ابن إرم بن سام بن نوح قيل لهم : عاد كما يقال لبني هاشم : هاشم ثم قيل : للأولين منهم عاد الأولى وإرم تسمية لهم بإسم جدهم ولمن بعدهم عاد الأخيرة وأنشد لابن الرقيات : مجدا تليدا بناه أوله أدرك عادا وقبلها إرما ولعله الأوفق للنقل مع الإيماء إلى أن إستحقاقهم للبعد بسبب ما جرى بينهم وبين هود عليه السلام وهم قومه وليس ذلك لدفع اللبس إذ لا لبس في أن عادا هذا ليست إلا قوم هود عليه السلام للتصريح بإسمه وتكريره في القصة وقيل : ذكر ليفيد مزيد تأكيد بالتنصيص عليهم مع ما في ذلك من تناسب فواصل الآي .
وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره الكلام فيه كالكلام في نظيره السابق آنفا وجمهور القراء على منع صرف ثمود ذهابا إلى القبيلة وقرأ ابن وثاب والأعمش بالصرف على إرادة الحي هو أنشأكم من الأرض أي إبتدأ خلقكم منها فإنها المادة الأولى وآدم الذي هو أصل البشر خلق منها وقيل : الكلام على حذف مضاف أي أنشأ أباكم وقيل : من بمعنى في وليس بشيء والمراد الحصر كما يفهمه كلام بعض الأجلة كأن القوم لعدم أدائهم حقه سبحانه قد اعتقدوا أن الفاعل لذلك غيره تعالى أو هو مع غيره فخوطبوا على وجه قصر القلب أو قصر الإفراد بذلك واحتمال أنهم كانوا يعتقدون أحد الأمرين حقيقة لا تنزيلا يستدعي القول بأنهم كانوا طبيعة أو ثنوية وإلا فالوثنية وإن عبدوا معه سبحانه غيره لا يعتقدون خالقيه غيره لهم بوجه من الوجوه وأخذ الحصر على ما قيل : من تقديم الفاعل المعنوي وقيل : إنه مستفاد من السياق لأنه لما حصر الإلهية فيه تعالى إقتضى حصر الخالقية أيضا فبيان ما خلقوا منه بعد بيان أنه الخالق لا غيره يقتضي هذا فتدبر والظاهر أن من يقول بالحصر هنا يقول به في قوله سبحانه : واستعمركم فيها لمكان العطف وكونه معطوفا بعد إعتبار التقديم فلا ينسحب على ما بعده مما لا فائدة في إلتزامه أي وهو الذي جعلكم عمارها وسكانها فالإستفعال بمعنى الإفعال يقال : أعمرته الأرض وآستعمرته إذا جعلته عامرها وفوضت إليه عمارتها وإلى هذا ذهب الراغب وكثير من المفسرين وقال زيد بن أسلم : المعنى أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه من بناء مساكن وحفر أنهار وغرس أشجار وغير ذلك فالسين للطلب وإلى هذا ذهب الكيا وإستدل بالآية على أن عمارة الأرض واجبة لهذا الطلب وقسمها في الكشاف إلى واجب كعامرة القناطر اللازمة والمسجد الجامع ومندوب كعمارة المساجد ومباح كعمارة المنازل وحرام كعمارة الخانات وما يبنى للمباهات أو من مال حرام كأبنية كثير من الظلمة واعترض على الكيا بأنه لم يكن هناك طلب حقيقة ولكن نزل جعلهم محتاجين لذلك وإقدارهم عليه وإلهامهم كيف يعمرون منزلة الطلب وقال الضحاك : المعنى عمركم فيها وإستبقاكم وكان أحدهم يعمر طويلا حتى أن منهم من يعمر ألف سنة والمشهور أن الفعل من العمر وهو مدة الحياة بالتشديد ومن العمارة نقيض الخراب بالتخفيف ففي أخذ ذلك من العمر تجوز .
وعن مجاهد أن إستعمر من العمري بضم فسكون مقصور وهي كما قال الراغب في العطية أن تجعل له شيئا مدة عمرك أو عمره والمعنى أعمركم فيها ورباكم أي أعطاكم ذلك ما دمتم أحياء ثم هو سبحانه وارثها منكم أو المعنى جعلكم معمرين دياركم فيها لأن الرجل إذا ورث داره من بعده فكأنما أعمره إياها لأنه يسكنها عمره ثم يتركها لغيره فاستغفروه ثم توبوا إليه تفريع على ما تقدم فإن ما ذكر من صنوف إحسانه