الجواز إذا أريد بالمفرد لفظه بل ذكر الدنوشري أنه إذا كان المراد بالمفرد الواقع بعد القول نفس لفظه تجب حكايته ورعاية إعرابه وآخرون إلى المنع قال أبو حيان : وهو الصحيح إذ لا يحفظ من لسانهم قال فلان زيد ولا قال ضرب وإنما وقع القول في كلامهم لحكاية الجمل وما في معناها وجعل المانعون إبراهيم مرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو أو هذا إبراهيم والجملة محكية بالقول كما في قوله .
إذا ذقت فاها قلت طعم مدامة .
وجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي إبراهيم فاعله وأن يكون منادى حذف منه حرف النداء أي يقال له حين يدعى يا إبراهيم وعندي أن الآية ظاهرة فيما اختاره الزمخشري وابن عطية ويكفي الظهور مرجحا في أمثال هذه المطالب وذهب الأعلم إلى أن إبراهيم ارتفع بالإهمال لأنه لم يتقدمه عامل يؤثر في لفظه إذ القول لا يؤثر إلا في المفرد المتضمن لمعنى الجملة فبقي مهملا والمهمل إذا ضم إلى غيره ارتفع نحو قولهم واحد واثنان وإذا عدوا ولم يدخلوا عاملا لا في اللفظ ولا في التقدير وعطفوا بعض أسماء العدد على بعض ولا يخفى أن كلام هذا الأعلم لا يقوله إلا الأجهل ولأن يكون الرجل أفلح أعلم خير له من أن ينطق بمثله ويتكلم .
قالوا أولئك القائلون من فعل الخ إذا كان الأمر كذا فأتوا به أي أحضروه على أعين الناس مشاهدا معاينا لهم على أتم وجه كما تفيده على المستعارة لنمكن الرؤية لعلهم يشهدون .
61 .
- أي يحضرون عقوبتنا له وقيل يشهدون بفعله أو بقوله ذلك فالضمير حينئذ ليس للناس بل لبعض منهم مبهم أو معهود والأول مروي عن ابن عباس والضحاك والثاني عن الحسن وقتادة والترجي أوفق به قالوا استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية قولهم كأنه قيل فماذا فعلوا به بعد ذلك هل أتوا به أولا فقيل قالوا : أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم .
62 .
- اقتصارا على حكاية مخاطبتهم إياه عليه السلام للتنبيه على أن إتيانهم به ومسارعتهم إلى ذلك أمر محقق غني عن البيان والهمزة كما قال العلامة التفتازاني للتقرير بالفاعل إذ ليس مراد الكفرة حمله عليه السلام على الإفراد بأن كسر الأصنام قد كان بل على الإقرار بأنه منه كيف وقد أشاروا إلى الفعل في قولهم : أأنت فعلت هذا وأيضا قال بل فعله كبيرهم هذا ولو كان التقرير بالفعل لكان الجواب فعلت أو لم أفعل واعترض ذلك الخطيب بأنه يجوز أن يكون الإستفهام على أصله إذ ليس في السياق ما يدل على أنهم كانوا عالمين بأنه عليه السلام هو الذي كسر الأصنام حتى يمتنع حمله على حقيقة الإستفهام وأجيب عليه بأنه يدل عليه ما قبل الآية وهو أنه عليه السلام قد حلف بقوله تالله لأكيدن أصنامكم الخ ثم لما رأوا كسر الأصنام قالوا من فعل هذا الخ فالظاهر أنهم قد علموا ذلك من حلفه وذمه الأصنام ولقائل أن يقول : إن الحلف كما قاله كثير كان سرا أو سمعه رجل واحد وقوله سبحانه قالوا سمعنا الخ مع قوله تعالى : قالوا من فعل هذا الخ يدل على أن منهم من لا يعلم كونه عليه السلام هو الذي كسر الأصنام فلا يبعد أن يكون أأنت فعلت كلام ذلك البعض وقد يقال : إنهم بعد المفاوضة في أمر الأصنام وإخبار البعض البعض بما يقنعه بأنه عليه السلام هو الذي كسرها تيقنوا كلهم أنه الكاسر