إذا تعددت ولم يعطف أولها يمتنع العطف أو يقبح والواقع خلافه والاولى ما يقال : إن الداعي أن اللفظ والمعنى يقتضيانه أما المعنى فلان الانذار كما يدل عليه وأوحي إلي هذا القرآن لانذركم به ولو عطف لكان على أول الصفات على الراجح في العطف عند التعدد ولا يحسن عطف التعليل على المعلل به ولا الجار والمجرور على الجملة الفعلية فانه نظير هذا رجل قام عندي وليخدمني ونو كما ترى ومنه يعلم الداعي اللفظي .
وجوز أن يكون علة لمحذوف يقدر مؤخرا أو مقدما أي ولتنذر أنزلناه أو وأنزلناه وتقديم الجار للاهتما أو للحصر الاضافي وأن يكون عطفا على مقدر أي لتبشر ولتنذر وأيا ما كان ففي الكلام مضاف محذوف أي أهل أم القرى والمراد بها مكة المكرمة وسميت بذلك لأنها قبلة أهل القرى وحجهم وهم يتجمعون عندها تجمع الاولاد عند الأم المشفقة ويعظمونها أيضا تعظيم الأم ونقل ذلك عن الزجاج والجبائي ولأنها أعظم القرى شأنا فغيرها تبع لها كما يتبع الفرع الأصل وقيل لأن الأرض دحيت من تحتها فكأنها خرجت من تحتها كما تخرج الأولاد من تحت الأم أو لأنها مكان أول بيت وضع للناس ونقل ذلك عن السدي .
وقرأ أبو بكر عن عاصم لينذر بالياء التحتية على الاسناد المجازي للكتاب لأنه منذر به ومن حولها من أهل المدر والوبر في المشارق والمغارب لعموم بعثته صلى الله تعالى عليه وسلم الصادع بها القرآن في غير آية واللفظ لا يأبى هذا الحمل فلا متمسك بالآية لطائفة من اليهود زعموا أنه صلى الله تعالى عليه وسلم مرسل للعرب خاصة على أنه يمكن أن يقال : خص أولئك بالذكر لأنهم أحق بانذاره E كقوله تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين ولذا أنزل كتاب كل رسول بلسان قومه والذين يؤمنون بالآخرة وبما فيها من الثواب والعقاب ومن اقتصر على الثاني في البيان لاحظ سبق الانذار يؤمنون به أي بالكتاب قيل : أو بمحمد صلى الله عليه وسلّم لأنهم يرهبون من العذاب ويرغبون في الثواب ولا يزال ذلك يحملهم على النظر والتأمل حتى يؤمنوا به وهم على صلاتهم يحافظون .
29 .
- يحتمل أن يراد بالصلاة مطلق الطاعة مجازا أو اكتفى ببعضها الذي هو عماد الدين وعلم الايمان ولذا أطلق على ذلك الايمان مجازا كقوله تعالى ما كان الله ليضيع إيمانكم ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا كالذين قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء أو قال أوحي إلي من جهته تعالى ولم يوح اليه أي والحال أنه لم يوح اليه شيء كمسيلمة والاسود العنسي ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله أي أنا قادر على مثل ذلك النظم كالذين قالوا : لو شئنا لقلنا مثل هذا وتفسير الأول بما ذكرناه لم نقف عليه لغيرنا وتفسير الثاني ذهب إليه الزمخشري وغيره وتفسير الثالث ذهب إليه الزجاج ومن وافقه وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن جريج أن قوله سبحانه : ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي الي ولم يوح اليه شيء نزلت في مسيلمة الكذاب والاخير نزل في عبد الله بن سعد بن أبي سرح وجعل بعضهم على هذا عطف أو قال الاول على افترى الخ من عطف التفسير .
وتعقب بأنه لا يكون بأو واستحسن أنه من عطف المغاير باعتبار العنوان واو للتنويع يعني أنه تارة أدعى أن الله تعالى بعثه نبيا واخرى أن الله تعالى أوحى إليه وإن كان يلزم النبوة في نفس الأمر الايحاء ويلزم الايحاء النبوة ويفهم من صنيع بعضهم أن أو بمعنى الواو وأما ابن أبي سرح فلم يدع صريحا القدرة ولكن