والجواب أن التلازم بين الآية وحكمها مشروط فيه انتفاء المعارض وهو الناسخ أما إذا وجد الناسخ فلا تلازم والأمر حينئذ للناسخ إن شاء رفع الحكم وأبقى على التلاوة وإن شاء عكس وإن شاء رفعهما معا على حسب ما تقتضيه الحكمة أو المصلحة ونظير ذلك أن التلازم بين منطوق اللفظ ومفهومه مشروط فيه انتفاء المعارض أما إذا وجد منطوق معارض للمفهوم فإن المفهوم حينئذ يعطل ويبقى العمل بالمنطوق وحده .
الشبهة الثانية ودفعها .
يقولون إن نسخ الحكم دون التلاوة يستلزم تعطيل الكلام الإلهي وتجريده من الفائدة وهذا عيب لا يرضى به عاقل لأقل نوع من كلامه فكيف يرضى به الله لأفضل كلامه .
والجواب أنا لا نسلم هذا اللزوم بل الآية بعد نسخ حكمها دون تلاوتها تبقى مفيدة للإعجاز وتبقى عبادة للناس وتبقى تذكيرا بعناية الله ورحمته بعباده حيث سن لهم في كل وقت ما يساير الحكمة والمصلحة من الأحكام يضاف إلى ذلك أن الآية بعد نسخ حكمها لا تحلو غالبا من دعوة إلى عقيدة أو إرشاد إلى فضيلة أو ترغيب في خير ومثل ذلك لا ينسخ بنسخ الحكم بل تبقى الآية مفيدة له لأن النسخ لا يتعلق به كما مر .
الشبهة الثالثة ودفعها .
يقولون إن بقاء التلاوة بعد نسخ الحكم يوقع في روع المكلف بقاء هذا الحكم وذلك تلبيس وتوريط للعبد في اعتقاد فاسد ومحال على الله أن يشكك أو يورط عبده .
والجواب أن ذلك التلبيس وهذا التوريط كان يصح ادعاوهما واستلزام نسخ الحكم دون التلاوة لهما لو لم ينصب الله دليلا على النسخ أما وقد نصب عليه الدلائل فلا عذر لجاهل ولا محل لتوريط ولا تلبيس لأن الذي أعلن الحكم الأول بالآية وشرعه هو الذي أعلن بالناسخ أنه نسخه ورفعه قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين اللهم اهدنا بهداك يا رب العالمين فإنه لا هادي إلا أنت ومن يضلل الله فما له من هاد .
الشبهة الرابعة ودفعها .
يقولون إن الآية دليل على الحكم فلو نسخت دونه لأشعر نسخها بارتفاع الحكم وفي ذلك ما فيه من التلبيس على المكلف والتوريط له في اعتقاد فاسد