فهو كمن أنكر العرش والصراط والميزان وطلب لها تأويلات وذكر أن الأمم مجمعة على أن النافخ فيه إسرافيل عليه السلام فجمعناهم أي الخلائق بعد ما تفرقت أوصالهم وتمزقت أجسادهم في صعيد واحد للحساب والجزاء جمعا 99 أي جمعا عجيبا لا يكتنه كنهه وعرضنا جهنم أظهرناها وأبرزناها يومئذ أي يوم إذ جمعنا الخلائق كافة للكافرين منهم حيث جعلناها بحيث يرونها ويسمعون لها تغيظا وزفيرا عرضا 001 أي عرضا فظيعا هائلا لا يقادر قدره وتخصيص العرض بهم مع أنها بمرأى من أهل الجمع قاطبة لأن ذلك لأجلهم خاصة الذين كانت أعينهم وهم في الدنيا في غطاء كثيف وغشاوة غليظة محاطة بذلك من جميع الجوانب عن ذكري عن الآيات المؤدية لأولي الأبصار المتدبرين فيها إلى ذكري بالتوحيد والتمجيد فالذكر مجاز عن الآيات المذكورة من باب إطلاق المسبب وإرادة السبب وفيه أن من لم ينظر نظرا يؤدي به إلى ذكر التعظيم كأنه لا نظر له البتة وهذا فائدة التجوز .
موقيل : الكلام على حذف مضاف أي عن آيات ذكري وليس بذاك ويجوز أن يكون المراد بالأعين البصائر القلبية والمعنى كانت بصائرهم في غطاء عن أن يذكروني على وجه يليق بشأني أو عن ذكري الذي أنزلته على الأنبياء عليهم السلام ويجوز أن يخص بالقرآن الكريم وكانوا مع ذلك لا يستطيعون سمعا 101 نفي لسماعهم على أتم وجه ولذا عدل عن وكانوا صما الاخصر إليه والمراد أنهم مع ذلك كفاقدي حاسة السمع بالكلية وهو مبالغة في تصوير إعراضهم عن سماع ما يرشدهم إلى ما ينفعهم بعد تصوير تعاميهم عن الآيات المشاهدة بالأبصار فلا حاجة إلى تقدير لذكري المراد منه القرآن أو مطلق الشرائع الإلهية فإنه بعد تخصيص الذكر المذكور في النظم الكريم أولا بالآيات المشاهدة لا يصير قرينة على هذا الحذف قال ابن هشام في المغنى : إن الدليل اللفظي لا بد من مطابقته للمحذوف معنى فلا يصح زيد ضارب وعمرو أي ضارب على أن الأول بمعناه المعروف والثاني بمعنى مسافر وتقدير ذلك وإرادة معنى الآيات منه مجازا لتحقق الآيات في ضمن الكلام المعجز لا يخفى حاله وحال إرادة الآيات ثم إرادة الكلام المعجز منه مجازا بعد المجاز أظهر وقال بعض المحققين : إن تقدير ذلك إنما هو بقرينة قوله تعالى سمعا وأن الكافرين هذا حالهم لا بقرينة ذكر الذكر قبل ليجيء كلام ابن هشام ولا يخفى أنه كلام في تقدير الذكر بمعنى القرآن أو الشرائع الإلهية إذا أريد من الذكر المذكور ذلك والموصول نعت الكافرين أو بدل منه أو بيان جيء به لذمهم بما في حيز الصلة وللإشعار بعليته لإصابة ما أصابهم من عرض جهنم لهم أفحسب الذين كفروا أي كفروا بي كما يعرب عنه قوله تعالى عبادي والحسبان بمعنى الظن وقد قرأ عبد الله أفظن والهمزة للإنكار والتوبيخ على معنى إنكار الواقع واستقباحه والفاء للعطف على مقدر يفصح عنه الصلة على توجيه الإنكار والتوبيخ وإلى المعطوفين جميعا ما اختاره شيخ الإسلام والمعنى أكفروا بي مع جلالة شأني فحسبوا أن يتخذوا عبادي من الملائكة وعيسى ونحوهم عليهم السلام من المقربين كما تشعر به الإضافة فإن الأكثر أن تكون مثل هذا اللفظ لتشريف المضاف واقتصر قتادة في المراد من ذلك على الملائكة والظاهر إرادة ما يعمهم وغيرهم ممن ذكرنا واختاره أبو حيان