على القطع وقوله تعالى : من عند الله صفة لثوابا وهو وصف مؤكد لأن الثواب لا يكون إلا من عنده تعالى لكنه صرح به تعظيما للثواب وتفخيما لشأنه ولا يرد أن المصدر إذا وصف كيف يكون مؤكدا لما تقرر في موضعه أن الوصف المؤكد لا ينافي كون المصدر مؤكدا .
وقيل : إنه متعلق بثوابابإعتبار تأويله بأسم المفعول وقوله سبحانه : والله عنده حسن الثواب 591 تذييل مقرر لمضمون ما قبله والأسم الجليل مبتدأ خبره عنده و حسن الثواب مرتفع بالظرف على الفاعلية لإعتماده على المبتدأ أو هو مبتدأ ثان والظرف خبره والجملة خبر المبتدأ الأول والكلام مخرج مخرج قول الرجل : عندي ما تريد يريد إختصاصه به وتملكه له وإن لم يكن عنده فليس معنى عنده حسن الثواب أن الثواب بحضرته وبالقرب منه على ما هو حقيقة لفظ عنده بل مثل هناك كونه بقدرته وفضله بحيث لا يقدر عليه غيره بحال الشيء يكون بحضرة أحد لا يدعيه لغيره والإختصاص مستفاد من هذا التمثيل حتى لو لم يجعل حسن الثواب مبتدأ مؤخرا كان الإختصاص بحاله وقد أفادت الآية مزيد فضل المهاجرين ورفعة شأنهم .
وأخرج إبن جرير وأبو الشيخ والبيهقي وغيرهم عن إبن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : إن أول ثلاثة يدخلون الجنة لفقراء المهاجرين الذين تتقي بهم المكاره إذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تقض حتى يموت وهي في صدره وإن الله تعالى يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفتها وزينتها فيقول : أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي وجاهدوا في سبيلي أدخلوا الجنة فيدخلونها بغير عذاب ولا حساب وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون : ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار ونقدس لك ما هؤلاء الذين آثرتهم علينا فيقول : هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي فتدخل الملائكة عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار .
لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد الخطاب للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم والمراد منه أمته وكثيرا ما يخاطب سيد القوم بشيء ويراد أتباعه فيقوم خطابه مقام خطابهم ويحتمل أن يكون عاما للنبي وغيره بطريق التغليب تطييبا لقلوب المخاطبين وقيل : إنه خطاب له E على أن المراد تثبيته على ما هو عليه كقوله تعالى : ولا تطع المكذبين وضعف بأنه E لا يكون منه تزلزل حتى يؤمر بالثباتوفيه نظر لا يخفىوالنهي في المعنى للمخاطب أي لا تغتر بما عليه الكفرة من التبسط في المكاسب والمتاجر والمزارع ووفور الحظ وإنما جعل النهي ظاهرا للتقلب تنزيلا للسبب منزلة المسبب فإن تغرير التقلب للمخاطب سبب وإغتراره به مسبب فمنع السبب بورود النهي عليه ليمتنع المسبب الذي هو إغترار المخاطب بذلك السبب على طريق برهاني وهو أبلغ من ورود النهي على المسبب من أول الأمر قالوا : وهذا على عكس قول القائل : لا أرينك هنا فإن فيه النهي عن المسبب وهو الرؤية ليمتنع السبب وهو حضور المخاطب .
وأورد عليه أن الغارية والمغرورية متضايفان وقد صرحوا بأن القطع والإنقطاع ونحو ذلك مثلا متضايفان وحقق أن المتضايفين لا يصح أن يكون أحدهما سببا للآخر بل هما معا في درجة واحدة فالأولى أن يقال : علق النهي بكون التقلب غارا ليفيد نهي المخاطب عن الإغترار لأن نفي أحد المتضايفين يستلزم نفي الآخر ولا يخفى أن هذا مبني على ما لم يقع الإجماع عليه ولعل النظر الصائب يقضي بخلافه وفسر الموصول بالمشركين