أنه قال في الآية : اشتكى القوم كما تسمعون الاحصاء ولم يشتك أحد ظلما والمحقرات من الذنوب فإنها تجمع على صاحبها حتى تهلكه .
ووجدوا ما عملوا في الدنيا من السيئات أو جزاء ذلك حاضرا مسطورا في كتاب كل منهم أو عتيدا بين أيديهم نقدا غير مؤجل واختير المعنى الأخير وإن كان في ارتكاب خلاف الظاهر لأن الكلام عليه تأسيس محض ولا يظلم ربك أحدا 94 بما لم يعمله أي منهم أو منهم ومن غيرهم والمراد أنه D لا يتجاوز الحد الذي حده في الثواب والعقاب وإن لم يجب ذلك عليه تعالى عقلا وتحقيقه أنه تعالى وعد بإثابة المطيع والزيادة لثوابه وبتعذيب العاصي بمقدار جرمه من غير زيادة وأنه قد يغفر له ما سوى الكفر وأنه لا يعذب بغير جناية فهو سبحانه وتعالى لا يجاوز الحد الذي حده ولا يخالف ما جرت عليه سنته الإلهية فلا يعذب أحدا بما لم يعمله ولا ينقص ثواب مما عمله مما أمر به وارتضاه ولا يزيد في عقابه الملائم لعمله الذي نهى عنه ولم يرتضه وهذا مما أجمع عليه المسلمون وإن اختلفوا في أن امتناع وقوع ما نفي هل هو سمعي أو عقلي فذهب إلى الأول أهل السنة وإلى الثاني المعتزلة وهل تسمية تلك المجاوزة ظلما حقيقة أم لا قال الخفاجي : الظاهر أنها حقيقة وعليه لا حاجة إلى أن يقال : المراد بالآية أنه سبحانه لا يفعل بأحد ما يكون ظلما لو صدر من العباد كالتعذيب بلا ذنب فإنه لو صدر من العباد يكون ظلما ولو صدر منه سبحانه لا يكون كذلك لأنه جل شأنه مالك الملك متصرف في ملكه كيف يشاء فلا يتصور في شأنه تعالى شأنه ظلم أصلا بوجه من الوجوه عند أهل السنة وأنت تعلم أن هذا هو المشهور لدى الجمهور لا ما اقتضاه التحقيق فتأمل والله تعالى ولي التوفيق واستدل بعموم الآية على أن أطفال المشركين لا يعذبون وهو القول المنصور وقد أسلفنا ولله تعالى الحمد ما يؤيده من الأخبار وإذ قلنا أي اذكر وقت قولنا للملائكة كلهم كما هو الظاهر واستثنى بعض الصوفية الملائكة المهيمين وبعض آخر ملائكة السماء مطلقا وزعم أن المقول له ملائكة الأرض .
اسجدوا لآدم سجود تحية وإكرام أو اسجدوا لجهته على معنى اتخذوه قبله لسجودكم لله تعالى وقد مر تمام الكلام في ذلك فسجدوا كلهم أجمعون امتثالا للأمر إلا إبليس لم يكن من الساجدين بل أبى واستكبر وقوله تعالى كان من الجن كلام مستأنف سيق مساق التعليل لما يفيده استثناء اللعين من الساجدين وقيل : حال من المستثنى وقد مقدرة والرابط الضمير وهو اختيار أبي البقاء والأول ألصق بالقلب وكأنه قيل ماله لم يسجد فقيل كان أصله جنيا وهذا ظاهر في أنه ليس من الملائكة نعم كان معهم ومعدودا في عدادهم فقد أخرج ابن جرير عن سعد بن مسعود قال : كانت الملائكة تقاتل الجن فسبى إبليس وكان صغيرا فكان مع الملائكة فتعبد بالسجود معهم وأخرج نحوه عن شهر بن حوشب وهو قول كثير من العلماء حتى قال الحسن فيما أخرجه عنه ابن المنذر وابن أبي حاتم قاتل الله تعالى أقواما زعموا أن إبليس من الملائكة والله تعالى يقول كان من الجن وأخرج عنه ابن جرير وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ في العظمة أنه قال : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين وإنه لأصل الجن كما إن آدم عليه السلام