وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله وقد يراد به ما هو الكامل وهو الكفر ويكون هذا منه تعالى بيانا وتقريرا لذلك والإستثناء من أعم الأشياء أي ما منعهم أن تقبل نفقاتهم شيء من الأشياء إلا كفرهم ومنع يتعدى إلى مفعولين بنفسه وقد تعدى إلى الثاني بحرف الجر وهو من أو عن وإذا عدى بحرف صح أن يقال : منعه من حقه ومنع حقه منه لأنه يكون بمعنى الحيلولة بينهما والحماية ولا قلب فيه كما يتوهم وجاز فيما نحن فيه أن يكون متعديا للثاني بنفسه وأن يقدر حرف وحذف حرف الجر مع إن وأن مقيس مطرد .
وجوز أبو البقاء أن يكون أن تقبل بدل إشتمال من هم في منعهم وهو خلاف الظاهر وفاعل منع ما في حيز الإستثناء وجوز أن يكون ضمير الله تعالى وأنهم كفروا بتقدير لأنهم كفروا .
وقرأ حمزة والكسائي يقبل بالتحتانية لأن تأنيت النفقات غير حقيقي مع كونه مفصولا عن الفعل بالجار والمجرور وقريء نفقتهم على التوحيد .
وقرأ السلمي أن يقبل منهم نفقاتهم ببناء يقبل للفاعل ونصب النفقات والفاعل إما ضمير الله تعالى أو ضمير الرسول E بناء على أن القبول بمعنى الأخذ ولا يأتون الصلاة المفروضة في حال من الأحوال إلا وهم كسالى أي إلا حال كونهم متثاقلين ولا ينفقون إلا وهم كارهون .
45 .
- الإنفاق لأنهم لا يرجون بهما ثوابا ولا يخافون على تركهما عقابا وهاتان الجملتان داخلتان في حيز التعليل واستشكل بأن الكفر سبب مستقل لعدم القبول فما وجه التعليل بمجموع الأمور الثلاثة وعند حصول السبب المستقل لا يبقى لغيره أثر وأجاب الإمام بأنه إنما يتوجه على المعتزلة القائلين بأن الكفر لكونه كفرا يؤثر في هذا الحكم وأما على أهل السنة فلا لأنهم يقولون : هذه الأسباب معرفات غير موجبة للثواب ولا للعقاب وإجتماع المعرفات الكثيرة على الشيء الواحد جائز والقول بأنه إنما جيء بهما لمجرد الذم وليستا داخلتين في حيز التعليل وإن كان يندفع به الإشكال على رأي المعتزلة خلاف الظاهر كما لا يخفى فإن قيل الكراهية خلاف الطواعية وقد جعل هؤلاء المنافقون فيما تقدم طائعين ووصفوا ههنا بأنهم لا ينفقون إلا وهم كارهون وظاهر ذلك المنافاة وأجيب بأن المراد بطوعهم أنهم يبذلون من غير إلزام من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لا أنهم يبذلون رغبة فلا منافاة وقال بعض المحققين في ذلك : إن قوله سبحانه : أنفقوا طوعا أو كرها لا يدل على أنهم ينفقون طائعين بل غايته أنه ردد حالهم بين الأمرين وكون الترديد ينافي القطع محل نظر كما إذا قلت : إن أحسنت أو أسأت لا أزورك مع أنه لا يحسن قطعا ويكون الترديد لتوسع الدائرة وهو متسع الدائرة .
فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم أي لا يروقك شيء من ذلك فإنه إستدراج لهم ووبال عليهم حسبما ينبيء عنه قوله تعالى : إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا والخطاب يحتمل أن يكون للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأن يكون لكل من يصلح له على حد ما قيل في نحو قوله تعالى : لا تشرك بالله ومفعول الإرادة قيل : التعذيب واللام زائدة وقيل : محذوف واللام تعليلية أي يريد إعطائهم لتعذيبهم وتعذيبهم بالأموال والأولاد في الدنيا لما أنهم يكابدون بجمعها وحفظها المتاعب ويقاسون فيها الشدائد والمصائب وليس عندهم من الإعتقاد بثواب الله تعالى ما يهون عليهم ما يجدونه وقيل : تعذيبهم في الدنيا بالأموال لأخذ الزكاة منهم والنفقة في سبيل الله