على باب الجنة أربعين سنة لم تنفخ فيه الروح والتعبير بالمضارع مع أن المقام مقام المضى اتصوير ذلك الامر الكامل بصورة المشاهد الذي يقع الآن إيذانا بأنه من الامور المستغربة العجيبة الشأن وجوز ان يكون التعبير بذلك لما أن الكون مستقبل بالنظر إلى ما قبله وذهب كثير من المحققين إلى أن ثم للتراخي في الاخبار لا في المخبر به وحملوا الكلام على ظاهره ولا يضر تقدم القول على الخلق في هذا الترتيب والتراخي كما لا يخفى والضمير المجرور عائد على ما عاد عليه الضمير لمنصوب والقول بأنه عائد على عيسى ليس بشئ لما فيه من التفكيك الدي لا داعي اليه ولا قرينة تدل عليه قيل : وفي الآية دلالة على صحة النظر والاستدلال لانه سبحانه احتج على النصارى وأثبت جواز خلق عيسى عليه السلام من غير أب بخلق آدم عليه السلام من غير أب ولا أم ثم إن الظاهر أن عيسى عليه السلام خلقه الله سبحانه من نطفة مريم عليها السلام يجعلها قابلة لذلك ومستعدة له كما أشرنا اليه فيما تقدم .
والقول بأنه خلق من الهواء كما خلق آدم من التراب مما لا مستند له من عقل ولا نقل ونفخنا فيه من روحنا لا يدل عليه بوجه أصلا الحق من ربك خبر لمحذوف اي هو الحق وهو راجع إلى البيان والقصص المذكور سابقا والجار والمجرور حال من الضمير في الخبر وجوز أن يكون الحق مبتدأ و من ربك خبره ورجح الأول بان المقصود الدلالة على كون عيسى مخلوقا كآدم عليهما السلام هو الحق لا ما يزعمه النصارى وتطبيق كونهما مبتدأ وخبرا على هذا امعنى يتأتى إلا بتكلف إرادة أن كل حق او جنسه من الله تعالى ومن جملته هذا الشان أو حمل اللام على العهد بإرادة الحق المذكور ولا يخفى ما في التعرض لعنوان الربوبية مع الاضافة إلى ضميره صلى الله تعالى عليه وسلم من اللطافة الظاهرة فلا تكن من الممترين .
6 .
- خطاب له صلى الله تعالى عليه وسلم ولا يضر فيه استحالة وقوع الامتراء منه E كما في قوله تعالى : فلا تكونن من المشركين بل قد ذكروا في هذا الاسلوب فائدتين .
إحداهما أنه صلى الله تعالى عليه وسلم إذا سمع مثل هذا الخطاب تحركت منه الاريحية فيزداد في الثياب على اليقين نورا على نور وثانيهما أن السامع يتنبه بهذا الخطاب على أمر عظيم فينزع وينزجر عما يورث الامتراء لانه صلى الله تعالى عليه وسلم مع جلالته التي لا تصل اليها الاماني إذا خوطب بمثله فما يظن بغيره ففي ذلك زيادة ثبات له صلوات الله تعالى وسلامه عليه ولطف بغيره وجوز أن يكون خطابا لكل من يقف عليه ويصلح للخطاب فمن حاجك أي جادلك وخاصمك من وفد نصارى نجران إذ هم المتصدون لذلك فيه أي في شأن عيسى عليه السلام لانه المحدث عنه وصاحب القصة وقيل : الضمير للحق المتقدم لقربه وعدم بعد المعنى من بعد ما جاءك من العلم اي الآيات الموجبة للعلم وإطلاق العلم عليها إما حقيقة لانها كما قيل : نوع منه وإما مجاز مرسل والقرينة عليه ذكر المحاجة المقتضية للأدلة والجار والمجرور الاخير حال من فاعل جاءك الراجع إلى ما الموصولة و من من ذلك تبعيضية وقيل : لبيان الجنس فقل أي لمن حاجك تعالوا أي أقبلوا بالرأي والعريمة وأصله طلب الاقبال إلى مكان مرتفع ثم توسع فيه فاستعمل في مجرد طلب المجئ ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم أي يدع كل منا ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه للمباهلة وفي تقديم من قدم على النفس في المباهلة مع أنها من مظان