والأمر بالتهديد وإيراده بصيغة الأمر كما قال غير واحد مبالغة في الوعيد كأن المهدد يريد تعذيبه مجمعا عازما عليه فيحمله بالأمر على ما يؤدي اليه وتسجيل بأن المهدد لا يتأتى منه إلا الشر كالمأمور به الذي لا يقدر أن يتفصى عنه وجعل العلامة الثاني ذلك من قبيل الاستعارة التمثيلية تشبيها لذلك المعنى بالمعنى المأمور به الواجب الذي لابد أن يكون ممن ضربت عليه الشقوة فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار أي أنكم لتعلمون ذلك لا محالة فسوف لتأكيد مضمون الجملة والعلم عرفاني فيتعدى إلى واحد ومن استفهامية معلقة لفعل العلم محلها الرفع على الابتداء والجملة بعدها خبرها ومجموعهما ساد مسد مفعول العلم .
والمراد بالدار الدنيا لا دار السلام كما قيل وبالعاقبة العاقبة الحسنى أي عاقبة الخير لأنها الأصل فانه تعالى جعل الدنيا مزرعة اةخرة وقنطرة المجاز اليها وأراد من عباده أعمال الخير لينالوا حسن الخاتمة .
وأما عاقبة الشر فلا اعتداد بها لأنها من نتائج تحريف الفجار أي فسوف تعلمون أينا تكون له العاقبة الحسنى التي خلق الله تعالى هذه الدار لها ويجوز أن تكون ما موصولة فمحلها النصب على أنها مفعول تعلمون أي فسوف تعلمون الذي له عاقبة الدار وفيه مع الانذار المستفاد من التهديد انصاف المقال وتنبيه على كمال وثوق المنذر بأمره وقرأ حمزة والكسائي يكون بالتحتية لأن تأنيث العاقبة غير حقيقي إنه أي الشأن لا يفلح الظالمون .
531 .
- أي لا يظفروا بمطلوبهم وإنما وضع الظلم موضع الكفر لأنه أعم منه وهو أكثر فائدة لأنه إذا لم يفلح الظالم فكيف الكافر المتصف بأعظم أفراد الظلم وجعلوا أي مشركو العرب ولله مما ذرأ أي خلق قال الراغب : الذرء إظهار الله تعالى ما أبدعه يقال : ذرأ الله تعالى الخلق أي أوجد أشخاصهم وقال الطبرسي : الذرء الخلق على وجه الاختراع وأصله الظهور ومنه ملح ذراني لظهور بياضه ومن متعلقة بجعل وما موصولة وجملة ذرأ صلته والعائد محذوف وقوله سبحانه : من الحرث والأنعام متعلق بذرأ .
وجوز أبو البقاء أن يكون مما متعلقا بمحذوف وقع حالا من قوله تعالى نصيبا وأن يكون من الحرث حالا أيضا من ما أو من العائد المحذوف و نصيبا على كل تقدير مفعول جعل وهو متعد لواحد وجوز أن يكون متعديا لاثنين أولهما مما ذرأ على أن تبعيضية وثانيهما نصيبا وقيل : الأمر بالعكس .
واعترض بأنه لا يساعد سداد المعنى وأيا ما كان فهذا شروع في تقبيح أحوالهم الفظيعة بحكاية أقوالهم وأفعالهم الشنيعة أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية : إنهم كانوا إذا حرثوا حرثا أو كانت لهم ثمرة جعلوا لله تعالى منه جزءا وجزءا للوثن فما كان من حرث أو ثمرة أو شيء من نصيب الأوثان حفظوه وأحصوه فان سقط شيء مما سمي للصمد ردوه إلى ما جعلوه للوثن وإن سبقهم الماء الذي جعلوه للوثن فسقى شيئا مما جعلوه لله تعالى جعلوه للوثن وإن سقط شيء من الحرث والثمرة الذي جعلوه لله تعالى فسقى ما سموه للوثن تركوه للوثن وكانوا يحرمون من أنعامهم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي فيجعلونه للأوثان ويزعمون أنهم يحرمون لله سبحانه وروي أنهم كانوا يعينون شيئا من حرث ونتاج لله تعالى فيصرفونه إلى الضيفان والمساكين وأشياء منهما لآلهتهم فينفقون منها لسدنتها