مشيد محكم يتحدى الزمن ولا ينتابه تصدع ولا وهن ومعنى كونه كله متشابها أنه يشبه بعضه بعضا في إحكامه وحسنه وبلوغه حد الإعجاز في ألفاظه ومعانيه حتى أنك لا تستطيع أن تفاضل بين كلماته وآياته في هذا الحسن والإحكام والإعجاز كأنه حلقة مفرغة لا يدري أين طرفاها .
وأما أن بعضه حكم وبعضه متشابه فمعناه أن من القرآن ما اتضحت دلالته على مراد الله تعالى منه ومنه ما خفيت دلالته على هذا المراد الكريم فالأول هو المحكم والثاني هو المتشابه على خلاف يأتي بين العلماء في ذلك بيد أن الذي اتفقوا عليه ولا يمكن أن يختلفوا فيه هو أنه لا تنافي بين كون القرآن كله محكما أي متقنا وبين كونه كله متشابها أي يشبه بعضه بعضا في هذا الإتقان والإحكام وبين كونه منقسما إلى ما اتضحت دلالته على مراد الله وما خفيت دلالته بل إن انقسامه هذا الانقسام محقق لما فيه كله من إحكام وتشابه بالمعنى السابق وسيأتيك نبأ ذلك في بيان الحكمة من وجود متشابهات خفية إلى جانب واضحات ظاهرة في القرآن الكريم .
ويمكنك أن ترجع هذه التأويلات إلى الإطلاقات اللغوية السالفة فالقرآن كله محكم أي متقن لأن الله صاغه صياغة تمنع أن يتطرق إليه خلل أو فساد في اللفظ أو المعنى والقرآن متشابه لأنه يماثل بعضه بعضا في هذا الإحكام مماثلة مفضية إلى التباس التمييز بين آياته وكلماته في ذلك والقرآن منه محكم أي واضح المعنى المراد وضوحا يمنع الخفاء عنه ومنه متشابه فيه وجوه مختلفة من المماثلة مستلزمة لخفاء هذا المعنى المراد .
المعنى الاصطلاحي .
يطلق المحكم في لسان الشرعيين على ما يقابل المنسوخ تارة وعلى ما يقابل المتشابه تارة أخرى فيراد به على الاصطلاح الأول الحكم الشرعي الذي لم يتطرق إليه نسخ ويراد به على الثاني ما ورد من نصوص الكتاب أو السنة دالا على معناه بوضوح لا خفاء فيه على ما سيأتي تفصيله وموضوع بحثنا هنا هو هذا الاصطلاح الثاني أما الأول فقد بيناه في المبحث السابق حيث عرفنا النسخ وبسطنا أدلته وأحكامه وما قيل فيه ومنه يعرف مقابله وهو المحكم وبضدها تتميز الأشياء وعلى هذا الاصطلاح يحمل ما أخرج عبد بن عمير عن الضحاك قال المحكمات ما لم ينسخ والمتشابهات ما قد نسخ .
آراء العلماء في معنى المحكم والمتشابه .
يختلف العلماء في تحديد معنى المحكم والمتشابه اختلافات كثيرة .
منها أن المحكم هو الواضح الدلالة الظاهر الذي لا يحتمل النسخ أما المتشابه