- الحديث الرابع والثلاثون : قال النبي صلى الله عليه وسلّم في البحر : .
- " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " .
قلت : روي من حديث أبي هريرة ومن حديث جابر ومن حديث علي بن أبي طالب ومن حديث أنس ومن حديث عبد الله بن عمرو ومن حديث الفراسي ومن حديث أبي بكر .
- أما حديث أبي هريرة فأخرجه أصحاب السنن الأربعة ( 1 ) من طريق مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة عن المغيرة بن أبي بردة العبدري عن أبي هريرة أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ من البحر ؟ فقال عليه السلام : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " انتهى . قال الترمذي ( 2 ) : حديث حسن صحيح وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال : حديث صحيح انتهى . ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثالث والثلاثين من القسم الرابع والحاكم في " مستدركه ( 3 ) " وقال : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " . ومسنده " أخبرنا حماد بن خالد عن مالك بن أنس به أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " البحر الطهور ماؤه الحل ميتته " انتهى . وهو لفظ غريب قال الشيخ تقي الدين في " الإمام : وهذا الحديث يعل بأربع علل : أحدها : جهالة سعيد بن سلمة . والمغيرة بن أبي بردة وقالوا : لم يرو عن المغيرة بن أبي بردة إلا سعيد بن سلمة ولا عن سعيد بن سلمة إلا صفوان بن سليم قال : وجوابه : أن سعيد بن سلمة قد روى عنه غير صفوان وهو الجلاح أبو كثير ورواه عن الجلاح يزيد بن أبي حبيب وعمرو بن الحارث أما رواية عمرو فمن طريق بن وهب وأما رواية يزيد ( 4 ) فمن طريق الليث بن سعد عنه أخرجها كلها البيهقي في " سننه الكبير " وأما المغيرة بن أبي بردة فقد روى عنه يحيى بن سعيد ويزيد بن محمد القرشي إلا أن يحيى بن سعيد اختلف عليه فيه ورواية يزيد بن محمد رواها أحمد ( 5 ) بن عبيد الصفار صاحب المسند ومن جهته أخرجها البيهقي فتلخص أن المغيرة بن أبي بردة روى عنه ثلاثة : يحيى بن سعيد . ويزيد بن محمد . وسعيد بن سلمة وأن سعيد بن سلمة روى عنه صفوان بن سليم . والجلاح وبطلت دعوى من ادعى انفراد سعيد عن المغيرة وانفرد صفوان عن سعيد .
العلة الثانية : أنهم اختلفوا في اسم سعيد بن سلمة فقيل : هذا وقيل : عبد الله بن سعيد وقيل : سلمة بن سعيد وأصحهما سعيد بن سلمة لأنها رواية مالك مع جلالته وهذا مع وفاق من وافقه والاسمان الآخران من رواية محمد بن إسحاق .
العلة الثالثة : الإرسال قال ابن عبد البر : ذكر ابن أبي عمرو الحميدي . والمخزومي عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن المغيرة بن أبي بردة : أن ناسا من بني مدلج أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الحديث قال : وهذا مرسل لا يقوم بمثله حجة ويحيى بن سعيد أحفظ من صفوان بن سليم وأثبت من سعيد بن سلمة قال الشيخ : وهذا مبني على تقديم إرسال الأحفظ على إسناد من دونه وهو مشهور في الأصول .
