فأمرهم بالتسبيح إشارة إلى حصول أمر عجيب وقيل : إنه عليه السلام كان قد أخبر قومه بما بشر به قبل جعل العلامة فلما تعذر عليه الكلام أشار إليهم بحصول ما بشر به من الأمر العجيب فسروا بذلك .
وقرأ طلحة أن سبحوه بهاء الضمير عائدة إلى الله تعالى وروى ابن غزوان عن طلحة أن سبحن بنون مشددة يا يحيى على تقدير القول وكلام ءاخر حذف مسارعة إلى الأنباء بإنجاز الوعد الكريم أي فلما ولد وبلغ سنا يؤمر مثله فيه قلنا يا يحيى خذ الكتاب أي التوراة وادعى ابن عطية الإجماع على ذلك بناء على أن ال للعهد ولا معهود إذ ذاك سواها فإن الإنجيل لم يكن موجودا حينئذ وليس كما قال بل قيل : له عليه السلام كتاب خص به كما خص كثير من الأنبياء عليهم السلام بمثل ذلك وقيل المراد بالكتاب صحف إبراهيم عليه السلام وقيل : المراد الجنس أي كتب الله تعالى بقوة بجد واستظهار وعمل بما فيه وقائل ذلك هو الله تعالى على لسان الملك كما هو الغالب في القول للأنبياء عليه السلام وأبعد التبريزي فقدر قال له أبوه حين ترعرع ونشأ : يا يحيى إلخ ويزيده بعدا قوله تعالى وءاتيناه الحكم صبيا 21 .
أخرج أبو نعيم وابن مردويه والديلمي عن ابن عباس عن النبي أنه قال في ذلك : أعطي الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين وجاء في رواية أخرى عنه مرفوعا أيضا قال الغلمان ليحيى بن زكريا عليهما السلام : اذهب بنا نلعب فقال : أللعب خلقنا اذهبوا نصلي فهو قوله تعالى وءاتيناه الحكم صبيا والظاهر أن الحكم على هذا بمعنى الحكمة وقيل : هي بمعنى العقل وقيل معرفة ءاداب الخدمة وقيل الفراسة الصادقة وقيل النبوة وعليه كثير قالوا : أوتيها وهو ابن سبع سنين أو ابن ثلاث أو ابن سنتين ولم ينبأ أكثر الأنبياء عليهم السلام قبل الأربعين والجملة عطف على قلنا المقدر وحنانا من لدنا عطف على الحكم وتنويه للتفخيم وهو في الأصل من حن إذا ارتاح واشتاق ثم استعمل في الرحمة والعطف ومنه الحنان لله تعالى خلافا لمن منع إطلاقه عليه D وإلى تفسيره بالرحمة هنا ذهب الحسن وقتادة والضحاك وعكرمة والفراء وأبو عبيدة وهو رواية عن ابن عباس ويروى أنه أنشد في ذلك لابن الأزرق قول طرفة .
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض وأنشد سيبويه قول المنذر بن درهم الكلبي : وأحدث عهد من أمينة نظرة على جانب العلياء إذ أنا واقف تقول حنان ما أتى بك ههنا أذو نسب أم أنت بالحي عارف والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أي وآتيناه رحمة عظيمة عليه كائنة من جنابنا وهذا أبلغ من ورحمانه وروى هذا التفسير عن مجاهد وقيل : المراد وآتيناه رحمة في قلبه وشفقتة على أبويه وغيرهما وفائدة الوصف على هذا الإشارة إلى أن ذلك كان مرضيا لله D فإن الرحمة والشفقة ما هو غير مقبول كالذي يؤدي إلى ترك شيء من حقوق الله سبحانه كالحدود مثلا أو الإشارة إلى تلك الرحمة زائدة على ما في جبلة غيره عليه السلام لأن ما يهبه العظيم عطيم وأورد على هذا أن الإفراط مذموم كالتفريط وخير الأمور أوسطها ورد بأن مقام المدح يقتضي ذلك ورب