عمن سواه ظافر بطلبته غالب على خصمه محفوف محفوظ بعناية الله تعالى والمخذول من إستعان بغيره وقصد سواه كما قيل : من إستعان بغير الله في طلب فإن ناصره عجز وخذلان إن الله بما يعملون من المكايد محيط فيبطلها ويطفيء نارها لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة لله تعالى تحت ظل الكبرياء والعظمة لعلكم تشكرون ذلك وبالشكر تزاد النعم إذ تقول للمؤمنين لما رأيت من حالهم ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين على صيغة أسم الفاعل السكينة عليكم أو منزلين على صيغة أسم المفعول من جانب الملكوت إليكم بلى إن تصبروا على صدمات تجليه سبحانه وتتقوا من سواه ويأتوكم من فورهم هذا أي بلا بطء يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين على صيغة الفاعل أي معلمين أرواحكم بعلائم الطمأنينة أو مسومين على صيغة المفعول بعمائم بيض وهي إشارة إلى الأنوار الآلهية الظاهرة عليهم وتخصيصالخمسة آلافبالذكر لعله إشارة إلى إمداد كل لطيفة من اللطائف الخمس بألف والألف إشارة إلى الأمداد الكامل حيث أنها نهاية مراتب الأعداد وشرط ذلك بالصبر والتقوى لأن النصر على الأعداءوأعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيكلا يكون إلا عند تقوى القلب وكذا سائر جنود الروح بل والروح نفسها أيضا بتأييد الحق والتنور بنور اليقين فتحصل المناسبة بين القلب مثلا وبين ملكوت السماء وبذلك التناسب يستنزل قواها وأوصافها في أفعاله وربما يستمد من قوى قهرها على من يغضب عليه وذلك عبارة عن نزول الملائكة وهذا لا يكون إلا بالصبر على تحمل المكروه طلبا لرضا الله تعالى والتقوى من مخالفة أمر الحق والميل إلى نحو النفع الدنيوي واللذات الفانية .
وأما إذا جزع وهلع ومال إلى الدنيا فلا يحصل له ذلك لأن النفس حينئذ تستولي عليه وتحجبه بظلمة صفاتها عن النور فلم تبق تلك المناسبة وأنقطع المدد ولم تنزل الملائكة وما جعله الله إلا بشرى لكم أي إلا لتستبشروا به فيزداد نشاطكم في التوجه إلى الحق ولتطمئن به قلوبكم فيتحقق الفيض بقدر التصفية وما النصر إلا من عند الله لا من الملائكة فلا تحتجبوا بالكثرة عن الوحدة وبالخلق عن الحق فالكل منه تعالى وإليه العزيز فلا يعجزه الظهور بما شاء وكيف شاء الحكيم الذي ستر نصره بصور الملائكة لحكمة ليقطع أي يهلك طرفا من الذين كفروا وهم أعداء الله تعالى أو يكبتهم يخزيهم ويذلهم فينقلبوا خائبين فيرجعوا غير ظافر بما أملوا ليس لك من حيث أنت من الأمر شيء وكله لك من حيثية أخرى أو يتوب عليهم إذا أسلموا فتفرح لأنك المظهر للرحمة الواسعة وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين أو يعذبهم لأجلك فتشتفي بهم من حيث أنهم خالفوا الأمر الذي بعثت به إلى الناس كافة فإنهم ظالمون بتلك المخالفة ولله ما في السموات من عالم الأرواح وما في الأرض من عالم الطبيعيات يتصرف فيهما كيفما يشاء ويختار يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء لأن له التصرف المطلق في الملك والملكوت والله غفور رحيم كثير المغفرة والرحمة نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ويرحمنا ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا إبتداء كلام مشتمل على أمر ونهي وترغيب وترهيب تتميما لما سلف من الإرشاد إلى ما هو الأصلح في أمر الدين وفي باب الجهاد ولعل إيراد النهي عن الربا بخصوصه هنا لما أن الترغيب في الإنفاق في السراء والضراء الذي عمدته الإنفاق في سبيل الجهاد متضمن للترغيب في تحصيل المال فكان مظنة مبادرة الناس إلى طرق الإكتساب ومن جملتها بل أسهلها الربا فنهوا عنه