والعلة الرابعة : الاضطراب فوقع في رواية محمد بن إسحاق ( 6 ) عبد الله بن سعيد عن المغيرة بن أبي بردة عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم هكذا هو في " مسند الدارمي ( 7 ) " ووقع في رواية عنه : سلمة بن سعيد عن المغيرة بن أبي بردة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم وأما رواية يحيى بن سعيد فقيل عنه : عن المغيرة بن أبي بردة عن رجل من بني مدلج عن النبي صلى الله عليه وسلّم هذه رواية أبي عبيد القاسم ( 8 ) بن سلام عن هشيم عن يحيى ورواه بعضهم عن هشيم فقال فيه المغيرة بن أبي برزة ( 9 ) فقال : وهم فيه وإنما هو المغيرة بن أبي بردة . وهشيم ربما وهم في الإسناد وهو في المقطعات أحفظ قال الشيخ : وهذا الوهم إنما يلزم هشيما إذا اتفقوا عليه فيه فأما وقد رواه أبو عبيد عن هشيم على الصواب فالوهم ممن رواه عن هشيم على ذلك الوجه وقيل فيه : عن المغيرة بن عبد بن عبد أن رجلا من بني مدلج أتى النبي صلى الله عليه وسلّم وقيل : عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة أن رجلا من بني مدلج وفي رواية عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة عن رجل من بني مدلج وقيل : عن عبد الله بن المغيرة عن أبيه عن رجل من بني مدلج قال البيهقي في " كتاب المعرفة " : هذا حديث أودعه مالك بن أنس " كتاب الموطأ " ورواه أبو داود . وأصحاب السنن . وجماعة من أئمة الحديث في " كتبهم " محتجين به وصححه البخاري فيما رواه الترمذي عنه وإنما لم يخرجه البخاري . ومسلم في " صحيحيهما " لاختلاف وقع في اسم سعيد بن سلمة . والمغيرة بن أبي بردة وكذلك قال الشافعي : في إسناده من لا أعرفه ولا يضر اختلاف من اختلف عليه فيه فإن مالكا قد أقام إسناده عن صفوان بن سليم وتابعه الليث بن سعد عن يزيد عن الجلاح كلاهما عن سعيد بن سلمة عن المغيرة بن أبي بردة ثم يزيد بن محمد القرشي عن المغيرة بن أبي بردة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم فصار الحديث بذلك صحيحا والله أعلم انتهى . وقال في " السنن " الكبيرة ( 10 ) " قد تابع يحيى بن سعيد الأنصاري . ويزيد بن محمد القرشي سعيدا على روايته إلا أنه اختلف فيه على يحيى بن سعيد فروى عنه عن المغيرة بن أبي بردة عن رجل من بني مدلج عن النبي صلى الله عليه وسلّم وروى عنه عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة أن رجلا من بني مدلج وروى عنه عن المغيرة بن عبد الله عن رجل من بني مدلج عن النبي صلى الله عليه وسلّم وعنه عن المغيرة بن عبد الله عن أبيه وقيل : غير هذا واختلفوا أيضا في اسم سعيد بن سلمة فقيل : كما قال مالك وقيل : عبد الله بن سعيد المخزومي وقيل : سلمة بن سعيد وهو الذي أراد الشافعي بقوله : في " إسناده من لا أعرفه " أو المغيرة . أو هما إلا أن الذي أقام إسناده ثقة وهو " مالك " C انتهى . ولما روى الحاكم في " المستدرك ( 11 ) " هذا الحديث ذكر ما فيه من المتابعات ثم قال : اسم الجهالة مرفوع عنها بهذه المتابعات وقال ابن مندة : اتفاق صفوان . والجلاح يوجب شهرة سعيد بن سلمة واتفاق يحيى بن سعيد . وسعيد بن سلمة عن المغيرة يوجب شهرته فصار الإسناد مشهورا وبهذا يرتفع جهالة عينهما انتهى . وفي " كتاب المزي " توثيقهما . فزالت جهالة الحال أيضا ولهذا صححه الترمذي وحكى عن البخاري تصحيحه ( 12 ) والله أعلم .
- وأما حديث جابر فرواه ابن ماجه في " سننه ( 13 ) " من طريق أحمد بن حنبل ثنا أبو القاسم بن أبي الزياد حدثني إسحاق بن حازم عن عبيد الله بن مقسم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلّم سئل عن ماء البحر فقال : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " انتهى . ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثالث والثلاثين من القسم الرابع . والحاكم في " المستدرك " رواه من حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر وسكت عنه ورواه الدارقطني في " سننه " . وأحمد في " مسنده " بسند ابن ماجه .
- وأما حديث علي بن أبي طالب فرواه الحاكم في " المستدرك " والدارقطني في " سننه " من حديث الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه مرفوعا نحوه سواء وسكت الحاكم عنه .
- وأما حديث أنس فرواه عبد الرزاق في " مصنفه " والدارقطني في " سننه " أخبرنا الثوري عن أبان بن أبي عياش عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلّم مثله قال الدارقطني : وأبان متروك .
- وأما حديث ابن عباس فرواه الدارقطني أيضا من حديث موسى بن سلمة عن ابن عباس مرفوعا نحوه ثم قال : والصواب موقوف ورواه الحاكم في " المستدرك " وسكت عنه ( 14 ) .
- وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الدارقطني أيضا من جهة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا نحوه ورواه الحاكم في " المستدرك " وسكت عنه .
