ويقال لها بالسريانية جرجيسا وروى نحو ذلك عن ابن جريج وزعم ابن السائب أنه كان فيهم مؤمنون وكافرون والذي عليه الجمهور أنهم كانوا كفارا فخيره الله تعالى بين أن يعذبهم بالقتل أو يدعوهم إلى الإيمان وذلك قوله تعالى : قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب بالقتل من أول الأمر وإما أن تتخذ فيهم حسنا 68 أي أمرا ذا حسن على حذف المضاف أو على طريقة الوصف بالمصدر للمبالغة وذلك بالدعوة إلى الحق والإرشاد إلى ما فيه الفوز بالدرجات ومحل إن مع صلته إما الرفع على الابتداء أو على الخبر وإما النصب على المفعولية أما تعذيبك واقع أو إما أمرك تعذيبك أو إما تفعل أو توقع تعذيبك وهكذا الحال في الاتخاذ وقدم التعذيب لأنه الذي يستحقونه في الحال لكفرهم وفي التعبير بإما أن تتخذ فيهم حسنا دون إما أن تدعوهم مثلا إيماء إلى ترجيح الشق الثاني واستدل بالآية من قال بنبوته والقول عند بعضهم بواسطة ملك وعند آخرين كفاحا ومن لم يقل بنبوته قال : كان الخطاب بواسطة نبي في ذلك العصر أو كان ذلك إلهاما لا وحيا بعد أن كان ذلك التخيير موافقا لشريعة ذلك النبي وتعقب هذا بأن مثل هذا التخيير المتضمن لإزهاق النفوس لا يجوز أن يكون بالإلهام دون الإعلام وإن وافق شريعة ونقض ذلك بقصة إبراهيم عليه السلام في ذبح ابنه بالرؤيا وهي دون الإلهام وفيه أن رؤيا الأنبياء عليهم السلام وإلهاماتهم وحي كما بين في محله والكلام هنا على تقدير عدم النبوة وهو ظاهر .
موقال علي بن عيسى : المعنى قلنا يا محمد قالوا أي جنده الذين كانوا معه ياذا القرنين فحذف القول اعتمادا على ظهور أنه ليس بنبي وهو من التكلف بمكان وقريب من دعوى أن القائل العلماء الذين معه قالوه عن اجتهاد ومشاورة له بذلك ونسبه الله تعالى إليه مجازا والحق أن الآية ظاهرة الدلالة في نبوته ولعلها أظهر في ذلك من دلالة قوله تعالى : وما فعلته عن أمري على نبوة الخضر عليه السلام وكأن الداعي إلى صرفها عن الظاهر الأخبار الدالة على خلافها ولعل الأولى في تأويلها أن يقال : كان القول بواسطة نبي .
قال ذو القرنين لذلك النبي أو لمن عنده من خواصه بعد أن تلقى أمره تعالى مختارا للشق الأخير من شقي التخيير حسبما أرشد إليه أما من ظلم نفسه ولم يقبل دعوتي وأصر على ما كان عليه من الظلم العظيم الذي هو الشرك فسوف نعذبه بالقتل والظاهر أنه كان بالسيف وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : كان عذابه أن يجعلهم في بقر من صفر ثم يوقد تحتهم النار حتى يتقطعوا فيها وهو بعيد عن الصحة وأتى بنون العظمة على عادة الملوك وإسناد التعذيب إليه لأنه السبب الآمر ودعوى صدور ذلك منه بالذات في غاية البعد وقيل : أراد من الضمير الله تعالى ونفسه والإسناد باعتبار الخلق والكسب وهو أيضا بعيد مع ما فيه من تشريك الله تعالى مع غيره في الضمير وفيه من الخلاف ما علمت ثم يرد إلى ربه في الآخرة فيعذبه فيها عذابا نكرا 78 أي منكرا فظيعا وهو العذاب في نار جهنم ونصب عذابا على أنه مصدر يعذبه وقيل : تنازع فيه هو ونعذبه والمراد بالعذاب النكر نظرا إلى الأول ما روي عن السدي وهو خلاف الظاهر كما لا يخفى وفي قوله إلى ربه دون إليك دلالة على أن الخطاب السابق لم يكن بطريق الوحي إليه وأن مقاولته كانت مع النبي أو مع خواصه وأما من ءامن بموجب دعوتي وعمل عملا صالحا حسبما يقتضيه الإيمان فله في الدارين جزاء الحسنى أي فله المثوبة الحسنى أو الفعلة الحسنى أو