وجعل ذلك بعضهم من التقديم والتأخير ولا ضرورة إليه وقيل : إن العفو ليس لارتكاب المعاقب خلاف الأولى بل لأن المماثلة من كل الوجوه متعسرة فيحتاج للعفو عما وقع فيها وليس بذاك ونقل الطيبي عن الإمام أن الآية نزلت في قوم مشركين لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فقالوا : إن ألآصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم يكرهون القتال في الشهر الحرام فأحملوا عليهم فناشدهم المسلمون بأن يكفوا عن القتال فأبوا فقاتلوهم فنصر المسلمون ووقع في أنفسهم شيء من القتال في الشهر الحرام فأنزل الله تعالى الآية ثم قال : فعلى هذا أمر المطابقة ظاهر ويكون أوفق لتأليف النظم وذلك أن لفظة ذلك فصل للخطاب وقوله تعالى ومن عاقب شروع في قصة أخرى لأولئك السادة بعد قوله سبحانه والذين هاجروا الآيتين أه .
وتعقب بأن الآية تقتضي ابتداء ثم جزاء ثم بغيا ثم جزاء والقصة لم تدل عليه إلا أن يجعل ما بينهم من التعادي معاقبة بالمثل ويجعل البغي مناواتهم لقتال المسلمين في الشهر الحرام وهو خلاف الظاهر وأما الموافقة لتأليف النظف فعلى ما ذكره غيره أبين لأنه لما ذكر حال المقتولين منهم قيل الأمر فيما يرجع إلى حال الآخرة وفيما يرجع إلى حال الدنيا إنهم لهم المنصورون لأنهم بين معاقب وعاف وكلاهما منصوران أما الأول فنصا وأما الثاني فمن فحوى الخطاب أعني مفهوم الموافقة وفيه وعيد شديد للباغي وأنه مخذول في الدارين مسلوك في قرن من كان في مرية حتى أتته الساعة أو العذاب أه وهو كلام رصين ولا يعكر عليه قولهم : إنه أتى بذلك للإقتضاب فتأمل وعن الضحاك أن الآية مدنية وهي في القصاص والجراحات .
واستدل بها الشافعي على وجوب رعاية المماثلة في القصاص وعندنا لا قود إلا بالسيف كما جاء في الخبر والمراد به السلاح وخبر من غرق غرقناه ومن حرق حرقناه لم يصح وبتسليم صحته محمول على السياسة وينبغي أن يعلم أن المعاقبة بالمثل على الإطلاق غير مشروعة فإن الرجل قد يعاقب بنحو يا زاني وقد قالوا : إنه إذا قيل له ذلك فقال لا بل أنت زان حد هو والقائل الأول فليحفظ ذلك إشارة إلى النصر المدلول عليه بقوله تعالى لينصرنه وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبته وقيل لعدم ذكر المشار إليه صريحا ومحله الرفع على الإبتداء وخبره قوله سبحانه : بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل والباء فيه سببية والسبب ما دل عليه ما بعد بطريق اللزوم أي ذلك النصر كائن لسبب أن الله تعالى شأنه قادر على تغيب بعض مخلوقاته على بعض والمداولة بين الأشياء المتضادة ومن شأنه ذلك .
وعب عن ذلك بإدخال أحد الملوين في الآخر بأن يزيد فيه ما ينقص من الآخر كما هو الأوفق بالإيلاج أو بتحصيل أحدهما في مكان الآخر كما قيل لا بأن يجعل بين كل نهارين ليلا وبين كل ليلين نهارا كما قد توهم لكونه أظهر المواد وأوضحها أو كائن بسبب أنه تعالى خالق الليل والنهار ومصرفهما فلا يخفى ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشر والبغي والإنتصار كما قيل وعلى الأول قوله تعالى : وأن الله سمع بكل المسموعات التي من جملتها ما يقول المعاقب بصير .
61 .
- بكل المبصرات التي من جملتها ما يقع منه من الأفعال من تتمة الحكم لا بد منه إذ لا بد للناصر من القدرة على نصر المظلوم ومن العلم بأنه كذلك وعلى الثاني هو تتميم وتأكيد والأول أولى وقيل : لا يبعد أن يكون المعنى ذلك النصر بسبب تعاقب الليل والنهار وتناوب الأزمان والأدوار