4729 - وقد سئل ما الحكمة في عدم تكرير قصة يوسف وسوقها مساقا واحدا في موضع واحد دون غيرها من القصص وأجيب بوجوه .
أحدها أن فيها تشبيب النسوة به وحال إمرأة ونسوة افتتن بأبدع الناس جمالا فناسب عدم تكرارها لما فيه من الإغضاء والستر وقد صحح الحاكم في مستدركه حديث النهي عن تعليم النساء سورة يوسف .
ثانيها أنها إختصت بحصول الفرج بعد الشدة بخلاف غيرها من القصص فإن مآلها إلى الوبال كقصة إبليس وقوم نوح وهود وصالح وغيرهم فلما اختصت بذلك اتفقت الدواعي على نقلها لخروجها عن سمت القصص .
ثالثها قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني إنما كرر الله قصص الأنبياء وساق قصة يوسف مساقا واحدا إشارة إلى عجز العرب كأن النبي قال لهم إن كان من تلقاء نفسي فافعلوا في قصة يوسف ما فعلت في سائر القصص .
قلت وظهر لي جواب رابع وهو أن سورة يوسف نزلت بسبب طلب الصحابة أن يقص عليهم كما رواه الحاكم في مستدركه فنزلت مبسوطة تامة ليحصل لهم مقصود القصص من إستيعاب القصة وترويح النفس بها والإحاطة بطرفيها .
وجواب خامس وهو أقوى ما يجاب به أن قصص الأنبياء إنما كررت لأن المقصود بها إفادة إهلاك من كذبوا رسلهم والحاجة داعية إلى ذلك لتكرير تكذيب الكفار لرسول الله فكلما كذبوا أنزلت قصة منذرة بحلول العذاب كما حل على المكذبين ولهذا قال تعالى في آيات فقد مضت سنة الأولين ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن وقصة يوسف لم يقصد منها ذلك .
4730 - وبهذا أيضا يحصل الجواب عن حكمة عدم تكرير قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين وقصة موسى مع الخضر وقصة الذبيح .
4731 - فإن قلت قد تكررت قصة ولادة يحيى وولادة عيسى مرتين وليست من قبيل ما ذكرت .
قلت الأولى في سورة كهيعص وهي مكية أنزلت خطابا لأهل مكة والثانية في سورة آل عمران وهي مدنية أنزلت خطابا لليهود ولنصارى نجران حين قدموا ولهذا اتصل بها ذكر المحاجة والمباهلة