حكمه حكم شعرة على أن تلك النسبة باعتبار الحجم ومنعها عن حركتها باعتبار الثقل وثقل هذه الجبال يكاد أن يقاوم ثقل الأرض لأن الجبال أجسام صلبة حجرية والأرض رخوة متخلخلة كالكرة الخشبية التي ألزقت عليها حبات من حديد وما يقال : من أن فيه غير ذلك ابتناء على قواعد الفلسفة فلا يطعن فيه لأن ذلك الإبتناء غير مضر إن لم يخالف القواعد الشرعية كما فيما نحن فيه واعترض على ما ادعى المعترض صحته بأنه يرد عليه ما أورده وظني أنه بعد الوقوف على مراده لا يرد عليه شيء مما ذكر ونحن قد أسلفنا نحوه وأطنبنا الكلام في هذا المقام ومنه يظهر ما هو الأوفق بقواعد الإسلام ثم ما ذكره المجيب من أن المصرح به في كتب الهيئة أن في كل إقليم ثلاثين جبلا بل أكثر خلاف المشهور وهو أن في الإقليم الأول عشرين وفي الثاني سبعة وعشرين وفي الثالث ثلاثة وثلاثين وفي الرابع خمسة وخمسين وفي الخامس ثلاثين وفي كل من السادس والسابع أحد عشر والمجموع مائة وسبعة وثمانون جبلا على أن كلامه لا يخلو من مناقشة فتدبر ومعنى ألقى على ما نقل ابن عطية على التأويل خلق وجعل واختار هو أنه أخص من ذلك وذلك أنه يقتضي أن الله سبحانه أوجد الجبال من محض قدرته واختراعه لا من الأرض ووضعها عليها وأيد بأخبار رووها في هذا المقام وقد تقدم بعضها ولم يعد بعلي كما في قوله تعالى : وألقيت عليك محبة مني للإشارة إلى كمال الجبال ورسوخها وثباتها في الأرض حتى كأنها مسامير في ساجة وانظر هل تعد من الأرض فيحنث من حلف لا يجلس على الأرض إذا جلس عليها أم لا فلا يحنث لم يحضرني من تعرض لذلك والظاهر الأول لعد العرف إياها منها وإن كان ظاهر هذه الآية كغيرها عدم العد وقوله تعالى : وأنهارا عطف على رواسي والعامل فيه ألقى إلا أن تسلطه عليه باعتبار ما فيه من معنى الجعل والخلق أو تضمينه إياه وعلى التقديرين لا إضمار وهو الذي اختاره غير واحد وجوز أن يكون مفعولا به لفعل مضمر وليس إجماعا خلافا لابن عطية أي وجعل أو خلق أنهارا نظير ما قيل في قوله .
علفتها تبنا وماء باردا .
وقدر أبو البقاء شق والعطف حينئذ من عطف الجمل وكأنه لما كان أغلب منابع الأنهار من الجبال ذكر الأنهار بعد ما ذكر الجبال وقوله تعالى : وسبلا عطف على أنهارا أي وجعل طرقا لمقاصدكم لعلكم تهتدون .
15 .
- لهل فالتعليل بالنظر إلى قوله تعالى : وسبلا كما هو الظاهر ويجوز أن يكون تعليلا بالنظر إلى جميع ما تقدم لأن تلك الآثار العظام تدل على بطلان الترك وقيل : تدل على وجود فاعل حكيم ففي قوله تعالى : تهتدون تورية حينئذ وعلامات معالم يستدل بها السابلة من نحو جبل ومنهل ورائحة تراب فقد حكى أن من الناس من يشم التراب فيعرف بشمه الطريق وأنها مسلوكة أو غير مسلوكة ولذا سميت المسافة مسافة أخذا لها من السوف بمعنى الشم وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس أنها معالم الطرق بالنهار وعن الكلبي أنها الجبال وعن قتادة أنها النجوم وقال ابن عيسى : المراد منها الأمور التي يعلم بها ما يراد من خط أو لفظ أو إشارة أو هيئة والظاهر ما ذكر أولا وأغرب ما فسرت به وأبعده أن المراد منها حيتان طوال رقاق كالحيات في ألوانها وحركاتها تكون في بحر الهند الذي يسار إليه من اليمن سميت بذلك لأنها إذا ظهرت كانت علامة للوصول إلى بلاد الهند وأمارة للنجاة وبالنجم هم يهتدون .
16 .
- بالليل في البر والبحر والمراد بالنجم الجنس فبش ما الخنس وغيرها مما يهتدي به وعن السدي تخصيص ذلك بالثريا والفرقدين وبنات نعش والجدي وعن الفراء