جبريل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن ومن هنا جاز رواية السنة بالمعنى لأن جبريل أداه بالمعنى ولم تجز القراءة بالمعنى لأن جبريل أداه باللفظ ولم يبح له إيحاءه بالمعنى والسر في ذلك أن المقصود منه التعبد بلفظه والإعجاز به فلا يقدر أحد أن يأتي بلفظ يقوم مقامه وإن تحت كل حرف منه معاني لا يحاط بها كثرة فلا يقدر أحد أن يأتي بدله بما يشتمل عليه والتخفيف على الأمة حيث جعل المنزل إليهم على قسمين قسم يروونه بلفظه الموحى به وقسم يروونه بالمعنى ولو جعل كله مما يروى باللفظ لشق أو بالمعنى لم يؤمن التبديل والتحريف فتأمل .
وقد رأيت عن السلف ما يعضد كلام الجويني .
545 - وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عقيل عن الزهري أنه سئل عن الوحي فقال الوحي ما يوحي الله إلى نبي من الأنبياء فيثبته في قلبه فيتكلم به ويكتبه وهو كلام الله ومنه ما لا يتكلم به ولا يكتبه لأحد ولا يأمر بكتابته ولكنه يحدث به الناس حديثا ويبين لهم أن الله أمره أن يبينه للناس ويبلغهم إياه .
فصل .
546 - وقد ذكر العلماء للوحي كيفيات .
إحداها أن يأتيه الملك في مثل صلصلة الجرس كما في الصحيح وفي مسند أحمد عن عبد الله بن عمر سألت النبي هل تحس بالوحي فقال أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك فما من مرة يوحي إلي إلا ظننت أن نفسي تقبض قال الخطابي والمراد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يبين له أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد وقيل هو صوت خفق أجنحة الملك والحكمة في تقدمه أن يفرغ سمعه للوحي فلا يبقي فيه مكانا لغيره وفي الصحيح أن هذه الحالة أشد حالات الوحي عليه وقيل إنه إنما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد وتهديد .
الثانية أن ينفث في روعه الكلام نفثا كما قال إن روح القدس نفث في روعي أخرجه الحاكم وهذا قد يرجع إلى الحالة الأولى أو التي بعدها بأن يأتيه في إحدى الكيفيتين وينفث في روعه .
الثالثة أن يأتيه في صورة الرجل فيكلمه كما في الصحيح وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول زاد أبو عوانة في صحيحه وهو أهونه علي