وعقب إحياء الأرض بالمطر وبث كل دابة فيها بتصريف الرياح لأن في ذلك تربية النبات وبقاء حياة الحيوانات التي تدب على وجه الأرض ولو أمسك الله تعالى الريح ساعة لأنتن ما بين السماء والأرض كما نطق به بعض الآثار .
والسحاب .
عطف على ما قبله وهو أسم جنس واحده سحابة سمي بذلك لإنسحابه في الجو أو لجر الرياح له المسخر بين السماء والأزض صفةللسحاببإعتبار لفظه وقد يعتبر معناه فيوصف بالجمع ك سحابا ثقالا و بين ظرف لغو متعلق بالمسخر ومعنى تسخيره أنه لا ينزل ولا يزول مع أن الطبع يقتضي صعوده إن كان لطيفا وهبوطه إن كان كثيفا وقيل : الظرف مستقر وقع حالا من ضمير المسخر ومتعلقه محدوف أي المسخر للرياح حيث تقلبه في الجو بمشيئة الله تعالى وتعقيت تصريف الرياح بالسحاب لأنه كالمعلول للرياح كما يشير إليه قوله تعالى : وهو الذي يرسل الرياح فتثير سحابا ولأن في جعله ختم المتعاطفات مراعاة في الجملة لما بدى به منها لأنه أرضى سماوي فينتظم بدء الكلام وختمه وبما ذكرنا علم جه الترتيب في الآية وقال بعض الفضلاء : لعل تأخير تصريف الرياح وتسخير السحاب في الذكر عن جريان الفلك وإنزال الماء مع إنكعاس الترتيب الخارجي للإشعار بإستقلال كل من الأمور المعدودة في كونها آية ولو روعي الترتيب الخارجي لربما توهم كون المجموع المرتب بعضه على بعض آية واحدة ولا يخفى أنه يبعد هذا التوهم ظاهر قوله تعالى : لآيات أسم إن دخلته اللام لتأخره عن خبرها والتنكير للتفخيم كما وكيفا أي آيات عظيمة كثيرة دالة على القدرة القاهرة والحكمة الباهرة والرحمة الواسعة المقتضية لإختصاص الآلهية به سبحانه لقوم يعقلون 461 أي يتفكرون فالعقل مجاز عن التفكر الذي هو ثمرته أخرج إبن أبي الدنيا وإبن مردويه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لما قرأ هذه الآية قال : ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها وفيها تعريض بجعل المشركين الذين أقترحوا على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم آية تصدقه وتسجيل عليهم بسخافة العقول وإلا فمن تأمل في تلك الآيات وجد كلا منها مشتملا على وجوه كثيرة من الدلالة على وجوده تعالى ووحدانيته وسائر صفاته الكمالية الموجبة لتخصيص العبادة به تعالى وأستغنى عن سائرها ومجمل القول في ذلك أن كل واحد من هذه الأمور المعدودة قد وجد على وجه خاص من الوجوه الممكنة دون ما عداه مستتبعا لآثار معينة وأحكام مخصوصة من غير أن تقتضي ذاته وجوده فضلا عن وجوده على النمط الكذائي فإذا لابد له من موجد لإمتناع وجود الممكن بلا موجد قادر إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل حكيم عالم بحقائق الأشياء وما فيها من المفاسد والمصالح يوجده حسبما يستدعيه علمه بما فيه من المصلحة وتقتضيه مشيئته متعال عن مقابلة غيره إذ لو كان معه واجب يقدر على ما يقدر الحق تعالى عليه فإن وافقت إرادة كل منهما إيجاده على وجه مخصوص أراده الآخر فالتأثير إن كان لكل منهما لزم إجتماع فاعلين على أثر واحد وهو يستلزم إجتماع العلتين التامتين وإن كان الفعل لأحدهما لزم ترجيح الفاعل من غير مرجح لإستوائهما في إرادة إيجاده عى الإستقلال وعجز الآخر لما أن الفاعل سد عليه إيقاع ما أراده وإن أختلفت الإرادتان بأن أراد أحدهما وجوده على نحو وأراد الآخر وجوده على نحو آخر لزم التمانع والتطارد لعدم المرجح فيلزم عجزهما والعجز مناف للألوهية بديهة وفي الآية إثبات الإستدلال بالحجج العقلية وتنبيه على شرف علم الكلام وفضل أهله وربما أشارت إلى شرف علم الهيئة .
ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا بيان لحال المشركين بعد بيان الدلائل الدالة على توحيده