وتقديم الصم على البكم لما أن صممهم متقدم على بكمهم فإن السكوت عن النطق بالحق من فروع عدم سماعهم له كما أن النطق به من فروع سماعه وقيل : التقديم لأن وصفهم بالصمم أهم نظرا إلى السابق واللاحق ثم وصفوا بعدم التعقل في قوله تعالى : الذين لا يعقلون .
22 .
- تحقيقا لكمال سوء حالهم فإن الأصم الأبكم كان له عقل ربما يفهم بعض الأمور ويفهمه غيره ويهتدي إلى بعض مطالبه أما إذا كان فاقدا للعقل أيضا فقد بلغ الغاية في الشرية وسوء الحال وبذلك يظهر كونهم شر الدواب حيث أبطلوا ما به يمتازون عنها ولو علم الله فيهم أي في هؤلاء الصم والبكم خيرا أي شيئا من جنس الخير الذي من جملته صرف قواهم إلى تحري الحق واتباع الهدى لأسمعهم سماع تدبر وتفهم ولوقفوا على الحق وآمنوا بالرسول E وأطاعوه ولو أسمعهم سماع تفهم وتدبر وقد علم أن لا خير فيهم لتولوا ولم ينتفعوا به وارتدوا بعد التصديق والقبول وهم معرضون .
32 .
- لعنادهم والجملة حال مؤكدة مع إقترانها بالواو ومما ذكر يعلم الجواب عما قيل : إن الآية قياس إقتراني من شرطيتين ونتيجته غير صحيحة لما أنه أشير فيه أولا إلى منع القصد إلى القياس لفقد الكلية الكبرى وثانيا إلى منع فساد النتيجة إذ اللازم لو علم الله تعالى فيهم خيرا في وقت لتولوا بعده قاله بعض المحققين وفي المغني والجواب من ثلاثة أوجه إثنان يرجعان إلى منع كون المذكور قياسا وذلك لإختلاف الوسط أحدهما أن التقدير لأسمعهم سماعا نافعا ولو أسمعهم سماعا غير نافع لتولوا والثاني أن يقدر ولو أسمعهم على تقدير علم عدم الخير فيهم كما أشير إليه والثالث إلى منع إستحالة النتيجة بتقدير كونه قياسا متحد الوسط إذ التقدير ولو علم الله تعالى فيهم خيرا في وقت ما لتولوا بعد ذلك ولا يخفى ضعف الجواب الأول لأنه لا قرينة على تقييد لو أسمعهم بالسماع الغير النافع ولأنه يحقق فيهم الإسماع الغير النافع إلا أن يقيد بالإسماع بعد نزول هذه الآية وكذا ضعف الثالث لأن علمه تعالى بالخير ولو في وقت لا يستلزم التولي بل عدمه وأما الجواب الثاني فهو قوي لأن الشرطية الأولى قرينة على تقييد الإسماع في الشرطية الثانية بتقدير علم عدم الخير فيهم وذكر بعضهم في الجواب أن الشرطيتين مهملتان وكبرى الشكل الأول يجب أن تكون كلية ولو سلم فإنما ينتجان أي اللزومية لو كانت لزوميتين وهو ممنوع ولو سلم فإستحالة النتيجة ممنوعة أي لا نسلم إستحالة الحكم باللزوم بين المقدم والتالي وإن كان الطرفان محالين لأن علم الله تعالى فيهم خيرا محال والمحال جاز أن يستلزم المحال وإن لم يوجد بينهما علاقة عقلية على ما هو التحقيق من عدم إشتراط العلاقة في إستلزام المحال للمحال .
واعترض على أصل السؤال بأن لفظ لو لم يستعمل في فصيح الكلام في القياس الإقتراني وإنما يستعمل في القياس الإستثنائي المستثنى فيه نقيض التالي لأنها لإمتناع الشيء لإمتناع غيره ولهذا لا يصرح بإستثناء نقيض التالي وعلى الجواب بأن فيه تسليم كون ما ذكر قياسا ومنع كونه منتجا لإنتفاء شرائط الإنتاج وكيف يصح إعتقاد وقوع قياس في كلام الحكيم تعالى أهملت فيه شرائط الإنتاج وإن لم يكن مراده تعالى قياسيته وذكر أن الحق أن قوله سبحانه : لو علم الله فيهم خيرا وارد على قاعدة اللغة يعني أن سبب عدم الإسماع عدم العلم بالخير فيهم ثم ابتدأ قوله تعالى : ولو أسمعهم لتولوا كلاما آخر على طريقة لو لم يخف الله