والسلام فتتبع ذاك وتأمل ما هنا وما هناك والله سبحانه وتعالى يتولى هداك .
ثم اعلم أنهم اختلفوا في تعيين موضع المسجد والكهف وقد مرت عليك بعض الأقوال وفي البحر أن في الشام كهفا فيه موتى ويزعم مجاوروه أنهم أصحاب الكهف وعليهم مسجد وبناء يسمى الرقيم ومعهم كلب رمة وبالأندلس في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتى ومعهم كلب رمة وأكثرهم قد انجرد لحمه وبعضهم متماسك وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم ويزعم ناس أنهم أصحاب الكهف وقال ابن عطية دخلت عليهم فرأيتهم سنة أربع وخمسمائة وهم بهذه الحالة وعليهم مسجد وقريب منهم بناء رومي يسمى الرقيم كأنه قصر مخلق قد بقي بعض جدرانه وهو في فلاة من الأرض خربة وبأعلا حصن غرناطة مما يلي القبة آثار مدينة قديمة يقال لها مدينة دقيوس وجدنا في آثارها غرائب انتهى وحين كنا بالأندلس كان الناس يزورون هذا الكهف ويذكرون أنهم يغلطون في عدتهم إذا عدوهم وأن معهم كلبا ويرحل الناس إلى لوشة لزيارتهم وأما ما ذكره من المدينة القديمة فقد مررت عليها مرارا لا تحصى وشاهدت فيها حجارة كبارا ويترجح كون ذلك بالأندلس لكثرة دين النصارى بها حتى لأنها هي بلاد مملكتهم العظمى ولأن الأخبار بما هو في أقصى مكان من أرض الحجاز أغرب وأبعد أن يعرف إلا بوحي من الله تعالى انتهى .
وما تقدم من خبر ابن عباس ومعاوية يضعف ما ادعى ترجحه لأن معاوية لم يدخل الأندلس وتسمية الأندلسيين نصارى الأندلس بالروم في نثرهم ونظمهم ومخاطبة عامتهم كما في البحر أيضا لا يجدي نفعا وقد عول الكثير على أن ذلك في طرطوس والله تعالى أعلم سيقولون الضمير فيه وفي الفعلين بعد كما اختاره ابن عطية وبعض المحققين لليهود المعاصرين له الخائضين في قصة أصحاب الكهف وأيد بذلك قول الحسن وغيره : أنهم كانوا قبل بعث موسى عليه السلام لدلالته أن لهم علما في الجملة بأحوالهم وهو يستلزم أن يكون لهم ذكر في التوراة وفيه ما فيه .
والظاهر أن هذا إخبار بما لم يكن واقعا بعد كأنه قيل سيقولون إذا قصصت قصة أصحاب الكهف أو إذا سئلوا عن عهدتهم ثلثة أي ثلاثلا أشخاص رابعهم أي جاعلهم أربعة بانضمامه إليهم كلبهم فثلاثة خبر مبتدأ محذوف و رابعهم كلبهم مبتدأ وخبر ولا عمل لاسم الفاعل لأنه ماض والجملة في موضع النعت لثلاثة والضمير أن لها لا للمبتدأ ومن ثم استغنى عنه بالحذف وإلا كان الظاهر أن يقال : هم ثلاثة وكلب لكن بما أريد اختصاصها بحكم بديع الشأن عدل إلى ما ذكر لينبه بالنعت الدال على التفضلة والتمييز على أن أول أولئك الفتية ليسوا مثل كل ثلاثة اصطحبوا ومن ثم قرن الله تعالى في كتابه العزيز أخس الحيوانات ببركة صحبتهم مع زمرة المتبتلين إليه المعتكفين في جواره سبحانه وكذا يقال فيما بعد وإلى هذا الإعراب ذهب أبو البقاء واختاره العلامة الطيبي وهو الذي أشار إلى ما أشير إليه من النكتة ونظم في سلكها مع الآية حديث ما ظنك باثنين الله تعالى ثالثهما فأوجب ذلك أن شنع بعض أجلة الأفاضل عليه حتى أوصله إلى الكفر ونسبه إليه ولعمري لقد ظلمه وخفي عليه مراده فلم يفهمه ولم يجوز ابن الحاجب كون الجملة في موضع النعت كما لم يجوز هو ولا غيره كأبي البقاء جعلها حالا وجعلها خبرا بعد خبر للمبتدأ المحذوف وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام في ذلك