لاستعداده له ويهدي من يشاء هدايته حسبما يصرف اختياره التابع لاستعداده لتحصيلها ولتسألن جميعا يوم القيامة سؤال محاسبة ومجازاة لا سؤال استفسار وتفهم عما كنتم تعملون .
93 .
- تستمرون على عمله في الدنيا بقدركم المؤثرة بإذن الله تعالى والآية ظاهرة في أن مشيئة الله تعالى لإسلام الخلق كلهم ما وقعت وأنه سبحانه إنما شاء منهم الإفتراق والإختلاف فأيمان وكفر وتصديق وتكذيب ووقع الأمر كما شاء جل وعلا والمعتزلة ينكرون كون الضلال بمشيئته تعالى ويزعمون أنه سبحانه إنما شاء من الجميع الإيمان ووقع خلاف ما شاء عز شأنه وأجاب الزمخشري عن الآية بأن المعنى لو شاء على طريقة الإلجاء والفسر لجعلكم أمة واحدة مسلمة فإنه سبحانه قادر على ذلك لكن اقتضت الحكمة ان يضل ويخذل من يشاء ممن علم سبحانه أنه يختار الكفر ويصمم عليه ويهدي من يشاء بأن يلطف ممن علم أنه يختار الإيمان والحاصل أنه تعالى بنى الأمر على الإختيار وعلى ما يستحق به اللطف والخذلان والثواب والعقاب ولم ينبه على الإجبار الذي لا يستحق به شيء ولو كان العبيد مضطرين للهداية والضلال لما أثبت سبحانه لهم عملا يسئلون عنه بقوله : ولتسألن عما كنتم تعملون أه وللعسكري نحوه وقدمنا لك غير مرة أن المذهب الحق على ما بينه علامة المتأخرين الكوراني وألف فيه عدة رسائل أن للعبد قدرة مؤثرة بإذن الله تعالى لا إنه لا قدرة له أصلا كما يقول الجبرية ولا أن له قدرة مقارنة غير مؤثرة كما هو المشهور عند الأشعرية ولا أن له قدرة مؤثرة وإن لم يؤذن لله تعالى كما يقول المعتزلة وأن له اختيار أعطيه بعد طلب استعداده الثابت في علم الله تعالى له فللعبد في هذا المذهب اختيار والعبد مجبور فيه بمعنى أنه لا بد أنه من أن يكون له لأن استعداده الأزلي الغير المجعول قد طلبه من الجواد المطلق والحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها والإثابة والتعذيب إنما يترتبان على الإستعداد للخير والشر الثابت في نفس الأمر والخير والشر يدلان على ذلك نحو دلالة الأثر على المؤثرة والغاية على ذي الغاية وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ومن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه .
وقال ابن المنير : أن أهل السنة عن الإجبار بمعزل لأنهم يثبتون للعبد قدرة واختبارا وأفعالا وهم مع ذلك يوحدون الله تعالى حق توحيده فيجعلون قدرته سبحانه هي الموجدة والمؤثرة وقدرة العبد مقارنة فحسب وبذلك يميز بين الإختياري والقسري وتقوم حجة الله تعالى على عباده أه وهذا هو المشهور مذهب الأشعرية وهو كما ترى وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام في هذا المقام وما فيه من النقض والإيرام .
ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم قالوا هو تصريح بالنهي عن اتخاذ الأيمان دخلا بعد التضمين لأن الإتخاذ المذكور فيما سبق وقع قيدا للمنهي عنه فكان منبها عنه ضمنا تأكيدا ومبالغة في قبح المنهي عنه وتمهيدا لقوله تعالى : فتزل قدم عن محجة الحق بعد ثبوتها عليها ورسوخها فيها بالإيمان وقيل ما تقدم كان نهيا عن الدخول في الحلف ونقض العهد بالقلة والكثرة وما هنا نهي عن الدخل في الأيمان التي يراد بها اقتطاع الحقوق فكأنه قيل : لا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم لتتوصلوا بذلك إلى قطع حقوق المسلمين .
وقال أبو حيان : لم يتكرر النهي فإن ما سبق إخبار بأنهم اتخذوا أيمانهم دخلا معللا بشيء خاص وهو أن تكون أمة هي أربى أمة وجاء النهي المستأنف الإنشائي عن اتخاذ الأيمان دخلا على العموم فيشمل جميع الصور من الحلف في المبايعة وقطع الحقوق المالية وغير ذلك ورد بأن قيد المنهي عنه منهي عنه فليس إخبارا صرفا