ولعل في الآية على هذا تغلبنا ونادى نوح ابنه المحجوب بالعقل المشوب بالوهم وكان في معزل لذلك الحجاب عن الدين والشريعة يا بني اركب معنا أي أدخل في ديننا ولا تكن مع الكافرين المحجوبين الهالكين بأمواج هوى النفس المغرقين في بحر الطبع قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء أي سألتجيء إلى الدماغ وأستعصم بالعقل المشرق هناك ليحفظني من إستيلاء بحر الهيولي فلا أغرق فيه قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وهو الله الذي رحم أهل التوحيد وأفاض عليهم من شآبيب لطفه ما عرفوا به دينه الحق وحال بينهما الموج أي موج هوى النفس وإستيلاء ماء بحر الطبيعة وحجب عن الحق فكان من المغرقين في بحر الهيولي الجسمانية وقيل : من جهة الحق على لسان الشرع لأرض الطبيعة يا أرض ابلعي ماءك وقفي على حد الإعتدال ولسماء العقل المحجوبة بالعادة والحسن المشوبة بالوهم المغيمة بغيم الهوى يا سماء اقلعي عن إمداد الأرض وغيض الماء أي ماء قوة الطبيعة الجسمانية ومدد الرطوبة الحاجبة لنور الحق المانعة للحياة الحقيقية وقضي الأمر بإنجاء من نجا وإهلاك من هلك واستوت أي سفينة شريعته على الجدوى وهو جبل وجود نوح وقيل بعدا للقوم الظالمين الذين عبدوا الهوى دون الحق ووضعوا الطبيعة مكان الشريعة ونادى نوح ربه إلخ الكلام على هذا الطرز فيه ظاهر قيل يا نوح اهبط من محل الجمع وذروة مقام الولاية والإستغراق في التوحيد إلى مقام التفصيل وتشريع النبوة بالرجوع إلى الخلق ومشاهدة الكثرة في عين الوحدة غير معطل للمراتب بسلام منا أي سلامة عن الإحتجاب بالكثرة وبركات من تقنين قوانين الشرع عليك وعلى أمم ناشئة ممن معك على دينك إلى آخر الزمان وأمم أي وينشأ ممن معك أمم سنمتعهم في الدنيا ثم يمسهم منا في العقبى عذاب أليم بإحراقهم بنار الآثار وتعذيبهم بالهيآت المظلمة .
هذا ثم ذكر أنه إذا شئت التطبيق على ما في الأنفس أولت نوحا بروحك والفلك بكمالك العلمي والعملي الذي به نجاتك عند طوفان بحر الهيولي والتنور بتنور البدن وفورانه إستيلاء الرطوبة الغريبة والأخلاط الفاسدة وما أشار إليه من كل زوجين اثنين بجيوش القوى الحيوانية والطبيعة وطيور القوى الروحانية وأولت ما جاء في القصة من البنين الثلاثة والزوجة بحام القلب وسام العقل النظري ويافث العقل العملي وزوجة النفس المطمئنة والإبن الآخر الوهم والزوجة الأخرى الطبيعة الجسمانية التي يتولد منها الوهم والجبل بالدماغ واستواءها على الجودي وهبوطه بمثل نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان إنتهى ومن نظر بعين الإنصاف لم يعول إلا على ظاهر القصة وكان له به غنى عن هذا التأويل واكتفى بما أشار إليه من أن النسب إذا لم يحط الصلاح كان غريقا في بحر العدم .
فما ينفع الأصل من هاشم إذا كانت النفس من بأهله ومن أنه ينبغي للإنسان التحري بالدعاء وأن لا تشغله الشفقة عن ذلك إلى غير ما ذكر والآية نص في كفر قوم نوح عليه السلام الذين أغرقهم الله تعالى وفي نصوص الحكم للشيخ الأكبر قدس سره ما هو نص في إيمانهم ونجاتهم من العذاب يوم القيامة وذلك أمر لا نفهمه من كتاب ولا سنة وفوق كل ذي علم عليم والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل وإلى عاد متعلق بمحذوف معطوف على قوله سبحانه : أرسلنا في قصة نوح وهو الناصب لقوله تعالى : أخاهم أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم أي واحدا منهم في النسب كقولهم :