وأنتم لا تعلمون ليس بسديد وإنما السبيل أن تسئلوا من أهل الذكر لا أن تنكروا قولهم فإنكارهم مناف لما تقتضيه حالكم من السؤال فهو تبكيت من حيث الإعتراف بعدم العلم وسبيل الجاهل سؤال من يعلم لا إنكاره قاله في الكشف أيضا ثم قال : ولا أخص أهل الذكر بأهل الكتابين ليشمل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه ولو خص لجاز لأنهم موافقون في ذلك فإنكارهم إنكارهم ثم التبكيت متوجه إلى العدول عن السؤال إلى الإنكار سألوا أولا انتهى ومنه يعلم جواز أن يراد بأهل الذكر أهل القرآن وما ذكره أبو حيان في تضعيفه من أنه لا حجة في أخبرهم ولا إلزام ناشيء من عدم الوقوف على التحقيق الأنيق وهذا ظاهر على تقدير تعلق بالبينات بيعلمون والباء على هذا التقدير سببية والمفعول محذوف عند بعض وزعم آخر أنها زائدة والبينات هي المفعول فافهم ذاك والله تعالى يتولى هداك وإنزلنا إليك الذكر أي القرآن وهو من التذكير إما بمعنى الوعظ أو بمعنى الإيقاظ من سنة الغفلة وإطلاقه على القرآن إما لاشتماله على ما ذكر أو لأنه سبب له ومنه يعلم تسمية التوراة ونحوها ذكرا وقيل : المراد بالذكر العلم وليس بذاك لتبين للناس كافة ويدخل فيهم أهل مكة دخولا أوليا ما نزل إليهم في ذلك الذكر من الأحكام والشرائع وغير ذلك من أحوال القرون المهلكة بأفانين العذاب حسب أعمالهم مع أنبيائهم عليهم السلام الموجبة لذلك على وجه التفصيل بيانا شافيا كما ينبيء عنه صيغة التفعيل في الفعلين لا سيما بعد ورود الثاني أولا على صيغة الأفعال وعن مجاهد أن المراد بهذا التبيين تفسير المجمل وشرح ما أشكل إذ هما المحتاجان للتبيين وأما النص والظاهر فلا يحتاجان إليه .
وقيل : المراد به إيقافهم على حسب استعداداتهم المتفاوتة على ما خفي عليهم من أسرار القرآن وعلوه التي لا تكاد تحصى ولا يختص ذلك بتبيين الحرام والحلال وأحوال القرون الخالية والأمم الماضية واستأنس له بما أخرجه الحاكم وصححه عن حذيفة قال : قام فينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مقاما أخبرنا فيه بما يكون إلى يوم القيامة عقله منا من عقله ونسيه من نسيه وهذا في معنى ما ذكره غير واحد أن التبيين أعم من التصريح بالمقصود ومن الإرشاد إلى ما يدل عليه ويدخل فيه القياس وإشارة النص ودلالته وما يستنبط منه من العقائد والحقائق والأسرار الإلهية ولعل قوله D : ولعلهم يتفكرون .
44 .
- إشارة إلى ذلك أي وطلب إن يتأملوا فينتبهوا للحقائق وما فيه من العبر ويحترز عما يؤدي إلى ما أصاب الأولين من العذاب وقال بعض المعتزلة : أي وإرادة إن يتفكروا في ذلك فيعلموا الحق ثم قال وفيه دلالة على أن الله تعالى أراد من جميع الناس التفكر والنظر المؤدي إلى معرفة بخلاف ما يقول أهل الجبر ونحن في غنى عن تقدير الإرادة بتقدير الطلب ومن قدرها منا أراده منها وإلا ورد عليه تأمل البعض ولعله الأكثر وهي لا ينفعك المراد عنها على المذهب فلا بد من العدول عنه إلى مقابله وقيل : أراد تعلقها بالبعض وهو المتأمل لا بالكل وأيد بعضهم إرادة الصحابة أو ما يشملهم والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم من أهل الذكر فيما تقدم بذكر هذه الآية بعده وليس بذي أيد أفأمن الذين مكروا السيئات هم عند أكثر المفسرين أهل مكة مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلّم وراموا ضد أصحابه رضي الله تعالى عنهم عن الإيمان وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وغيرهما عن مجاهد