وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أنس بن مالك في الآية إن هؤلاء في أمتي قليل إلا من عصم الله تعالى وقد كانوا كثيرا في الأمم التي مضت والإستثناء منقطع إن كانت القلة على ظاهرها ومتصل إن كانت بمعنى العدم وكون بعض الخصائص كثيرا في الأمم السابقة لا يقتضي تفضيلهم على هذه الأمة من كل الوجوه ومن ظن ذلك تكلف في توجيه الحديث بأن المراد أن الكاظمين الغيظ في أمتي قليل إلا بعصمة الله تعالى لغلبة الغيظ عليهم وقد كانوا كثيرا في الأمم السالفة لقلة حميتهم ولذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما بينهم قليلا ولما تمرنت هذه الأمة في الغضب لله تعالى وألتزموا الإجتناب عن المداهنة صار إنفاذ الغيظ عادتهم فلا يكظمون إذا أبتلوا إلا بعصمة الله تعالى فالقليل في الخبر هم الذين يكظمون لقلة الحمية وهم الكثيرون في الأمم السالفة فلا إختصاص لهم بمزية ليتوهم تفضيلهم على هذه الأمة ولو من بعض الوجوه ولا يخفى أن هذا التوجيه مما تأباه الإشارة والعبارة وأحسن منه بل لا نسبة أن الكثرة نظرا إلى مجموع الأمم لا بالنسبة إلى كل أمة أمة ولا يضر قلة وجود الموصوفين بتلك الصفة فينا بالنظر إلى مجموع الخلائق من لدن آدم عليه السلام إلى أن بعث نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم لأن هذه الأمة بأسرها قليلة بالنظر إلى مجموع الأمم فضلا عن خيارها فتدبر وفي ذكر هذين الوصفين كما قال بعض المحققين : إشعار بكمال حسن موقع عفوه E عن الرماة وترك مؤاخذتهم بما فعلوا من مخالفة أمره صلى الله تعالى عليه وسلم وندب له E إلى ترك ما عزم عليه من مجازاة المشركين بما فعلوا بحمزة رضي الله تعالى عنه حتى قال : حين رآه قد مثل به لأمثلن بسبعين مكانك ولعل التعبير هنا بصيغة الفاعل أيضا دون الفعل لأن العفو أشبه بالكظم منه بالإنفاق والله يحب المحسنين 431 تذييل لمضمون ما قبلهوألإما للجنس والمذكورون داخلون فيه دخولا أوليا وإما للعهد وعبر عنهم بالمحسنين على ما قيل : إيذانا بأن النعوت المعدودة من باب الإحسان الذي هو الإتيان بالأعمال عل ىالوجه اللائق الذي هو حسنها الوصفي المستلزم لحسنها الذاتي وقد فسره النبي صلى الله تعالى عليه وسلمبأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراكويمكن أن يقال : الإحسان هنا بمعنى الإنعام على الغير على وجه عار عن وجوه القبح وعبر عنهم بذلك للإشارة إلى أنهم في جميع تلك النعوت محسنون إلى الغير لا في الإنفاق فقط .
ومما يؤيد كون الإحسان هنا بمعنى الإنعام ما أخرجه البيهقي أن جارية لعلي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة فسقط الأبريق من يدها فشجه فرفع رأسه إليها فقالت : إن الله تعالى يقول والكاظمين الغيظ فقال لها : قد كظمت غيظي قالت : والعافين عن الناس قال : قد عفا الله تعالى عنك قالت : والله يحب المحسنين قال : أذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى ورجح بعضهم العهد على الجنس بأنه أدخل في المدح وأنسب بذكره قبل قوله تعالى : والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم من تتمة ما نزل حين قال المسلمون لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : بنو إسرائيل كانوا أكرم على الله منا إلخ على ما أشرنا إليه فيما تقدم وعن إبن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه ذكر عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حال بني إسرائيل فنزلت هذه الآية ولم يذكر صدر الآية .
وفي رواية الكلبي أن رجلين أنصاريا وثقفيا آخى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بينهما فكانا