وجاءت شروع فيما جرى على يوسف عليه السلام في الجب بعد الفراغ عن ذكر ما وقع بين إخوته وبين أبيه أي وجاءت إلى الجب سيارة رفقة تسير من جهة مدين إلى مصر وكان ذلك بعد ثلاثة أيام مضت من زمن إلقائه في قوله وقيل : في اليوم الثاني والظاهر أن الجب كان في طريق سيرهم المعتاد .
وقيل : إنه كان في قفرة بعيدة من العمران فأخطأ الطريق فأصابوه فأرسلوا إليه واردهم الذي يرد الماء ويستقي لهم وكان ذلك مالك بن ذعر الخزاعي .
وقال ابن عطية : الوارد هنا يمكن أن يقع على الواحد وعلى الجماعة أه والظاهر الأول والتأنيث في جاءت والتذكير في أرسلوا و واردهم باعتبار اللفظ والمعنى وفي التعبير بالمجيء إيماء إلى كرامة يوسف عليه السلام عند ربه سبحانه وحذف متعلقه وكذا متعلق الإرسال لظهوره ولذا حذف المتعلق في قوله سبحانه : فأدلى دلوه أي أرسلها إلى الجب ليخرج الماء ويقال : دلا الدلو إذا أخرجها ملائي والدلو من المؤنثات للسماعية فتصغر على دلية وتجمع على أدل ودلاء ودلي .
وقال ابن الشحنة : إن الدلو التي يستقي بها مؤنثة وقد تذكر وأما الدلو مصدر دلوت وضرب مع السير فمذكر ومثلها في التذكير والتأنيث الجب عند الفراء على ما نقله عنه محمد بن الجهم وعن بعضهم أنه مذكر لا غير وأما البئر مؤنثة فقط في المشهور ويقال في تصغيرها : بويرة وفي جمعها آبار وأبآر وأبؤر وبئار وفي الكلام حذف أي فأدلى دلوه فتدلى بها يوسف فخرج قال إستئناف مبني على سؤال يقتضيه الحال .
يا بشرى هذا غلام نادى البشرى بشارة لنفسه أو لقومه ورفقته كأنه نزلها منزلة شخص فناداه فهو استعارة مكنية وتخييلية أي يا بشرى تعالى فهذا أوان حضورك وقيل : المنادى محذوف كما في يا ليت أي قومي أنظروا وأسمعوا بشراي وقيل : إن هذه الكلمة تستعمل للتبشير من غير قصد إلى النداء .
وزعم بعضهم أن بشرى إسم صاحب له ناداه ليعينه على إخراجه وروي هذا السدي وليس بذاك وقرأ غير الكوفيين يا بشراي بالإضافة وأمال فتحة الراء حمزة والكسائي وقرأ ورش بين اللفظين .
وروي عن نافع أنه قرأ يا بشراي بسكون ياء الإضافة ويلزمه التقاء الساكنين على غير حده وإعتذر بأنه أجرى الوصل مجرى الوقف ونظائر ذلك كثيرة في القرآن وغيره وقيل : جاز ذلك لأن الألف لمدها تقوم مقام الحركة وقرأ أبو الطفيل والحسن وابن أبي إسحاق والجحدري يا بشرى بقلب الألف ياءا وإدغامها في ياء الإضافة وهي لغة لهذيل ولناس غيرهم ومن ذلك قول أبي ذؤيب : سبقوا هوى وأعنقوا لهواهم فتخرموا ولكل جنب مصرع ويقولون : يا سيدي ومولى و الغلام كثيرا ما يطلق على ما بين الحولين إلى البلوغ وقد يطلق على الرجل الكامل كما في قول ليلى الأخيلية في الحجاج بن يوسف الثقفي .
غلام إذا هز القناة سقاها .
والظاهر أن التنوين فيه للتفخيم وحق له ذلك فقد كان عليه من أحسن الغلمان وذكر البغوي عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : أعطي يوسف شطر الحسن .
وقال محمد بن إسحاق : ذهب يوسف وأمه بثلثي الحسن وحكى الثعلبي عن كعب الأحبار أنه قال : كان