أن الابسال والبسل في الأصل المنع ومنه أسد باسل لأن فريسته لا تفلت منه أو لأنه متمنع والباسل الشجاع لامتناعه من قرنه وجاء البسل بمعنى الحرام وفرق الراغب بينهما بان الحرام عام لما منع منه بحكم أو قهر والبسل الممنوع بالقهر ويكون بسل بمعنى أجل ونعم واسم فعل بمعنى أكفف وتنكير نفس للعموم مثله في قوله تعالى : علمت نفس ما أحضرت أي لئلا تحبس وترهن كل نفس في الهلاك أو في النار أو تسلم إلى ذلك أو تفضح أو تحرم الثواب بسبب عملها السوء أو ذكر بحبس أو حبس كل نفس بذلك وحمل النكرة على العموم مع أنها في الاثبات لاقتضاء السياق له وقيل : انها هنا في النفي معنى وفيما اختاره أيو حيان من التفخيم وزيادة التقرير ما لا يخفى .
وقوله تعالى : ليس لها أي النفس من دون الله ولي ولا شفيع إا استئناف للاخبار بذلك أو في محل رفع صفة نفس أو في محل نصب على الحالية من ضمير كسبت أو من نفس فانه في قوة نفس كافرة أو نفوس كثيرة واستظهر بعض الحالية ومن دون الله متعلق بمحذوف وقع حالا من ولي وقيل : خبرا لليس و لها حينئذ متعلق بمحذوف على البيان ومن جعلها زائدة لم يعلقها بشيء والمراد أنه لا يحول بينها وبين الله تعالى بأن يدفع عقابه سبحانه عنها ولي ولا شفيع وإن تعدل أي إن تفد تلك النفس كل عدل أي كل فداء وكل نصب على المصدرية لأنه بحسب ما يضاف اليه لا مفعول به وقيل : انه صفة لمحذوف وهو بمعنى الكامل كقولك : هو رجل كل رجل أي كامل في الرجولية والتقدير عدلا كل عدول ورد بأن كلا بهذا المعنى يلزم التبعية والاضافة إلى مثل المتبوع نعتا لا توكيدا كما في التسهيل ولا يجوز حذف موصوفه .
وقوله تعالى : لا يؤخذ منها جواب الشرط والفعل مسند إلى الجار والمجرور كسير من البلد لا إلى ضمير العدل لأن العدل كما علمت مصدر وليس بمأخوذ بخلافة في قوله تعالى : لا يؤخذ منها عدل فانه فيه بمعنى المفدى به وجوز كون الاسناد إلى ضميره مرادا به الفدية على الاستخدام إلا أنه لا حاجة اليه مع صحة الاسناد إلى الجار والمجرور وبذلك يستغني أيضا عن القول بكونه راجعا إلى المعدول به المأخوذ من السياق .
وقيل : معنى الآية وان تقسط تلك النفس كل قسط في ذلك اليوم لا يقبل منها لأن التوبة هناك غير مقبولة وإنما تقبل في الدنيا اولئك أي المتخذون دينهم لعبا ولهوا المغترون بالحياة الدنيا الذين أبسلوا أي حرموا الثواب وسلموا للعذاب أو بأحد المعاني الباقية للابسال بما كسبوا أي بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة واسم الاشارة مبتدأ وما فيه من معنى البعد للايذان ببعد درجة المشار إليهم في سوء الحال وخبره الموصول بعده والجملة استئناف سيق إثر تحذير أولئك من الابسال المذكور لبيان أنهم المبتلون بذلك .
وقوله سبحانه : لهم شراب من حميم استئناف آخر مبين لكيفية الابسال المذكور مبني على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل : ماذا لهم حين أبسلوا فقيل : لهم شراب من حميم أي ماء حار يتجرجر ويتردد في بطونهم ويتقطع به أمعاؤهم وعذاب أليم بنار تشتعل بابدانهم كما هو المتبادر من العذاب بما كانوا يكفرون .
7 .
- أي بسبب كفرهم المستمر في الدنيا ويطلق الحميم على الماء البارد فهو ضد كما في القاموس وجوز أبو البقاء أن تكون جملة لهم شراب حالا من ضمير أبسلوا وان تكون خبرا لاسم