ما فعل وإذا قيل : هو يفعل يريد ما يستقبل فجوابه لا يفعل وإذا قيل : سيفعل فجوابه لن يفعل فقول أبي حيان : إن القول بأن لما تدل على توقع الفعل المنفي بها فيما يستقبل لا أعلم أحدا من النحويين ذكره غير متعد به نعم هذا التوقع هنا غير معتبر في تأكيد الأنكار وقريء ويعلم بفتح الميم على أن أصله يعلمن بنون خفيفة فحذفت في الدرج وقد أجازوا حذفها إما بشرط ملاقاة ساكن بعدها أو مطلقا ومن ذلك قوله : إذا قلت قدني قال بالله حلفة لتغني عني ذا أنائك أجمعا على رواية فتح اللام وقيل إن فتح الميم لإتباع اللام ليبقى تفخيم أسم الله عز أسمه و منكم حال من الذين و من فيه للتبعيض فيؤذن بأن الجهاد فرض كفاية ويعلم الصابرين 241 نصب بإضمار إن وقيل : بواو الصرف والكلام على طرزلا تأكل السمك وتشرب اللبنأي أم حسبتم أن تدخلوا الجنة والحال أنه لم يتحقق منكم الجهاد والصبر أي الجمع بينهما وإيثار الصابرين على الذين صبروا للإيذان بأن المعتبر هو الإستمرار على الصبر وللمحافظة على رؤس الآي وقيل : الفعل مجزوم بالعطف على المجزوم قبله وحرك لإلتقاء الساكنين بالفتحة للخفة والإتباع ويؤيد ذلك قراءة الحسن ويعلم الصابرين بكسر الميم وقريء ويعلم بالرفع على أن الواو للإستئناف أو للحال بتقدير وهو يعلم وصاحب الحال الموصول كأنه قيل : ولما تجاهدوا وأنتم صابرون ولقد كنتم تمنون الموت خطاب لطائفة من المؤمنين لم يشهدوا غزوة بدر لعدم ظنهم الحرب حين خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إليها فلما وقع ما وقع ندموا فكانوا يقولون : ليتناول نقتل كما قتل أصحاب بدر ونستشهد كما أستشهدوا فلما أشهدهم الله تعالى أحدا لم يلبث إلا من شاء الله تعالى منهم .
فالمراد بالموت هنا الموت في سبيل الله تعالى وهي الشهادة ولا بأس بتمنيها ولا يرد أن في تمني ذلك غلبة الكفار لأن قصد المتمني الوصول إلى نيل كرامة الشهداء لا غير ولا يذهب إلى ذلك وهمه كما أن من يشرب دواء النصراني مثلا يقصد الشفاء لا نفعه ولا ترويج صناعته وقد وقع هذا التمني من عبدالله بن رواحة من كبار الصحابة ولم ينكر عليه ويجوز أن يراد بالموت الحرب فإنها من أسبابه وبه يشعر كلام الربيع وقتادة فحينئذ المتمني الحرب لا الموت من قبل أن تلقوه متعلق ب تمنون مبين لسبب إقدامهم على التمني أي من قبل أن تشاهدوا وتعرفوا هو له وقريء بضم اللام على حذف المضاف إليه ونية معناه وأن تلقوه حينئذ بدل من الموت بدل إشتمال أي كنتم تمنون الموت أن تلقوه من قبل ذلك و قريء تلاقوه من المفاعلة التي تكون بين إثنين وما لقيك فقد لقيته ويجوز أن يكون من باب سافرت والضمير عائد إلى الموت وقيل : إلى العدو المفهوم من الكلام وليس بشيء فقد رأيتموه أي ما تمنيتموه من الموت بمشاهدة أسبابه أو أسبابه والفاء فصيحة كأنه قيل : إن كنتم صادقين في تمنيكم ذلك فقد رأيتموه وإيثار الرؤية على الملاقاة إما للإشارة إلى إنهزامهم أو للمبالغة في مشاهدتهم له كتقييد ذلك بقوله سبحانه : وأنتم تنظرون 341 لأنه في موضع الحال من ضمير المخاطبين أي رأيتموه معاينين له وهذا على حد قولك : رأيته وليس في عيني علة أي رأيته رؤية حقيقية لإخفاء فيها ولا شبهة وقيل : تنظرون بمعنى تتأملون وتتفكرون أي وأنتم تتأملون الحال كيف هي وقيل : معناه وأنتم تنظرون إلى محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى كل حال فالمقصود من هذا الكلام عتاب المنهزمين