ولما قالت قريش عندئذ صبأ والله الوليد واحتالوا عليه أن يطعن في القرآن لم يجد حيلة إلا أن يقول فقال إن هذا إلا سحر يؤثر 74 المدثر 24 .
ولم يستطع أن يرمي القرآن بالتهافت والتخاذل وانقطاع الصلة بين أجزائه وانحطاط شيء من أساليبه على نحو ما يرجف أولئك الخراصون .
والله أعلم بما يبيتون .
4 - وإذا بطل هذا وما سبقه بطل ما زعموه من تأثر القرآن بالوسط والبيئة وما رتبوه عليه من أنه كلام محمد لا كلام رب العزة .
ثم إنها اتهامات سخيفة لا تستحق الرد ما دام إعجاز القرآن قائما يتحدى كل جيل وقبيل ويفحم كل معارض ومكابر .
ولمبحث إعجاز القرآن مجال آخر عسى أن يكون قريبا .
ولولا أن الشبيبة الحاضرة من أنصاف المتعلمين وأشباههم ينخدعون بمثل هذه الترهات ما أتعبنا أنفسنا في علاجها ولا أتعبناك فاصبر معنا على دفع هذا المصاب والله يتولى هدانا وهداك .
الشبهة الثانية .
يقولون إن قصر السور والآيات المكية مع طول السور والآيات المدنية يدل على انقطاع الصلة بين القسم المكي والقسم المدني ويدل على أن القسم المكي يمتاز بمميزات الأوساط المنحطة ويدل على أن القرآن في نمطه هذا نتيجة لتأثر محمد بالوسط والبيئة فلما كان في مكة أميا بين الأميين جاءت سور المكي وآياته قصيرة ولما وجد في المدينة بين مثقفين مستنيرين جاءت سور المدني وآياته طويلة وغرضهم من إلقاء هذه الشبهة التشكيك في أن القرآن من عند الله يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكفرون 9 التوبة 32 .
وننقض شبهتهم هذه بما يأتي .
أولا أن في القسم المكي سورا طويلة مثل سورة الأنعام وفي القسم المدني سورا قصيرة مثل سورة إذا جاء نصر الله والفتح 110 النصر 1 فكلاهما لا يسلم على عمومه .
ثانيا إذا أرادوا الكثرة الغالبة لا الكلية الشاملة فهذا نسلمه لهم بيد أنه لا يدل على ما افتروه ورتبوه عليه لأن قصر معظم السور المكية وآياتها وطول معظم السور المدنية وآياتها لا يقطع الصلة بين قسمي القرآن مكية ومدنية ولا بين سور القرآن وآياته جميعا .
بل الصلة كما يحسها كل صاحب ذوق في البلاغة محكمة وشائعة بين كافة أجزاء التنزيل .
وقد تفنن العلماء وأشبعوا الحديث عن هذه المناسبات في غضون تفسيرهم لكتاب الله .
وتقدم تقرير هذا التناسب البارع