال ومعنى كونه قياما لهم أنه سبب اصلاح أمورهم وجبرها دينا ودنيا حيث كان مأمنا لهم وملجأ ومجمعا لتجارتهم يأتون اليه من كل فج عميق ولهذا قال سعيد بن جبير : من أتى هذا البيت يريد شيئا للدنيا والآخرة أصابه ومن ذلك أخذ بعضهم أن التجارة في الحج ليست مكروهة وروي هذا عن ابي عبد الله رضي الله تعالى عنه .
وأخرج ابن جرير و أبن أبي حاتم عن ابن زيد قال : كان الناس كلهم فيهم ملوك يدفع بعضهم عن بعض