وبخوا على حسبان أن يتركوا ولم يوجد فيما بينهم مجاهد مخلص دل على أنهم إن لم يقاتلوا لو يكونوا مخلصين وأن الإخلاص إذا لم يظهر أثره بالجهاد في سبيل الله تعالى ومضادة الكفار كلا إخلاص ولو فسر العلم بالتبين لم يفد هذه المبالغة فتدبر وقوله تعالى : ولم يتخذوا عطف على جاهدوا وداخل في حيز الصلة أو حال من فاعله أي جاهدوا حال كونهم غير متخذين من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة أي بطانة وصاحب سر كما قال ابن عباس وهي من الولوج وهو الدخول وكل شيء أدخلته في شيء وليس منه فهو وليجة ويكون للمفرد وغيره بلفظ واحد وقد يجمع على ولائج و من دون متعلق بالإتخاذ إن أبقى على حاله أو مفعول ثان له إن جعل بمعنى التصبير والله خبير بما تعملون .
61 .
- أي بجميع أعمالكم فيجازيكم عليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر وقريء على الغيبة وفي هذا إزاحة لما يتوهم من ظاهر قوله سبحانه : ولما يعلم الخ من أنه تعالى لا يعلم الأشياء قبل وقوعها كما ذهب إليه هشام مستدلا بذلك .
ووجه الإزاحة أن تعملون مستقبل فيدل على خلاف ما ذكره ما كان للمشركين أي لا ينبغي لهم ولا يليق وإن وقع أن يعمروا مساجد الله الظاهر أن المراد شيئا من المساجد لأنه جمع مضاف فيعم ويدخل فيه المسجد الحرام دخولا أوليا وتعميره مناط افتخارهم ونفي الجمع يدل على النفي عن كل فرد فيلزم نفيه عن الفرد المعين بطريق الكناية وعن عكرمة وغيره أن المراد به المسجد الحرام واختاره بعض المحققين وعبر عنه بالجمع لأنه قبلة المساجد وإمامها المتوجهة إليه محاريبها فعامره كعامرها أو لأن كل مسجد ناحية من نواحيه المختلفة مسجد على حياله بخلاف سائر المساجد ويؤيد ذلك قراءة أبي عمرو ويعقوب وابن كثير وكثير 1 مسجد بالتوحيد وحمل بعضهم ما كان على نفي الوجود والتحقق وقدر بأن يعمروا بحق لأنهم عمروها بدونه ولا حاجة إلى ذلك على ما ذكرنا شاهدين على أنفسهم بالكفر بإظهارهم ما يدل عليه وإن لم يقولوا نحن كفار وقيل : بقولهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك وقيل : بقولهم كفرنا بما جاء به محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وهو حال من الضمير في يعمروا قيل : أي مااستقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين عمارة البيت والكفر بربه سبحانه وقال بعضهم : إن المراد محال أن يكون ما سموه عمارة بيت الله تعالى مع ملابستهم لما ينافيها ويحبطها من عبادة غيره سبحانه فإنها ليست من العمارة في شيء واعترض على قولهم : إن المعنى مااستقام لهم أن يجمعوا بين متنافيين بأنه ليس بمعرب عن كنه المرام فإن عدم إستقامة الجمع بين المتنافيين إنما يستدعي إنتفاء أحدهما لا بعينه لا إنتفاء العمارة الذي هو المقصود وظاهره أن النفي في الكلام راجع إلى المقيد وحينئذ لا مانع من أن يكون المراد من ما كان نفي اللياقة على ما ذكرنا والغرض إبطال إفتخار المشركين بذلك لإقترانه بما ينافيه وهو الشرك وجوز أن يوجه النفي إلى القيد كما هو الشائع وتكلف له بما يخلو عن نظر ولعل من قال في بيان المعنى : مااستقام لهم أن يجمعوا الخ جعل محط النظر المقارنة التي أشعر بها الحال ومع هذا لا يأبى أن يكون المقصود نظرا للمقام نفي صحة الإفتخار بالعمارة والسقاية فتدبر جدا