المقام وذلك أنه سبحانه وتعالى بكتم بما كانوا عليه من اختصاصهم إياه تعالى بالدعاء عند الكرب ألا ترى إلى قوله جل شأنه : ثم إذا مسكم الضر فاليه تجأرون فلا مانع من ذكر أمرين والتقريع على أحدهما دون الآخر لاسيما عند اختصاصه بالتقريع انتهى وربما يقال : إن كشف القوارع الدنيوية والاخروية بدعاء المؤمن أو المشرك بل قبوله الدعاء مطلقا مشروط بالمشيئة وبذلك تقيد آية ادعوني استجب لكم وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان لكن انتفاء المشيئة متحقق في بعض الصور كما في قبوله دعاء الكفار بكشف قوارع الساعة وما يلقونه من سوء الجزاء على كفرهم وكشف بعض الأهوال عنهم ككرب طول الوقوف حين يشفع صلى الله عليه وسلّم فيشفع في الفصل بين الخلائق يومئذ ليس من باب استجابة دعائهم في شيء .
على أن كرب طول الوقوف الذي يفارقونه نعيم بالنسبة إلى ما يلاقونه بعد وإن لم يعلموا قبل فالقوارع محيطة بهم في ذلك اليوم لا تفارقهم أصلا وإنما ينتقلون فيها من شديد إلى أشد فقول بعضهم اثر قول الزمخشري : فان قوارع الساعة لا تكشف عن المشركين الاحسن عندي أن هول القيامة يكشف أيضا ككرب الموقف إذا طال كما ورد في حديث الشفاعة العظمى إلا أن الزمخشري لم يذكره لأن المعتزلة قائلون بنفي الشفاعة وقد غفل عن هذا من اتبعه من كلام خال من التحقيق والمتعزلة على ما في مجمع البحار لا ينفون الشفاعة في فصل القضاء وإنما ينكرون الشفاعة لأهل الكبائر والكفار في النجاة من النار .
هذا واختلف المفسرون في جواب الشرط الأول فقيل محذوف تقديره فمن تدعون وقيل : وعليه أبو البقاء تقديره دعوتم الله تعالى وقيل : إنه مذكور وهو أرأيتكم وقيل : ونسب للرضى هو الجملة المتضمنة للاستفهام بعده وهو كالمتعين على بعض الأقوال ورده الدماميني بأن الجملة كذلك لا تقع جوابا للشرط بدون فاء .
وبحث في ذلك الشهاب في حواشيه على شرح الكافية للرضى وقال أبو حيان وتبعه غير واحد الذي أذهب اليه أن يكون الجواب محذوفا لدلالة أرأيتكم عليه تقديره ان أتاكم عذاب الله تعالى فاخبروني عنه أتدعون غير الله تعالى لكشفه كما تقول أخبرني عن زيد إن جاءك ما تصنع به فان التقدير إن جاءك فاخبرني فحذف الجواب لدلالة أخبرني عليه ونظير ذلك أنت ظالم إن فعلت انتهى فافهم ولا تغفل وقوله تعالى : وتنسون ما تشركون .
14 .
- عطف على تدعون والنسيان مجاز عن الترك كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أي تتركون ما تشركون به تعالى من الأصنام تركا كليا وقيل : يحتمل أن يكون على حقيقته فانهم لشدة الهول ينسون ذلك حقيقة ولا يخطر لهم ببال ولا يلزم حينئذ أن ينسى الله تعالى لأن المعتاد في الشدائد أن يلهج بذكره تعالى وينسى ما سواه سبحانه وقدم الكشف مع تأخره عن النسيان كتأخره عن الدعاء لاظهار كمال العناية بشأنه والايذان بترتبه على الدعاء خاصة ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك كلام مستأنف سيق لبيان أن المشركين من لا يدعو الله تعالى عند اتيان العذاب لتماديه في الغي والضلال ولا يتأثر بالزواجر التكوينية كما لا يتأثر بالزواجر التنزيلية وقيل : مسوق لتسليته A وتصدير الجملة بالقسم لاظهار مزيد الاهتمام بمضمونها والمفعول محذوف لأن مقتضى المقام بيان حال المرسل إليهم لا حال المرسلين وتنوين أمم للتكثير و من ابتدائية أو بمعنى في أو زائدة بناء على جواز زيادتها في الاثبات وضعف أي تألله لقد أرسلنا رسلا إلى أمم كثيرة كائنة من زمان أو في زمان قبل زمانك فأخذناهم أي فكذبوا فعاقبناهم بالبأساء والضراء