- وأما حديث أبي بكر الصديق فرواه الدارقطني أيضا من حديث عبد العزيز عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله عن أبي بكر الصديق أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سئل عن ماء البحر الحديث . وفي سنده عبد العزيز بن عمران وهو " ابن أبي ثابت " . قال الذهبي : مجمع على ضعفه ثم أخرجه عن عبد الله بن عمرو بن دينار عن أبي الطفيل عن أبي بكر موقوفا قال الذهبي : وهذا سند صحيح انتهى . ورواه ابن حبان في " كتاب الضعفاء " من حديث السري بن عاصم الهمذاني عن محمد بن عبيد الله بن عمر به مرفوعا وأعله بالسري وقال : إنه يسرق الحديث ويرفع الموقوف لا يحل الاحتجاج به وإنما هو من قول أبي بكر الصديق فأسنده انتهى .
- وأما حديث الفراسي فرواه ابن عبد البر في " التمهيد " حدثنا خالد بن القاسم ثنا أحمد بن الحسن الرازي ثنا أبو الزنباع روح بن الفرج القطان ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ثنا الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن مسلم بن مخشي أنه حدث أن الفراسي قال : كنت أصيد في البحر الأخضر على أرماث وكنت أحمل قربة فيها ماء فإذا لم أتوضأ من الرقربة رفق ذلك بي وبقيت لي فجئت رسول الله A فقصصت ذلك عليه فقال : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " انتهى . قال عبد الحق في " أحكامه " : حديث الفراسي هذا لم يروه فيما أعلم إلا مسلم بن مخشي ومسلم بن مخشي لم يرو عنه - فيما أعلم - إلا بكر بن سوادة انتهى . قال ابن القطان في " كتابه " : وقد خفي على عبد الحق ما فيه من الانقطاع فإن ابن مخشي لم يسمع من الفراسي وإنما يرويه عن ابن الفراسي عن أبيه ويوضح ذلك ما حكاه الترمذي . في " علله " قال : سألت محمد بن إسماعيل عن حديث ابن الفراسي في ماء البحر فقال : حديث مرسل لم يدرك ابن الفراسي النبي A والفراسي له صحبة قال : فهذا كما تراه يعطي أن الحديث يروى عن ابن الفراسي أيضا عن النبي A لا يذكر فيه الفراسي فمسلم بن مخشي إنما يروي عن الابن وروايته عن الأب مرسلة انتهى . قلت : حديث ابن الفراسي رواه ابن ماجه في " سننه " حدثنا سهل بن أبي سهيل ثنا يحيى بن بكير حدثني الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن مسلم بن مخشي عن ابن الفراسي قال : كنت أصيد وكانت لي قربة أجعل فيها ماءا وإني توضأت بماء البحر فذكرت ذلك لرسول الله A فقال : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " انتهى .
_________ .
( 1 ) أبو داود في - الطهارة - في " باب الوضوء بماء البحر " ص 13 ، وكذا الترمذي ص 11 - ج 1 ، والنسائي : ص 63 - ج 1 ، وابن ماجه : ص 32 ، والدارمي : ص 99 ، وأحمد : ص 392 - ج 2 .
( 2 ) ليس هذا في النسخة المطبوعة عندنا .
( 3 ) ص 145 .
( 4 ) عند الحاكم : ص 141 ، وتصدى لجواب هذه العلة .
( 5 ) والحاكم : ص 142 - ج 1 .
( 6 ) رواية محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن الجلاح عن عبد الله بن سعيد الخ ) .
( 7 ) في " باب الوضوء من ماء البحر " ص 98 .
( 8 ) وعمرو بن زرارة عند الحاكم .
( 9 ) وهو وهم وحمل الترمذي فيه الوهم على هشيم فذكر فيه أنه قال للبخاري : إن هشيما يقول عنه المغيرة بن أبي برزة " كذا في الهامش على المطبوع بالهند " يقول المصحح : ولعل الصحيح قال البخاري : إن هشيما يقول عن المغيرة بن أبي برزة .
( 10 ) ص 63 - ج 1 .
( 11 ) ص 141 .
( 12 ) وصححه ابن خزيمة . وغيره " الجوهر " ص 4 - ج 16 .
( 13 ) وإسناده لا بأس به " الدراية " ص 35 .
( 14 ) ص 140 ، قلت : وفي النسخة التي بأيدينا بعد رواية حديث ابن عباس قوله : هذا حديث صحيح على شرط مسلم اه