وندفع هذه الشبهة بأن نسخ الله تعالى ما شاء من أحكامه مبني على حكمة كانت معلومة له أولا ظاهرة لم تخف عليه ولن تخفى عليه أبدا غاية الأمر أن مصالح العباد تتجدد بتجدد الأزمان وتختلف باختلاف الأشخاص والأحوال وأسراره وحكمه سبحانه لا تتناهى ولا يحيط بها سواه فإذا نسخ حكما بحكم لم يخل هذا الحكم الثاني من حكمة جديدة غير حكمة الحكم الأول هي مصلحة جديدة للعباد في الحكم الجديد أو هي غير تلك وسبحان من أحاط بكل شي علما وإذن فلا يستلزم نسخ الله لأحكامه بداء ولا عبثا .
ولكن هؤلاء الجاحدين غفلوا أوتغالفوا عن هذا حتى جاء الترديد في شبهتهم ناقصا لم يستوف وجوه الاحتمالات كما ترى ولو استوفوه لقالوا النسخ إما أن يكون لحكمة ظهرت لله كانت خافية عليه أو لحكمة كانت معلومة له لم تكن خافية عليه أو لغير حكمة وأكبر الظن أنهم لم يفطنوا إلى هذا ولو فطنوا له ما اشتبهوا ولو اشتبهوا بعد فطنتهم له لاخترنا الشق الثاني من هذا الترديد ثم أيدناه بتوافر أدلة العقل والنقل عليه كما قررنا .
الشبهة الثانية ودفعها .
يقولون لو جاز على الله تعالى أن ينسخ حكما بحكم للزم على ذلك أحد باطلين جهله جل وعلا وتحصيل الحاصل وبيان ذلك أن الله تعالى إما أن يكون قد علم الحكم الأول المنسوخ على أنه مؤبد وإما أن يكون قد علمه على أنه مؤقت فإن كان قد علمه على أنه مستمر إلى الأبد ثم نسخه وصيره غير مستمر انقلب علمه جهلا والجهل عليه تعالى محال وإن كان قد علمه على أنه مؤقت بوقت معين ثم نسخه عند ذلك الوقت ورد عليه أن المؤقت ينتهي بمجرد انتهاء وقته فإنهاؤه بالنسخ تحصيل للحاصل وهو باطل .
وندفع هذه الشبهة بأن الله تعالى قد سبق في علمه أن الحكم المنسوخ مؤقت لا مؤبد ولكنه علم بجانب ذلك أن تأقيته إنما هو بورود الناسخ لا بشيء آخر كالتقييد بغاية في دليل الحكم الأول وإذن فعلمه بانتهائه بالناسخ لا يمنع النسخ بل يوجبه وورود الناسخ محقق لما في علمه لا مخالف له شأنه تعالى في الأسباب ومسبباتها وقد تعلق علمه بها كلها ولا تنس ما قررناه ثمة من أن النسخ بيان بالنسبة إلى الله رفع بالنسبة إلينا .
الشبهة الثالثة ودفعها .
يقولون لو جاز النسخ للزم أحد باطلين تحصيل الحاصل وما هو في معناه وبيان ذلك أن الحكم المنسوخ إما أن يكون دليله قد غياه بغاية ينتهي عندها أو يكون قد